مدونة: تاريخ الدراسات الإسلامية في اليابان.. الشرق الجديد ينظر إلى الشرق القديم؟
تاريخ الدراسات الإسلامية في اليابان.. الشرق الجديد ينظر إلى الشرق القديم؟، هي مدونة للمعماري ناصر الرباط، أستاذ الآغا خان لتاريخ العمارة الاسلامية بمعهد مساتشوستس للتكنولوجيا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المدونة
شهدت الدراسات الإسلامية في العالم تغيراً جوهرياً ونقدياً عميقاً في محتواها ومنحاها ومسوغاتها بعد صدور كتاب ادوارد سعيد عافاه الله الرائد واللاذع الاستشراق، عام فقد جمع سعيد في كتابه حصيلة أبحاث تاريخية ومنهجية عديدة سابقة وصهرها في هيكل نقدي محكم أوضح من خلاله كيف أن تجميع المعلومات عن الشرق وتحليلها وفرزها من أجل تمثيل هذا الشرق لم يتم خارج المنظومة المعرفية الأوروية، وإنما كان جزءاً منها، فاعلاً ومنفعلاً، سبباً ونتيجة في آن واحد فقد بُنيت دراسات الاستشراق الأوروبية والأميركية لاحقاً على خلفية سياسيةثقافية عنصرية وكان اهتمام الغرب بالشرق يخفي وراءه أكثر من مجرد الفضول وحب الاستطلاع البريئين ولهذا تاريخ طويل وعريق فأوروا القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أوروا عصر التنوير، أوروا عصر الفتوحات والاستكشافات والاستعمار، التي وعت ذاتها وأدركت قوتها، أنتجت للعالم تاريخاً متعالياً وضعت نفسها فيه في سدته ورتبت الحضارات الأخرى وفقاً لفهمها لنفسها ولعلاقتها بالآخر الشرقي، والإسلامي منه على وجه التحديد، ولتمثيلها لهذه العلاقة وقد ارتبط هذا النموذج السعيدي للاستشراق بالغرب الأوروي، الفرنسي والانكليزي خاصة، وبتطور الفتوحات الاستعمارية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حتى أن العديد من النقاد أخذوا عليه إهماله للدراسات الاستشراقية الأوروبية الأخرى، وبخاصة منها تلك التي ظهرت في بلاد لم يكن لها مستعمرات في بلاد اسلامية كألمانيا والسويد واسبانيا تبرر اهتمامها العلمي والأدبي والفني والمعلوماتي بالشرق الاسلامي ولكن أحداً ممن انتقد تمثيل سعيد للاستشراق لم يلتفت شرقاً إلى بلاد الشمس المشرقة، اليابان، ليرى فيما إذا كانت الدراسات الاستشراقية أحادية الاتجاه أي أنها تنطلق من الغرب لتصب في الشرقجغرافياً على الأقل أم أنها ثنائية الاتجاه، وربما أكثر، ومنفصلة عن موقع الدارس والمدروس في التراتبية الجغرافية أو الجيوبوليتكية العالمية وقد أتيحت لي الفرصة مؤخراً لكي أسبر هذا السؤال بنفسي خلال زيارة علمية لليابان قابلت فيها عمداء الدراسات الإسلامية في البلاد واطلعت على بعض نشاطاتهم الأكاديمية وأعمالهم وسأسارع لكي أعترف بأني كنت قبل زيارتي لاأعرف شيئاً تقريباً عن النشاطات الأكاديمية اليابانية الاستشراقية أوغيرها وأني فوجئت بما شاهدته من تنوع وغناء اهتمامات المستشرقين والمستعربين اليابانيين واهتمامات طلابهم ولكني فوجئت أكثر ما فوجئت بالمناهج اليابانية في دراسة العالم الإسلامي المغايرة بعض الشئ لما عهدناه في مثيلاتها الأوروبية، وبالتاريخ الخاص والمميز للاهتمام الياباني البحثي بالشرق الاسلامي تاريخاً يتطلب منا إعادة صياغة بعض الفرضيات المتعلقة بالدراسات الاستشراقية وبأهدافها من جهة، ويسلط بعض الضوء على الأسلوب الياباني في مقاربة أي نشاط باحث ومنقب، خصوصاً ذلك الفرع منه الذي يحمل في طياته بعداً أنطولوجياً يشي بمحاولة تقارب وتوالف بين الشرق المشرق والناهض ومسماه القديم عريق التاريخ ومنهك الحاضر لاأحد يعرف بالضبط متى بدأ الاهتمام الياباني بالشرق الإسلامي ولكن المرجح أنه كان في بداياته صدىً خافتاً لمعرفة الصين بذلك الشرق الإسلامي نفسه، بما أن اليابان اعتمدت لفترة طويلة في اتصالها بالعالم الخارجي على جارتها الأكبر والأعرق ثقافة عبر بحر الصين والمتربعة على جزء هائل من آسيا يحاذي حدود العالم الإسلامي ثم جاء الملاحون الأورويون من برتغال واسبان وهولنديون اعتباراً من القرن السادس عشر لكي يساهموا بوصل اليابان بالعالم الخارجي وبفك الارتباط بينها وبين الصين على الأقل لفترة قصيرة انتهت بنهاية الانفتاح الياباني النسبي مع نهاية القرن السابع عشر فخلال القرنين اللاحقين اللذين عرفا بنظام الساكوكو، أو العزلة، تفاوت اطلاع اليابان على العالم بين الموقف الانعزالي الرسمي الشديد الحدة ورغبة بعض المثقفين القلائل بمعرفة كيف يسير العالم، بما فيه تلك الدول الاسلامية المهمة في تلك الحقبة كالهند المغولية وايران الصفوية والدولة العثمانية ولكن البداية المدونة لاتصال اليابان بالشرق الإسلامي، خصوصاً العربي منه، تعود لمنتصف القرن التاسع عشر وهي الفترة التي تعرف في اليابان بفترة إعادة الامبراطور ميجي ابتداءاً من عام ، أو بالأحرى فترة الانفتاح على الغرب ومحاولة اللحاق به عسكرياً واقتصادياً وصناعياً إثر التحدي المخزي الذي مثله وصول الاسطول الأميريكي بقيادة الكومودور ماثيو يري عام وإجباره اليابان على فتح أسواقها للبضائع الغربية وفضائها للأفكار الغربية وهو التحدي الذي يحمل حتى اليوم اسم الكورو فونة أي السفن السوداء مما يدل على شدة تأثيره على المخيلة اليابانية الوطنية بداية الاهتمام بالشرق الاسلامي هذه تستحق منا وقفة لما تمثله من منحى مختلف عن الاهتمام الأوروي الاستشراقي، وماتحمله من أفكار جديدة وتحررية وفرص تواصل وتفاهم واعدة بدءاً ولكنها ضائعة لاحقاً هذا الاهتمام لايمكن وصفه بأقل من اكتشاف بالصدفة تقريباً تبعه تركيز بحثي وعلمي على مصر الخديوية لمحاولة تحليل وفهم مسارها التجديدي ونجاحاته وفشله النهائي الذي رسخه الاحتلال البريطاني عام بعد عقود من التخبط السياسي والاقتصادي والمالي خصوصاً ففي الأعوام التي تلت إعادة ميجي كانت اليابان الرسمية تحاول جاهدة مراجعة الاتفاقات الدبلوماسية والاقتصادية المجحفة التي أجبرت على توقيعها مع القوى الغربية بعد الكورو فونة وكانت اليابان كذلك تحاول تطبيق نظام العصرنة، الذي فهم في ذلك الحين على أنه هو نفسه نظام الغربنة، على اقتصادها ونظامها التعليمي والانتاجي والسياسي وحتى المعماري وقدمت لها مصر الخديوية نموذجاً آخر لدولة مرت بتجارب مشابهة وحاولت اتباع المنحيين نفسهما الغربنة والعصرنة كوجهين لنفس الاتجاه، في محاولتها مقارعة الغرب بكل الوسائل الممكنة من دبلوماسية وسياسية وعسكرية حتى، وإن فشلت في النهاية أول الدراسات اليابانية التي تناولت الحالة المصرية جاءت على شكل تقرير نشره رجل الأعمال شيبوساوا إيشيي عام عن زيارته لأوروبا مع وفد رسمي ياباني عام ففي تقريره الذي عنونه كوسيي جيكي مذكرات عن رحلة غرباً، وصف شيبوساوا أعمال حفر قناة السويس وصف المعجب بالقدرة التنظيمية الهائلة خلف هذا المشروع الهندسي الضخم، ولكنه وجه لوماً مقذعاً لما وصفه بالتخلف المصري الذي لم يشاهده مباشرة ولكنه سمع عنه من مخبريه أما المقاربة الثانية فقد كانت أكثر تعاطفاً مع مصر وأكثر إلماماً بوضعها، وكانت كذلك مقاربة رائدة استشراقياً، وربما وحيدة، ولذلك فياحبذا لو مولت إحدى الهيئات المهتمة بالعلاقات اليابانيةالعربية ترجمة نتاجها للعربية أو للإنجليزية صاحب المقاربة، شيبا شيرو، كان سكرتيراً مع وفد رسمي ياباني لأوروبا عندما أثارت مصر عرابي باشا ومصر بعد الاحتلال البريطاني اهتمامه، فكتب كتابين وقعهما باسم مستعار، توكاي سانشي أولهما رواية سياسية نشرالقسم الأول منها عام والثاني عام تحت عنوان عاطفي كعادة تلك الأيام، كاجين نو كيغو لقاءات عاطفية مع سيدتين جميلتين، تناول فيها صراع الأمم المضطهدة مع المستعمرين وتحدث باسهاب عن ثورة عرابي باشا الذي قابله وتحادث معه مطولاً في منفاه عند توقف باخرته في كولومبو في سيلان في طريقها إلى أوروبا، مما دفع بالرواية لتصبح من أكثر الكتب رواجاً في زمنها وثانيهما تاريخ مصر الحديث، دراسة أكثر رصانة ولو أنها حافظت على المشاعر المتعاطفة مع صراع مصر لدفع خطر التهديد الأوروي ولتحديث جيشها واقتصادها هذا التعاطف الناشئ مع الأمم المستعمرة تغير بسرعة إثر تحول اليابان نفسها من دولة مستضعفة إلى دولة مرهوبة الجانب بعد انتصارها في حربها مع روسيا عام ، ذلك الانتصار الذي لاقى تأييداً هائلاً في الدول الشرقية كتركيا ومصر تمثل في قصائد مديح من أمثال مصطفى كامل وحافظ ابراهيم ولكن اليابان نفسها كانت في طريقها إلى التحول إلى دولة مستعمرة إثر احتلالها لكوريا عام مما دفع سياسييها ومنظريها للبحث عن دروس يستفيدون منها من التجارب الاستعمارية الأوروبية وكان واحد من أول مظاهر هذا التحول على صعيد الاهتمام بالشرق الاسلامي ماضٍ وصارخ منذ البداية عندما مولت جمعية حضارة اليابان الكبرى والاسم نفسه يشي بالاتجاه عام ترجمة كتاب لورد كرومر مصر الحديثة إلى اليابانية، ذلك الكتاب الوقح الذي حلله ادوارد سعيد في الاستشراق تحليلاً يظهر نزعة الكاتب العنصرية شديدة التورم على الرغم من محاولته اخفائها تحت ستار من الموضوعية الكاذبة ولكن المقدمة اليابانية تهمل كل ذلك الانحياز لتركز على الوسائل الفعالة والحديثة التي يقترحها كرومر لسوس الشعوب المستعمرة وتطبيعها لخدمة اقتصاد الدول المستعمرة بكسر الميم مقدمة بذلك لساسة اليابان نموذجاً ناجحاً من أجل استكمال سيطرتهم على كوريا ولم تكن تلك هي المناسبة الوحيدة التي حظي فيها كرومر بالاعجاب كحاكم استعماري ناجح فالمديح له ولسياساته في مصر واضح في العديد من المؤلفات اليابانية التي تعود للفترة نفسها والتي اهتمت بمصر المستَعمَرة كمثال للمستعمَرة الناجحة، ككتابي فوسازو كاتو مصر كنموذج للسياسة الاستعمارية وماساجي إنوي الحكم البريطاني في مصر ، أو تلك الدراسات المماثلة التي نظرت بعين الناقد المعجب للممارسات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر كنموذج إداري ناجح آخر، كما في كتاب الوضع العام في الجزائر الذي أصدرته الحكومة العامة في كوريا، وهو الاسم التي أطلقته الإدارة الاستعمارية اليابانية على نفسها وقد جاءت هذه المؤلفات تماماً على النقيض من الاهتمام السابق بمصر الحديثة كمثال على التحديث والتغريب ومقاومة التدخل الأوروبي ولكن الدراسات الأكاديمية، كما بيٌن سعيد وقبله ميشيل فوكو أيضاً، ليست بعيدة عن النبض السياسي وان تسترت بستار الموضوعية والتجرد والبحث العلمي وما حالة الدراسات الاستشراقية في يابان بداية القرن العشرين إلا نموذج حدٌي من ذلك الارتباط المباشر بين الأكاديميا والسياسة في العالم المعاصر أنى مالت السياسة والمصالح الاستراتيجية للبلاد نجد البحث العلمي يميل وراءها وليس في ذلك أي غرابة، خصوصاً في بلد منظم ومركزي الإدارة والقرار كيابان النصف الأول من القرن الحالي وهي الخاصية التي ماتزال بعض ظواهرها ظاهرة في اليابان حتى اليوم فهيئات التمويل الحكومية هي التي تقرر في نهاية المطاف أي اتجاه للبحث يستحق الدعم وبالتالي الانتشار والازدهار وأيها سيترك لوحده مما يؤدي في غالبية الأحوال لضموره وأحياناً لزواله عن الساحة ولعلي أضرب مثالاً هنا من تاريخنا الإسلامي الوسيط يبين عالمية هذه الظاهرة وقدمها، فبعد ظهور المدرسة الممولة والموجهة من الطبقة الحاكمة في العصر السلجوقي بداية القرن الخامس الهجريالحادي عشر الميلادي نجد أن بعض فروع البحث والدراسة التي ازدهرت في العهد الإسلامي الكلاسيكيخصوصاً الفلسفة والجدل والكلام ولكن أيضاً الفلك والهندسة اضمحلت، بغض النظر عن شعبيتها بين العلماء والمتعلمين فالسلطة السلجوقية السنية، وخصوصاً داهيتها المنظم والمدبر نظام الملك الطوسي صاحب المدارس النظامية في مختلف مدن العالم الإسلامي الشرقية، دعمت الدراسات الفقهية والقرآنية واللغوية والحديث والتصوف لاحقاً، ولكنها تجنبت تمويل ورعاية الدراسات الفلسفية والعقلية بشكل عام لأسباب أيديولوجية واستراتيجية وسياسية أكثر منها دينية أو أكاديمية والحال أن الدراسات اليابانية عن العالم الإسلامي والعربي تتابعت بوتيرة أعلى وتنوعت في اتجاهاتها بعد تربع اليابان على سدة الزعامة في آسيا إثر خروجها منتصرة من الحرب العالمية الأولى التي دخلتها كحليفة للحلفاء وازداد التغلغل الياباني في آسيا حدة وانتشاراً إثر تلك الحرب وصارت معظم مناطق شرق آسيا مناطق نفوذ يابانية بموافقة أوروبية، مقابل سكوت اليابان عن تقسيم غرب آسيا وشمال أفريقيا بين الدول الأوروبية المنتصرة، فرنسا وانجلترة وبلغ الاهتمام الياباني بالعالم الإسلامي ذروته في السنين الأولى لعقد الثلاثينات بعد أن تنبهت السلطات الحاكمة في المستعمرات اليابانية الآسيوية لفائدة البحوث الاجتماعية عن الأقليات المسلمة في المناطق الخاضعة لها في سبيل احكام سيطرتها على تلك المناطق وخلق مجموعات من المؤيدين لوجودها عن طريق إشراكهم بعمليات التطوير والتصنيع والتحديث ضمن المبدأ المعروف بمخطط منطقة الازدهارالمشترك في مواجهة التغلغل البريطاني بخاصة في آسيا ولكن لم تكن كل الدراسات اليابانية الاستشراقية ذات توجه محض نفعي أو استراتيجي مباشر فلهذه الفترة بالذات تعود أوائل الدراسات اليابانية عن تاريخ وحضارة وآداب العالم الإسلامي فأول ترجمة للقرآن الكريم إلى اليابانية تعود لعام ، تلاها بعد ثلاث سنوات أول سيرة جدية للرسول بقلم الكاتب نفسه كينئيشي ساكاموتو وبعد ذلك نجد أول كتاب مستفيض عن الإسلام كدين وكحضارة بقلم الكاتب كامي سيجاوا الذي أظهر في مقدمته إدراكاً سابقاً لعصره للأخطاء التي وقعت فيها الدراسات الغربية الاستشراقية أو التي ارتكبتها عمداً ونبه إلى ضرورة عودة البحاثة اليابانيين إلى مظان المصادر الإسلامية العربية وغيرها في سبيل التعرف على وجهات النظر الإسلامية نفسها من دون وسيط يشوهها في هذه الفترة بالذات ظهر أول كاتب ياباني مسلم، الحاج عمر ميتسوتارو ياماوكو ، واحد من أكثر اليابانيين الدارسين للإسلام أهمية وأصالة، ولو أنه مع الأسف لم يلق لافي بلاد ولادته ونشأته ولافي بلاد تحوله الروحي التقدير اللائق بدأت قصة ياماوكو مع الإسلام عام إثر تعرفه بالشيخ عبد الرشيد إبراهيم، المسلم التتاري البشكيري من قازان، الذي لجأ إلى اليابان لطلب مساعدتها الشعب التتري في نضاله ضد الاستعمار الروسي وكتب كتاباً عن مسعاه يتبين منه كيف تحمست الشعوب الأسيوية المقهورة لانتصار اليابان الشرقية على روسيا القيصرية الغربية بعد تعرفه بالشيخ عبد الرشيد غادر ياماوكو اليابان بهدف زيارة مكة وأسلم في بومباي في الهند بطريقه إلى بلاد العرب ولكن مابدأ على الأغلب كوسيلة للوصول إلى مكة المبتغاة تحول إلى عقيدة أثمرت العديد من الكتب، أولها كتاب رحلتي في بلاد العرب، أرض العجائب في العالم الذي نشره في طوكيو إثر عودته سالماً غانماً من حجه عام حيث لاقاته الجماهير المسلمة بالترحيب في مكة والمدينة كأول مسلم ياباني وقابله وجهاء القوم بما فيهم الشريف حسين بن علي وتلاحقت بعد ذلك كتبه عن مغامراته في بلاد الإسلام، إذ أنه جال في العالم الإسلامي طويلاً بين و، وعن انطباعاته عن العقيدة الإسلامية التي أصبح هو نفسه أهم المنافحين عنها في اليابان وعن الصراع الإسلامي في سبيل التحرر من الاستعمار في آسيا فبلغت عدتها سبع كتب نشرها بين و ولم تخلو أسفاره من مغامرات وحوادث غامضة إذ أنه مثلاً سجن في استنبول لمدة ستة أشهر عام بتهمة التجسس العسكري لصالح الحكومة اليابانية ولو أن مناصريه يؤكدون أن سبب سجنه الحقيقي هو تخوف السلطات الجمهورية في تركيا من نشاطاته الإسلامية في صفوف الحركات الإسلامية المكروهة من الجمهوريين ولانعرف الكثير عن حياة الحاج ياماوكو بعد ذلك سوى أنه عاش في فقر مدقع في طوكيو إثر الحرب العالمية الثانية ولو أنه واظب على حضور اجتماعات جمعية الدراسات الإسلامية قبل أن يختفي في عام وانقطعت أخباره إلى أن ظهر مقال عام بقلم إمام جامع أوساكا يعلن فيه أن الحاج ياماوكو توفي في عزلته عام ومن جملة ماخلفه الحاج ياماوكو مسودات كتابين لم ينشرا ولاأدري محتواهما ولاأين هما ولو أن عنوانيهما مثيران وجديران باهتمام البحاثة العرب الأول هو العرب واليهود في فلسطين والثاني هو الاقتراح التقريري لحل المشكلة الفلسطينية توقفت مختلف أوجه النشاط البحثي في اليابان، ومن ضمنها الدراسات الإسلامية، بعد الهزيمة الكارثية التي منيت بها البلاد في الحرب العالمية الثانية فأغلقت معاهد البحث الحكومية بحكم أنها كانت مراكز دعاية واستخبار، وتقوقع الباحثون الباقون على أنفسهم وانصرفوا إلى الدراسات التاريخية والأدبية المحضة لكي يزيلوا عن أنفسهم وصمة خدمة السلطة السياسية ولم تعد الدراسات الإسلامية للانتعاش إلا مع عودة الأمة للازدهار في منتصف الخمسينات مع نجاح برنامج إعادة الإعمار المكثف التي شارك فيه جميع اليابانيون وازدادت وتيرة الاهتمام بعد حرب السويس عام وخروج مصر عبد الناصر من أزمتها من دون أن تضطر للتراجع عن قرار تأميم القناة ولكن الاهتمام البحثي الحقيقي المدعوم بالتمويل الحكومي السخي لم يظهر إلا إثر حرب أكتوبر، ، والمقاطعة النفطية العربية فاليابان من أكثر الدول المتقدمة اعتماداً على النفط العربي وكانت من أكثرها تضرراً بالمقاطعة العربية وهذا ماحدا بالحكومة للاهتمام بدفع الدراسات الإسلامية في اليابان في مختلف المناحي والاتجاهات من أجل فهم أفضل للعالم الإسلامي الغني نفطياً واستثمارياً وتقدمت الدراسات الإسلامية تقدماً هائلاً بحيث بلغ الباحثون في المعاهد اليابانية المتخصصة اليوم المئات باحثاً متخصصاً علم وفقاً لتقرير مياجي، وهم ينشرون مئات الأبحاث سنوياً بمعدل بحثاً في السنة بين وفقاً لدراسة تورو ميورا في مختلف المواضيع التاريخية والانتروبولوجية والسياسية والاقتصادية والفنية واللغوية ولكن مايهمنا هنا هو مايميز الدراسات الإسلامية في اليابان المعاصرة برمتها ويجعلها مختلفة عن معادلاتها الغربية أو عن الدراسات الإسلامية في البلاد الإسلامية نفسها من جهة وجديرة بالمتابعة والمساهمة الفعالة في العالم العربي من جهة أخرى أول معالم الاختلاف هو الجدية والمباشرة التي تحظى بها الدراسات الاسلامية اليوم من قبل الحكومة ممثلة بوزارة التعليم والعلوم والرياضة والثقافة في اليابان في حين أنها قد فقدت بعض الاهتمام في العالم الغربي أو بالأحرى تغيرت نوعية الاهتمام الرسمي الحكومي بها في أوروبا والولايات المتحدة لكي تتركز على واحد من اتجاهين بشكل عام الاهتمام الأمني والاستراتيجي الآني المتمثل بالحفاظ على التبعية الاقتصادية والمالية والاستهلاكية للعالم الغربي من جهة ودحر كل محاولة للاحتجاج مسالمة كانت أم عنيفة، والاهتمام المتحفي من متحف الترتيبي والتبويبي والأكاديمي الجامد وغير المتفاعل مع الواقع الثقافي والاجتماعي الاسلامي ففي اليابان، وعلى الرغم من الخلفية الاستراتيجية الرئيسة للاهتمام الحكومي والخاص بالعالم العربي والاسلامي فهناك، على الأقل كما أتيح لي أن ألاحظ، توجه نحو محاولة فهم العالم الإسلامي بطريقة أفضل كشريك تجاري وكسوق وكذلك وهذه هي النقطة المهمة كشريك آسيوي له حضارته الخاصة المميزة وقد انعكس هذا الاهتمام على التمويل الذي تحظى به الدراسات الإسلامية وعلى نوعية هذه الدراسات فقد مولت وزارة التعليم مثلاً سلسلتين من المواسم الدراسية الأول استمر من إلى وكان عن العمران الإسلامي، تاريخه وتطبيقاته المختلفة، والثاني ابتدأ في نيسان من عام وسيستمر حتى آذارمن عام وهو برنامج جد طموح لجمع وتبويب وتفسير ومقارنة كمية هائلة من قواعد المعلومات عن العالم الاسلامي ككل منذ ابتداء الإسلام وحتى اليوم وقد كانت زيارتي لليابان من ضمن أولى نشاطات هذا الموسم البحثي التي ضمت مؤتمراً عن سلالات المماليك في التاريخ الإسلامي أما النقطة الثانية، فهي ملاحظة منهجية ومبدئية تعيدنا إلى نقطة البداية في نقاشنا، أي العلاقة المعرفية بين الشرق والغرب أو الاستشراق، بالإضافة إلى كونها تعكس القلق السيكولوجي والكينوني في اليابان المعاصرة النابع من احتمال انصهارها في بوتقة الحضارة الغربية وفقدانها لمقوماتها الثقافية الخاصة بسبب من اندماجها الناجح في كل مناح الاقتصاد العولمي الصناعية والتكنولوجية والمعلوماتية والمالية الاستثمارية ويتمثل هذا القلق على صعيد الدراسات الإسلامية الأكاديمي في تراوح موقف الدارس أي الباحث أو الباحثة اليابانيين وخلفهما الآلة البحثية اليابانية الهائلة من المدروس أي الإنسان المسلم بين البرودة والحياد واللامبالة أو العداء والحذر واحساس التفوق التي تطبع العديد من الأعمال الغربية عن العالم الاسلامي والشعور بالمشاركة في تراث آسيوي يضم في دفتيه الشرقين الأوسط والأقصى في مواجهة حضارة غربية فرضت على الشرقين شرقيتهما كانعكاس لغربيتها ومغايرة لها هذه المراوحة بين الموقفين مازالت من دون أي حسم، وإن كانت العديد من الدلائل تشير إلى أن اليابان الرسمية والأكاديمية على الأقل تسعى جاهدة لتجاوز الموقف المتباهي والمغرور والتقارب حضارياً ووجودياً مع العالم الإسلامي وقد ظهرت بوادر هذا التقارب في الدراسات الإسلامية في اليابان في السنين الخمس الأخيرة خصوصاً من خلال سلسلتي المواسم الدراسية آنفتي الذكر وبالطبع مازال هناك الكثير أمام المهتمين من الطرفين لجعل التقارب عاماً واجتماعياً ولتجاوز المطبات والعودة إلى تلك الروح التضافرية التضامنية التي ميزت المقاربات اليابانية الأولى للشرق الأوسط في نهاية القرن التاسع عشر وكلي أمل أن تكون الأذان في الجامعات العربية والإسلامية صاغية