في ظل شجرة عثمان
في ظل شجرة عثمان: الإمبراطورية العثمانية ومصر والتاريخ البيئي (بالإنكليزية: Under Osman’s Tree:The Ottoman Empire, Egypt, and Environmental History) كتاب من تأليف المؤرخ الأمريكي آلن ميخائيل، ترجمه للعربية عبد الرحمن عادل وصدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في مارس 2021.
تلخص هذه الدراسة الأعمال السابقة للمؤلف عن مصر العثمانية وتوسعها، بما في ذلك كتابيه "الطبيعة والإمبراطورية في مصر العثمانية"، و"الحيوان في مصر العثمانية"، وما يقرب من اثني عشر مقالة تمت مراجعتها من قبل الأقران. ينصب تركيزها المركزي على ريف مصر في مطلع القرن التاسع عشر. وتكشف دراسة الحالة الثرية هذه عن التيارات التي لا تحظى بالتقدير والتي غالبًا ما تكون مفاجئة داخل المجتمع والإدارة العثمانيين. على وجه الخصوص، فإنه يشكل إشكالية لنموذج جوهر المحيط الذي لا يزال يهيمن على التأريخ العثماني، ويلقي ضوءًا جديدًا على التطورات السياسية والتكنولوجية والاقتصادية والتحولات في أوائل القرن التاسع عشر. ويُكمل عمل ميخائيل مجموعة الأدبيات الصغيرة والمتنامية حول التاريخ البيئي العثماني، لكن قيمتها تمتد إلى ما هو أبعد من هذا المجال. إذ إنه يتحدى بنجاح العديد من الافتراضات الدائمة حول تاريخ الشرق الأوسط، ويوضح أهمية الحيوانات والعناصر البيئية في المجتمعات الزراعية الحديثة المبكرة. [1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مضمون الكتاب
يبدأ آلن بسرد اسطورة تشكل الدولة العثمانية، والتي تنص أن عثمان الأول مؤسس الإمبراطورية، قد رأى في منامه أن بدراً نزل في صدره، ثم خرج من صدره شجرةً غطّت الكون بظلها، ووقد روى عثمان لشيخه رؤيته، حينها أدرك الشيخ أن عثمان سيصبح حاكما لدولة قوية، وقرر أن يزوج بنته بعثمان، القائد المرتقب. لكن يرى المؤلف أن قصة نشأة الإمبراطورية العثمانية دوّنت بنهاية القرن الخامس عشر، بعد السيطرة على القسطنطينية وترسيخ قواعد الإمبراطورية لتصبح قوة رئيسة سياسياً وعسكرياً في البحر المتوسط، وذلك بعد قرنين من رؤيا عثمان.
سعى الكتاب إلى دراسة العلاقة ما بين الطبيعة والسلطة في التاريخ العثماني، وذلك بالتمحيص الماضي العثماني، وتحديداً القرنين السادس عشر والسابع عشر.
ويدرس المؤلف تاريخ منطقة أمتداد الإمبراطورية العثمانية من منظور إيكولوجي، أي العلاقة بين الكائنات الحية والبيئة التي تعيش فيها، مستخدماً التاريخ البيئي أداة منهجية وتفسيرية تسمح بتناول المناخ، والمرض (علم الأوبئة)، وإدارة الموارد الطبيعية، والطاقة، والعمل البشري والحيواني، والتحكم في المياه، والتحول الاقتصادي.
ويركز المؤلف في كتابه على القرون الخمسة الأخيرة وعلى مصر بالتحديدن أكثر بلاد الشرق الأوسط سكاناً، ويحاول ميخائيل كتابة تاريخ بيئي لمصر العثمانية، عبر رصد علاقة الفلاحين بالمناخ والظروف البيئية التي أحاطت بهم، من حيوانات وطمي وبراغيث وطاعون وبراكين وتيارات مائية، ويؤكد أن مصر كانت تاريخيا أدرّ الولايات للعوائد.
وفضلا عن مركزيتها لدى الدولة العثمانية، فإن مصر حالة دراسية نموذجية لفهم دور الإيكولوجيا في السياسة والعكس بالعكس، فيرى الكاتب أن اعتماد مصر على النيل، وتاريخها الزراعي الغني، وموقعها الجغرافي بين بحرين وقارتين قد جعل الموارد الطبيعية مركز أي مشروع لحكم العثمانيين في مصر. فيرى أن مصر بعد سيطرة العثمانيين عليها عام 1517 أثبتت أنها أهم ولايات الإمبراطورية، ومركز نظام الحكم والاقتصاد العثماني.
ويرى آلن ميخائيل أن تحليل كثير من العلاقات ما بين الشعوب والبيئات يقدم منظورا كليًّا جديدا في دراسة تاريخ الشرق الأوسط.
ويوضح الكاتب أنه "في مصر حيث تنعدم الغابات، وتتركز جموع البشر، والحيوانات، والنيل، والنباتات، والطمي، وتيارات الرياح، والحبوب في علاقات اعتماد وصراع وحبكة متآلفة" ويضيف "كان ذلك كله في ظل وارف لشجرة عثمان".
فالبيئة وظروفها ساهمت بدور مهم لمصلحة الفلاحين كي تكون لهم مشاركة في إدارة مناطقهم، فبخلاف الصورة التي تعتقد أن الفلاحين لم يكن لهم أي دور فاعل يرى آلن ميخائيل بدراسته لموضوع إصلاح الترع في إقليم المنوفية خلال النصف الأول من القرن الـ16 وجود دور للمجتمعات المحلية في تشكيل سياسة إدارة المياه.
فالشرق الأوسط، كان بمنزلة بوابة لانتشار منتجات زراعية وطبيعية ونشر المعرفة بأساليب استغلال البيئة، بالإضافة لأنه كان ناقلا للمرض عبر مساحات شاسعة من أوراسيا والعالم، فالشرق الأوسط ظل منطقة حيوية في الربط بين أوروبا والبحر المتوسط وأفريقيا من جانب، وقارة آسيا من جانب آخر.
ويضيف بأن المنطقة كانت ملتقى سنوياً للحجاج من مالي وحتى ماليزيا الذين جاؤوا لا لزيارة مكة] والمدينة المنورة فحسب، بل لشراء البضائع التجارية من مدن الشرق الأوسط كله.
ويقول ميخائيل، أن المعرفة بأساليب الري والأشغال المائية انتقلت من العالم الإسلامي إلى إسبانيا وإيطاليا، ويضيف "أن البن في القرنين الـ15 والـ16 زرع في أراضي اليمن باستخدام أساليب مستوحاة من شرق أفريقيا، ليملأ أكواب القهوة في إسطنبول".
ويدعو المؤلف في هذا الكتاب للنظر إلى الإمبراطورية العثمانية بوصفها نظاما إيكولوجيا (بيئيا)، وهذا ما يعني ضرورة كتابة تاريخ بيئي لهذه المنطقة من وجهة نظر المؤلف.
ويذكر ميخائيل أن آخر عقدين من القرن الـ18 شهدا تقلبات مناخية قاسية أثرت في القارة الأوروبية، بظهور المجاعات والجفاف والمرض والمعاناة، ويؤكد أن غزوات أوروبية كثيرة على الشرق الأوسط نتجت عن هذا الواقع، وأفضت إلى حقبة الإصلاحات العثمانية التي عرفت باسم التنظيمات.
يرى الكتاب أن أحوال التجارة العالمية ارتبطت بما يحدث في الشرق الأوسط ارتباطا وثيقا، معتبرا أنها "أثرت وتأثرت كلها بتاريخ بيئات الشرق الأوسط المتعددة، فقد كان أحد أسباب بروز الإسلام وانتشاره مثلا في القرنين الـ17 والـ18 هو انتقال أنواع جديدة من المحاصيل والأساليب الزراعية إلى أوروبا وآسيا".
ويشرح أن أحد الباحثين أطلق على هذه الظاهرة "الثورة الإسلامية الخضراء"، وقصد من ذلك الإشارة إلى وحدة صنعها هذا الدين الجديد وثقافة أنتجتها لتجمع أول مرة بين أجزاء متباعدة من العالم في منطقة إيكولوجية (بيئية) موحدة.
ويرجح الكاتب أن الطاعون في العصور الوسطى قد انتقل غربا من الشرق الأوسط إلى حوض البحر المتوسط، ويؤكد ميخائيل أن الطاعون في مصر كان مرضا مستقرا (مستوطنا) ضمن طائفة من الأمراض في البيئة.
ويضيف الكاتب أنه كان في نظر الناس واقعا بيئيا متوقعا ومقبولا حاله حال الفيضان السنوي للنيل، ويقول ميخائيل "كانت مصر كل 9 سنوات تقريبا عرضة لوباء الطاعون طوال الفترة ما بين 1347 و1894"، وذكر المؤلف أن الطاعون تفشى بمصر 193 مرة خلال هذه المدة البالغة 547 عاما.
ويبين المؤلف "يعود تكرار تفشي الطاعون في مصر إلى موقعها الإستراتيجي في قلب حركة التجارة، كما يرجع ذلك إلى وفود آلاف الناس والفئران والبراغيث إلى البلاد كل عام من مناطق أخرى ولا سيما عبر موانئها على المتوسط والطريق الجنوبي من السودان، فكانت تاريخيا ظاهرة لها صفة الديمومة".
ويقول الكاتب إن شبكات القوافل العابرة للصحراء تضمن تداولاً مستقراً لمجموعة من الأشياء مثل الحيوانات، والورق، والمرض، والعبيد بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغربها.
وأن الدولة العثمانية كانت بوابة انتقال الذرة ومحاصيل العالم الجديد الأخرى إلى الشرق.
يشير ميخائيل أن الشرق الأوسط كان حاضراً في صلب تاريخ كل حالات التغير المناخي كما في العصر الجليدي الصغير في بداية العصر الحديث الذي خفض الإنتاجية الزراعية خفضا كبيرا في الدولة العثمانية، وكذلك انخفاض منسوب مياه النيل، وأيضا ظاهرة النينو المناخية التي تسببت في مجاعات نهاية القرن 19 في الأناضول وإيران.
كما يشدد المؤلف أن "ظل شجرة عثمان" هو معالجة للتاريخ البيئي للشرق الأوسط وحجة له في الآن نفسه، إذ يمزج ظل شجرة عثمان بين بعض المعالم الرئيسة لرؤية آلن ميخائيل عن التاريخ البيئي للشرق الأوسط بمنهجية سلسلة وشاملة.
ويأمل أن يعدّ الباحثون كتابه دليلا على حالة هذا المجال البحثي المتنامي وأن يكون مرشدا لسبل تطوير المجال، ونقطة انطلاق لأبحاث جديدة في ميادين أخرى مثل الآثار البيئية للحرب، والنوع الاجتماعي والبيئة، والتلوث، والاستعمار والبيئة وغيرها. [2]
انظر أيضاً
المصادر
- ^ Issue Section. "Under Osman's Tree: The Ottoman Empire, Egypt, and Environmental History, by Alan Mikhail". Oxford Academic.
- ^ "في ظل شجرة عثمان.. تاريخ بيئي للشرق الأوسط العثماني". قناة الجزيرة. 2021-07-03. Retrieved 2022-11-16.