كارلوس الثاني من إسپانيا
كارلوس الثاني Charles II | |
---|---|
ملك قشتالة وأراگون | |
العهد | 17 سبتمبر 1665 – 1 نوفمبر 1700 |
سبقه | فليپه الرابع من إسپانيا |
تبعه | فليپه الخامس من إسپانيا |
الوصي | ماريانا من النمسا جون الصغير من النمسا |
كونت برگندي | |
العهد | 17 سبتمبر 1665 - 19 سبتمبر 1678 |
سبقه | فليپه الثامن |
تبعه | ضياع فرنسا |
وُلِد | 6 نوفمبر 1661 القصر الملكي، مدريد، إسپانيا |
توفي | 1 نوفمبر 1700 القصر الملكي، مدريد، إسپانيا |
الدفن | الإسكوريال، إسپانيا |
الزوج | ماري لوي من أورلان ماريا آنا من نيوبورگ |
البيت | آل هابسبورگ |
الأب | فليپه الرابع من إسپانيا |
الأم | ماريانا من النمسا |
الديانة | كاثوليكية |
التوقيع |
كارلوس الثاني (إسپانية: Carlos II) (6 نوفمبر 1661 – 1 نوفمبر 1700)، كان آخر الملوك الهابسبورگيين الذين حكموا إسپانيا (قشتالة وأراگون). حكم أيضاً هولندا الإسپانية والامبراطورية الإسپانية وراء البحار، التي كانت تمتد من الأمريكتين حتى جزر الهند الشرقية الإسپانية اشتهر باعاقته البدنية، الفكرية والعاطفية، وسنوات حكمه العقيمة. كان كارلوس الثاني آخر حكام آل هابسبورگ لإسپانيا، وكانت هناك قوى أخرى تعد عدتها انتظاراً لوفاته. فشلت الحلول السلمية وأدت وفاته إلى قيام حرب الخلافة الإسپانية.
سلف كارلوس الثاني من إسپانيا |
---|
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
النشأة
الحكم
البيئة
أوصى شارل الثاني، أخر الهابسبورجيين الأسبان، عند وفاته عام 1700، بأسبانيا وكل إمبراطوريتها العالمية لفرنسا البوربونية-العدو القديم لآل هابسبورج، وقد قاتل حفيد لويس الرابع عشر، الذي لقب بفليب الخامس ملك أسبانيا، ببسالة خلال حرب الوراثة الأسبانية (1703-12) للاحتفاظ بوحدة تلك الإمبراطورية كاملة، وامتشقت أوربا كلها تقريباً الحسام للحيلولة دون هذا التوسع الخطر في قوة البوربون. وأخيراً أكرهت أسبانيا على النزول عن جبل طارق ومينورقة لإنجلترا، وصقلية لسافوي، ونابلي وسردانيا وبلجيكا للنمسا. [1]
ثم إن فقد أسبانيا لقوتها البحرية لم يترك لها سوى قبضة ضعيفة على المستعمرات التي كانت تغذي تجارتها وثروتها. فقمع أمريكا الأسبانية مثلاً كان يعطيها غلة بلغت من خمسة إلى عشرين ضعفاً في الفدان لقلة الأرض الأسبانية. وجادت تلك الأراضي المشمسة بالزئبق النحاس والزنك والزرنيخ والأصباغ واللحوم والجلود والمطاط والقرمز والسكر والكاكاو والبن والتبغ والشاي والكينين والكثير من العقاقير الأخرى. وفي 1788 صدرت أسبانيا لمستعمراتها الأمريكية بضائع قيمتها 158.000.000 ريال، واستوردت منها بضائع قيمتها 804.000.000 ريال ولكن هذا "الخلل في الميزان التجاري الذي لم يكن في مصلحة أسبانيا محاه سيل متدفق من الفضة والذهب الأمريكيين. وأرسلت الفلبين شحنات سفن من الفلفل والقطن والنيلة وقصب السكر. وقد بلغ سكان الفلبين في تقرير ألكسندر فون همبولت في ختام القرن الثاني عشر 1.900.000، وسكان أمريكا الأسبانية 16.902.000، أما أسبانيا نفسها عام 1797 فقد بلغ سكانها 10.541.000. وأنه لفضل يعزى لحكم البوربون أن هذا الرقم الأخير يعني تضاعف السكان الذين لم يزيدوا على 5.700.000 عام 1700.
لم تسخ الجغرافيا على أسبانيا إلا بميزة التجارة البحرية. كانت الأرض في الشمال خصبة تغذرها الأمطار والثلوج الذائبة من جبال البرانس، وكانت قنوات الري (وأكثرها خلفه المغاربة للغالبين) وقد استصلحت الأراضي الجدباء في بلنسية ومرسية والأندلس، ولكن باقي أراضي أسبانيا كان جبلياً أو قاحلاً إلى درجة مثبطة للهمم. ولم يتح لهبات الطبيعة أن تنموا وتتطور بفضل الإقدام الاقتصادي، فذهب أكثر الأسبان حباً للمغامرة إلى المستعمرات، وفضلت أسبانيا أن تشتري المنتجات الصناعية من الخارج بذهب مستعمراتها وما تغله مناجم الفضة أو النحاس أو الحديد أو الرصاص في أسبانيا ذاتها. وتخلفت صناعاتها التي كانت لا تزال في المرحلة النقابية أو البيتية تخلفاً شديداً عن صناعات أقطار الشمال النشيطة، وكان الكثير من مناجمها الغنية تشغله الإدارة الأجنبية لفائدة المستثمرين الألمان أو الإنجليز. واحتكرت "المستا" إنتاج الصوف، وهي اتحاد من ملاك قطعان الغنم ميزته الحكومة، ورسخت التقاليد قدمه، وسيطرت عليه فئة قليلة من النبلاء والأديرة، وخنقت المنافسة، وتخلفت أسباب التحسين. وتعفنت برولتاريا ضئيلة في المدن، وتشتغل خدماً لكبار القوم أو عمال مياومة في النقابات الحرفية، وكانت منازل الأثرياء تزدان ببعض العبيد الزنوج أو المغاربة. وعاش طبقة وسطى صغيرة معتمدة على الحكومة أو الأشراف أو الكنيسة.
وكان 51.5% من الأرض الزراعية تملكه الأسر الشريفة في مساحات شاسعة و16.5% تملكه الكنيسة، و32% تملكه الكومونات (المدن) أو الفلاحون. وتأخر نمو ملكية الفلاحين للأرض بفعل قانون وقف قديم يشترط وقف الأرض كاملة على الابن الأكبر ويمنع رهن أي جزء منها أو بيعه. وكان ثلاثة أرباع الأرض خلال معظم هذا القرن فيما عدا إقليم الباسك يفلحه مستأجرون يؤدون ضريبة على صورة إيجار، أو رسوم، أو خدمات، أو عيناً لملاك من الأشراف أو رجال الدين الذين ندر أن رأوهم ولما كانت الإيجارات تجنى حسب إنتاجية المزرعة، فإن المستأجرون افتقدوا الحاجز على الابتكار أو الاجتهاد. ودافع الملاك عن هذا النظام بالزعم بأن الهبوط المطرد في قيمة العملة يكرههم على رفع الإيجارات لتتمشى مع الأسعار والتكاليف المتصاعدة. ثم أن ضريبة مبيعات فرضت على ضروريات الحياة كاللحم والنبيذ وزيت الزيتون والشموع والصابون كانت أثقل وطأة على الفقراء (الذين أنفقوا معظم دخلهم على الضروريات) وأخف وقعاً على الأغنياء. وترتب على هذه الإجراءات، وعلى الامتيازات الوراثية، وعلى الفوارق الطبيعية في القدرة البشرية، أن تركزت الثروة في القمة، وران على القاع فقر كئيب اتصل جيلاً بعد جيل، تخففه وتسري به التعزيات فوق الطبيعة.
وكانت طبقة النبلاء منقسمة إلى درجات من الشرف انقساماً يملؤه التحاسد والتنابذ. ففي القمة (في 1787) 119 من كبار النبلاء (Grandes de Espana). وقد نحزر مبلغ ثرائهم من تقرير مبالغ فيه على الأرجح كتبه الرحالة البريطاني المعاصر جوزف تاونسند وذكر فيه "أن ثلاثة من كبار النبلاء-وهم دوق أوزونا، ودوق ألبا، ودوق مديناسلي-يملكون إقليم الأندلس بجملته. وكان دخل دوق مدينا من مصايد أسماكه وحدها مليون ريال في العام، ودخل دوق أوزنا السنوي 8.400.000 ريال، ودخل كونت أراندا قرابة 1.600.000 ريال في السنة". ويلي كبار النبلاء 535 من أصحاب الألقاب Titulos-وهم رجال منحهم الملك ألقاباً وراثية بشرط أداء نصف دخلهم للتاج. ويلي هؤلاء الفرسان Caballeros الذين يعينهم الملك في عضوية مجزية في إحدى طبقات أسبانيا الأربع: وهي سنتياجو، والقنطرة، وكالاترافا ومونتيزا. أما أدنى النبلاء مرتبة فكانوا الـــ 400.000 هيدلج Hidalgo الذين يملكون مساحات متواضعة من الأرض، والذين أعفوا من الخدمة العسكرية ومن السجن للدين، وكان لهم الحق في أن يلبسوا شعار النبالة وأن يخاطبوا بلقب "الدون". وكان بعضهم فقراء، وبعضهم انضم إلى المتسولين في الشوارع. وكان معظم النبلاء يعيشون في المدن، ويعينون موظفي الأقاليم.
أما الكنيسة الأسبانية فقد ادعت الحق في نصيب مريح من جملة الناتج القومي بوصفها الحارس الإلهي للوضع الراهن. وقد قدر مصدر أسباني موثوق أن دخلها السنوي بعد الضرائب يبلغ 1.101.753.000 ريال، ودخل الدولة يبلغ 1.371.000.000 ريال. وكان ثلث إيرادها يأتيها من الأرض، ومبالغ طائلة تجمعها من العشور وبواكير الثمار، ومبالغ صغيرة من مراسيم العماد، والزيجات، والجنائز، والقداديس على أرواح الموتى، والحلل الديرية تباع للأتقياء الذين ظنوا إنهم إن ماتوا وعليهم هذه الأرواب فقد يتسللون إلى الجنة دون مساءلة. وأتى الرهبان المستجدون بمزيد من المال بلغ 53.000.000 ريال. على أن أوساط القساوسة كانوا بالطبع فقراء لكثرة عددهم من جهة، فقد كان في أسبانيا 91.258 من رجال الكهنوت، منهم 16.481 كانوا قسساً و2.943 رهباناً يسوعيين. وفي 1797 كان ستون ألف راهب وثلاثون ألف راهبة يعيشون في ثلاثة آلف دير. وكان رئيس أساقفة إشبيلية وموظفوه البالغون 235 مساعداً يتمتعون بدخل سنوي مقداره ستة ملايين ريال، أما رئيس أساقفة طليطلة-وكان له ستمائة مساعد-فبلغ دخله تسعة ملايين ريال. وهنا، كما في إيطاليا والنمسا، لم تثر ثروة رجال الدين أي احتجاج من الشعب، فالكاتدرائية من خلقهم، وقد أحبوا أن يروها في زينة بهية.
وقد ضرب تدينهم المثل والقدوة للعالم المسيحي. فلم يلقَ اللاهوت الكاثوليكي في بقعة أخرى في القرن الثاني عشر مثل هذا الإيمان الشامل به، ولا شهدت الطقوس الكاثوليكية من هذا الاحترام الشديد. ونافست الممارسات الدينية السعي وراء العيش، ولعلها فاقت السعي وراء الجنس، باعتبارها جزءاً من صميم الحياة. وكان أفراد الشعب بما فيهم البغايا، يرسمون علامة الصليب مراراً وتكراراً كل يوم. وفاقت عبادة العذراء عبادة المسيح بكثير، وانتشرت صورها وتماثيلها في كل مكان، وكان النساء يخطن الأرواب لتماثيلها في شغف، ويتوجن رأسها بالأزهار النضرة، وفي أسبانيا أكثر من غيرها ارتفع صوت الشعب مطالباً بجعل، "حملها غير الدنس"-أي خلوها من لوثة الخطيئة الأصلية-جزءاً من العقيدة المحددة المشترطة. وكان الرجال يساوون النساء تمسكاً بأهداب الدين. فكثير من الرجال، كالنساء، كانوا يختلفون إلى القداس يومياً. وكان الرجال من الطبقات الدنيا يجلدون أنفسهم في بعض المواكب الدينية (حتى حرم هذا الجلد في 1777) في حبال فيها عقد تنتهي بكرات من الشمع تحوي زجاجاً محطماً، وزعموا أنهم يفعلون هذا برهاناً على حبهم لله أو مريم أو امرأة ما، ورأى بعضهم أن هذا القصد مفيد للصحة وأنه يهدئ من شبق إيروس.
وكانت المواكب الدينية كثيرة، مثيرة، غنية بالألوان، وقد شكا ظريف من أنه لم يستطع أن يخطو في مدريد خطوة دون أن يصادف المشهد المريب، وكان في الامتناع عن الركوع إذا مر الموكب مجازفة بالاعتقال أو الاعتداء. فحين قام أهل سرقسطة بثورة عام 1766 وراحوا ينهبوا ويسلبون ظهر موكب ديني على رأسه الأسقف يحمل بين يديه القربان المقدس، فكشف العصاة رؤوسهم وجثوا في الشوارع، فلما عبر الموكب استأنفوا سلب المدينة. وكانت كل مصالح الحكومة تشارك في موكب "عيد القربان" العظيم، يتقدمهم الملك أحياناً. وكانت مدن أسبانيا تجلل بالسواد طوال أسبوع الآلام، والملاهي والمقاهي تغلق، والكنائس تغص بالعابدين، والمذابح الإضافية تقام في الميادين العامة استجابة لتدفق التقوى والورع. ففي أسبانيا كان المسيح ملكاً، ومريم ملكة، والإحساس بالحظرة الإلهية في كل لحظة من لحظات اليقظة، جزءاً من صميم الحياة.
وزكت طائفتان دينيتان أكثر من غيرهما في أسبانيا. فسيطر اليسوعيون على التعليم بفضل علمهم ولباقته في الحديث وأصبحوا آباء الاعتراف للأسرة المالكة. أما الدومنيكان فسيطروا على ديوان التفتيش، ومع أن هذه المؤسسة كانت قد ودعت عصرها الذهبي منذ أمد بعيد، فقد بقي لها من القوة ما يكفي لإرهاب الشعب وتحدي الدولة. فلما ظهرت فلول لليهودية بسبب تراخي البوربون قطع ديوان التفتيش دابرهم بإحراقهم علناً. وعلى مدى سبع سنوات (1720-27) أدان الديوان 868 شخصاً، اتهم 820 منهم بأنهم يبطنون اليهودية، وأحرق 75، وزج غيرهم في سفن تشغيل العبيد أو أكتف بجلدهم.وفي 1722 أظهر فليب الخامس تبنيه لأساليب الحياة الأسبانية إذ ترأس مهرجاناً فخماً لإحراق المهرطقين، أحرق فيه تسعة منهم احتفالاً بمقدم أميرة فرنسية إلى مدريد. أما خلفه فرديناند السادس فقد أبدى روحاً أكثر اعتدالاً، ففي عهده (1746-59) أحرق عشرة "فقط" أحياء، وكلهم من اليهود "المرتدين".
ومارس ديوان التفتيش رقابة خانقة على كل ضروب النشر. وقد قدر راهب دومنيكي أن المطبوع في أسبانيا خلال القرن الثاني عشر كان أقل من المطبوع في القرن السادس عشر. وكان أكثر الكتب دينياً، وأحبها الشعب بوصفها هذا. وكانت الطبقات الدنيا أمية، ولم تشعر بحاجة للقراءة أو الكتابة. وكانت المدارس في قبضة رجال الدين، ولكن آلافاً من الأبرشيات كانت خلواً من المدارس. أما الجامعات الأسبانية التي كانت يوماً ما جامعات عظيمة فقد تخلفت تخلفاً شديداً عن نظيراتها في إيطاليا أو فرنسا أو إنجلترا أو ألمانيا في كل ناحية إلا اللاهوت التقليدي. وكانت مدارس الطب فقيرة، رديئة الإعداد بالأساتذة، ناقصة الأجهزة، واعتمد العلاج على الحجامة، وإعطاء المسهلات، والاستعانة ببركات القديسين، والصلاة. وكان الأطباء الأسبان خطراً على حياة الناس. كان العلم علم العصر الوسيط، والتاريخ أساطير، وزكت الخرافة وكثرت النذر والمعجزات. وظل الإيمان بالسحر إلى نهاية القرن، وظهر بين الأهوال التي صورها الرسام گويا.
تلك كانت أسبانيا التي قدم البوربون من فرنسا ليحكموها.
مشكلة الخلافة الإسپانية 1698-1700
دنا أجل شارل الثاني دون عقب، فمن ذا الذي يرث ممتلكاته التي تمتد من الفيليبينات عبر إيطاليا وصقلية إلى شمال أمريكا وجنوبها؟. لقد طالب بها لويس، لا باعتبارها ابن كبرى بنات فيليب الثالث ملك أسبانيا فحسب، بل كذلك بمقتضى حق زوجته المتوفاة ماري تريز كبرى بنات فيليب الرابع. والحق كل الحق أن ماري تريز تخلت، عند زواجها، عن أي حق لها في عرش أسبانيا. ولكن هذا التخلي كان مشروطاً بأن تدفع الحكومة الإسبانية لفرنسا صداقاً قدره خمسمائة ألف كراون ذهباً. ولكن أسبانيا لم تدفع شيئاً من هذا الصداق، لأنها كانت مفلسة.
وكان للإمبراطور ليوبولد مزاعم مضادة: فهو ابن ماريا آنا صغرى بنات فيليب الثالث. وكان قد تزوج في 1666 من مرجريت تريزا صغرى بنات فيليب الرابع، ولم تتخل أي من هاتين السيدتين عن حقوقها في احتمال ارتقاء عرش أسبانيا. ولما كان الأتراك يزعجون ليوبولد دائماً بغاراتهم المتكررة، فإنه رغبة منه في الإبقاء على السلام مع فرنسا، عمد إلى حل وسط بالنسبة لمطالبه، بتوقيع معاهدة سرية مع لويس الرابع عشر، (في 19 يناير 1668)، نص فيها على التقسيم النهائي للإمبراطورية الأسبانية. ويقول مؤرخ إنجليزي أنه بمقتضى هذه المعاهدة "سلم فعلاً بقوة الحجة التي تذرع بها لويس الرابع عشر ببطلان تخلى ملكة فرنسا عن حقوقها في عرش أسبانيا" ولما تزوج ليوبولد للمرة الثانية، وأنجب له هذا الزواج ابناً ثانياً، حدد مطالبه، ولكنه عرض أن يتنازل عنها للأرشيدوق كارل الجديد.
ونظرت إنجلترا والمقاطعات المتحدة والولايات الألمانية بعين الفزع إلى احتمال أن تؤول مملكة أسبانيا المترامية الأطراف إلى فرنسا أو إلى النمسا، وفي كلتا الحالتين إخلال بتوازن القوى، فلو أن لويس ربح في هذه الجولة لسيطر على أوربا وعرض البروتستانتية للخطر، ولو أنها كانت من نصيب ليوبولد، لهدد الإمبراطور، بحكم استيلائه على الأراضي الوطيئة الأسبانية، جمهورية هولندا، وزعزع استقلال الولايات الألمانية. وتدخلت المصالح الاقتصادية إلى جانب مصالح الأسرات الحاكمة: فالمصدرون الإنجليز والهولنديون كانوا يزودون معظم أسواق أسبانيا ومستعمراتها بالمنتجات الصناعية، ويحصلون منها في مقابل ذلك على كميات هائلة من الذهب والفضة، فكانوا يكرهون أن تصبح هذه التجارة احتكار لفرنسا. وذكرت الحكومة البريطانية في 1716 "أن الاحتفاظ بالتجارة بين مملكو بريطانيا العظمى وأسبانيا كان من أهم الدوافع التي حفزت ملكينا السابقين إلى دخول الحرب الأخيرة الطويلة الأجل الباهظة التكاليف".
ورغبة من وليم الثالث في إرضاء التجار في موطنه الأول وفي البلاد التي آلت إليه، وفي المحافظة على توازن القوى في القارة، اقترح على لويس أن تتخلى فرنسا عن دعواها، وتتفق مع إنجلترا على ترك أسبانيا الأولى". ورفض ليوبولد هذا المشروع غاضباً. وأملاً في صون أمير بافاريا الناخب، حفيد ليوبولد، وعلى أن يحصل الدوفين ولي عهد فرنسا على ثغور تسكانيا وإيطاليا جنوبي الولايات البابوية. على حين يمكن تسكين من روع الأرشيدوق كارل وإرضاؤه بدوقية ميلان. وقبل لويس الاقتراح، ووقع في 11 أكتوبر 1698 مع وليم "معاهدة تقسيم أسبانيا الأولى". ورفض ليوبولد هذا المشروع غاضباً. وأملاً في صون الإمبراطورية الأسبانية من هذه التجزئة والتفتيت، أعد شارل الثاني في 14 نوفمبر 1698 وصيته التي جعل أمير بافاريا الناخب بمقتضاها وريثه الوحيد. ولكن موت الأمير في 5 فبراير أحدث ارتباكاً وتعقيداً في الموقف.
وعرض لويس إلى وليم تقسيماً جديداً: يحصل ولي عهد فرنسا بمقتضاه على ثغور تسكانيا، وإيطاليا جنوبي الولايات البابوية، ودوقية اللورين، ويعوض دوق اللورين بميلان، ويؤول باقي الإمبراطورية الأسبانية، بما في ذلك أمريكا والأراضي الوطيئة الأسبانية، إلى الأرشيدوق كارل، ووقع لويس ووليم اتفاقية التقسيم الثانية في 11 يونيه 1699، ووافقت عليها المقاطعات المتحدة. ولكن شارل الثاني احتج على أي تفتيت لممتلكاته، كما أن الإمبراطور، أملاً منه في الحصول على كل شيء لابنه، أيد موقف أسبانيا ورفض الموافقة على التقسيم، على أن شارل، باعتباره من آل هبسبرج، كان ميالاً إلى ترك كل شيء للأرشيدوق، وبوصفه أسبانياً، على أية حال، كان يكره النمساويين، وباعتباره لاتينياً كان يؤثر الفرنسيين، ومذ كان شارل كلثوليكياً غيوراً، فإنه التمس النصح والمشورة من البابا. فأجاب إنوسنت الثاني عشر في 27 سبتمبر 1700 بأن خير طريقة هي التوصية بكل الإمبراطورية الأسبانية لأمير بوربوني شريطة تخليه عن أي حق في عرش فرنسا، وبذلك تحتفظ أسبانيا بوحدتها. وواضح أن الدبلوماسيين الفرنسيين كانوا يفوقون النمساويين حيلة ودهاء، وفي مدريد وفي روما على حد سواء. ونفر الرأي العام في أسبانيا من غطرسة مليكتهم الألمانية، فوافق على مشروع البابا، وذكر السفير الإنجليزي في مدريد "أن الاتجاه العام فرنسي تماماً". وفي أول أكتوبر وقع شارل الوصية المشئومة، التي أوصى فيها بكل أسبانيا وممتلكاتها لفيليب ذي السبعة عشر ربيعاً، ودوق أنجو، الابن الثاني للدوفين، شريطة ألا يجتمع تاجا فرنسا وأسبانيا لملك واحد، وقضى شارل نحبه في أول نوفمبر.
ولما ترامت أنباء هذه الوصية إلى باريس، سر بها لويس، ولكنه كان متردداً. فقد أدرك أن انتقال أسبانيا من أيدي آل هبسبرج إلى أسرة البوربون، لا بد أن يلقى معارضة شديدة من الإمبراطور، وأن إنجلترا وهولندا لا بد أن تنضما إلى صف المعارضة. وأثنى أحد المؤرخين الألمان على هذه الإلتفاتة من جانب لويس نحو الأهداف السلمية:
قد لا يكون من الإنصاف القول بأن لويس الرابع عقد العزم منذ البداية على نقض معاهدة التقسيم، بمجرد الحصول على وصية ملائمة لأسرته، وحتى وهو على يقين من مثل هذه الوصية، وكان شارل لا يزال على قيد الحياة، أمر لويس سفيره في هولندا، أن يؤكد لحاكمها أنه يعتزم التمسك بالتزاماته، ولا يقبل أية عروض تقدم له. وبالإضافة إلى هذا، واصل مساعيه للحصول على انضمام بلاط فيينا إلى معاهدة التقسيم.
وفي 6 أكتوبر أرسل لويس نداءاً عاجلاً إلى الإمبراطور ليقبل معاهدة التقسيم الثانية. ورفض ليوبولد. ومن ثم اعتبر لويس أن المعاهدة لاغية.
التبعات
المطالبات بالعرش الإسپاني في حرب الخلافة الإسپانية |
---|
وفور وفاة شارل، أوفد مجلس الوصاية الأسباني إلى باريس رسولاً ليبلغ الملك لويس أن حفيده سيكون ملكاً على أسبانيا بمجرد قدومه وتأديته اليمين بمراعاة قوانين المملكة. وصدرت التعليمات إلى السفير الأسباني في باريس بأنه في حالة إي رفض من جانب فرنسا، عليه أن يأمر الرسول بالإسراع إلى فيينا ليقدم نفس العرض إلى الأرشيدوق. وينبغي ألا تجزأ الإمبراطورية الأسبانية على أية حال. وفي 9 نوفمبر دعا لويس الأمير ولي العهد، ومستشاره بونتشارتران ودوق دي بوفيلييه ومركيز دي تورسي وزير الخارجية إلى اجتماع في جناح مدام دي مينتنون، وسألهم الرأي والمشورة. ورأى بوفيلييه أن يرفض العرض الأسباني، لأنه يؤدي قطعاً إلى الحرب مع الإمبراطورية وإنجلترا والمقاطعات المتحدة، وذكر الملك بأن فرنسا ليست في ظروف تهيئ لها مواجهة مثل هذا الائتلاف، أما تورسي فقد دافع عن فكرة القبول، حيث اعتقد بأن الحرب لا محالة واقعة على أية حال، ولا بد أن الإمبراطور ليوبولد سيعارض معاهدة التقسيم والوصية كلتيهما. هذا فضلاً عن أنه رفض الملك لويس العرض الأسباني، فإنه من المؤكد أن يرحب به الإمبراطور، وتطوق فرنسا من جديد بنفس النطاق الذي كان مضروباً حولها-أسبانيا، شمال إيطاليا، النمسا، الأراضي الوطيئة الإسبانية والذي كلف فرنسا طيلة المائتي عام الأخيرة كثيراً من الدماء لتحطيمه. خير لنا أن ندخل في حرب بسبب عادل-الوصية-من أن نحاول فرض تقسيم أسبانيا بالقوة ضد رغبة حكومتها وشعبها.
وبعد ثلاثة أيام قضوها في مزيد من المشاورات والمداولات، أعلن لويس إلى المبعوثين قبوله الوصية. وفي 16 نوفمبر 1700 قدم دوق أنجو إلى الحاشية المجتمعة في فرساي قائلاً: "أيها السادة، إنكم ترون هنا ملك أسبانيا. أن النسب الذي تحدر منه دعاه إلى حمل ذاك التاج، بهذا أمر الملك الراحل في وصيته، وهذا ما رغبت فيه الأمة الأسبانية بأسرها، وتوسلت إليّ توسلاً جدياً أن أقبله. وتلك إرادة الله، حققها في غبطة وسرور، ثم أضاف موجهاً الحديث إلى الملك الشاب "كن أسبانياً" صالحاً-فهذا هو الآن واجبك الأول، ولكن تذكر أنك ولدت فرنسياً، وحافظ على الوحدة بين الأمتين، فهذا هو الطريق لإسعادهما، وللمحافظة على السلام في أوربا" ونادى مجلس الوصاية الأسباني بفيليب ملكاً في مدريد، وأسرعت كل قطاعات أسبانيا وممتلكاتها بإعلان موافقتها، واعترفت الحكومات، الواحدة تلو الأخرى، بالملك الجديد: سافوي، الدنمرك، البرتغال، المقاطعات المتحدة، إنجلترا، وعدة ولايات إيطالية وألمانية، بل أن ناخب بافاريا الذي ظن أن الإمبراطور دس السم لابنه-كان من أول الأمراء الذين قدموا اعترافهم. وبدا أن الأزمة قد تم التغلب عليها، وأن العداوة التي استعر أوارها طيلة قرن من الزمان بين فرنسا وأسبانيا قد خمدت بطريقة سلمية، وجثا السفير الأسباني في فرساي بين يدي مليكه الجديد إجلالاً وولاء، ونطق بعبارته المشهورة "لا برانس بعد اليوم".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ذكراه
- سميت على اسمه مدينة كارلروي في بلجيكا. كانت قد تأسست عام 1666 عندما كانت كونت نامور أو في فترة السيادة على هولندا الإسپانية
- الأميرال فرانسيسكو لازيانو سمي على اسمه جزر كارولين، في المحيط الهادي عام 1686.
وصقلية |
الهوامش
- ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
المصادر
- Will Durant The Reformation (1957)
- Will and Ariel Durant, The Age of Louis XIV (1963)
- Henry Kamen, The Spanish Inquisition (1997)
- Martin Andrew Sharp Hume, The Year After the Armada, and other historical studies (1896)
- NNDB: Charles II
وصلات خارجية
- Media related to كارلوس الثاني من إسپانيا at Wikimedia Commons
كارلوس الثاني من إسپانيا وُلِد: نوفمبر 6 1661 توفي: نوفمبر 1 1700
| ||
ألقاب ملكية | ||
---|---|---|
سبقه فليپه الرابع |
ملك قشتالة وأراگون 1665–1700 |
تبعه فليپه الخامس |
دوق ميلانو, لوثير، بربرانت، ليمبور ولوكسمبورگ؛ كونت فلاندرز، هاينو ونامور 17 سبتمبر 1665 – 1 نوفمبر 1700 | ||
كونت برگندي 1665–1678 |
{{{reason}}} | |
Spanish royalty | ||
شاغر اللقب آخر من حمله فليپه پروسپرو
|
أمير أستورياس 1661–1665 |
شاغر |
- Short description is different from Wikidata
- Articles containing إسپانية-language text
- Pages using Lang-xx templates
- مواليد 1661
- وفيات 1700
- مدفونون في پانثيون الملوك في الإسكوريال
- كونتات فلاندرز
- Counts of Cervera
- Counts of Hainaut
- دوقات بربانت
- Dukes of Guelders
- Dukes of Lothier
- دوقات لوكسمبورگ
- دوقات ميلانو
- دوقات مون بلون
- Grand Masters of the Order of the Golden Fleece
- آل لوكسمبورگ
- Incest
- ملوك صقلية
- ملوك سانتياگو
- فرسان الوبر الذهبي
- Lords of Balaguer
- حكام أطفال معاصرون
- أشخاص من مدريد
- أشخاص مصابون بالصرع
- أمراء أستورياس
- أمراء گيرونا
- ملوك كاثوليك
- إنفانتات اسبانيا
- ملوك اسبانيا
- اسبان معاقون