مدونة: ثلاث ورقات في ذكرى الثورة التونسية
ثلاث ورقات في ذكرى الثورة التونسية، يكتبها للأمانة والتاريخ الكتاب والصحفي التونسي محمود الحرشاني.
للتاريخ والأجيال القادمة، أكتب هذه الحقائق لأول مرة وقد كنت شاهداً على الأحداث..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الورقة الأولى
التاريخ كان يوم 17 ديسمبر 2010 واليوم كان يوم جمعة وكالعادة انتصب البوعزيزي بعربته المدفوعة لبيع الخضار ويقال أن أعوان التراتيب وعلى رأسهم الشرطية فادية ضايقوه وحجزوا له بضاعته فعبر عن رفضه وذهب لمقابلة مسؤول في البلديه الرئيس أو الكاتب العام فلم يقع قبوله فذهب الى المعتمدية وطلب مقابلة المعتمد فلم يقع قبوله أيضاً، فجاء إلى الولاية وطلب مقابلة السيد الوالي فاتصل البواب بالكتابة وفهم البوعزيزي أن الولاية مشغول ولا يستطيع قبوله. فجن جنونه وذهب إلى اقرب دكان عطار وجلب معه قارورة سائل حارق وهدد إذا لم يقع تمكينه من مقابلة الوالي سيسكب السائل على جسده ويحرق نفسه. لم ياخذ البواب ولا من كان حاضراً تهديده على محمل الجد فقام بسكب السائل الحارق وأمسك بولاعة وواصل تهديده فلم يكترث أحد فضغط دون أن يشعر على الولاعة والتهبت النار في جسده، وكان الوقت منتصف النهار والنصف، وكان أمام مبنى الولاية. أسرع من كان حاضراً لاطفاء النار ولكن المكان لا توجد به أتربة ولا رمال. حاول أحد الأصدقاء إطفاء النار بصدرية كان يرتديها، لكن سبق السيف العذل كانت النار قد أتت على كامل جسده. حلت الحماية المدنية وتم نقله إلى المستشفى. وتجمع الناس وبدأت الأحداث.. هي دي كل الحكاية كما أرفها ويعرفها الجميع.
الورقة الثانية
الشرارة انطلقت من سيدي بوزيد وتم توظيف الحدث سياسياً واستخبارتياً، وتدخلت أطراف أجنبية على الخط، لتؤجج الحراك الشعبي. وما كشفته هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها في مذكراتها يكشف تورط أمريكا في المسألة، لأن المصلحة مع بن علي انتهت ولابد من وضع حد لنظامه، ولو أدى الأمر إلى إزاحته بالقوة وفرض غطاء جوي من المارينز من معسكرات أمريكية مستقرة في البحر قريبة من تونس. والأحداث كانت في تصاعد انتقلت من سيدي بوزيد إلى عديد الجهات تالة والرقاب ومنزل بوزيان وقابس وصفاقس، وبدات الأرواح تسقط عندها بدأت بداية النهاية لنظام بن علي. وبدأت المسيرات الاحتجاجية تنطلق من مقرات الاتحادات الجهوية للشغل كما تحركت تشكيلات المجتمع المدنية مثل قطاع المحامين والصحافيين وفصلت مسيرة صفاقس يوم 12 يناير 2011 المسالة حيث كانت مسيرة ضخمة لم تعرف مثلها بقية الجهات ثم كانت مسيرة العاصمة يوم 14 يناير 2011 التي انتهت برحيل بن علي.
الورقة الثالثة
اليوم تحل الذكرى العاشرة وسيدي بوزيد التي انطلقت منها الشرارة الأولى تحيي كعادتها الذكرى معبرة أنها كانت الأولى.. يغيب الرئيس قيس سعيد عن الاحتفال بالذكرى العاشرة، وكم من وعود تلقتها سيدي بوزيد مازالت معلقة ولم تتحقق. وعدوا بتحويل سيدي بوزيد إلى سويسرا، ولكن يبدو أن الوقت لم يحن بعد.. حتى متحف الثورة ما زال مجرد ساحة لا شئي فيها يخفيها باب حديدي سميك مكتوب عليه متحف الثورة. ولم تنجح الهئيات التي تعاقبت على تسيير الاحتفالات في تسويق صورة سيدي بوزيد إلى الخارج.. فقط ما زالوا محافظين على تقاليد لا تسمن ولا تغني من جوع .. يجتمعون ويوزعون النياشين والأوسمة. وفي ساحة البوعزيزي يتجمع الناس. وصورة البوعزيزي العملاقة المنصوبة على واجهة مبنى البريد وهي صورة عملاقة يجددونها كل عام.