كتاب الأصنام هو كتاب من تأليف هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن عمر الكلبي المعروف بابن الكلبي، الذي توفي عام 204 هـ. وكان الكلبي مؤرخاً وعالم بأنساب وأخبار العرب.
ويعد كتاب الأصنام هو الكتاب الوحيد الذي وصلنا مما أفرده العلماء لأصنام العرب ومعبوداتها، وهو كتاب شديد الأهمية بسبب اندثار الكتب الأخرى التي ألفت في ذات الموضوع.[1]
يرى ابن الكلبي أن إسماعيل بن إبراهيم لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثير حتى ملأوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق، فضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات واخرج بعضهم بعضاً، فتفسحوا في البلاد والتماس المعاش. وكان الذي سلخ بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجراً من حجارة الحرم، تعظيماً للحرم وصبابةً بمكة. فحيثما حلوا، وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة، تيمناً منهم بها وصبابةً بالحرم وحبا له. وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة، ويحجون ويعتمرون، على إرث إبراهيم وإسماعيل. ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره. فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم. وانتجثوا ما كان يعبد قوم نوحٍ منها، على إرث ما بقي فيهم من ذكرها. وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها: من تعظيم البيت، والطواف به، والحج، والعمرة، والوقوف على عرفة ومزدلفة، وإهداء البدن، والإهلال بالحج والعمرة - مع إدخالهم فيه ما ليس منه.
فكانت نزار تقول إذا ما اهلت: لبيك اللهم! لبيك! لبيك! لا شريك لك! - إلا شريك هو لك! تملكه وما ملك! ويوحدونه بالتلبية، ويدخلون معه آلهتم ويجعلون ملكها بيده. يقول لنبيه: " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون". أي ما يوحدونني بمعرفة حقي، إلا جعلوا معي شريكاً من خلقي. وكانت تلبية عك، إذا خرجوا حجاجاً، قدموا أمامهم غلامين أسودين من غلمانهم، فكانا امام ركبهم.
فيقولان: نحن غرابا عك! فنقول عك من بعدهما:
عك إليك عانيه، عبادك اليمانيه، كيما نحج الثانية!
وكانت ربيعة إذا حجت فقضت المناسك ووقفت في المواقف، نفرت في النفر الأول ولم تقم إلى آخر التشريق. فكان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وسيب السائبة، ووصل الوصيلة وبحر البحيرة وحمى الحامية عمرو بن ربيعة.
لحي بن حارثة صاحب نظرية عبادة الاصنام
يعتقد ابن الكلبي ان لحي بن حارثة ابن عمرو بن عامر الأزدي وكان الحارث هو الذي يلي أمر الكعبة. فلما بلغ عمرو بن لحي، نازعه في الولاية وقاتل جرهما بني إسماعيل. فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة. ونفاهم من بلاد مكة، وتولى حجابة البيت بعدهم. ثم إنه مرض مرضاً شديداً، فقيل له: إن بالبلقاء من الشأم حمةً إن أتيتها، برأت. فأتاها فاستحم بها، فبرأ. ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال: ما هذه؟ فقالوا نستسقي بها المطر ونستنصر بها على العدو. فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة. ويوضح ان إسافاً ونائلة رجل من جرهم يقال له إساف بن يعلى، ونائلة بنت زيدٍ من جرهم وكان يتعشقها في أرض اليمن فأقبلوا حجاجاً، فدخلا الكعبة، فوجدا غفلةً من الناس وخلوة في البيت، ففجر بها في البيت، فمسخا. فأصبحوا فوجدوهما مسخين. فأخرجوهما فوضعوهما موضعهما. فعبدتهما خزاعةوقريش، ومن حج البيت بعد من العرب. وكان أول من اتخذ تلك الأصنام، من ولد إسماعيل وغيرهم من الناس وسموهما بأسمائها على ما بقى فيهم من ذكرها حين فارقوا دين إسماعيل .
لكن يبقى كون أن لحي بن حارثة او من ادخل الاصنام الى مكة أو اول من دعا الى عبادتها أمر مشكوك فيه، وقد فنده كثير من الباحثين المعاصرين، ومنهم الباحث خليل عبد الكريم في بعض بحوثه.
الأصنام الخمسة
قال ابن الكلبي بأن "هذيل بن مدركة اتخذوا سواعا، فكان لهم برهاطٍ من أرض ينبع. وينبع عرض من أعراض المدينة. وكانت سدنته بنو لحيان، ولم أسمع لهذيلٍ في أشعارها له ذكراً، إلا شعر رجلٍ من اليمن. واتخذت كلب ودا بدومة الجندل خياك ود! فإنا لا يحل لنا لهو النساء، وإن الدين قد عزما. وقال الآخر: وسار بنا يغوث إلى مرادٍ فناجزناهم قبل الصباح. واتخذت خيوان يعوق فكان بقرية لهم يقال لها خيوان من صنعاء على ليلتين، مما بلى مكة."
ويفيد ابن الكلبي: "ولم أسمع همدان سمت به ولا غيرها من العرب؛ ولم أسمع لها ولا لغيرها فيه شعراً. وأظن ذلك لأنهم قربوا من صنعاء واختلطوا بحمير، فدانوا معهم باليهودية، أيام تهود ذو نواسٍ، فتهودوا معه. واتخذت حمير نسراً، فعبدوه بأرض يقال لها بلخع. ولم أسمع حمير به أحدا، ولم أسمع له ذكرا في أشعارها ولا أشعار أحدٍ من العرب. وأظن ذلك كان لانتقال حمير أيام تبعٍ عن عبادة الأصنام إلى اليهودية. وكان الحمير أيضا بيت بصنعاء يقال له ريام، يعظمونه ويتقربون عنده بالذبائح."
وأضاف: " فلما انصرف تبع من مسيره الذي سار فيه إلى العراق، قدم معه الحبران اللذان صحباه من المدينة. فأمراه بهدم رئام قال: شأنكما به.فهدماه وتهود تبع وأهل اليمن. فمن ثم لم أسمع بذكر رئام ولا نسرٍ في شئ من الأشعار ولا الأسماء. ويرى ابن الكلبي انه لم تحفظ العرب من أشعارها إلا ما كان قبيل الإسلام.
ويعتقد ابن الكلبي ان هذه الخمسة الأصنام هي التي كانت يعبدها قوم نوحٍ، فذكرها الله في كتابه، فيما أنزل على نبيه: " قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً ومكروا مكراً كباراً وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً وقد أضلوا كثيراً ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً ".
ويوضح ابن الكلبي : "فلما صنع هذا عمرو بن لحى، دانت العرب للأصنام وعبدوها واتخذوها. فكان أقدمها كلها مناة يقول وقد كانت العرب تسمى عبد مناة وزيد مناة. وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشل بقديد، بين المدينة ومكة. وكانت العرب جميعا تعظمه وتذبح حوله. وكانت الأوس والخزرج ومن ينزل المدينة ومكة وما قارب من المواضع يعظمونه ويذبحون له ويهدون له. وكان أولاد معد على بقيةٍ من دين إسماعيل . وكانت ربيعة ومضر على بقيةٍ من دينه. ولم يكن أحد أشد إعظاماً له من الأوس والخزرج.
ويروي ابن الكلبي، كيف كانت الأوس والخزرج ومن يأخذ بإخذهم من عرب أهل يثرب وغيرها، فكانوا يحجون فيقفون مع الناس المواقف كلها، ولا يحلقون رءوسهم. فإذا نفروا أتوه، فحلقوا رؤوسهم عنده وأقاموا عنده. لا يرون لحجهم تماما إلا بذلك. فلإعظام الأوس والخزرج يقول عبد العزى بن وديعة المزني، أو غيره من العرب:
إنى حلفت يمين صدقٍ برةً
بمناة عند محل آل الخزرج!
وكانت العرب جميعا في الجاهلية يسمون الأوس والخزرج جميعا: الخزرج. فلذلك يقول: عند محل آل الخزرج.
ومناة هذه التي جاء ذكرها في القرآن: " ومناة الثالثة الأخرى ". وكانت لهذيلٍ وخزاعة. وكانت قريش وجميع العرب تعظمه، فلم يزل على ذلك حتى خرج رسول الله من المدينة سنة ثمانٍ من الهجرة، وهو عام فتح الله عليه. فلما سار من المدينة أربع ليالٍ أو خمس ليالٍ، بعث علياً إليها فهدمها وأخذ ما كان لها. فأقبل به إلى النبي، فكان فيما أخذ سيفان كان الحارث بن أبي شمرٍ الغساني ملك غسان أهداهما لها: أحدهما يسمى مخذماً والآخر رسوباً. وهما سيفا الحارث اللذان ذكرهما علقمة في شعره، فقال:
مظاهر سر بالى حديدٍ عليهما
عقيلا سيوفٍ: مخذم ورسوب
فوهبهما النبي لعلي، فيقال: إن ذا الفقار، سيف على، أحدهما. ويقال إن عليا وجد هذين السيفين في الفلس، وهو صنم طي، حيث بعثه النبي فهدمه. ثم اتخذوا اللات واللات بالطائف، وهي أحدث من مناة. وكانت صخرةً مربعةً. وكان يهودي يلت عندها السويق، وكان سدنتها من ثقيف بنو عتاب بن مالكٍ. وكانوا قد بنوا عليها بناءً. وكانت قريش وجميع العرب تعظمها. وبها كانت العرب تسمى زيد اللات وتيم اللات. وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى اليوم. وهي التي ذكرت في القرآن، فقال: " أفرأيتم اللات والعزى " .
ولها يقول عمرو بن الجعيد:
فإنى وتركي وصل كأسٍ لكالذي
تبرأ من لاتٍ، وكان يدينها
وله يقول المتلمس في هجائه عمرو بن المنذر:
أطردتني حذر الهجاء، ولا
واللات والأنصاب لا تئل!
فلم تزل كذلك حتى أسلمت ثقيف، فبعث رسول الله المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار، وفي ذلك يقول شداد بن عارضٍ الجشمي حين هدمت وحرقت، ينهى ثقيفاً عن العود إليها والغضب لها:
لا تنصر و اللات إن الله مهلكها!
وكيف نصركم من ليس ينتصر؟
إن التي حرقت بالنار فاشتعلت،
ولم تقاتل لدى أحجارها، هدر.
إن الرسول متى ينزل بساحتكم
يظعن، وليس بها من أهلها بشر.
وقال أوس بن حجرٍ يحلف باللات:
وباللات والعزى ومن دان دينها
وبالله، إن الله منهن أكبر!
ثم اتخذوا العزى وهي أحدث من اللات ومناة. وذلك أني سمعت العرب سمت بهما قبل العزى. فوجدت تميم بن مر سمى ابنه زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة؛ وعبد مناة بن أد؛ و باسم اللات سمى ثعلبة بن عكابة ابنه تيم اللات؛ وتيم اللات بن رفيدة بن ثور؛ وزيد اللات بن رفيدة بن ثور بن وبرة بن مر بن أد ابن طابخة؛ وتيم اللات بن النمر بن قاسط؛ وعبد العزى بن كعب بن سعد ابن زيد مناة بن تميم، فهى أحدث من الأوليين. وعبد العزى بن كعب من أقدم ما سمت به العرب، وكان الذي اتخذ العزى ظالم بن أسعد، كانت بوادٍ من نخلة الشآمية، يقال له حراض، بإزاء الغمير، عن يمين المصعد إلى العراق من مكة. وذلك فوق ذات عرقٍ إلى البستان بتسعة أميال. فبنى عليها بساً، يريد بيتا. وكانوا يسمعون فيه الصوت. وكانت العرب وقريش تسمى بها عبد العزى. وكانت أعظم الأصنام عند قريش. وكانوا يزورونها ويهدون لها ويتقربون عندها بالذبح.
وقال ابن الكلبي بلغنا أن رسول الله ذكرها يوما، فقال: لقد أهديت للعزى شاةً عفراء، وأنا على دين قومي، وكانت قريش تطوف بالكعبة وتقول: واللاتوالعزىومناة الثالثة الأخرى! فإنهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى! كانوا يقولون: بنات الله، وهن يشفعن إليه. فلما بعث الله رسوله أنزل عليه"أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألهكم الذكر كروله الأنثى تلك إذاً قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان" .
وكانت قريش قد حمت لها شعباً من وادي حراضٍ يقال له سقام. يضاهون به حرم الكعبة. فذاك قول أبي جندبٍ الهذلي ثم القردي في امرأة كان يهواها فذكر حلفها له بها:
لقد حلفت جهداً يميناً غليظةً
بفرع التي أحمت فروع سقام
لئن أنت لم ترسل ثيابي فانطاق
أباديك أخرى عيشنا بكلام
يعز عليه صرم أم حويرثٍ
فأمسى يروم الأمر كل مرام
ولها يقول درهم بن زيدٍ الأوسي: إنى ورب العزى السعيدة والله الذي دون بيته سرف!وكان لها منحر ينحرون فيه هداياها، يقال له الغبغب.
فله يقول الهذلي، وهو يهجو رجلا تزوج امرأةً جميلةً يقال لها أسماء:
لقد أنكحت أسماء لحى بقيرةٍ
من الأدم أهداها امرؤ من بني غنم!
رأى قذعاً في عينها إذ يسوقها
إلى غبغب العزى، فوضع في القسم.
فكانوا يقسمون لحوم هداياهم فيمن حضرها وكان عندها.
فلغبغبٍ يقول نهيكة الفزاري لعامر بن الطفيل:
يا عام لو قدرت عليك رماحنا
والراقصات إلى منى فالغبغب!
لتقيت بالوجعاء طعنة فاتكٍ
مران أو لثويت غير محسب.
وله يقول قيس بن منقذ بن عبيد بن ضاطر بن حبشية بن سلول الخزاعي ولدته امرأة من بني حداد من كنانة، وناس يجعلونها من حداد محاربٍ وهو قيس بن الحدادية الخزاعي:
بيت الله أول حلفةٍ
وإلا فأنصابٍ يسرن بغبغب .
ويؤكد على ان قريش كانت تخصها بالإعظام، فلذلك يقول زيد بن عمرو بن نفيل، وكان قد تأله في الجاهلية وترك عبادتها وعبادة غيرها من الأصنام: