لودوڤيكو أريوستو
لودوڤيكو أريوستو Ludovico Ariosto | |
---|---|
وُلِد | 8 سبتمبر 1474 ردجو إميليا، إيطاليا |
توفي | 6 يوليو 1533 فـِرارا، إيطاليا |
العرق | إيطاليا |
الفترة | عصر النهضة |
الصنف الأدبي | الشعر الملحمي |
الموضوع | الفروسية |
أبرز الأعمال | اورلاندو فيوروزو |
لودوڤيكو أريوستو Ludovico Ariosto (النطق بالإيطالية: [ludoˈviko ariˈɔsto]؛ عاش 8 سبتمبر 1474 - 6 يوليو 1533)، هو شاعر إيطالي. اشتهر كمؤلف للملحمة الرومانسية اورلاندو فيوروزو (1516). القصيدة، استمرار لقصيدة اورلاندو إنامورتو لماتيو ماريا بويادرو، تصف مغامرات شارلمان، اولاندو، والفرنجة في معركتهم ضد الساراكينوسيون في سرد للكثير من المؤامرات الجانبية. نظم أريوستو قصيدته على إيقاع اوتاڤا ريما وقدم تعليق سردي خلال القصيدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الميلاد والنشأة
يحب ألا يغيب عن أذهاننا، ونحن نوشك أن نتحدث عن أعظم شعراء النهضة الإيطالية، أن الشعر الموسيقي غير قابل للترجمة، وأن الذين لم يسعدهم الحظ منا بأن تكون اللغة الإيطالية لغتهم الأصلية يجب ألا يتوقعوا أن يعرفوا لمَ تضع إيطاليا لدوفيكو أريستو في المرتبة العالية التي لا يعلو عليها إلا دانتي بين شعرائها، وأنها تحب قصيدة أرلندو فيوربوسو وتقرؤها بابتهاج لا ترقي إلى درجته البهجة التي يقرأ بها الإنجليز مسرحيات شكسبير. أما نحن فإذا سمعناها فإنما نسمع الألفاظ ولكننا ينقصنا اللحن والإيقاع. [1] وكان مولد أريستو في الرابع عشر من سبتمبر عام 1474 في رجيو إميليا التي كلن أبوه حاكماً عليها؛ ثم انتقلت الأسرة إلى روفيجو في عام 1481، ولكن يبدو لدوفيكو تلقى تعليمه في فيرارا. وقد ألحق بها ليتعلم القانون لكنه فضل عليه الشعر، وكان في هذا شبيهاً ببترارك، ولم تضطرب أحواله كثيراً على أثر غزو الفرنسيين في عام 1494؛ ولما أن أعد شارل الثامن عدته للانقضاض على إيطاليا مرة ثانية (1496) قال أرلندو قصيدة حاكى فيها أسلوب الشاعر الروماني القديم هوراس وضع فيها الأمور فيما بدا له أنه الوضع الصحيح:
"ماذا يعنيني من قدوم شارل وجيوشه؟ سأبقى في الظلال أستمع إلى خرير الماء اللطيف، أرقب الحاصدين في عملهم. وأنت يا فوليس ألا تمدين يدك البيضاء من خلال الأزهار المبرقشة وتنسجين لي أكاليل على نغمات صوتك الموسيقي؟".
وتوفى والده في عام 1500 وخلف لأبنائه ميراثاً يكفي لإعالة واحد منهم أو اثنين؛ وأصبح لدوفيكو أكبر الأبناء رب الأسرة، وأخذ يكافح الضيق المالي كفاحاً طويلاً، وأثر القلق الناشئ من هذا الكفاح في أخلاقه فبعث فيه من الجبن والوجل والذلة والغضب ما لا يستطيع أن يدركه إلا الشعراء ذوو المسغبة؛ وفي عام 1503 التحق بخدمة الكردنال إبوليتو دست؛ ولم يكن إبوليتو هذا ممكن يتذوقون الشعر، ولهذا شغل أريستو وضايقه بكثير من المهام الدبلوماسية وبغيرها من الأمور التافهة، وكان الشاعر يتقاضى أجراً قدراً 240 ليرة (3000؟ دولار) في العام، لم تكن إليه بانتظام. وحاول أن يحسن مركزه بنظم قصائد يشيد فيها بشجاعة الكردنال وعفته، ويدافع فيه عن سَلم عيني جويليو. وعرض عليه إبوليتو أن يزيد مرتبة، إذا قبل أن ينظم في سلك رجال الدين بحيث يصبح من حقه أن يختار لبعض المناصب الكنسية، لكن أريستو كان يبغض رجال الدين وآثر يكتوي بنار الغرام بدل أن يحترق مع رجال الدين.
كانت المدة التي قضاها في خدمة إبولينو هي التي كتب فيها معظم مسرحياته. وكان قد بدأ هذه الفترة من حياته بالاشتغال بالتمثيل، وكان من أعضاء الفرقة التي بعثها إركولي إلى بافيا، ولما أن شرع يؤلف المسرحيات كانت مسرحياته تحمل طابع ترنس أو بلونوس، وكان هو صريحاً كل الصراحة حين عرضها إذ قال أنها محاكاة لهذا وذاك. ومثلت مسرحيته المسماة كساريا في فيرارا عام 1508، كما مثلت سبوزيثى في روما عام 1519 أمام ليو العاشر ونالت رضاه، وظل يؤلف المسرحيات إلى آخر سنة في حياته، وترك أحسنها كلها وهي مسرحية اسكولا ستيسكا ناقصة حين وافته منيته. وتدور هذه المسرحيات كلها حول الموضوع القديم: كيف يستحوذ شاب أو عدد من الشبان، بحيل خدمهم في العادة، وبالزواج أو الغواية، على فتاة أو عدة فتيات. ولمسرحيات أريستو منزلة عالية بين المسالي الإيطالية، ولكنها لا تشغل إلا المنزلة الدنيا في تاريخ التمثيل بوجه عام.
الراعي الجديد والعمل الدبلوماسي
ونظم الشاعر الجزء الأكبر من ملحمته الضخمة اورلاندو فيوروزو Orlando Furioso أثناء اشتغاله بخدمة إبوليتو؛ ويبدو من هذا أن الكردنرل لم يكن ممن يرفضون رقابتهم على من في خدمتهم. ولما أن عرض أريستو المخطط على إبوليتو سأله هذا الخبر ذو النزعة الواقعية- كما تقول إحدى الروايات غير الموثوق بها وهي رواية إن لم تكن صحيحة فإنها تعبر أحسن تعبير عن روح العصر: "أنى وجدت يا سيد لدوفيكو هذا الهراء كله؟". ولكن يبدو أن الإهداء وما فيه من ثناء كان له عند إبوليتو من المعاني أكثر مما للكتاب نفسه؛ ومن أجل هذا تكفل الكردنال بنفقات نشر القصيدة (1515)، على أن يحتفظ أريستو بجميع الحقوق الخاصة بها وجميع الأرباح الناتجة من بيعها. ولم تر إيطاليا أن القصيدة "هراء" في هراء، أو لعلها ظنت أنها هراء مطرب، فنفدت منها سبع طبعات بين عامي 1524 و 1527؛ وسرعان ما كانت أحسن فقراتها تردد ويتغنى بها في طول شبه الجزيرة وعرضها؛ وقد قرأ أريستو نفسه كثيراً منها لإزبلا دست أثناء مرضها في مانتوا وامتدح صبرها بالثناء عليها في الطبعات التالية. وقضى أريستو عشر سنين (1505- 1515) في كتابة فيوريوزو، وستة عشر عاماً أخرى في صقلها؛ ويضيف إليها مقطوعة من آن إلى آن حتى كادت أبياتها تبلغ 39.000 أي مجموع أبيات الإلياذة والأوديسة مجتمعتين.
وكان كل ما تعتزم في بادئ الأمر أن يكمل ويوسع قصيدة أرلندو الواله لبوياردو. ولهذا أخذ عن سابقه طابع الفروسية العام وموضوعاها، ومغامرات فرسان شارلمان الغرامية والحربية، والشخصيات الهامة، وترتيب الحوادث المهلهل، والانتقال من قصة فبل أن تتم إلى قصة أخرى، والأعمال السحرية التي تقلب القصة ظهراً لبطن في كثير من الأحيان، بل أنه ذهب إلى ابعد من هذا فأخذ عنه فكرة الرجوع بنسب أسرة إستنسي إلى ذلك الزواج الأسطوري بين روجييرو وبرادامنتي. ولكنه مع ذلك لا يذكر أسم بوريارد قط، على حين أنه يمتدح مائة من الناس غيره، ذلك انك إذا كنت مديناً لأحد فلن تكون عنده بطلاً من الأبطال. ولعل أريستو قد شعر بأن موضوع الملحمة وشخصياتها مأخوذان من الأقاصيص المتداولة لا من بوريادو نفسه.
الأسلوب الشعري
وقد فعل أريستو ما فعله الكونت وما لم تفعله الأقاصيص فغَلَّب شأن الحب على شئون الحرب، ولهذا قال في مستهل القصيدة:
"إني أتغنى بالنساء، والفرسان، والسلاح، والحب، وأعمال الفروسية والمغامرات الجريئة". وتنفذ القصيدة هذا المنهج بحذافيره: فهي سلسلة من المعارك الحربية، بعضها تقوم به المسيحية ضد الإسلام، ومعظمها معارك في سبيل النساء، وفيها أكثر من عشرة أمراء وملوك يتقاتلون من أجل أنجلكا، وهي تداعبهم جميعاً، وتوقع بينهم، وتقع في شر أعمالها حين تشغف بحب رجل وسيم غير نابه، وتتزوج به قبل أن تبحث البحث المألوف عن إيراده. ويتعقبها أرلندو وهو الذي يدخل القصة بعد ثمان مقطوعات في ثلاث قارات، ويغفل في هذه الأثناء أن يخف لمعونة مليكه شارلمان حين يهاجم المسلمون باريس، ويصاب بالجنون حين يدرك أنه فقدها (المقطوعة الثالثة والعشرون)، ثم يعود إليه صوابه بعد ست عشرة مقطوعة أخرى حين يعثر على عقله الضائع في المقر، ويعود به إليه أحد المسافرين إلى هذا الكوكب قبل ملاحي جول فيرن. ويحتفظ بهذا الموضوع الرئيسي ويسبب له كثيراً من الاضطراب ما يتخلل أحداثه من مغامرات يقوم بها كثير من الفرسان الآخرين يطارد كل واحد منهم المرأة التي يحبها في ست وأربعين أخرى من الشعر المُغوي للنساء. وتسر النساء بهذا الطراد، ولعلنا نستطيع أن نستثني منهن إزبلا التي تقنع رودمنتي بأن يقطع رأسها بدل أن يفض بكارتها، وتنال بذلك تمثالا يخلد اسمها. وأدخلت في القصيدة قصة القديس يوحنا القديمة: فترى فيها أنجليكا الحسناء تشد إلى الصخور بجانب البحر، زلفى إلى تنين يطلب عذراء في كل عام، وقبل أن يصل روجييرو لينقذها يذكرها الشاعر ويقدرها كما يقدرها كريجيو نفسه في أبيات تفقدها الطلاوة الموسيقية:
لقد قسا إنسان غليظ القلب لا يعرف الرحمة،
فعرض على شاطئ البحر على الحيونات الضارية
امرأة هي أجمل من على الأرض من النساء، عرضها عارية،
بالصورة التي شكلت بها الطبيعة جسدها الحلو الجميل،
ولم يستر بشيء من الثياب مهما رق
جسمها الذي جمع بين السوسن الناصع
وحمرة الورد الهادئة الذي يستقبل بها حر الصيف وزمهرير الشتاء
ولا يصيبه منهما أذى، والذي كان يتألق على أطرافها المتلألئة الساطعة،
ولولا أن رأى دمعة متلألئة منحدرة،
بين ورود خديها وسوسنها الأبيض،
تبلل ثديين كأنهما تفاحتان ثبتتا على صدرها،
وشاهد شعرها الذهبي يتماوج في النسيم،
لظنها تمثالاً منحوتاً من المرمر أو صورة من الرخام،
صاغتها في الصخر يد مثال صناع.
وأريستو لا يحمل هذا كله على محمل الجد، فهو يكتب ليسلي ويسر، وهو يسعى عامداً إلى أن يفتتنا بسحر شعره فيقودنا في الخيال إلى عالم غير حقيقي، ويخلع على قصصه جواً من الغموض بما يخله فيها من الجن، والأسلحة، والرقى السحرية، والخيل المجنحة التي تطوف بالسحب، والآدميين الذين استحالوا أشجاراً، والقلاع التي تذوب بكلمة جبار صلف، وترى ألندو تنفذ حربته في جسد ستة من الهولنديين، وأستلفو ينشئ أسطولاً بأن يلقي في الهواء أوراق الأشجار، وبمسك بالريح في مثانة، ثم نرى أريستو بعد ذلك يضحك من هذا كله، ويبتسم ابتسامة الرجل السمح، لطعان الفروسية وتمويهها. وحاسة الفكاهة عند أريستو قوية ممتازة ممتزجة بالتهكم الظريف، فهو يضم إلى النفايات التي تُلقى بها الأرض على القمر صلوات المنافقين، وتملق الشعراء، وخدمات أفراد البلاط، وهبات قسطنطين (في المقطوعة الرابعة والثلاثين)، وأريستو لا يدعى الفلسفة إلا من حين إلى حين، وفي قليل من افتتاحيات المقطوعات. ذلك أن النزعة الشعرية قد تملكته حتى فقد نفسه واستنفذ قواه وهو ينشئ شكلاً جديداً لشعره ويصقله، فلم يبق لديه من الجهد ما يبذله في غرض من الأغراض التي تسمو بالحياة أو في أي شيء من فلسفتها.
ويحب الإيطاليون قصة فيوربوزو لأنها كنز من القصص المثيرة- لا تخلو واحدة منها من الإشارة إلى امرأة حسناء غير بعيدة- تروي بلغة رخيمة ولكنها خالية من التكلف والصنعة، في مقطوعات قوية حماسية تنقلنا نقلاً سريعاً من منظر إلى منظر. وهم يغفرون لكاتبها الاستطرادات والأوصاف الطويلة، والابتسامات التي لا يحصى عددها والمتكلفة في بعض الأحيان، يغفرون له هذه كلها لأنه يكسوها شعراً ساطعاً متلألئاً، وهم يجدون فيها جزاء طيباً من هذا الغفران، ويصيحون في صمت "مرخى!" حين يخرج عليهم الشاعر ببيت يثير عجبهم كالذي يقول فيه عن دسربينو: "لقد صاغته الطبيعة ثم حطمت القالب الذي صاغته فيه". ولا يطول انزعاجهم من تملق أريستو آل إستنسي طمعاً في رفدهم، ولا من مديحه إبوليتو، وإشادته بعفة لكريدسيا، فقد كان هذا الخضوع من سمات تلك الأيام، فأنت ترى مكيفلي لا يستنكف أن يخر راكعاً لينال إعانة مالية، والشاعر له أن يعيش.
لكن هذه المعيشة أصبحت شاقة حين قرر الكردينال أن يخرج للحرب في بلاد المجر، وطلب إلى أريستو أن يرافقه، فلما رفض أريستو أعفاه إبوليتو من خدمته وقطع عنه مكافأته (1517). ولكن ألفنسو أنقذ الشاعر من آلام الفاقة بأن خصص له معاشاً قدره أربعة وثمانون كروناً (1050؟ دولاراً) فضلاً عن ثلاثة خدم وجوادين، ولم يكد يطلب إليه في نظير ذلك شيئاً. وظل أريستو حتى بلغ السابعة والأربعين من عمره أعزب عنيداً في عزوبته، ولكنه لم يكن في خلالها متبتلا كل التبتل. ثم خرج ألسندرا بينوتشي التي أحبها وهي لا تزال متزوجة من تيتو فسبازيانو استراتسي. ولم يرزق منها أبناء، ولكنه كان له ولدان غير شرعيين رزق بهما قبل زواجه.
وظل ثلاث سنين (1522-1525) حاكماً لجارفنيانا وهي أقليم جبلي موبوء بقطاع الطرق واللصوص، ولم يكن طوال هذه السنين سعيداً في عمله. فقد كان غير لائق للعمل ولا للقيادة، وسره أن يعتزل عمله ليقضي الثمان السنين الأخيرة من حياته في فيرارا. ثم ابتاع في عام 1528 قطعة من الأرض في أرباض المدينة، أقام فيها بيتاً ظريفاً، لا يزال ظاهر المعالم في فيا أريستو (طريق أريستو) وتحافظ عليه الدولة، وقد نقش على واجهته بيتين بشعر هوراس يتسمان بالبساطة والجلال قال فيهما "هو صغير ولكنه يوائمني، ولا يؤذي إنساناً ما، وليس هو حقيراً ولكني حصلت عليه من مالي الخاص، انه بيتي". وعاش فيه هادئاً يعمل في حديقته حيناً، ويراجع أو يطيل الأريستو في كل يوم.
وظل في هذه الأثناء يحاكى هوراس في نظمه، فكتب إلى عدد من أصدقائه سبع رسائل شعرية وصلت إلينا تحت عنوان "قصائد الهجو". وليست هذه القصائد عادة متماسكة كقصائد هوراس التي حذا حذوها، كما أنها ليست قوية مريرة قاتلة كقصائد جوفنال، ذلك أنها كانت ثمرة عقل ينطوي على الحب ولا يجد السلام أبداً، يتحمل على مضض ضربات الدهر وسخرياته، ووقاحة المتعجرفين وإهاناتهم. وتصف هذه الرسائل عيوب رجال الدين، وما كان سائداً في روما من أتجار بالمناصب الدينية، وتحيز البابوات المنغمسين في حب الدنيا لأقاربهم وذويهم "الرسالة الأولى"، ويهجو في الرسالة الثانية إبوليتو لأنه يؤجِر خدمه أكثر مما يؤجر شاعره، وفي الثالثة يسخر من النساء ويقول إنهن قلما يكن وفيات أو شريفات، ويعرض فيها نصيحة خبير أوذي منهن عن طريقة اختبار الزوجة وترويضها، وفي الرابعة يرثي لحياة الحاشية، ويروي في حنق زيارة غير موفقة قام بها لليو العاشر:
قبلتُ، فانحنى من مقعده المقدس، وأمسك بيدي وحياني بتقبيل خدي، وأعفاني فوق هذا من نصف ضرائب التمغة التي كان علي أن أؤديها، ثم خرجت وصدري مفعم بالأمل، ولكن جسمي مبلل بالمطر وملوث بالطين، وتناولت عشائي في مطعم الكبش.
وفي هذه المجموعة قصيدتان يندب فيهما حياته الشاقة في جارفنيانا، وأيامه التي "تنقضي في التهديد، أو العقاب، أو الإقناع أو التحصيل". وارتاعت موهبته الشعرية وشلت فسكن صوتها من أثر الجرائم، والقضايا، والمشاغبات التي كانت تقع في الإقليم، ومن بعد المسافة، بينه وبين عشيقته (الرسالتان الخامسة والسادسة). وتسأل السابعة بمبو أن يختار معلماً يونانياً لفرجينيو Virginio بن أريستو:
يجب أن يكون هذا اليوناني غزير العلم، ولكنه يجب أن يكون كذلك ذا مبادئ طيبة، لأن العالم بغير الأخلاق ليس عديم القيمة فحسب، بل هو شر من هذا وأشد ضرراً. وإن من الصعب لسوء الحظ أن نجد في هذه الأيام معلماً من هذا الصنف، فقل أن تلقى بين الكتاب الإنسانيين من لا يتصف بشر الرذائل، كما أن الغرور الذهني يجعل الكثيرين منهم متشككين. ترى لم نرى العلم وعدم الإخلاص متلازمين على الدوام؟.
ولم يكن ألايستو نفسه في معظم أيام حياته متمسكاً بدينه، ولكنه لجأ إليه في آخر أيامه كما كان يلجأ إليه مفكرو النهضة كلهم تقريباً. وكان منذ صباه يشكو البرد المصحوب بالنزلات الشعبية، وأكبر الظن أن هذا المرض قد زادت حدته بتأثير أسفاره لأداء المهام التي كان يكلفه بها الكردينال. واشتدت هذه العلة في عام 1532 فانقلبت إلى ذات الرئة، وأخذ يغالب المرض كأنه لا يكفيه أن يخلد أسمه وحده، ولم يكن قد تجاوز الثامنة والخمسين حين توفي (1533).
وصار أريستو من عظماء الكتاب حتى قبل وفاته، فصوره رفائيل قبل موته بثلاث وعشرين سنة في مظلم البارنسس بقصر الفاتيكان إلى جانب هوميروس وفرجيل، وهوراس، وأوفد، ودانتي، وبترارك بين أصوات بني الإنسانية الذين لا ينسون على مر الأيام. وتسميه إيطاليا "هومرها" كما تسمى الفيوربوزو "إلياذتها" ولكن يبدو حتى لم يمجدون إيطاليا ويسبحون بحمدها أن في هذا من السخاء أكثر مما فيه من العدالة. ذلك أن العالم الذي يصفه أريستو يبدو خفيفاً، خالياً غريباً، إلى جانب حصار طروادة القاسي الرهيب، وأن فرسانه- ومنهم من لا يستطاع تمييز أخلاقهم كما لا يستطاع تمييز أسلحتهم بعضهم من بعض- لا يكادون يرقون إلى جلال اجممنون، أو إلى عاطفة أخيل الجائشة أو حكمة نسطور، أو نبل هكتور، أو مأساة بريام، ومن ذا الذي يسوي بين أنجلكا الحسناء الطائشة، وبين هلن Helen الإلهة بين النساء التي سيطرت بقوتها على الأقدار؟ ومع هذا كله فان الكلمة الأخيرة في ذلك يجب أن تكون كالأولى، وهي أن الذين يجيدون معرفة لغة أريستو، ويدركون ما في مرحه وعاطفته من تدرج لا يكاد يحس به، ويتأثرون بموسيقى حلمه العذبة الشجية، أن هؤلاء وحدهم هم الذين يستطيعون أن يصدروا حكماً صحيحاً على أريستو.
المصادر
- ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
وصلات خارجية
- أعمال من Ludovico Ariosto في مشروع گوتنبرگ
- Ludovico Ariosto's works: text, concordances and frequency lists
- LitWeb: Ludovico Ariosto
- Daniel Javitch, The Poetics of Variatio in Orlando Furioso.pdf
- The Online medieval & Classical Library (OMACL): Orlando Furioso: Canto 1 & Canto 2