مدونة: كيف جرى إختراق مجتمعاتنا العربية .. بالتطبيق على الحالة المصرية
كيف جرى إختراق مجتمعاتنا العربية .. بالتطبيق على الحالة المصرية، بقلم د.عبد الخالق فاروق، خبير واقتصادي مصري، سبتمبر 2020.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
دلالات العدوان والغزو الإسرائيلى على مصر وبقية الدول العربية، 5 يونيو 1967
بإتخاذ قرار العدوان والغزو الإسرائيلى لدول الطوق العربى وخصوصا مصر كان يعنى مجموعة من الحقائق السياسية والاستراتيجية هي:
- الحقيقة الأولى : أن محاولات إحتواء، أو إغراء، أو إغواء النظام الناصرى من جانب الولايات المتحدة قد باءت بالفشل (مبدأ إيزنهاور – مراسلات جون كيندى – قطع المعونة والحصار الاقتصادى فى عهد جونسون).
- الحقيقة الثانية : أن هذا النظام الناصرى يحقق نجاحات على الصعيد الاقتصادى والتنموى ، كما على الصعيد السياسى ، بما قد يهدد مستقبلا النموذج الإسرائيلى ، كما قد يهدد حلفاء وعملاء الولايات المتحدة فى المنطقة ( الرجعيات العربية ) .
- الحقيقة الثالثة : أن هذا النظام الناصرى قد أعاد بناء البنية الاجتماعية والسياسية فى البلاد بما يهدد عمليا اقتلاع قوى ونفوذ الطبقات الاجتماعية الموالية والحليفة مع الغرب سواء البريطانى ، أو الأمريكى .
- الحقيقة الرابعة : أن هذا النظام الناصرى بتعميقه التعاون والعلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع الاتحاد السوفيتى ، قد أصبح يهدد مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة ، ويعرقل مشاريعها الاستراتيجية فى هذه المنطقة الحساسة من العالم .
ومن هنا جاءت الضربة الكبرى فى الخامس من يونيه عام 1967 ، التى ادت عمليا إلى خلخلة النظام الناصرى ، وأضعفت مناعته على الصمود ضد محاولات الإختراق من الداخل . المستوى الأول : كيف جرى إختراق النظام السياسى المصرى بعد الخامس من يونيه عام 1967 تكشف المعلومات والوثائق ، ومذكرات كبار الساسة ( هنرى كيسنجر – نيكسون – جيمس بيكر وأخرين ) ، وكذا رجال الاستخبارات والأمن ، وكبار الصحفيين الأمريكيين ذوى الصلات الوثيقة بأجهزة الإستخبارات وقاداتها ( بوب ودوورد Bob Woodward – جوزيف ترنتوJoseph J. Trento ف – تيم ورمر Tem Warner - وعميلة الإستخبارات البريطانية السابقة " أنى ماشون " Annie Machonفى كتابها الذى صدر عام 2015 ) . عن عمليات واسعة النطاق قد جرت من أجل إختراق النظام السياسى المصرى على النحو الذى نعرضه عليكم الأن:
لم تنتظر السياسة الأمريكية وأجهزة إستخباراتها ، وخصوصا الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA طويلا التفاعلات الاجتماعية لإجراء تحولات سياسية فى الدول الهامة لمصالحها ، وإنما عجلت فى الكثير من الحالات لتحقيق هذه التحولات والتغييرات المطلوبة ، إما بإغتيال قيادات ورؤوساء دول يعوقون هذه المصالح ، أو بتنفيذ إنقلابات عسكرية دموية ضد الزعماء الذين يمثلون عقبات أمام تلك المصالح ، حتى لو كان هؤلاء الزعماء والرؤساء منتخبون إنتخابيا ديموقراطيا من شعوبهم . حدث هذا فى الإنقلاب العسكرى الذى دبرته الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA بقيادة الجنرال " زهدى " فى إيران ضد الحكومة الوطنية التى يقودها الدكتور " محمد مصدق " عام 1953 ، بعد أن تجرأ الرجل بتأميم شركة النفط الإنجليزية وغيرها من المصالح النفطية ، وبعدها أعادوا شاه إيران الهارب " محمد رضا بهلوى " إلى الحكم . وقد تكرر بعدها بعدة شهور فى جواتيمالا عام 1954 ، وذلك بتدبير إنقلاب عسكرى ضد الرئيس المنتخب ديموقراطيا " أربينز " Arbeins الذى كان قد أمم شركة الفواكه الأمريكية ، التى كانت بمثابة الواجهة العلنية لنشاط وكالة الاستخبارات الأمريكية فى أمريكا الوسطى كلها (1).
ونفس الأمر فى محاولة إغتيال الزعيم الصينى " شواين لاى " عام 1955 أثناء إنعقاد مؤتمر باندونج فى أندونيسيا بواسطة القنصل الأمريكى فى هونج كونج " وليم كورسن " W.Corson ومن خلال دس السم فى طعام الرجل (2) .
كما نجحت المخابرات المركزية الأمريكية بالتعاون مع شركة التليفون والهاتف الأمريكية فى تشيلى AT& T فى تدبير إنقلاب عسكرى دموى ووحشى ضد الرئيس الإشتراكى المنتخب ديموقراطيا " سلفادور الليندى " عام 1973 ، وقتل الرجل وراح ضحية هذا الانقلاب عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين على مدى عشرين عاما من هذا الحكم العسكرى الفاشى الذى قادة الجنرال " بانوشيه " .
ويشير ضابط الاستخبارات الاقتصادى الأمريكى – وهذه هى المرة الأولى التى نسمع بها بهذه الوظيفة – " جون بيركنز " Perkins بشجاعة إلى ما قامت به الاستخبارات المركزية الأمريكية من إغتيال رئيس الأكوادرور المنتخب ديموقراطيا البروفيسير " خايمى رولدوس " فى حادث طائرة غامض يوم 24 مايو 1981 ، وهو ما تكرر بنفس الأسلوب فى أغتيال الزعيم الوطنى المستقل فى بنما " عمر توريخوس " بعدها بشهرين فى 31 يوليو 1981 ، وهو ما عاد وتكرر كثيرا ، كان أخرها المحاولة الفاشلة لإسقاط الطائرة المروحية التى كان يستقلها الرئيس اليسارى المنتخب فى بوليفيا " إيفو مورالس " فى شهر نوفمبر عام 2019 ، والتى أعقبها مباشرة تنظيم إنقلاب عسكرى أجبره على الاستقالة، وكذلك تلك المحاولات المتكررة والتى تجاوزت عشرات المرات لإغتيال الزعيم جمال عبد الناصر والزعيم الكوبى التاريخى " فيدل كاسترو " والتى باءت جميعها بالفشل.
وقد ترتب على عمليات الاغتيال والانقلابات العسكرية تحقيق المطالب الأمريكية فعلا ، ففى الأكوادور وبعد نجاح إغتيال الرئيس " خايمى رولدوس " فى 24 مايو عام 1981 ، تولى بعده الرئيس " أوزفالد أورتاور " الذى أعاد المزايا الأمريكية بما فيها إعادة إفتتاح المعهد الصيفى للغات SIL الذى كان بمثابة الواجهة العلنية لجهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية فى البلاد ، وكذلك تحقق للولايات المتحدة مطالبها بعد إزاحة حكومة الدكتور مصدق فى إيران عام 1953 ، وعودة الشاه والعسكر لحكم البلاد .
ويشير الكاتب الصحفى الأمريكى البارز " بوب ودووارد " Bob Woodward فى كتابه الهام ( الحجاب .. الحروب السرية للاستخبارات المركزية الأمريكية ) ، إلى أن أسلوب الاغتيالات Assignation قد أستمر فى عقدى الثمانينات والتسعينات ، سواء فى محاولات أغتيال العقيد القذافى فى ليبيا ، أو غيره من المسئولين المناوئين للمصالح الأمريكية فى كثير من دول العالم (3) كما أكدته عميلة الإستخبارات البريطانية السابقة " أنى ماشون " Annie Machonفى كتابها الذى صدر عام 2015 وأحدث ضجة هائلة فى الأوساط الإستخبارية والإعلامية العالمية .
فى هذا السياق التاريخى الطويل ، يمكن فهم وتفسير السلوك الأمريكى فى منطقة الشرق العربى ، الذى يمثل لها مصالح إستراتيجية وحيوية ، تصل إلى حد أعتباره جزءا من مكونات الأمن القومى الأمريكى ، ومن هنا لم يكن غريبا والأمر كذلك أن يكون جمال عبد الناصر الذى ناهض السياسات الأمريكية فى المنطقة لمدة ثمانى عشرة عاما ، واحدا من أهم أهداف نشاط الاستخبارات المركزية الأمريكية ، وتكرار محاولات إغتياله ماديا أو معنويا بعد أن فشلت محاولات كل من الرئيسين " دوايت إيزنهاور " و " جون كينيدى " فى إحتواءه أو ترويضه ، ووقف ما إعتبرته الإدارات الأمريكية إندفاعا مصريا نحو التعاون مع الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية ، وعندما لم تفلح هذه الجهود أطلقت إسرائيل فى عدوانها على مصر فى الخامس من يونيه عام 1967 ، لتنزل هزيمة عسكرية قاسية بالنظام الناصرى وبقية دول المواجهة العربية ، والتمهيد بالتالى لإجراء تغييرات سياسية داخلية فى مصر بعناية وعلى نار هادئة وعبر إختراق من الداخل هذه المرة.
وكما كان يحدث فى عمليات الإختراق المتبادل بين أجهزة الإستخبارات الكبرى ( مثل KGB السوفيتى و CIA الأمريكى و MI6 البريطانى ) سواء بزرع جواسيس أو إقتناص وتجنيد قيادات ومسئولين فى الوظائف العليا فى هذه البلدان ، كما يشير " بوب ودوارد " ، فيبدو أن الوقائع تؤكد أنهم قد نجحوا فى مصر . وبرغم بعض الإشارات غير المؤكدة ، لصحفى كبير ومطلع مثل الاستاذ محمد حسنين هيكل ، حول وجود شبهات على إغتيال الرئيس جمال عبد الناصر بطريقة غامضة ، وشكوك تحيط بنائبه ( أنور السادات ) ، الذى قام بنفسه بإعداد فنجان من القهوة للرئيس جمال عبد الناصر أثناء راحته فى فندق " هليتون " ، بين جلسات المؤتمر الذى إنعقد بالقاهرة فى 24-28 سبتمبر من عام 1970 ، وقبل ساعات قليلة من وفاة الرجل ، لوقف حمام الدم الفلسطينى فى الأردن ، ومحاولته وقف إندفاع الملك الأردنى ( الحسين بن طلال ) لتصفية المقاومة الفلسطينية فى بلاده ، فتبقى هذه الإشارات غير موثقة وغير مدعومة (4) ، أللهم سوى شواهد سياسات السادات بعد توليه الحكم فعلا ، والتى تمثل إنقلابا جذريا على سياسات الرئيس جمال عبد الناصر ، وفتح وتسليم المنطقة العربية كلها للولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب أكتوبر عام 1973.
كما أن الربط بين بعض الوقائع الغريبة وغير المفهومة أو المبررة ، التى أتى بها الرئيس أنور السادات بعد توليه الحكم فى شهر اكتوبر عام 1970 ، والكتابات التى تحمل إشارات واضحة من أهم الكتاب والصحفيين المطلعين فى دوائر الاستخبارات الأمريكية والسياسة الأمريكية عموما ، قد تعطى مسارا لا يبتعد كثيرا عن الحقيقة والواقع . فوفقا للكاتب الأمريكى البارز والمطلع Bob Woodward فأن الرئيس أنور السادات كان أحد أهم المصادر الاستخبارية لدى جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية حتى من قبل توليه الحكم ، وقد نشأت هذه العلاقة فى منتصف عقد الستينات وقبل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر ، وكان الوسيط هو السيد " كمال أدهم " مدير المخابرات السعودية ، والذى أدى إلى وضع السادات على قوائم المدفوعات المالية للاستخبارات الأمريكية Payroll (5) . وهو ما يعود ليؤكد عليه المؤرخ الأمريكى المتخصص فى شئون الاستخبارات المركزية الأمريكية " جوزيف ترونتو " Joseph J. Trento فى صفحة (105) من كتابه قائلا أن فضيحة بنك الإعتماد والتجارة عام 1991 ، والذى كان بمثابة واجهة للاستخبارات المركزية الأمريكية من جهة ، والمخابرات العامة السعودية من جهة أخرى ، قد بينت أن هذا البنك كان يستخدم لعمليات غسل أموال وفى تمويل عصابات المخدرات والإرهابيين (**من ضمن البنوك التى لعبت دور الواجهة لعمليات جهاز الإستخبارات المركزية الأمريكية فى إستراليا بنك هوجان هاند ) كما كشفت قوائم وأسماء الحاصلين على مرتبات ومدفوعات منتظمة من جهاز CIA وكان من بينهم نائب الرئيس المصرى السيد أنور السادات (6) . ويعود " بوب ودوارد " صفحة (87) ليشير إلى نفس الأمر حينما نجح المرشح الجمهورى " رونالد ريجان " فى الانتخابات الرئاسية عام 1980 ، وقبل توليه منصبه فى العشرين من يناير عام 1981 ، حيث يقضى العرف السياسى أن يقوم رئيس المخابرات المركزية الأمريكية فى الحكومة المغادرة " ستنسفيلد تيرنر " Stansfield Turner بتقديم ملخص Briefing للرئيس الجديد ، وفى حضور المدير المرشح لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية " وليم كيسى " Casey، وقد تضمن العرض المختصر أهم وأكثر أنشطة الوكالة فى العالم ، وفى إدارة عمليات التجسس والتنصت ، وخصوصا على الاتحاد السوفيتى أو غيرها ، وهنا جاء العرض الخاص بمصر وقال " تيرنر" أن الاستخبارات الأمريكية لديها عملاء فى مصر من قمة السلطة وحتى القاع ، وأن الرئيس المصرى أنور السادات معروف جيدا لدى الاستخبارات المركزية الأمريكية (7) .
وهذا التعبير ( معروف جيدا لدى الاستخبارات ) مصطلح معتمد ومتداول لدى رجالات الدولة والأجهزة الاستخبارية بما يعنى أنه عميل Agent أو متعاون معها ، وهو نفس الوصف الذى استخدمه الرئيس الفرنسى " فرانسوا ميتران " بعدها بعدة سنوات فى وصف علاقة الرئيس المصرى ( حسنى مبارك ) مع الأجهزة الاستخبارية الفرنسية أثناء عقد صفقة طائرات الميراج عام 1972 .
ويعود " بوب ودووارد " للتأكيد على أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات عسكرية وإستخبارية للسادات حتى يتمكن من الإحتفاظ بالسلطة والحكم فى مصر (8) . ثم يكرر " بوب ودووارد " بإصرار الواثق من مصادر معلوماته فى صفحة (312) بأن السادات كان يتلقى دخلا منتظما Regular Income من الوكالة وعبر السيد كمال أدهم. فإذا ربطنا بين هذه المعطيات والمعلومات التى يقدمها أربعة من أكبر المطلعين على الأحداث ، ولديهم نوافذ مطلة وكاشفة على مراكز صناعة القرارات والمعلومات ( جوزيف ترنتو – بوب ودووارد – تيم وارنر - محمد حسنين هيكل ) ، وبين كثير من تصرفات وسياسات السادات غير المفهومة فى السياق الوطنى والمنطقى نستطيع ان نصل إلى نتائج على درجة معقولة جدا من الحقيقة .
خذ مثلا تصرف السادات غير المفهوم وغير المبرر ، حينما كشف لضيفه السعودى " كمال أدهم " والمعروف بصلاته القوية جدا والولاء المطلق للولايات المتحدة وأجهزة أستخباراتها، وبحكم موقعه الحساس كمدير للمخابرات السعودية ، عن سر عملية " عصفور أفندى " التى نجحت فيها أجهزة الأمن القومى المصرى منذ عام 1968 فى زرع أربعة ميكروفونات تنصت داخل السفارة الأمريكية فى القاهرة ، وظلت طى الكتمان تنتج منجما من المعلومات لمصر ، ثم بمجرد أن عرف بأمرها الرئيس السادات بعد توليه الحكم من الكاتب الكبير " محمد حسنين هيكل " ، أن أفشى بسرها إلى ضيفه السعودى وكأنها مزحة ثم أطلق العنان لضحكته المصطنعة ، وبعدها بأيام قليلة كانت أجهزة أمن السفارة الأمريكية تقوم بعملية مسح شامل لكل ركن من أركان السفارة ، وتنزع الميكروفونات من أماكنها الأربعة (9) ...!!
كما تفسر هذه الوقائع والمعلومات ، تصرف السادات الغريب والشاذ من طلب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية – غير الرسمى – الذى نقله إليه وزير الخارجية الأمريكية " سيروس فانس " أثناء زيارته للقاهرة عام 1977 بطلب محرك من محركات طائرة الميج (21) المعدلة التى كانت تتسلح بها القوات الجوية المصرية ، وتمثل العمود الفقرى للتسلح الجوى لسوريا والجزائر وليبيا وعدد أخر من الدول العربية ، والاتحاد السوفيتى نفسه ، فإذا بالسادات يقهقه ضاحكا ضحكته السمجة ، وينادى على وزير دفاعه " الفريق أول عبد الغنى الجمسى " ، ليأمره بتوفير طائرة كاملة لتقديمها إلى الولايات المتحدة وسط دهشة وذهول وزير الدفاع المصرى وأستغرابه (10) . وخذ أيضا العلاقة الغامضة والملتبسة بين الرئيس السادات وسكرتيره الشاب للمعلومات " أشرف مروان " ، الذى أستولى على بعض الوثائق والمستندات ومشروعات القرارات من خزينة الرئيس " جمال عبد الناصر " عشية وفاته ، والتى كانت تتضمن مشروع قرار جمهورى بتعيين السيد عبد اللطيف بغدادى نائبا أول للرئيس عبد الناصر ، مما كان يعنى إزاحة السادات من مشهد وتسلسل القيادة فى حال وفاة أو تخلى عبد الناصر عن الحكم ، وما تكشف بعد ذلك بثلاثة عقود عن صلات مشبوهة بين أشرف مروان وجهاز الموساد الإسرائيلى وعمله معهم منذ مطلع عام 1970(11)
كما كشف اللواء مجدى عمارة – أحد قادة ألوية الحرس الجمهورى – ما ترتب على واقعة تدهور العلاقة الشخصية بين الرئيس أنور السادات وقائد الحرس الجمهورى اللواء الليثى ناصف ، الذى لعب دورا حاسما فى تمكين الرئيس السادات فى أزمة مايو عام 1971 من الحكم ، وأعتقال كل معارضيه من كبار رجالات الدولة ، فقد ترتب على تدهور هذه العلاقة بين الرئيس السادات واللواء الليثى ناصف ، تدهور مقابل بين الأخير واللواء " أحمد إسماعيل على " الذى كان يشغل وظيفة مدير المخابرات العامة المصرية ، قبل ان يتولى منصب وزير الحربية فى أواخر عام 1972 ، حيث جرى أبعاد اللواء الليثى ناصف إلى لندن بحجة العلاج ، ثم قتل الرجل بطريقة غامضة من خلال إلقاءه من نافذة شقته بالطابق الحادى عشر فى لندن (12) .
أشرف مروان
وخذ أيضا قصة أفراج الرئيس السادات عام 1974 عن الجاسوس مصطفى أمين والتى وردت قصتها فى عدة مصادر ، أحدثها الكتاب الموسوعى الذى أعده الصحفى الأمريكى المرموق "تيموينر" Tem Warner مراسل صحيفة (نيويورك تايمز) ، والذى عمل في أفغانستان ، وباكستان ومعظم بلدان الشرق الأوسط ومنها مصر، ويقوم منذ عشرة أعوام بتتبع وتغطية أنشطة وكالةالمخابرات المركزية الأمريكي ، وقد صدر الكتاب في الولايات المتحدة عام 2008 تحت عنوان(ميراث من الدماء.. تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية) (13) . ويقدم الكتاب تاريخ الوكالة منذ إنشائها عام، 1947 وحتي نهاية عصر جورج بوش، مركزاعلي خيبات المخابرات وعملياتها الفاشلة ، وقدحصل الكتاب علي جائزة " بوليتزر" الأمريكية الصحفية الشهيرة اعترافا بأهميته ودقته ،ويقع الكتاب في 702 صفحة تتناول وقائع جرت علي مدي عهود 16 رئيسًا للمخابرات المركزية الأمريكية CIA، وأهم مايكشف عنه الكتاب بالنسبة لنا هو صلة مصطفي أمين بالمخابرات الأمريكية حيث كانت الـوكالة تدفع له الأموال مقابل الحصول علي معلومات ، وعلي نشر تقارير إخبارية مؤيدة للسياسات الأمريكية ،كما يؤكد الكتاب بالوثائق والاعترافات والأدلة ، أن مدير المحطة فى القاهرة أسمه "بروس أوديل" كان يلتقى مع مصطفي أمين بصفة منتظمة في شقته بالزمالك . يروى الأستاذ " محمد حسنين هيكل " واقعة الإفراج عنه فى كتابه الهام ( بين الصحافة والسياسة )، من خلال حوار جرى بينه وبين الرئيس السادات ، وقد بدأ الحوار حول جولد مائير ..قال السادات مستطردا: ( طلباتهالا تنتهي هذه المره ، ولكني لن أعطيها الفرصة.. أنني أطاوعها فيما تطلبه حتى أجعل عليها من الصعب أن ترفض ما أطلبه).
وواصل كلامه: ( الآن تريد مني أن أفرج عن كل المسجونين عندي من جواسيس إسرائيل .. غريبة أن تلح على الولد مزراحي .. لابد أنه كان مهما جدا بالنسبة لهم.. تصور هي أيضا تريد أن تأخذ جثث الأولاد الصهاينة الذين قتلوا لورد موين سنة 1945 في القاهرة ،ركبت رأسها مع هنري- يقصد كيسنجر – وصممت عليهم) . لم يقاطعه هيكل فاستمر السادات : ( طبعا هنري استغل الفرصة وطلب مني هو الأخر أن أفرج عن عددمن الأشخاص حكم عليهم في قضايا تجسس لصالح المخابرات الأمريكية .. على أي حال لن أوجع رأسي بهؤلاء جميعا.. سوف أعطيهم لهم وأخلص نفسي ) . ثم فاجأ السادات هيكل،على غير انتظار أو توقع كمايقول بسؤال :
( مارأيك في الإفراج عن مصطفى أمين.. ألم تطلب مني أكثر من مرة أن أفرج عنه) .
ويبدو- كمايضيف هيكل – أن علامات دهشة بدت على ملامحي فقد استطرد بالحرف الواحد . ( لماذا تشعلق حواجبك من الدهشة هكذا، إنهم يطلبونه وأنا أريد أن أجاملهم فيه) . وتساءل هيكل. .من؟ وقال السادات : ( كثيرون .. الأمير سلطان طلبه مني، وكمال أدهم أيضا) . وسكت لحظة ثم استطرد . ( ولماذا لا أجامل الأمريكان فيه ) . قال هيكل:
( الأمر لك بالطبع ،وإن كنت أخشى من الإفراج عنه في هذا الإطار الذي كنت تتكلم فيه إساءة إليه . لماذا لا تجعل فاصل أسبوعأ وأسبوعين بين الإفراج عنه وبين لهؤلاءالذين طلبتهم جولدا مائير وطلبهم هنري كيسنجر) . ونظرالسادات إلى هيكل بنصف ابتسامة ونصف عين وقال له: ( أنت تدعي أنك تفهم في السياسة وأنا أقوللك العكس .. لوأنك كنت تفهم في السياسة لوافقتني على ماقلت بالعكس .من الأفضل الإفراج عن مصطفى ضمن هذه الصفقة حتى لا يتجاسر يوما ويفتح فمه . وإذا فتحه فإننا نقدر نضربه ب.......") وصمت السادات،ولم يعلق هيكل وهكذا أخرج مصطفى أمين، بإفراج صحي من السجن، ضمن صفقةجواسيس طلبتهم جولدامائير .. وطلبهم هنري كيسنجر(14)، وزاد عليها أن عين الأخوين مصطفى وعلى أمين كرؤوساء تحرير لجريدة الأهرام بديلا لمحمد حسنين هيكل ، لعدة أسابيع ثم جرى نقلهما رؤوساء تحرير جريدة أخبار اليوم الواسعة الانتشار ... !!
كيف جرى إختراق النظام السياسى المصرى بعد 5 يونيو 1967
وتشير خطوات الرئيس السادات اللاحقة عن بدايات التحول فى السياسة المصرية ، بدءا من رفع شعار " مصر أولا " بعد تمكنه من السلطة ، وإزاحة المجموعة الناصرية من الحكم فى 15 مايو عام 1971 ، ثم ما رفعه بعد حرب أكتوبر عام 1973 مباشرة ، بأن 99% من أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط بيد الولايات المتحدة الأمريكية ، ومعاداته الشديدة للإتحاد السوفيتى ، إنتهاءا بالتحول الاستراتيجى الخطير الذى أجراه فى المنطقة العربية كلها بمبادرته بزيارة القدس المحتلة فى 19 نوفمبر عام 1977 ، وتوقيع أتفاقيتى " كامب ديفيد " فى سبتمبر عام 1978 ، ثم أتفاقية السلام والصلح المنفرد مع إسرائيل فى مارس من عام 1979 . كل هذه التحولات الكبرى فى السياسة المصرية ، وتداعياتها السلبية والخطيرة ، بما أطلق عليه " الفراغ الاستراتيجى " فى المنطقة ، وما ترتب عليه من فتح الطريق واسعا لهيمنة أمريكية وإسرائيلية على المنطقة منذ ذلك الحين حتى وقتنا الراهن (15) ويكشف " بوب ودووارد " – الذى لعب دورا أساسيا فى كشف فضيحة تنصت رجال الرئيس الجمهورى نيكسون على الحملة الانتخابية لمنافسه فى الحزب الديموقراطى عام 1972 ما أدى فى النهاية لإستقالته تجنبا لمحاكمته – جوانب أخرى من قدرة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIAفى تجنيد والسيطرة على شخصيات عربية هامة ، منها على سبيل المثال الملك الأردنى " الحسين بن طلال " ، الذى ظل يتقاضى مرتبات ومدفوعات منتظمة من الاستخبارات المركزية لمدة عشرين عاما كاملة (16) . وكذلك الزعيم اللبنانى الكتائبى " بشير الجميل " أثناء عمله فى أحد مكاتب المحاماة الكبرى فى الولايات المتحدة بعد تخرجه من كلية الحقوق فى بيروت فى مطلع السبعينات ، وقدم معلومات للوكالة مقابل الحصول على مدفوعات مالية (17) . وكذلك الملك المغربى " الحسن الثانى " ، ومنذ أن كان طفلا ووليا للعهد ، والذى ساعدته الوكالة فى البقاء فى الحكم وحماية عرشه مقابل أن فتح بلاده واسعا لنشاط الوكالة وأجهزة الأمن القومى الأمريكى (18).
ويروى الدكتور مصطفى الرفاعي الذى شغل منصب وزير الصناعة والتنمية التكنولوجية فى منتصف الثمانينات فى كتابه الهام المعنون " عبور الفجوة التكنولوجية. قصة عمل وطنى معاصر "، الصادر عام 2006 عن مكتبةالشروق الدولية عن وقائع إختراق وفساد مبكرة فى قطاع البترول المصري، ففى منتصف السبعينات، وبعد إعلان الرئيس السادات لسياسة الانفتاح الاقتصادى والسياسى على الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا ، ظهر فى مصر رجل لبنانى مارونى يدعى " بيير صوايا " ، كان قد هاجر إلى الولايات المتحدة منذ سنوات بعيدة كمهندس ،وأصبح الرجل لاعب رئيسى ومروج لأحدى الشركات الأمريكية العائلية المغمورة العاملة فى مجال البترول تدعى " براون " BROWN ، كان قد أسسها رجل يدعى " كارول برون " C. Brown ، ومن خلال أحد قيادات هيئة البترول ويدعى " سامي أندراوس " الذى كان يشغل وظيفة مدير عام المشروعات فى الهيئة ، جرى تأسيس شركة مشتركة بين شركة "براون" الأمريكية وهيئة البترول وشركة بتروجيت بدعم من وزير البترول المهندس أحمد عز الدين هلال، ورئيس هيئة البترول المهندس محمد رمزى الليثي، في أول يناير من عام 1978، برأس مال 500 ألف دولار( أى ما يعادل 350 ألف جنيه مصرى بأسعار الصرف السائدة وقتئذ ) ، بهدف الحصول على الأعمال فى مصر بالأمر المباشر ، دون حاجة إلى إلى أسلوب المناقصات والمزايدات، وجرى تعيين نجل سامى أندرواس المتخرج توا من قسم الهندسة الكيماوية بكلية الهندسة ، كما عين " بيير صوايا " عضوا منتدبا للشركة ، وجرى تعيين عدد من الأمريكيين كقيادات لشركة ( براون – مصر ) الوليدة ومنهم " دون نورتن " نائبا للعضو المنتدب ومدير مراقبة المشروعات ، و " جورج كريستانس " مديرا لهندسة العمليات ، و " كارلوس مونتالفو " لرئاسة إدارة الهندسة الكيماوية ، و " بول ستيوارت " لرئاسة إدارة هندسة الأنابيب ، و " فرانك كرو " مديرا تنفيذيا للشركة ، ثم تبين أن هذه الشركة لم تكن سوى واجهة لعمل إستخبارى أمريكى لصالح جهاز الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA، وكانت تتولى تقديم تقارير منتظمة حول أحوال الأقباط فى مصر ، كما تبين أن " سامي أندراوس " كان على صلة وثيقة بهذه الشركة ومن ورائها من الأجهزة الأمريكية (19).
وفي واقعة أخرى لا تقل غرابة، يشير الدكتور مصطفى الرفاعى - الذى قضى كل سنوات عمره المهنى والوظيفى فى قطاع البترول – أنه منذ مطلع الثمانينات ، نشطت فى مصر منظمة أمريكية مدعومة من وكالة المعونة الأمريكية تدعى " المنظمة الدولية للمتطوعين التنفيذيين " IESC ، جاء منها رجل يهودى يدعى " جاك روزنتال " الذى كان من العاملين فى شركة " بكتل " Bechtel الأمريكية العملاقة ذات الصلات الوثيقة بالحزب الجمهورى الأمريكى ، والأجهزة الأمنية الأمريكية ، للعمل فى قطاع البترول المصرى ، ويذكر المؤلف أن هذا الرجل قد علمهم – أى القيادات المصرية – الكثير من أسرار الصناعة وكيفية صياغة عقود المشروعات البترولية!
وفي عام 1985 جرى توقيع اتفاقية بين وزارة البترول وشركة " إنپي " وشركة بكتل الأمريكية ، وقامت بكتل بتعيين السيد " ديسيلفسترو " كمدير للشركة فى مصر ، ومن موقعه كان يطلع على كافة خطط قطاع البترول المصرى ومشروعاته ، وأمتدت خطوط أتصالاته بصورة مباشرة وسرية بالسيد " بل بولز " الذى كان يشغل ظاهريا وظيفة ممثل شركة بكتيل فى مصر ، بينما كان الرجل ضابطا فى جهاز الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA ، ويقول المؤلف أن الإهتمام الحقيقى لشركة بكتيل فى مصر كان القيام بجمع وتحليل الشخصيات المصرية القيادية ، وكتابة تقارير ذات صبغة سياسية موجهة إلى لندن ومنها إلى الولايات المتحدة ، وكان يساعدهم فى هذا الدور شخص أمريكى من أصل مصري يدعى " أشرف غنيمة " (20) . أذن لم تكن القيادات المصرية فى كافة قطاعات الدولة ، وخصوصا فى قمة جهاز الحكم والإدارة بعيدة عن أعين وردارات الأجهزة الإستخبارية الغربية عموما ، والأمريكية والبريطانية خصوصاً.
فكيف جرى التعرف والتعامل مع " حسني مبارك " ، منذ ظهوره على مسرح الحياة فى مصر؟
الحقيقة التى تكشفها الوقائع والمعطيات التاريخية ، أن اللواء طيار " محمد حسنى مبارك " لم يكن بعيدا عن أعين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA منذ عام 1969 تحديدا ، حينما رافق الرجل السيد أنور السادات نائب الرئيس جمال عبد الناصر فى رحلته إلى الخرطوم ، وقيامه بتفخيخ وتلغيم سلة المانجو الشهيرة ، وإرسالها إلى زعيم المعارضة السودانية لنظام الرئيس جعفر نميرى " الأمام المهدى " ، والتى أودت بحياة الرجل (21) . كان لمصاحبة اللواء حسنى مبارك لنائب رئيس الجمهورية ( أنور السادات ) فى هذه الرحلة - وكليهما يربطه صلة جهوية من محافظة المنوفية - دورا كبيرا فى التعرف على خصائص الرجل عن قرب ، خصوصا وأن جسور التعاون بين أنور السادات والوكالة قد تمت قبلها بسنوات وعبر الوسيط السعودى " كمال أدهم " . ثم عاد وظهر اللواء طيار "حسنى مبارك" على شاشات المراقبة الأمريكية فى واقعة أخرى لا تقل غرابة عام 1972 ، وهى الخاصة بصفقة طائرات " الميراج " الفرنسية . وفى تفاصيل ما جرى ، فأن النظام الجديد فى ليبيا برئاسة العقيد معمر القذافى ، كان قد قرر بالاتفاق مع الرئيس جمال عبد الناصر دعم المجهود الحربى المصرى لتحرير سيناء المحتلة ، بشراء 106 طائرة ميراج فرنسية حديثة بقيمة 2.0 مليار دولار أمريكى ( بمتوسط 18.8 مليون دولار للطائرة الواحدة ) ، وهو رقم ضخم فى ذلك الزمان .
ثم توفى الرئيس جمال عبد الناصر فى الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 ، قبل أن تبدأ إجراءات التفاوض بين الجانبين الليبى والفرنسى حول شروط وإجراءات إتمام تلك الصفقة ، ومن ثم أنيط للرئيس المصرى الجديد ( أنور السادات ) تكليف اللواء طيار حسنى مبارك إدارة هذه العملية التفاوضية ، وتشكيل فريق من الطيارين المصريين ذوى الخبرة ، وحصولهم على وثائق سفر ليبية ، والإدعاء بأنهم ليبيون لإدارة هذا التفاوض مع الحكومة الفرنسية وشركة " طومسون " المنتجة لهذه الطائرات وهنا حدث ما لم يتصوره أحدا ، فمن ناحية دب الخلاف على ما يبدو بين أعضاء الفريق المصرى (لا نعرف حتى اليوم أسماء الضباط المرافقين للواء حسنى مبارك فى هذه المأمورية ، والذين شاركوا فى إقتسام هذه العمولة الضخمة ، وإن كان بعضهم قد ظهر بعد عام 1974 وإعلان تطبيق سياسة الإنفتاح فى صورة رجال أعمال كبار مثل اللواء طيار أحمد عبد المقصود عرفة ، واللواء رفعت الجميل ، واللواء سليمان عامر ، واللواء مهاب أنور سوسة ، وكثيرون منهم كانوا أقل رتبة من لواء فى ذلك الوقت . ) ، حول نسب العمولات التى سوف يحصلون عليها ونصيب كل واحدا منهم ( وهى لا تقل عن 5% من قيمة الصفقة أى لا تقل عن 100 مليون دولار ) ، ولم تتأخر المخابرات الفرنسية بالطبع ( CEDCE ) عن تسجيل ما حدث بالصوت والصورة ، وقد أطلع الرئيس الفرنسى " فرانسوا ميتران " صديقه محمد حسنين هيكل فى لقاء خاص بينهما أواسط عام 1982 على بعض جوانب ما جرى ، كما طلب من الكاتب المصرى أن يجلس مع مدير المخابرات الفرنسية " اليكسندر دى ميرانش " Aleixandre De Merinch ليتعرف منه على بعض ما لايعرفه المصريون عن رئيسهم الجديد (22) . والأهم والأخطر ، ما تبين بعد ذلك من أن بعض هذه الطائرات التى أستعملها الطيارون المصريون فى حرب أكتوبر عام 1973 ، كانت مستعملة Second Hand، وهو ما كاد يفجر فضيحة كبرى فى مصر ووسط القوات الجوية المصرية ، لولا أن سارع الفريق حسنى مبارك قائد القوات الجوية والمسئول عن هذه الصفقة يشاركة أشرف مروان بلملمة القصة وإحتوائها (23) . وبالنظر لكون الحرب الباردة كانت قائمة على قدم وساق بين المعسكرين ، فأن الاختصاص الأصيل لمتابعة وإدارة شئون الصراع فى منطقة الشرق الأوسط ، منعقد بالضرورة للولايات المتحدة الأمريكية وأجهزة إستخباراتها ، مقابل إنفراد فرنسا بمناطق أخرى ومنها غرب أفريقيا ، فى إطار تعاون وتنسيق وتقسيم لمناطق النفوذ والسيطرة ، فأن هذه المعلومات الخاصة المتعلقة بقائد القوات الجوية المصرية وحصوله على عمولات ورشى سلاح ، لم تكنلتغيب عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA ، فأصبح ملف الرجل جاهزا للتعامل وتجهيز المصيدة المناسبة للرجل وهذا ماجرى بالفعل . كما تعرفت أجهزة الاستخبارات الأمريكية على حسنى مبارك – ومن قبله أشرف مروان – حينما كان يمثل مصر فى إجتماعات المجموعة الاستخبارية التى شكلتها فرنسا وقادتها ، بمشاركة كل من مصر والسعودية والمغرب للقيام بعمليات إستخبارية ضد الدول والحكومات المتعاونة مع السوفيت فى أفريقيا ، وفى غيرها من الدول تحت ما سمى ( نادى السفارى ) SAFARI CLUB . (24) كانت الخطة الأمريكية فى التعامل مع ملف " حسنى مبارك " أو ما أصبح يطلق عليه فيما بعد " الكنز الاستراتيجى " ، ذات أبعاد ومستويات ومراحل ثلاثة : الأول : الضغط على الرئيس المصرى " أنور السادات " بوسائل شتى بهدف إجباره على ترفيع وترقية الفريق طيار من مجرد قائد للقوات الجوية ، أو سفير فى الخارج إلى منصب وموقع سياسى متقدم فى النظام السياسى المصرى ، أى إلى مستوى نائب رئيس الجمهورية تمهيدا لما بعدها ، ولم تكن هذه الخطوة صعبة ، نظرا لسابق سيطرة الأجهزة الأمريكية على الرئيس السادات نفسه منذ منتصف الستينات ، وتعامله مع الإستخبارات المركزية الأمريكية بواسطة الشيخ " كمال أدهم " مدير المخابرات العامة السعودية كما سبق وأشرنا . الثانى : توريط حسنى مبارك فى مزيد من الأعمال القذرة تسهل السيطرة عليه تماما ، ودراسة تاريخه السابق تكشف مدى حبه للمال وجشعه ، وطبيعة تركيبته النفسية والشخصية ، اللتين ستسهلان الوقوع فى المصيدة بسهولة ويسر(25) الثالث : إستبعاد وإقصاء – حتى لو إقتضى الأمر اللجوء إلى الإغتيال – أية شخصيات قد تكون منافسة ، أو تمثل تهديدا لهذا الصعود المطلوب للرجل ( بدءا من الفريق سعد الشاذلى ، مرورا بالمشير أحمد بدوى ، إنتهاء بمنصور حسن ) ** . (أستشهد الفريق أول ووزير الدفاع أحمد بدوى ، وبصحبته ثلاثة عشرة من أبرز قيادات حرب أكتوبر فى يوم الأثنين الموافق الثانى من مارس عام 1981 ، على أثر سقوط غامض لطائرته الهليوكبتر أثناء أقلاعها ، وأثناء جولة تفتيشية على القوات المسلحة فى سيوة ، وكان قبلها بأسبوعين قد جرت مشادة كلامية حادة بينه والرئيس السادات بسبب صفقات السلاح الأمريكية لمصر التى تبين أن بعضها كان يهرب ليباع فى سوق الحرب فى أفغانستان وغيرها من الساحات ) . الرائد عبد السلام جلود الرجل الثانى فى النظام الليبى وعلى الفور شرع فى تنفيذ الخطة بعد عودة العلاقات السياسية والدبلوماسية الحميمة بين الرئيس السادات والولايات المتحدة الأمريكية عام 1974 ، فجرى الدفع بعشرات من الزوار الكبار للرئيس السادات من كبار رجال المال ( ديفيد روكفللر مثلا ) والإعلاميين والصحفيين ، ليحيطوا بالسادات مصحوبين بكاميرات بقدر ما تشع الأضواء فهى قادرة على الأغراء والإغواء . وطرح على الرجل - المفتون بطبعه وتاريخه بالسينما والإعلام وبريقها – عشرات الأسئلة ، وفى حروف الكثير منها مضامين إجابات مطلوبة ، أو رسائل منقولة ، ومن يراجع الأرشيف الصحفى للقاءات الرئيس السادات طوال عامى 1974 و1975 ، سوف يكتشف تكرارا وإلحاحا على سؤال : من يكون نائب الرئيس القادم؟ وبلغ الأمر بالبعض أن رشح أسماء من قيادات جيل أكتوبر كما كان يفضل أن يسميهم الرئيس السادات . وكانت بعض الأخبار قد تسربت بشأن طلب هنرى " كيسنجر " من السادات أن يأخذ بقائد القوات الجوية نائبا له ، كما أبرزت الصحافة الأمريكية القادة العسكريون الجدد فى مصر ، وعرضت صورهم وتساءلت : من يكون حاكم مصر القادم من بين هؤلاء ؟ وفى المقدمة كانت صورة حسنى مبارك تتصدر المشهد . كما دفعت الاستخبارات المركزية الأمريكية برجلها الهام الشيخ " كمال أدهم " ، وصديق السادات إلى حلبة الخطة المحكمة ، بتكرار زياراته للقاهرة ولقاء الرئيس السادات ، وكان أحد الموضوعات الملحة فى لقاءات الرجلين ، موضوع أختيار النائب الجديد للسادات ، ولم يخف " كمال أدهم " إرتياحه لنوايا السادات بأختيار قائد القوات الجوية " حسنى مبارك لهذا المنصب . كان السادات من الفطنة والغريزة لفلاح قديم ، ففهم الإشارات المرسلة من الجانب الأخر من المحيط الأطلسى ، فأنصاع للإختيار ( الإجبارى ) وأعلن فى إبريل من عام 1975 عن إختياره للفريق حسنى مبارك نائبا للرئيس ، وهكذا جرى إستبعاد قيادات عسكرية مرموقة كان دورها فى الحرب أهم وأخطر من حسنى مبارك ، وكان ترتيبهم فى الأقدمية أولى وأعلى ، ومنهم الفريق محمد على فهمى قائد ومؤسس قوات الدفاع الجوى ، والفريق أحمد بدوى قائد الجيش الثالث أثناء الحصار ، والفريق سعد مأمون قائد الجيش الثانى فى الحرب ، ومن باب أولى جرى إستبعاد الفريق محمد عبد الغنى الجمسى الذى لعب دورا حيويا فى الحرب والإعداد لها كرئيس لغرفة العمليات بالقيادة العامة . وبهذا التعيين الجديد لحسنى مبارك كنائب للرئيس المصرى ( أنور السادات ) بدأت المرحلة الثانية من الخطة الأمريكية المحكمة لإصطياد الفريسة ، المعروف عنه طمعه وجشعه ، وغرامه بعمليات الإحتيال على القوانين والأعراف الأخلاقية ، إنتقلت الخطة إلى المرحلة الثانية والتى بدأت بإقرار برنامج للمساعدات العسكرية لمصر المقدرة بأكثر من 1.5 مليار دولار أمريكى سنويا ( وهو رقم ضخم جدا بأسعار ذلك الزمان ) ، بعد أن فرضت كثير من الدول العربية مقاطعة اقتصادية وسياسية لنظام الرئيس أنور السادات بعد توقيعه أتفاقيتى كامب ديفيد فى سبتمبر 1978 ، فوقع فى شباكها أكثر من صيد ثمين جمعهم الطمع والجشع وحب المال . كان الجبن فى المصيدة يسيل لها لعاب مبارك وبعض معاونيه من القادة العسكريين المصريين ، وبعض المحتالين المدنيين من أمثال حسين سالم ، الذى لا يضاهيه فى خبرة إنشاء الشركات والبنوك كغطاء لأنشطة غير مشروعة سوى عميل الإستخبارات المركزية الشهير" بول هالويل " Paul Hallowell .
كان تاريخ " حسين سالم " كمحتال وخبير فى إنشاء شركات التغطية Covering سابقة له فى كل مكان يذهب إليه سواء فى مصر أو الإمارات أو غيرهما (حسين سالم رجل غامض ، بدأ موظفا صغيرا فى صندوق دعم الغزل فى منتصف الخمسينات ، ثم أنتقل للعمل كمحاسب فى الشركة العربية للتجارة الخارجية عام 1960 ، التى كانت بمثابة واجهة اقتصادية للمخابرات العامة المصرية ، ثم إلتحق بالعمل فى السفارة المصرية فى بغداد ، وهناك إلتصق بالسفير أمين هويدى ، الذى أخذه معه عام 1968 كعضو فى مكتبه فى المخابرات العامة المصرية ، وبعد إنقلابالقصر الذى قام به السادات فى مايو عام 1971 ، وعزل أمين هويدى من منصبه ، سافر حسين سالم إلى الإمارات بحثا عن فرصة ، وبعد عامين خرج من الإمارات هاربا بعدأن أحاطت به الشكوك والإتهامات بالسرقة والأحتيال وقد عفى عنه الشيخ زايد ، ثم فجاءة وجدناه وزيرا مفوضا فى سفارة مصر فى واشنطن بعد عام 1978 . ومن هنا بدأ مسارا جديدا وخطيرا فى تجارة السلاح ) . وحينما بدأ فى الأفق أن برنامجا ضخما للمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر عام 1978 قد بدأ ، أتى به من الإمارات النائب حسنى مبارك ، ليبدأ فى مشوار جديد وفريد فى حياته وحياة حسنى مبارك ، والتشكيل العصابى الذى كونه الرجل من وراء ظهر الشعب المصرى والدولة المصرية .
ومن هنا جرى تعيينه بعد عودة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة والمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر بعد عام 1978 ،فى وظيفة وزير مفوض فى السفارة المصرية فى العاصمة واشنطن ، وزامل فيها اللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة الملحق عسكرى هناك . وتكون التشكيل العصابى فى البداية من مجموعة رئيسية Core ، بعضهم كان دوره بارزا ومكشوفا ( مثل حسين سالم ) ، وبعضهم الأخر ظل متواريا خلف الستار ، وكان من بينهم نائب الرئيس ( حسنى مبارك ) ، والملحق العسكرى فى واشنطن ( اللواء عبد الحليم أبو غزالة ) ، ومدير مكتب المشتريات العسكرية فى واشنطن اللواء منير ثابت الذى يتصل بصلة نسب ومصاهرة مع النائب حسنى مبارك ، واللواء كمال حسن على الذى تنقل فى المناصب العليا فوفر غطاءا سياسيا وأمنيا لهذه المجموعة ( كان اللواء كمال حسن على مديرا لسلاح المدرعات قبل وأثناء حرب أكتوبر عام 1973 ، ثم عين بعدها مديرا للمخابرات الحربية ثم مديرا للمخابرات العامة المصرية (1975- 1978) ، ثم تولى منصب وزير الخارجية (1978-1982) ، ومن بعدها تولى منصب رئيس الوزراء فى عهد الرئيس الجديد حسنى مبارك (1984-1985) ، ثم عين رئيسا لأحد البنوك الكبرى فى البلاد ) .
وإمتدت الخطوط بعد ذلك لتستدعى أدوارا إقليمية وتجارة سلاح واسعة الانتشار ، سواء فى أمريكا الجنوبية ( نيكاراجوا – السلفادور ) أو أفريقيا ( أنجولا والكونغو ) وفى أفغانستان ، وهنا برزت أدوار كل من" عدنان خاشقجي " تاجر السلاح السعودى الشهير ، والشيخ " كمال أدهم " مدير المخابرات السعودية السابق ( الذى ترك منصبه عام 1977 ) ، وأنضم إليهم مغامرون وأفاقون من عملاء المخابرات المركزية الأمريكية السابقون CIA . ويفرد المؤرخ الأمريكى البارز والمحلل المدقق لتاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية " جوزيف ترنتو " Joseph J. Trento فصول كتابة الخطير والحافل بالأسرار والتفاصيل حول هذا التشكيل العصابى ، ووفقا لجوزيف ترنتو " فقد قام حسين سالم – بعد إستقالته من وظيفته كوزير مفوض فى السفارة المصرية بواشنطن –بتسجيل شركته TERSAM عام 1978 فى جمهورية ( بنما ) ( تفجرت فضيحة ما يسمى أوراق بنما Panama Papers عام 2015 ، حول دور بعض مكاتب المحاماة فى بنما فى إنشاء شركات وهمية ، وإدارة عمليات نقل وغسل أموال لمئات من كبار الشخصيات وكبار جال الدولة فى كثير من الدول ، وكذلك للفنانيين والرياضيين ، للتهرب الضريبى ، وورد من بين الأسماء علاء مبارك ، وللأسف لم يتحرك أحدا من أجهزة الدولة فى مصر فى عهد الرئيس الحالى عبد الفتاح السيسى لمعرفة أبعاد هذا الموضوع ، كما تكشفت فى عام 2015 ما سمى وثائق " باراديز " وجزيرة برمودا ، وجزر الكايمان ووجود مكتب للمحاماة يدعى APPLE D تسرب منه 7 مليون وثيقة عن التهرب الضريبى والشركات الوهمية ، وسوف نفرد مبحثا مستقلا حول فضيحة أوراق بنما فى هذا الكتاب ) . ، وتقدم بها إلى مكتب المساعدات العسكرية والأمنية ( DSAA ) التابع لوزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاجون ) لتسجيلها كوكيل وحيد مسئول عن شحن ونقل المعدات العسكرية الأمريكية إلى مصر( 26) . على الجانب الأمريكى كان هناك تشكيل عصابى أخر من عملاء سابقين للإستخبارات المركزية الأمريكية يقوده رجل المخابرات الأمريكى البارز " تيودور شيكيلى " Theodore J. Shachley ، الذى تعرض للإستبعاد والاقصاء منمنصبه الرفيع فى الوكالة فى عهد إدارة الرئيس " جيمى كارتر" الذى أتى بالإدميرال " ستنسفيلد ترنر “Stanfield Turner، من خارج الوكالة ليطهرها ، ومن ثم فقد رفض نائب رئيس مكتب المساعدات العسكرية والأمنية الأمريكية الكولونيل الجوى " أريك فون ماربود " Erich Von Marbod ، تسجيل شركة حسين سالم ، إلا بعد وجود شريك أمريكى ، وأقترح عليه العميل " توماس كلينز " Tomas Clines ، وعلى الفور تأسست الشركة الجديدة وسميت ( الشركة المصرية الأمريكية لخدمات النقل ) The Egyptian – American Transport Services Company ( EATSCO ) وكانت حصة حسين سالم 51% ، بينما حصة شريكه الأمريكى 49% .
وبالتوازى تشكلت شركة أخرى بنظام offshore فى جزيرة " برمودا " تحت أسم ( أركاديا ) Arcadia LTD ، بين حسين سالم وعميل الاستخبارات المركزية الأمريكية الأخر " إدوين ويلسون " Edwin Wilson لتكون بمثابة معبرا لعمليات غسل الأموال والتهرب الضريبى، كما جرى إنشاء ما يسمى ( مركز الأبحاث الدولية والتجارة IRT ) كغطاء أضافى لعمليات نقل وغسل الأموال (27) . فالشركة التى إنشئت بهدف نقل وشحن المعدات والأسلحة الأمريكية إلى مصر . والمقدرة سنويا بحوالى 1.5 مليار دولار ، تحولت إلى نطاق أوسع تمتد بخيوطها العنكبوتية من أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا إلى أفغانستان ومناطق المنازعات المسلحة الأخرى ، مما أدى لتفشى رائحتها ، خاصة بما صاحبها من تزوير الفواتير ما أوقعها فى المحظور ، ومن هنا أعد الليفتانت جنرال " أرنست جرافيس " Ernest Graves مذكرة بتاريخ 6/4/1980 تضمنت بعض الوقائع والإنحرافات فى عمل تلك الشركة ، وخصوصا ماتبين من نقل بعض تلك المعدات الأمريكية من مصر إلى أفغانستان ومناطق منازعات أخرى، وبيعها لحساب بعض القادة والمسئولين العسكريين والسياسيين المصريين ، وبتمويل من المملكة السعودية وبعض دول الخليج (28) . كما لاحظ " توماس روميو " Tomes Romioالمفتش بالهيئة البحرية الفيدرالية FMC المبالغة الشديدة فى الفواتير الخاصة بأعمال شركة " إيتسكو " ، وأن هناك تلاعبا فى هذه الفواتير يقدر بحوالى 8 مليون دولار ، وبالبحث تبين أن وراء هذه الشركة شخصيات مصرية كبرى تمتد من نائب رئيس الجمهورية ( الفريق حسنى مبارك ) وتشمل قادة عسكريين أمريكيين ومصريين أخرين .
- المؤرخ الأمريكى جوزيف ترونتو
وعلى أثر هذا ، بدأت خيوط التسرب Leakage حول هذا الفساد إلى بعض الصحف المحلية الأمريكية فنشرت جريدة Wilmington News Journal فى 13/9/1981 حول التصرفات المريبة لشركة ( إيتسكو ) ، كما نشرفى نفس التاريخ جريدة صنداى نيوز جورنال Sunday News Journal معلومات أضافية كان مصدرها السيد " باتريك جادج " Joseph Patrick Judge الذى كان يعمل كمندوب مبيعات فى مؤسسة يملكها عميل المخابرات الأمريكية وعضو شبكة الفساد السرية تلك " أدوين ولسن " Edwin Wilson ، وبرغم نفى وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاجون ) لهذه المعلومات ، فأن المدعى العام الأمريكى " لارى باريسلا " Larry Barcella إستمر فى تحقيقاته كما يشير جوزيف ترنتو . لقد ترتب على هذه التحقيقات الأولية فى الولايات المتحدة إحالة الجنرال " ريتشارد سيكورد " إلى تحقيق جنائى ، وإحيل معه عدد من المسئولين فى مكتب المساعدات العسكرية والأمنية التابع لوزارة الدفاع ( البنتاجون ) ، ومنهم " أريك فون ماربود " و " أدوين ولسن " و " توماس كلينز " هذا بالاضافة إلى حسين سالم وأخرين .
وبدأت الحلقة تطول أسماء قيادات عسكرية وسياسية مصرية من الصف الأول (29) ، مما دفع بأحد الصحفيين البارزين فى الصحافة الأمريكية إلى تناولها فكتب " أدوارد ت. بوند Edward T. Pound حول القصة كلها فى واحدة من كبريات الصحف الأمريكية هى ( ووال ستريت جورنال ) Wall Street Journal فى الأول من أكتوبر عام 1982 ، ثم واصل النشر حول نفس القضية بتاريخ فبراير عام 1983 ، كما أعترف عميل المخابرات المركزية وشريك حسين سالم السيد( توماس كلينز ) أثناء التحقيقات بأن هذه الشركة كانت تستخدم كغطاء للاستخبارات الجوية الأمريكية (30) . كما أشار الليفتانت كولونيل " كارلوس سالينس " Carlos Salins ، فى مذكرته المؤرخة فى 22/9/1982 ، أن شركة " إيتسكو " قد حصلت على نسبة تصل إلى 25.15% من قيمة المعدات العسكرية الأمريكية المقدمة لمصر وقيمتها 750 مليون دولار ، بدلا من حصولها على النسبة المنصوص عليها فى العقد الرسمى إلا وهو 9.8% ، وبأن مخابرات الجيش الأمريكى لديها ما يفيد بأن هذه الشركة ومنذ عهد الرئيس أنور السادات ، تمكنت من إفساد عددا من كبار قادة القوات المسلحة المصرية ، ووصل فسادها إلى بعض جنرالات وقادة وزارة الدفاع الأمريكية (31) . لعل هذا ما أثار غضب الفريق أول أحمد بدوى وزير الدفاع المصرى فى ذلك الحين وبعض القادة العسكريين الذين كان تاريخهم فى حرب أكتوبر ناصع وشريف ، وجرى ذلك اللقاء العاصف بين الفريق أحمد بدوى - قبل مصرعه بأسابيع قليلة - والرئيس أنور السادات ، حتى وصل الحوار بينهما- كما يقول اللواء محمد ماهر بدوى شقيق الفريق أحمد بدوى– بإن أنهى السادات الاجتماع بحدة قائلا 🙁 إذا كنت فاكر نفسك أحمد عرابى فأنا مش الخديوى توفيق ) ...! لقد تبين من التحقيقات التى أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالى FBI ووزارة العدل ، أن هناك تشكيلا إجراميا من مسئولين كبار سواء فى مصر ، أو وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومكتب المساعدات العسكرية التابع للبنتاجون ، يقوم بتجارة سلاح غير مشروعة ، كما يقوم بالتلاعب فى فواتير الشحن والنقل ، مما أدى لخسارة للخزانة الأمريكية ، وقد برز من بين هذه الأسماء كل من :
من الجانب الأمريكى 1- تيودور شيكيلى Theodore J. Shackley 2- أدوين ولسن Edwin P.Wilson 3- توماس كلينز Tomas Clines 4- بول هالويل Paul Helliwell 5- ريتشارد سيكورد Richard Secord 6- أريك فون ماربود Erick V. Marbod
ومن الجانب المصرى 1- حسين سالم الشريك الظاهر والأساسى . 2- محمد حسنى مبارك نائب رئيس جمهورية مصر . 3- اللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة الملحق العسكرى فى السفارة المصرية فى واشنطن ثم تولى على أثر أغتيال وزير الدفاع الفريق أحمد بدوى فى 20 مارس 1981 ، منصب وزير الدفاع المصرى متجاوزا الأقدم منه فى الجيش المصرى. 4- اللواء منير ثابت صهر نائب الرئيس المصرى ومدير مكتب مشتريات الاسلحة فى واشنطن . 5- الفريق كمال حسن على مدير المخابرات العامة المصرية ، ثم وزيرا للخارجية ثم رئيسا لوزراء مصر . 6- كامل عبد الفتاح أحد أبرز تجار السلاح فى مصر والعالم العربى فى ذلك الوقت .
وبينما كانت الصحافة الأمريكية تنتقل بتقاريرها وتحقيقاتها من صفحة إلى صفحة فى أوراق هذه الفضيحة ، ومن صحيفة محلية إلى صحف أكثر إنتشارا مثل الواشنطن بوست (9/10/1982 و 17/1/1984 ) والنيويورك تايمز (22/7/1983 و 14/1/1988 ) ، كان ستارا حديديا من السرية والصمت يلف هذا الموضوع فى مصر . وإذا صدقت إدعاءات شريك حسين سالم فى شركة ( ايتسكو ) عميل الاستخبارات المركزية الأمريكية " توماس كلينز " Tomas Clines ، بعد خروجه من السجن ، بأنه كان يذهب إلى القاهرة بحقائب ممتلاءه بملايين الدولارات ليسلمها إلى حسين سالم ، الذى يتولى أخذ حصته منها ، ثم يذهب بعدها ليقدم حصة الرئيس أنور السادات شخصيا (32)، فأن واقعة الشجار الحاد التى تمت بين وزير الدفاع المصرى ( الفريق أول أحمد بدوى ) وبين السادات فى أول مارس عام 1981 ، وقبل أغتيال الأول بأيام قليلة ، التى قال له فيها السادات بحدة ( إذا كنت فاكر نفسك أحمد عرابى ، فأنا مش الخديوى توفيق ) ، تضع مسار القضية كلها على خطى جديدة وخطيرة تماما .
وإذا ربطنا بين أربعة وقائع فأننا نستخلص نتيجة مؤكدة بشأن هذا الاغتيال المنظم لوزير الدفاع المصرى وهى : الأولى : طبيعة الرئيس السادات وتاريخه المغامر ، الذى بدأ حياته متعاونا مع المخابرات الألمانية وقوات هتلر، ثم الانضمام بعدها إلى خلية سرية مارست قتل بعض من قدرتهم متعاونين مع الاحتلال البريطانى مثل أمين عثمان باشا ، وأنتقل بعدها إلى ميليشيا الحرس الحديدى التى مارست القتل والأغتيال ضد معارضى الملك فاروق ، ثم إنضمامه إلى تنظيم الضباط الأحرار السرى ، بكل ملابسات مشاركته وقصه إفتعال مشاجرة فى السينما ليلة تحرك قوات الانقلاب فى 22 يوليو عام 1952 ، ثم ما قام به من أغتيال للمعارض السودانى زعيم الطائفة المهدية ( الأمام المهدى ) فى ديسمبر عام 1969 ، ومن ثم فنحن إزاء رجل لا يتورع عن القيام بأى شىء للوصول إلى أهدافه بما فى ذلك القتل، ساعده فى ذلك رجل ( حسنى مبارك ) بقدر ما يجيد تنفيذ أوامر رؤسائه ، فهو أيضا يتسم بالفساد والجشع للمال ، وهو ما يجعلنا نطالب بجدية بإعادة فتح التحقيق بشأن حقيقة مصرع القائد النزيه المشير أحمد بدوى (33). الثانية : أن المجموعة الأمريكية التى كانت تتعامل مع المجموعة المصرية فى تجارة ونقل السلاح ومنهم " تيدور شيكيلى " و " أدوين ولسن " و " توماس كلينز " وأخرين ، كان لهم تاريخ حافل بتنظيم جرائم الاغتيالات والانقلابات العسكرية فى كثير من دول العالم ، ففى فيتنام وحدها وتحت إشراف هؤلاء أنفسهم جرى أغتيال 20857 فيتناميا جنوبيا ، بزعم شكوك حول إنتماءهم أو تشجيعهم لجبهة ( الفيتكونج ) الموالية لفيتنام الشمالية (34) ، وهم المسئولين عن تدبير الانقلاب العسكرى الدموى فى تشيلى عام 1973 ، الذى راح ضحيته الرئيس المنتخب " سلفادور الليندى " .
( بعد أزمة وفضيحة ( ووترجيت ) عام 1972 جرى تشكيل لجنة تحقيق فى الكونجرس الأمريكى تولاها السيناتور " تشرش " وسميت اللجنة بأسمه للتحقيق حول ملابسات ونشاط الإستخبارات المركزية الأمريكية فى العالم بعد ان شاعت أنها ايضا تقوم بالاشراف على تجارة واسعة للمخدرات لتمويل أنشطة خاصة بالوكالة ، وجرى بالتالى التضييق على الوكالة خصوصا فىإدارة الرئيس " جيمى كارتر " الذى أتى برجل من خارج الوكالة لإدارتها هو الإدميرال البحرى " ستانسفيلد تيرنر " الذى وضع خطة لإصلاح الوكالة تقضى بالتخلص من 823 وظيفة خلال عامين ، وتعرض " تيد شيكيلى " والجماعة المحيطة به إلى التضييق داخل الوكالة ، فأقدم على تشكيل شبكة إستخبارات خاصة تضم عددا ليس بقليل من عناصر وعملاء الوكالة ، المعروف عنهم الوحشية والقسوة وحب المال ، وأدارت هذه العصابة نشاطا واسعا للتجارة فى المعلومات والسلاح والاغتيالات وغيرها ، وكان هؤلاء هم شركاء حسين سالم وحسني مبارك وعبد الحليم أبو غزالة ومنير ثابت وكمال حسن علي، ومن ورائهم الرئيس أنور السادات ) .
ويشير جوزيف ترنتو فى كتابه الهام صفحة (78و 79) إلى دور كل من تيودور شاكيللى Theodore J. Shackley ، وتوماس كلينز Tomas Clines ، بعد عام 1973 فيما سمى عملية Condor وهى عملية أغتيال منظمة شاركت فيها عدة أجهزة أستخبارية ، ومنها ال CIA الأمريكية ، وجهاز الاستخبارات المركزية لكوريا الجنوبية ، وجهاز DINA للبوليس السياسى فى تشيلى لقتل عدد من قادة العالم المناوئين للسياسة الأمريكية ، وفى مقدمتهم بالطبع فيدل كاسترو ، وقد بدأت هذه العمليات فى أكتوبر عام 1974عندما فجرت سيارة فى بيونس أيرس بالأرجنتين كانت تقل الجنرال " كارلوس براتس " Carls Prats النائب السابق للأركان العامة في الجيش التشيلى، وفى مارس 1975 ، قتل وزير الدفاع التشيلى " أوسكار بونيللا" Oscar Bonilla (35)، ثم استمرت هذه المجموعة فى اغتيال رئيس الإكوادور المنتخب " رولدوس" فى مايو عام 1981 ، ورئيس بنما " عمر توريخوس " فى يوليو عام 1981 ، ومحاولات متكررة لأغتيال الزعيم الليبي " معمر القذافي "، وغيرها من الاغتيالات فى كثير من دول العالم ، كما لم تتورع تلك الشبكة الإستخبارية الأمريكية على تنظيم شبكة واسعة لتجارة المخدرات لتوفير التمويل اللازم لحربها فى لاوس وكمبوديا وفيتنام فى ستينات القرن العشرين .
الثالثة : أن الاسراع فى تعيين اللواء عبد الحليم أبو غزالة وزيرا للدفاع خلفا للمشير احمد بدوى الذى سقطت به الطائرة المروحية ومعه أربعة عشرة جنرالا من أكفأ الضباط المصريين وأكثرهم خبرة فى الحرب ، والذى كان المشير بدوى يطالب السادات بضرورة محاكمة النائب حسنى مبارك واللواء عبد الحليم أبو غزالة أو إحالتهما للتحقيق ، تؤكد حرص السادات على أخفاء معالم جريمة كانت رائحتها قد بدأت تزكم الأنوف ، خاصة أنه قد تجاوز بهذا التعيين كثير من القادة العسكريين الأقدم منه رتبة والأكثر منه خبرة.
الرابعة : أن أغتيال طيار المروحية الذى نجا بأعجوبة من هذا الحادث ، وعلى يد لص مساكن لم يعثر عليه حتى اليوم ، يشير إلى أن للموضوع أبعاد خطيرة كما يؤكد شقيق المرحوم " أحمد بدوى " اللواء المتقاعد "ماهر محمد بدوى " ، وهو ما دفع عضو مجلس الشعب المصرى " علوى حافظ " إلى تقديم إستجوابه للحكومة فى 5/3/1990 ذاكرا فيه عبارة " عصابة الأربعة " ، وملمحا من طرف خفى إلى أن هناك شكوكا تثار حول أغتيال وزير الدفاع المصرى السابق المشير أحمد بدوى .
ومع إتساع دائرة التحقيقات فى الولايات المتحدة ، وأغتيال الرئيس السادات فى السادس من أكتوبر عام 1981 ، وشمول التحقيقات أسماء شخصيات مصرية من الصف الأول فى الحكم ، ومن ثم خطورةالوضع دعا "وليم كلارك "William Clark مستشار الرئيس رونالد ريجان لشئون الأمن القومى ، إلى إجتماع موسع بتاريخ 21/مارس 1983 بالبيت الأبيض حضره كل من (36) :
1- تيودور جرينبرج Theodore Greenberg ممثل المدعى العام . 2- مارك ريتشارد Mark Richard معاون المدعى العام . 3- وليم هاندريكس William Hendricks معاون المدعى العام . 4- ستانلى سبوركن Stanley Sporkin المستشار القانونى لمدير وكالةالاستخبارات المركزية الأمريكية CIA 5- وليم تافت William Taft المستشار العام لوزارة الدفاع ( البنتاجون ) . 6- روبرت كيميت Robert Kimmit مستشار مجلس الأمن القومى الأمريكى . 7- وينگيت لويد Wingate Lloyd مندوب وزارة الخارجية الأمريكية . 8- جيف سميث Jeff Smith مندوب وزارة الخارجية الأمريكية . 9- وترأس الاجتماع وليم كلارك William Clark مستشار الرئيس الأمريكى رونالد ريجان لشئون الأمن القومى .
ووفقا للمذكرة التى أعدها " ستانلى سبوركن " Stanley Sporkin، المستشار القانونى لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA ، فأن الشركة المصرية الأمريكية للخدمات والنقل ( ATSCO ) ، التى يقف ورائها حسين سالم ( مصرى الجنسية ) وتوماس كلينز ( أمريكى الجنسية ) ، ومن ورائهما من الجانبين ( حسنى مبارك – عبد الحليم أبو غزالة – منير ثابت – كمال حسن على ، وكامل عبد الفتاح وأخرين ) ، و( أدوين ويلسون – فون ماربود – ريتشارد سكورد – تيودور شيكيلى ) كانت مؤامرة إجرامية وفساد مالى تحملته الخزانة الأمريكية .
وبرغم ذلك فقد أبلغ وليم كلارك مستشار الرئيس الأمريكى لشئون الأمن القومى الحاضرين بأن تعليمات الرئيس رونالد ريجان تقضى بضرورة إستبعاد أى إتهام إلى مسئولين مصريين ، وإعتبار ذلك من متطلبات المصلحة العليا والأمن القومى الأمريكى (37) . وعلى الفور صنف هذا الجزء من التحقيقات بأعتباره من مقتضيات الأمن القومى CLASSIFIED، ومن ثم حظر على المسئولين التحدث عنه ، أومنح وسائل الاعلام أية بيانات أو معلومات بشأنه.
وفى عام 1986 حكم على (توماس كلينز) و( أدوين ولسن) بالسجن لمدة عشرين عاما ، بينما تجنب حسين سالم الحكم عليه بالسجن بتهمة الأحتيال عام 1983 ، وقام بدفع مبالغ مالية تتجاوز سبعة ملايين دولار ، كما حرر شيكا برقم ( 639323) فى 21 يوليو 1983 ، بقيمة 3.2 مليون دولار مسحوب على بنك ريجز الوطنى Riggs National Bank (38) ومنذ تلك اللحظة جرى تعليق الفريسة ( حسنى مبارك ) ومن معه وأهمهم ( عبد الحليم أبو غزالة ) فى الهلب كما يقولون فى لغة الاستخبارات .وخلال نفس الفترة رأت الإدارة الأمريكية أنه من الضرورى إيفاد رجل الإسخبارات المركزية الأمريكية وأبن أحد أبرز رجال الإستخبارات المركزية الأمريكية فى الخمسينات والستينات وأحد مؤسسى الحرب الباردة السفير " فرانك وايزنر الابن " ، ليكون سفيرا للولايات المتحدة فى مصر خلال الفترة من عام 1986 حتى عام 1991 ، نظرا لعلاقات الصداقة والمعرفة القوية التى تربطه بالرئيس المصرى الجديد (حسنى مبارك ) ، ليشرف بشكل أو بأخر على توجيه سياسات الرئيس الجديد لخدمة المصالح والتوجهات الأمريكية ، وهو نفس الشخص الذى أوفدته الإدارة الأمريكية فى أثناء ثورة 25 يناير عام 2011 ليقنع حسنى مبارك بالتخلى عن الحكم فى البلاد ، وإحتواء الثورة الشعبية المصرية حتى لا تتطور بما يضر بالمصالح الأمريكية فى المنطقة .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .