قراصنة وأباطرة (كتاب)
قراصنة وأباطرة ؛ الإرهاب الدولي في العالم الحقيق
المؤلف: البروفيسور نعوم تشومسكي أستاذ اللغويات في كامبريدج
الطبعة الإنكليزية: 1991 الطبعة العربية الأولى 1996 دار حوران عدد الصفحات العربية 179
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المقدمة
ذكر المؤلف قصة : أن قرصاناً وقع في أسر الأسكندر الكبير الذي سأله كيف تجرؤ على إزعاج البحر؟ كيف تجرؤ على إزعاج العالم بأسره؟ فأجاب القرصان: لأنني أفعل ذلك بسفينة صغيرة فأدعى لصاً وأنت الذي يفعل ذلك بأسطول ضخم فتدعى امبراطوراً هذه هي قصة أميركا والعراق اليوم·
يقول المؤلف: إن جواب القرصان على الإمبراطور كان أنيقاً وممتازاً لأنه يلتقط بدقة العلاقة بين الولايات المتحدة ومختلف اللاعبين الصغار على مسرح الإرهاب الدولي·
يستشرف الكتاب آفاقاً سياسية تُظهر مفاعيل أداء الإدارات الأميركية المتعاقبة. وشومسكي مختص في السياسة الخارجية والشؤون الدولية وحقوق الإنسان وله العديد من الكتب والمجلات منها:
- "نحو حرب باردة جديدة"
- و"الاقتصاد السياسي لحقوق الإنسان"
- و"المثلث المصيري في الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيون".
في كتابه "قراصنة وأباطرة" يلقي شومسكي الضوء وعبر الأدلة الموثقة على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ومفهومها "للإرهاب" والمعايير المزدوجة التي يلجأ إليها المسؤولون والإعلاميون الأمريكيون لدى مناقشتهم "الإرهاب" في حين يتجاهلون عمليات السلب والقرصنة التي تقوم بها الولايات المتحدة وكلها تحت حجج حفظ النظام العالمي واستتباب السلم في العالم.
في مقدمة "قراصنة وأباطرة" يذكر ناعوم شومسكي مصدر كلمة "إرهاب" فيشير إلى أن :
- هذا المصطلح ظهر في نهاية القرن الثامن عشر لدى الإشارة، بشكل أساسي، إلى عمليات عنف حكومية، ترمي إلى ضمان الخضوع الشعبي، إلا أن هذا المعنى مع مرور الزمن أخذ يقتصر على الذين يضايقون الأقوى. وأخذت عبارة "الإرهاب" تطبق بشكل رئيسي، على "الإرهاب المفرق" الذي يقوم به الأفراد أو الجماعات. وفي الوقت الذي كانت فيه العبارة تنطبق فقط على الأباطرة الذين يضايقون رعاياهم ويضايقون العالم.
السيطرة على الأفكار: حالة الشرق الأوسط
في الفصل الأول من الكتاب والذي جاء تحت عنوان "السيطرة على الأفكار: حالة الشرق الأوسط" يورد شومسكي ما كتبه هارولد لوسيل في "موسوعة العلوم الاجتماعية" في سنة 1993، قائلاً: "يجب علينا ألا نخضع للغوغائيات الديمقراطية حول رجال هم أفضل حكام على مصالحهم الخاصة، علينا أن نجد طرقاً تضمن أن يتبنوا القرارات التي يتخذها زعماؤهم بعيدو النظر، وهو درس تعلمته الصفوة المهيمنة منذ وقت طويل، ويتمثل في بروز صناعة العلاقات العامة".
ويدرس شومسكي حملات التثقيف العام، مبيناً أن حرفة رجال الدولة توفير "الوهم الضروري" الذي يوفر العقيدة التي يتوجب غرسها في عقول الأقل موهبة، مثلما هو مألوف في العلوم الاجتماعية الأميركية وفي التعليقات الليبرالية بشكل عام.. فقصف ليبيا كما يذكر شومسكي حقق نجاحاً في العلاقات العامة في الولايات المتحدة ويضيف شومسكي أن عبارتي "الإرهاب" و"الانتقام" ذات معنى خاص في الساحة السياسية الأميركية، فالإرهاب يشير إلى عمليات إرهابية يقوم بها قراصنة مختلفون، وبخاصة العرب، وفي الوقت ذاته فإن العمليات الإرهابية التي يقوم بها "الإمبراطور" وعملاؤه تسمى ثأراً "أو ربما" ضربات استباقية مشروعة لتجنب الإرهاب، بعيداً تماماً عن الحقائق. وفي هذا يرى شومسكي إن عبارة "رهينة ـ كما هي عبارات "الإرهاب" و "معتدل" و"ديمقراطي" وعبارات أخرى تطلق في السياق السياسي، ذات معنى فني ضمن النظام العقائدي السائد، فحسب هذه المعاني يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تشن حملات اعتقال ضد شعوب تعتبرها "رهينة" لملاحظات على أداء حكوماتها وعدم تطابق سياستها مع مصالح السياسة الأمريكية.
وعن علاقة "إسرائيل" بالولايات المتحدة يشير شومسكي أن أميركا تنظر إلى "إسرائيل" كعميل مخلص ومفيد، وتنظر إلى الفلسطينيين كإرهابيين ومتوحشين.
ويرى شومسكي في كتابه، أن خدمات "إسرائيل" للولايات المتحدة "كمركز قوة استراتيجية" في الشرق الأوسط، تساعد في تفسير إخلاص الولايات المتحدة، منذ تولي كيسنجر لصنع السياسات إزاء الشرق الأوسط في أوائل السبعينات، للإبقاء على المجابهة "العسكرية" والمأزق الذي خلقه كسينجر. فلو تم السماح للولايات المتحدة بعقد تسوية سلمية وفقاً للإجماع الدولي. لاندمجت إسرائيل تدريجياً في المنطقة، ولخسرت الولايات المتحدة خدمات "دولة" مرتزقة قيمة، قادرة عسكرياً، ومتقدمة تكنولوجياً، دولة منبوذة، تعتمد اعتماداً كلياً على الولايات المتحدة من أجل بقائها الاقتصادي والعسكري، وبالتالي عالة على غيرها، فتكون متوفرة لتقديم الخدمات حين تدعو الحاجة. يصل شومسكي في نهاية الفصل الأول بعد أن يورد عمليات القرصنة الأميركية في الكثير من دول العالم، والاتهامات الأميركية الجاهزة لشعوب بأكملها لمجرد رفضها وعدم انصياعها للسياسة الأميركية، لتقول: إن كل من يختلف مع الإدارة الأميركية ولا يخضع لمشيئتها ولمفهومها السياسي يعتبر إرهابياً، وفي هذا ينطبق هذا "القانون" على الفلسطينيين الرافضين لمفهوم "السلام" بالمنطق الأميركي.
إرهاب الشرق الأوسط والنظام الإيديولوجي الأميركي
تنطلق الإدارة الأميركية (كما يشير المؤلف في الفصل الثاني) من أن "الإرهاب في الشرق الأوسط" يشكل حاجزاً وسداً أمام جهود "السلام" التي تبذلها الإدارة الأمريكية، وتلقي في هذا اللوم على "أعداء السلام" وهنا يرصد نتائج الإجماع الذي ضم الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان مع رئيس الوزراء آنذاك بيرز في 17 تشرين الأول 1985، ملخصاً ذلك بأن "إسرائيل" وعلى لسان رئيس وزرائها جاهزة لمد "يد السلام" للأردن والقيام بخطوات جريئة. وهذا ما سعت إليه الإدارات الأميركية المتعاقبة لتفتيت المنطقة ومحاصرة "أعداء السلام" حسب المنطوق الأميركي.
وفي هذا السياق يذكر شومسكي الكثير من العمليات الإرهابية التي قامت بها "إسرائيل" وبتأييدٍ مطلق من الولايات المتحدة الأميركية، والتصريحات الأميركية والمواقف التي كانت تقف وما زالت إلى جانب "إسرائيل" وكيف يقدم قادة الكيان الصهيوني أنفسهم كـ "أبطال سلام" ويضيف إلى أن الإعلام الأميركي يلعب دوراً حاسماً في قلب الصورة وتبرير "العدوان الإسرائيلي" . ويستشهد شومسكي بأقوال محللين سياسيين استراتيجيين أميركيين وتطابقهم مع الرؤيا الصهيونية لفرض مفاهيم تتفق مع ترسيخ معاهدات "سلام" مع دول منطقة الشرق الأوسط.
وعن الرؤية المعيارية للولايات المتحدة في "العنف الإسرائيلي" والمفرط في كثير من الأحيان ـ كما يذكر المؤلف ـ: "هو "انتقام" ضد المذابح العربية، فإن (إسرائيل)، مثل الولايات المتحدة، تدعي بحقوق أوسع بكثير، الحق في القيام بهجمات إرهابية للحيلولة دون حدوث عمليات محتملة ضدها، كما هو حال المبرر لحرب لبنان".
ليبيا وصناعة العفاريت الأمريكية
وفي الفصل ما قبل الأخير يتعرض المؤلف إلى السياسة الأميركية ضد ليبيا ومحاصرتها، تحت اسم محاربة "الإرهاب" فيرى أن ما تقدم عليه الإدارة الأميركية هو إرهاب دولة تحت ذرائع مختلفة، وقد ألبت في ذلك ـ كما يذكر شومسكي ـ العديد من الدولة الأوروبية ذات المصالح المتعاطفة مع واشنطن. ويضيف أن الإعلام الأميركي يلعب دوراً بارزاً في الحملات النشطة ضد ليبيا وغيرها من الدول العربية ويخص أيضاً الفلسطينيين الذين يتعرضون إلى الضغط الأميركي واتهامهم الدائم بالإرهاب متغاضين تماماً عن الإرهاب "الإسرائيلي" والمشهد الدموي في فلسطين.
الفصل الرابع والأخير والذي يستشرف فيه شومسكي السياسة المقبلة للنظام العالمي جاء تحت عنوان "ظلال النظام العالمي الجديد أخذت تلوح في الأفق" الرسالة الرئيسية للبيت الأبيض نحن الأسياد وأنتم ماسحو الأحذية. في هذا الفصل يصل شومسكي إلى استنتاجات يدين فيها النظام العالمي الجديد، ويؤكد على أن ما تدعيه الولايات المتحدة من نزاهة وصدقية وحفظ السلم في العالم، ليست إلا أكاذيب تروجها لإحكام قبضتها وسيطرتها على الشعوب، وبالتالي استنفاذ خيراتها واستعبادها.
يكتب شومسكي في الصفحات الأخيرة من كتاب "قراصنة وأباطرة": "هناك حقيقة بدهية حول النظام العالمي الجديد وهي تتمثل في أن هذا النظام ثلاثي الأقطاب من ناحية اقتصادية، وأحادي القطب من ناحية عسكرية، والأحداث الأخيرة تساعد المرء في فهم التفاعل بين هذه العوامل.
ويذكرنا بما أوردته صحيفة نيويورك قائلة: إن علينا القتل بالجملة إلى أن يتعلموا كيف يحترمون أسلحتنا، إن أصعب مهمة في جعلهم يحترمون مقاصدنا سوف تأتي فيما بعد: وفي النهاية فإنهم يفهمون مقاصدنا جيداً". ويضيف شومسكي أن التصور الاستراتيجي للولايات المتحدة يتمثل في وجود المدراء المحليين للثروات النفطية الخليجية، بواسطة أناس إقليميين ينفذون الحماية بالقوة، ويفضل ألا يكونوا عرباً.
ويشير شومسكي إلى أن الولايات المتحدة سوف تسعى إلى نوع من الاتفاق بين عملائها وقد تفكر في آخر المطاف في عقد مؤتمر دولي تهمش فيه الأطراف الدولية وتكون هي المقرر الأول في إدارته.
يختم شومسكي كتابه بالقول: "إن القيادة السياسية في واشنطن ولندن قد خلقت كوارث اقتصادية واجتماعية في الداخل وليس لديها أي فكرة حول كيفية التصدي لها فيما عدا استغلال قوتها العسكرية وبناء على نصائح الصحافة المختصة بإدارة الأعمال.
كتاب "قراصنة وأباطرة" للبروفيسور ناعوم شومسكي كتب في العام 1991، إلا أن أفكاره والعديد من الاستنتاجات تجد الآن صداها بل تظهر بقوة في السياسية الخارجية الأميركية فالولايات المتحدة لم تزل تدعم "الإرهاب" في العالم وتحاصر الدول العربية والإسلامية، وتسعى لمد الكيان الصهيوني بكل أسباب القوة، مدخرة التأييد العالمي "لإسرائيل" وهاجس التمدد الأميركي في المنطقة العربية والإسلامية وبناء الأحلاف تزداد وتائره.
إن النموذج العراقي والأميركي في العالم هو عصر القراصنة والأباطرة· فأما الأول فيذكر بقصة الشقي (بانشو فيا) الذي بدأ حياته عام 1910 كزعيم عصابة لقطع الطرق، وعندما اندلعت الثورة في المكسيك تحول الرجل بين ليلة وضحاها إلى بطل شعبي، فأخذ ينهب القطارات، ويعطي المال للفقراء، ويقود غارات جريئة، ويسحر النساء بمغامراته الفروسية، وكان يبدو كمزيج من روبن هود ودون جوان· وأخيرا بعد قتال مرير انتصر في الثورة الجنرال (كارنزا)، وعاد بانشو فيا مدحورا إلى وطنه في ولاية (شيهواهو) الشمالية، وبدأ تحت دافع اليأس يشتم أميركا· ولكنه في عام 1916 عبر الحدود الأميركية وقتل في (كولومبوس) بولاية نيومكسيكو هو وعصابته 17 أميركياً· وكان رئيس الجمهورية يومها (وودرو ويلسون) الذي حثه فريق الصقور من حوله على أن قوة كبرى بحجم الولايات المتحدة يجب أن ترد الصاع بعشرة· وفعلاً أرسل الرئيس الأميركي حملة من عشرة آلاف جندي في مارس 1916 أخذت اسم الحملة العقابية تحت إمرة بيرشنغ، ولكن الذي حدث أن الشعب المكسيكي الذي سخط على فيا عندما عاد إلى قطع الطريق صار مهووساً به لأنه يواجه جيشا أميركيا قويا، وبدأ الناس يعطون بيرشنغ معلومات مضللة، وبقي (فيا) حرا طليقا، وبدا أنه يسبق الأميركيين دوما بخطوة إلى الأمام· ومع حلول صيف العام كثفت أميركا الحملة إلى 123 ألف جندي، ولكن لم يجنوا سوى الحَرِّ والغبار والبعوض· وفي يناير عام 1917 فشلت الحملة العقابية وانسحبت القوات الأميركية في تراجع من أكثر الأنواع إذلالاً وإذا كان بانشو فيا قد نجا من العقاب فلا يشترط أن ينجو العراق·
وأما النموذج الثاني فأميركا التي أسقطت في أكتوبر 1976 طائرة كوبية بقنبلة قتل فيها 73 راكباً بمن فيهم كل الفريق الكوبي الأولمبي حامل الميدالية الذهبية، وأميركا هي التي ضربت عواصم عربية بما فيها ملاجئ المدنيين، وأميركا هي التي ألقت القنبلة النووية على هيروشيما، وأميركا هي التي أبادت السكان الأصليين في أميركا بالبنادق ووضعت بقاياهم في محميات، وأميركا هي التي تمد إسرائيل بخيل ورجال منذ نصف قرن، بما فيها تمكينها من بناء السلاح النووي، بما يهدد السلام العالمي، وأميركا هي التي تعيق العدل العالمي بنظام (الفيتو) الذي هو الشرك الأعظم في العالم اليوم، وأميركا هي التي انسحبت مع إسرائيل من مؤتمر دربان بسبب لمس مشكلة العنصرية عام ·2001 وأميركا هي التي قامت بالانقلاب على مصدق في إيران بكلفة زهيدة من خمسة ملايين من الدولارات وتجنيد المرتزقة على يد الاستخبارات المركزية ونهب إيران لفترة 28 سنة لاحقاً، وأميركا هي التي هددت محكمة العدل الإنسانية في حال طلب أحد رجالها للقضاء العالمي الذي وقعت عليه 132 دولة،بأنها سوف تنقذه بالقوة المسلحة وفي مجلة دير شبيجل الألمانية (عدد 44 - 2001) جاء في مقالة الهندية (أراندهاتي روي) Arundhati Roy داعية السلام تحت عنوان الحرب تعني السلام أو السلام هو الحرب ثم قامت باستعراض لائحة الحروب الأميركية:1950-1953 كوريا-غواتيمالا، 1954 و1967-،1969 إندونيسيا، ،1958 كوبا 1959-،1961 كونجو ،1956 لاوس 1964-،1973 فيتنام 1961-،1973 كمبوديا 1969-،1970 جرينادا ،1983 ليبيا ،1986 سلفادور في الثمانينيات، وكذلك نيكاراغوا- باناما ،1989 العراق ·1991 وعلقت على أحداث 11 سبتمبر أنها غيرت أمورا جوهرية خمسة: الحرية والتقدم والرفاهية والتقنية ومفهوم الحرب· لتصل إلى جملة لاذعة:
- إنهم يريدون منا أن نعتبر فجأة أن الخنازير أصبحت خيلا وأن العذارى انقلبن ذكورا وأن الحرب هي السلام؟
إنها لائحة للجرائم لا تنتهي على يد الإمبراطور الذي ينافقه الجميع اليوم ·إنه بقدر ما توجد داخل أميركا حرية تفكير بقدر ما توجد فبركة لحرية التعبير كما يقول تشومسكي في كتابه أباطرة وقراصنة بقدر ما توجد قرصنة وإرهاب للآخرين خارج أميركا فهذه هي المعادلات الثلاث التي تحكم أميركا·