كولا دي ريينزو
كولا دي ريينزو/ريينزي (بالإيطالية: Cola di Rienzo) (ح. 1313 - 1354 م) هو زعيم شعبي من رجالات روما وقادة الحركة الإنسانية، وقاضي الشعب الروماني.[1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سيرته
عاد بترارك إلى أڤنيون وڤوكلوز (1345-1347)، وكان ولا يزال ينعم بصداقة آل كولنا، فسره ان يعلم أن الثورة قد اشتعل لهيبها في روما، وأن ابن صاحب حانة وغسالة (22) قد انتزع السلطة من آل كولنا وغيرهم من الأشراف، وأعاد إلى الوجود الجمهورية المجيدة، جمهورية آل اسكبيو، وجراكس، وأرنولد من بريشيا Arnold of Brescia. وكان نكولا دي ريندسو جيريني Niccola di Rienzo Gabrini الذي اختصر العامة المقتصدون في الأسماء اسمه في ذلك الوقت فجعلوه "كولا دى ريندسو" Cola di Rinzo ثم اختصره الخلف المهملون فجعلوه ريندسي Rienzi، كان هذا الرجل قد التقى ببترارك في عام 1343، وذلك حين قدم إلى أفنيون، وهو شاب موثق، قبل ذلك الوقت بثلاثين عاماً ليطلع كلمنت السادس على ما آل اليه حال روما من البؤس، وليطلب إلى البابوية أن تمد يد المعونة للشعب الروماني ضد النبلاء المتنازعين النهابين السلابين المسيطرين وقتئذ على العاصمة. وداخلت كلمنت الشكوك في هذا الرجل ولكنه رده بعد أن نفحه بالفلورينات وشجعه بالأقوال لأنه كان يأمل في أن يستخدم هذا القانونى المتحمس في النزاع الكثير الحدوث بين البابوات والأشراف.
وأثارت خرائب روما وآدابها القديمة خيال ريندسو كما اثارت خيال بترارك، فارتدى الشملة الرومانية (Toga) البيضاء التي كان يلبسها أعضاء مجلس الشيوخ القدامى، وأخذ يتحدث إلى الرومان بحماسة لا تقل عن حماسة أبني جراكس وبلاغة لا تكاد تقل عن بلاغة شيشرون، ويشير إلى بقايا السوق الرومانية الكبرى ذات الجلال والفخامة، والحمامات الكبرى، ويذكر الرومان بالأيام الخوالي حين كان الأباطرة أو القناصل يشرعون القوانين من فوق هذه التلال ويصدرون الأوامر للمدينة وللعالم أجمع، ويدعوهم إلى الاستيلاء على زمام الحكم، وإعادة الجمعيات الشعبية، واختيار تربيون له من القوة ما يستطيع به أن يحميهم من الأشراف الغاصبين. واستمع إليه الفقراء وهم فزعون مرتاعون، وتساءل التجار هل يستطيع ذلك التربيون المرتقب أن يجعل روما مكاناً آمناً تقوم فيه الصناعة وتنشط التجارة، وسخر منه الأشراف، واتخذوا ريندسو هدفاً لمرحهم وفكاهاتهم على موائد العشاء، وتوعدهم هو بأن يختار طائفة منهم يشنقهم حين يندلع لهيب الثورة.
وما كان أشد فزعهم حين اندلع لهيبها فعلا. فقد حدث في 20 مايو من عام 1347 أن جاء حشد من الرومان وازدحموا في الكبتول. وظهر ريندسو أمامهم يحف به أسقف أرفيتو نائباً عن البابا. وأعلن عودة الجمهورية، وتوزيع الصدقات على المعوزين، واختير الرجل حاكما بأمره، وأجازوا له في اجتماع آخر عقد فيما بعد أن يتخذ لنفسه اللقب الشعبي القديم- لقب تربيون. واحتج على ذلك ايتفانوكولنا عضو الشيوخ الهرم، فأمره كولا أن يخرج هو وغيره من النبلاء من المدينة. واستشاط هؤلاء الأشراف غضباً ولكنهم اضطروا إلى إطاعة الثوار المسلحين، فانسحبوا إلى ضياعهم في الريف. وأسكرت ريندسو خمرة النصر فأخذ يتحدث عن نفسه كأنه "المنقذ الأعظم للجمهورية الرومانية المقدسة " الملهم "بقوة يسوع المسيح "(23).
وكانت إدارته للشئون البلدة أحسن ما تكون الإدارة، فقد نظم أثمان المواد الغذائية ليمنع المكاسب غير المشروعة، وحفظ ما زاد من الغلال في اهراء، وبدأ العمل في تجفيف المستنقعات الموبوءة ببعوض الملاريا، وزرعت أرض كمبانيا. وانشئت محاكم جديدة لتوزيع العدالة بإنصاف لا رحمة فيه ولا هوادة، فكان يحكم على الراهب وعلى البارون بالإعدام إذا ارتكبا نفس الجرم، وشنق عضو شيوخ قديم لأنه سرق مركباً تجارياً، وقبض على القتلة الذين تستأجرهم الأحزاب المتنازعة، وأنشئت محكمة للصلح وفقت في بضعة أشهر بين المتخاصمين في 1800 نزاع. وارتاع الأشراف الذين اعتادوا أن يتصرفوا في القوانين على هواهم إذ وجدوا أنهم قد القيت على عاتقهم تبعة الجرائم التي ترتكب في ضياعهم، وفرضت على بعضهم غرامات فادحة، وسيق بيترو كولنا رغم مهابته وخيلائه إلى السجن حافي القدمين. وعرض القضاة المتهمون بالعبث بالعدالة مصلوبين في الميادين العامة، وفلح الزراع حقولهم في أمن وسلام لم يعهدوا لهما مثيلا من قبل، وكان التجار والحجاج القادمون إلى روما يُقَبَلون شعار الجمهورية التي بعثت من جديد والتي أمنت الطرق العامة بعد أن ظلت نصف قرن من الزمان مباءة لقطاع الطريق(24). ودهشت إيطاليا على بكرة ابيها مما حدث في روما من تغير وتحول، ورفع بترارك إلى ريندسو قصيدة تفيض بالثناء والاعتراف بالجميل.
واغتنم التربيون هذه الفرصة, افاد منها كما يفيد السياسي المحنك الجريء، فأرسل الوفود إلى جميع أنحاء شبه الجزيرة، ودعا المدن أن ترسل ممثليها ليتألف منهم برلمان عظيم يضم أشتات "إيطاليا المقدسة " ويحكمها على نظام البلديات المستقلة المتحدة، وتكون روما عاصمة العالم كما كانت من قبل. وتمهيداً لهذه الغاية جمع مجلساً من القضاة دعاهم من كافة أنحاء إيطاليا، وعرض عليهم السؤال الآتي: هل من حق الجمهورية الرومانية، وقد بعثت إلى الوجود، أن تستعيد جميع الامتيازات والسلطات؟ ولما أجاب المجلس عن هذا السؤال بأن ذلك من حقها، عرض ريندسو على الجمعية الشعبية قانوناً يعيد إلى الجمهورية كل هذه المنح والسلطات. ومحا هذا الإعلان الشامل مئات من الهبات، وحوادث النزول عن العروش، والتتويج، وهدد الإمبراطورية الرومانية المقدسة، والمدن المستقلة، وسلطة الكنيسة الزمنية جميعها. وبعثت خمس وعشرون من حكومات المدن المستقلة بممثليها إلى برلمان ريندسو، ولكن المدن الكبرى-البندقية، وفلورنس، وميلان-ترددت في النزول عن سيادتها العليا إلى دولة اتحادية. وسر كلمنت السادس من تقوى ريندسو، ومن إشراك أسقف أرفيتو معه في السلطة رسمياً, ومما أفاءه على الحجاج من حماية، ومن مشروعه الذي يرمي إلى إقامة عيد عام في سنة 1350 ينتظر أن يدر على البلدة مالا جما، ولكنه شرع يسائل نفسه: أليس هذا الجمهوري العظيم الآمال رجلا مثاليا مندفعا اندفاعا سوف يؤدي به إلى الدمار؟
ثم تحطم هذا الحلم النبيل، وكان تحطمه مثاراً للعجب والأسى معاً. ذلك أن السلطة، كالحرية، امتحان لا يجتازه بنجاح إلا من اتصف بالذكاء والرزانة والهدوء. أما ريندسو فقد بلغت قوته الخطابية مبلغاً يمنعه أن يكون من رجال الحكم الواقعيين. وأصبح يؤمن بعباراته الخلابة، ووعوده، ومطالبه، وسمت عقله أقوالُه المنمقة. ولما اجتمعت الجمعية الاتحادية ( في شهر أغسطس من عام 1347)، اتفق على أن تبدأ أعمالها بمنحه لقب فارس. واتخذ طريقه في مساء ذلك اليوم يحف به حرسه إلى مكان التعميد في كنيسة القديس لاتران، وألقى بنفسه في الحوض العظيم، الذي تطهر فيه قسطنطين من وثنيته وذنوبه، كما تقول القصة، ثم ارتدى ثياباً بيضاء، وقضى الليل نائماً على أريكة عامة وضعت بين أعمدة الكنيسة، فلما أصبح الصباح أصدر إلى الجمعية وإلى العالم أجمع مرسوماً يعلن فيه حرية جميع المدن الإيطالية، ويمنح أهلها جميعاً حق المواطنية الرومانية، ويحتفظ لسكان روما وإيطاليا دون سواهم بحق اختيار الإمبراطور. ثم أستل سيفه ولوح به في ثلاث جهات وقال بوصفه ممثل روما: "ذلك ملكي، وذاك لي، وذاك ". واندفع من ذلك الحي في الإسراف والمباهاة، فكان يمتطي صهوة جواد أبيض، ويخفق من فوق رأسه علم ملكي، ويتقدمه ألف حارس مسلح، ويرتدي ثوباً من الحرير الأبيض ذا أهداب من الذهب(25). ولما عاب عليه استفانوكولنا أهدابه الذهبية أعلن أن الأشراف يأتمرون به (وأكبر الظن أن هذا صحيح)، وأمر بالقبض على عدد منهم، وأمر بهم فسيقوا مكبلين بالأغلال إلى الكبتول، و عرض على الجمعية أن يعدموا، ثم ندم على ذلك العرض، وعفا عنهم، وانتهى الأمر بأن عينهم في بعض مناصب الدولة في كمبانيا. وكان جزاؤه منهم أن حشدوا قوة من مرتزقة الجند معادية للجمهورية، وخرج حرس المدينة الوطني لملاقاتهم، وهزمهم، وقتل في المعركة استفانو كولنا وولده (20 نوفمبر سنة 1347).
وسكر ريندسو بخمرة النصر فأخذ يغفل شيئاً فشيئاً شأن ممثلي البابا الذي أشركه معه من قبل في منصبه وسلطانه. وأخذ كردالة إيطاليا وفرنسا ينذرون كلمنت بأن إيطاليا الموحدة ستجعل الكنيسة أسيرة للدولة- وأن هذا الأسر يصبح أشد وأكثر توكيداً إذا قامت إمبراطورية تحكمها روما. وعملا بهذا التحذير كلف كلمنت مندوبه في روما برتران دى دو Bertrand de Deux أن يعرض على ريندسو واحدة من اثنتين: خلعه من منصبه أو تقييد سلطانه بحيث يقتصر على الشئون الدنيوية الخاصة بمدينة روما. وخضع دولا بعد أن قاوم بعض المقاومة، ووعد بإطاعة البابا، واسترد المراسيم التي ألغي بها الامتيازات الإمبراطورية والبابوية. لكن هذا الخضوع لم يرض كلمنت فاعتزم أن يخلع التربيون المعاند، وأصدر في الثالث من ديسمبر مرسوماً بابوياً يضم فيه كولا بالإجرام والإلحاد، ويهيب بالرومان أن يطردوه من البلاد. وأشار المندوب إلى أنهم إن لم يفعلوا هذا لن يقام عيد. وكان الأعيان في هذه الأثناء قد حشدوا جيشاً آخر، زحف على روما. وأمر ريندسو أن تدق الأجراس تدعو الشعب إلى حمل السلاح، لكن هذه الدعوة لم يستجب لها إلا عدد قليل، لأن كثيرين قد أغضبهم فدح الضرائب التي فرضها عليهم، ومنهم من فضل ما ينالونه من المكاسب في العيد عما تلقيه عليهم الحرية من تبعات. ولما اقتربت قوى الأشراف من الكبتول خارت قوى ريندسو، و خلع شارة منصبه، وودع أصدقاءه، وأجهش بالبكاء، وحبس نفسه في كاستلو سانتا أنجليو Castello Sant' Angelo (15 ديسمبر سنة 1347)، وعاد الأشراف الظافرون فدخلوا قصورهم في المدينة واختار المندوب البابوي اثنين منهم ليحكما روما.
وفر ريندسو إلى نابلي، وكان لا يزال مغضوباً عليه من الكنيسة وإن لم يصب بأذى من جانب الأعيان، ثم فر من نابلي إلى غابات الجبال في أبرودسي Abruzzi القريبة من سلمونا Sulmona، وهناك لبس أثواب التائبين، وقضى عامين يعيش عيشة الزهاد المنقطعين للدين. وبعد أن مرت به عشرات المئات من المشاق والمحن اتخذ سبيله سراً متنكراً إلى براج مجتازا إيطاليا وجبال الألب والنمسا، ومثل في تلك المدينة في حضرة الإمبراطور شارل الرابع، وأخذ وهو غاضب يندد بالبابوات، و لكنه أبى أن يجيب البابا كلمنت إلى مطلبه من إرسال كولا ليزج في سجن أفنيون، وأبقاه معتقلا تحت الحراسة في إحدى القلاع القائمة على نهر الألب. وقضى كولا في العزلة وعدم النشاط عاماً كاملاً لم يطق بعده صبراً عليهما، فطلب أن يرسل إلى بلاط البابا. وهرع الناس إلى رؤيته وهو في طريقه إلى أفنيون، وعرض عليه بعض الفرسان الأنجاد أن يحموه بسيوفهم. وبلغ أفنيون، وعرض عليه بعض الفرسان الأنجاد أن يحموا الرجل الذي أراد أن يهبهم الحرية. ومما جاء في هذه الدعوة: إلى أهل روما ... البواسل الأنجاد ... الذين سادوا الأمم!
إن زعيمكم السابق أسير الآن في أيدي الأجانب، وكأنه-ويا للهول حقاً!- لص من لصوص الليل أو خائن لبلاده، يعرض قضيته وهو مصفد في الأغلال، تأبى أعلى محكمة أرضية أن تمكنه من الدفاع المشروع عن نفسه... إن روما بلا ريب لا تستأهل هذه المعاملة. لقد كان أهلها من قبل غير خاضعين لقانون أجنبي... أما الآن فيساء إليهم بلا تمييز بينهم. ويلقون هذه المعاملة وهم براء من إثم الجريمة بل وهم جديرون بالثناء العظيم الذي يستحقه أهل الفضيلة ... وليست التهمة الموجهة إليه هي خيانة الحرية، بل هي الدفاع عنها، وليس ذنبه أنه سلم الكبتول بل ذنبه أنه حماه. وإن أعظم التهم الموجهة إليه، والتي يجب أن يكفر عنها فوق المشنقة هي أنه قد جرؤ على التوكيد بأن الإمبراطورية الرومانية لا تزال قائمة في روما، وأنها لا تزال مسيطرة على الشعب الروماني. ألا تباً لهذا الزمان! وتباً لتلك الغيرة الشنيعة، وذلك الحقد المنقطع النظير! أين أنت أيها المسيح! يا أعدل القضاة ويا أحكم الحاكمين؟ أين عيناك اللتان تعودت أن تبدد بهما سحب شقاء البشرية؟... لم لا تقضى ببرقك و صواعقك على هذه المحاكمة الدنسة؟(26).
ولم يطالب كلمنت بإعدام كولا، بل أمر بأن يوضع تحت الحراسة في برج القصر البابوي بأفنيون. وبينما كان ريندسو يدرس الكتاب المقدس وكتاب ليفي في سجنه، استولى تربيون آخر يدعى فرانتشسكو برنتشلي Francesco Baroncelli على زمام السلطة في رومة، ونفي أعيان المدينة، وأهان المندوب البابوي، وتحالف هو والجبليون مؤيدو الأباطرة ضد البابوات، وأطلق إنوسنت السادس، الذي خلف كلمنت في الكرسي البابوي، كولا من سجنه، وأرسله ، وتحالف هو والجبليون مؤيدو الأباطرة ضد البابوات، و أطلق إنوسنت السادس، الذي خلف كلمنت في الكرسي البابوي، كولا من سجنه، وأرسله إلى إيطاليا مساعداً للكردنال ألبرنودس Albornoze الذي عهد إليه اعادة سلطة البابوية في روما. وبينما كان الكردنال الماكر، والطاغية المستضعف يقتربان من العاصمة دبرت فتنة في المدينة، خلع على أثرها برنتشلي وقتل، وأسلم الرومان المدينة لألبرنودس. ورحب العامة بريندسو، واقاموا له أقواس النصر، وهتفوا باسمه وقد احتشدوا في الشوارع إظهاراً لفرحهم. وعينه ألبرنودس عضواً في مجلس الشيوخ، وعهد اليه الأعمال غير الدينية في حكومة روما (1353).
ولكن السنين التي قضاها في السجن قد سببت ترهل جسمه، وحطمت شجاعته، وفلت من حدة عقله، وقد كان من قبل قوياً ساطعاً غير هياب ولا وجل. فكانت سياسته متمشية من أغراض البابا، بتهيب المغامرات العظيمة التي كان يندفع إليها في حكمه وهو شاب. وكان الأعيان لا يزالون يحقدون عليه، وصعاليك المدينة يرون فيه الآن رجلا حذراً متحفظاً متجرداً من المثل العليا، فانقلبوا عليه وعدوه خائناً لقضيتهم. ولما أعلن آل كولنا الحرب عليه وحاصروه في بلسترينا، أوشك جنوده الذين لم يتناولوا مرتباتهم أن يتمردوا عليه، فاقترض المال ليؤدي منه مرتباتهم، وفرض الضرائب ليفي بدينه، وأغضب بذلك الطبقة الوسطى. ثم زحفت جموع الغوغاء الثائرة على الكبتول، ولم يكد ينقضي شهران على عودته إلى الحكم، وأخذت تنادى "ليحيى الشعب! الموت للخائن كولا دي ريندسو! ". فخرج إليهم من قصره في دروع الفرسان وحاول أن يسيطر على الجماهير بفصاحته وزلاقة لسانه، ولكن الثائرين علا صياحهم على صوته، وألقوا عليه وابلا من القذائف، فأصاب سهم منها رأسه وانسحب على أثر ذلك إلى القصر. وحينئذ أشعل الغوغاء النار في الأبواب واقتحموها، ونهبوا الحجرات. واختفى ريندسو في إحداها، وأسرع فحلق لحيته، وارتدى ثياب حمال، وكوم بعض قطع من الفرش على رأسه، وخرج من القصر، ومر ببعض الغوغاء دون أن يكشفوا أمره. ولكن سواره الذهبي نم عليه، وسيق أسيراً إلى سلم الكبتول، حيث كان هو من قبل قد حكم على الناس بالإعدام. وطلب إلى الشعب أن يستمع له، وحاول أن يستميل قلوب العامة بخطبته، ولكن أحد الصناع خشي أن يتأثر هؤلاء بفصاحته، فقطع عليه كلامه بضربة سيف في بطنه. وتبعه مائة من أشباه الأبطال فأنفذوا خناجرهم في جسده الميت. ثم سحبت جثته والدم يسيل منها في شوارع المدينة وعلقت في حانوت قصاب كما تعلق جيف البهائم. وبقيت على هذه الحال يومين تعرضت في خلالهما لإهانات الشعب وحجارة الغلمان(27).
ذكراه
المراجع
- ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
- ^ ريينتسي أو ريينسو، كولا دي الموسوعة العربية الميسرة، 1965