فرنجة ساليون
يبدأ التاريخ يحدثنا عن الفرنجة في عام 240 حين هزمهم الإمبراطور أورليان بالقرب من مينز، واستقر الفرنجة الربواريون Ripuarian (أي الشاطئيون) في بداية القرن الخامس من منحدرات الرين الغربية، واستولوا على كولوني (463)، واتخذوها عاصمة لهم ، وبسطوا سلطانهم على وادي الرين من آخن Aechen إلى متز. وبقيت بعض قبائل الفرنجة على ضفة النهر الشرقية وأطلقوا اسمهم على فرنكونيا Franconia. وربما كان الفرنجة الساليون The Salic Franks وقد اشتقوا اسمهم من نهر سالا Sala (المعروف الآن باسم إجسل Ijssel الذي يجري في الأرض الوطيئة. ثم تحركوا من هذا الإقليم نحو الجنوب والغرب، واحتلوا حوالي عام 356 الإقليم الواقع بين نهر الموز Meuse والمحيط ونهر السوم Somme. وكان أكثر انتشارهم بطريق الهجرة السليمة بل أن الرومان أنفسهم كانوا يدعونهم أحياناً إلى أن يعمروا الأراضي القليلة السكان. وبهذه الوسائل المختلفة أصبحت غالة الشمالية نصف فرنجة قبل أن يحل عام 430. وقد جاء الفرنجة معهم بلغتهم الألمانية وعقيدتهم الوثنية، وكان من أثر هذا أن اللغة اللاتينية لم تعد اللغة التي يتحدث بها المقيمون على مجرى الراين الأدنى، كما لم تعد المسيحية دين هؤلاء الأقوام.
جزء من سلسلة عن |
---|
تاريخ فرنسا |
خط زمني |
بوابة فرنسا |
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشريعة السالية
- مقالة مفصلة: القانون السالي
ويصف الفرنجة الساليون أنفسهم في مقدمة "القانون السالي" بأنهم " الشعب المجيد، الحكيم في مجالسه، النبيل في جسمه، الذي تشع منه الصحة والعافية، الممتاز بجماله، الجريء، السريع، الذي لا تلين له قناة ... هذا هو الشعب الذي ألقى على عاتقه نير الرومان(35). ولم يكونوا يعدون أنفسهم برابرة بل كانوا يقولون إنهم رجال أحرار انتزعوا حيتهم بأيديهم، ومعنى لفظة فرنجة Franks هو الحر، الذي نال حقوقه السياسية. وكانوا طوال القامة، شقر الوجوه، يجمعون شعرهم الطويل يعقدونه فوق رؤوسهم، ثم يتركونه يسقط منها أشبه ما يكون بذيل الحصان، وكانوا يطيلون شواربهم، ويحلقون لحاهم، ويشدون قباءهم على وسطهم بأحزمة من الجلد مغطاة في بعض أجزائها بقطع من الحديد المطلي بالميناء. وفي هذه المنطقة يعلق السيف. والبلطة الحربية، وبعض أدوات الزينة كالمقصات والأمشاط(36)؛ وكان الرجال والنساء مولعين بالحلي، يتزينون بالخواتم، والأساور وعقود الخرز. وكان كل رجل قوي الجسم جندياً محارباً، يتعلم منذ صباه الجري، والقفز، والسباحة، وإصابة الهدف بالحربة أو البلطة. وكانت الشجاعة عندهم أسمى الفضائل كلها، من أجلها يغتفر القتل، والنهب، والاغتصاب، ولكن التاريخ، بما يلقيه من ضوء ساطع على بعض الحوادث دون بعضها الآخر، يخطئ في تصوير الفرنجة إذ يدخل في روعنا أنهم أقوام محاربون لا غير. والحق أن فتوحهم ووقائعهم الحربية لم تكن أكثر من فتوحنا نحن ووقائعنا، كما كانت أقل منها أتساعاً وتخريباً. ويسدل من شرائعهم على أنهم كانوا يشتغلون بالزراعة والصناعات اليدوية، وانهم أنشئوا في شمالي غالة الشرقي مجتمعاً ريفياً مزدهراً يتمتع عادة بالسلام.
وقننت الشرائع السالية في بداية القرن السادس، وأكبر الظن أن ذلك كان في نفس الجيل الذي شهد آخر مرحلة من مراحل تطور قوانين جستنيان الرومانية. ويقولون إن "أربعة من الزعماء الموقرين" هم الذين كتبوه، وإن ثلاثة جمعيات شعبية متتالية بحثته وأقرته(37). وكانت الطريقة المتبعة في محاكم المتهمين هي طريقة التحكيم الإلهي والاستعانة بالشهود الذين يقسمون أن المتهم برئ. فإذا تعهد عدد كاف من الشهود الصالحين لهذه الشهادة أن المدعي عليه طيب الخلق، برئ من أية تهمة لا وجد دليل قاطع على أنه ارتكبها. وكان عدد الشهود يختلف تبعاً لجسامة الجرم المنسوب إلى المتهم : فسبعة وسبعون شاهداً يكفون لتبرئة المتهم بالقتل، ولكن لما أن اتهمت إحدى ملكات فرنسا في عفتها تطلب الأمر ثلاثمائة من النبلاء يشهدون بصحة انتساب ابنها إلى أبيه(38). فإذا ظل الأمر بعد هذا موضعاً للشك اتبع قانون التحكيم الإلهي. من ذلك أن المتهم كانت تربط يداه وقدماه ويلقى في النهر، فإذا غطس كان بريئاً، وإذا طفا كان مذنباً (وذلك لأن الماء كانت تقرأ عليه رقى خاصة في حفل ديني تجعله يرفض الشخص المذنب)(39)؛ أو كان يطلب إلى المتهم أن يمشي حافي القدمين في نار متقدة أو فوق حديد يحمى حتى يحمر من الحرارة؛ أو يمسك بيده قطعة من الحديد محمية إلى هذه الدرجة ويظل قابضاً عليها مدة محددة من الزمن؛ أو يضع ذراعه عارية في وعاء به ماء يغلي ويخرج شيئاً من قاع الإناء؛ أو يقف المدعي والمدعي عليه ويمدان ذراعيهما على هيئة صليب ويظلان كذلك حتى تثبت التهمة على أحدهما إذا أنزل ذراعه من شدة التعب؛ أو يأخذ المتهم ماء القربان المقدس، فإذا كان مذنباً فلا بد أن تحل به نقمة الله. وكانت المبارزة تفصل أحياناً في النزاعيين حرين إذا بقى بعد إيراد الأدلة القانونية مجال للشك المعقول. وتدل الأبستاق على أن التحكيم الإلهي بالماء المغلي كان من الوسائل التي يستخدمها الفرس الأقدمون. وقد ورد في قوانين مانو Mnau (قبل عام 100م) شئ من التحكيم الإلهي عند الهنود بالإغراق في الماء، كما ورد ذكر التحكيم الإلهي بطريق النار أو الحديد المحمى في مسرحية أنتيجون لسفكليز(40). أما الساميون فكانوا يرون أن هذا التحكيم يأباه الدين ولذلك كانوا يرفضونه، وكان الرومان يرون أنه خرافة، أما الألمان فقد ساروا فيه إلى آخر مرحله؛ وقبلته الكنيسة المسيحية وهي كارهة، وأحاطته بمراسيم دينية، وأيمان مغلظة.
والمحاكمة بالاقتتال قديمة قدم التحكيم الإلهي. ويصفه ساكسو جراماتيكوس Aaxo Grammaticus، بأنه كان إجبارياً في الدنمرقة في القرن الأول الميلادي؛ وتدل شرائع الإنكليز؛ والسكسون، والفرنجة، والبرغنديين، واللمبارد على أنه كان شائعاً بينهم، وقد وجده القديس بتريك في ايرلندة، ولما أن شكا مسيحي روماني إلى جندوباد Oondobab ملك برغانديا وقال له أن هذا التحكيم لا يحكم على الجريمة بل على المهارة، أجابه الملك بقوله :"أليس حقاً أن نتائج الحروب المبارزات إنما تتقرر بقضاء الله، وأن العناية الإلهية تؤيد بنصرها القضية العادلة ؟"(41). وكان كل ما حدث في هذا الأمر بعد ا، اعتنق البرابرة الدين المسيحي أن تبدل اسم الإله الذي يحكمونه فيما بينهم. وليس في وسعنا أن نحكم على هذه العادات أو نفهمها إلا إذا وضعنا أنفسنا في مكان قوم يؤمنون إيماناً لا يقبل الجدل بأن الله هو الذي يسبب الحوادث جميعها، وأنه لا يرضى عن أي حكم غير عادل. وأمام هذه التجربة المرعبة كان المدعون الذين لا يثقون من عدالة قضاياهم أو من قوة بيناتهم يترددون كثيراً قبل أن يشغلوا المحاكم بقضاياهم وشكايتهم؛ كما أن المتهمين المجرمين كانوا يتهربون من التحكيم الإلهي ويعرضون أن يؤدوا بدلاً منه تعويضاً للمدعين.
ذلك أنه كان لكل جريمة ثمنها، وكان في وسع المتهم عادة أن يفتدي نفسه بأن يؤدي التعويض المقرر للجريمة المتهم بها على أن يكون ثلثه للحكومة، ثلثه لمن وقعت عليه الجريمة أو لأسرته، وكان المبلغ المفروض يختلف باختلاف منزلة من وقعت علية الجريمة، ولهذا كان المجرم الملم بالشئون الاقتصادية يدخل في حسابه عدداً كبيراً من الحقائق. فإذا لطم رجل يد امرأة في غير حياء فرضت عليه غرامة مقدارها خمسة عشر ديناراً ( نحو دولارين أمريكيين وربع دولار)؛ وإذا لطم عضدها غرم خمسة وثلاثين ديناراً (25ر5 دولارات)، فإذا مس صدرها بغير رضاها غرم خمسة وأربعين ديناراً (75ر6 دولارات)(42). ولم يكن هذا التقدير باهظاً إذا قيس بغيره من الغرامات : فقد كان جزاء اعتداء روماني على فرنجي أو سرقته بإكراه غرامة قدرها 2500 دينار (375دولار)؛ وتخفض هذه الغرامة إلى 1400 ديناراً إذا اعتدى فرنجي على روماني أو سرقه؛ إذا قتل فرنجي رومانياً غرم القاتل 8000 دينار تخفيض إلى أربعة آلاف(43) إذا كان المقتول رومانياً؛ إلى هذه الدرجة انحطت منزلة الروماني العظيم في أعين الفاتحين، وإذا لم ينل المعتدي عليه أو أقاربه للتعويض الكافي، كان من حقهم أن ينتقموا لأنفسهم من المعتدي؛ وبهذه الطريقة كانت سلسلة الانتقام وسفك الدماء تدوم بين الخصوم عدة أجيال، وكانت الغرامات والبارزات القضائية خير الوسائل التي استطاع الألمان البدائيون ابتكارها لكبح جماح غريزة الانتقام وإحلال القانون محلها.
ونصت أهم مادة في القانون السالي على أنه "لا يجوز أن ترث امرأة شيئاً من الأراضي السالية (المادة السادسة). واعتمدت فرنسا على هذه المادة في القرن الرابع عشر فرفضت ادعاء الملك إدوارد الثالث من إنكلترا حقه في عرش فرنسا الذي يرثه عن طريق أمه إزابل Esabelle؛ وأدى هذا الرفض إلى نشوب السنين المائة. وكانت هذه المادة مقصورة على الأملاك الثابتة (العقارات)، التي يفترض أنها تحتاج في حمايتها إلى قوة الرجال العسكرية، ويمكن القول بوجه عام إن القانون السالي لم يكن يرفع من شأن النساء. نعم إن دية المرأة كانت ضعفي دية الرجل(44)، لأنهم كانوا يدخلون في تقديرها أنها قد تكون أما للكثيرين من الرجال، ولكنه يفعل بهن ما يفعله القانون الروماني في أوائل عهده، فيضعهن على الدوام تحت وصاية آبائهن أو أزواجهن أو أبنائهن. وقد جعل القتل عقاب المرأة الزانية، ولكنه لم يكن يعاقب الزانى(45)، وكان يبيح الطلاق للرجل متى شاء هواه(46). وكانت العادة تبيح لملوك الفرنجة بأن يتزوجوا بأكثر من واحدة، وإن لم يبح ذلك القانون نفسه.
وكان أول ملوك الفرنجة المعروفين باسمهم هو كلوديو Chlodio الذي هاجم كولوني في عام 431؛ ولقد هزمه إيتيوس Aetius، ولكن كلوديو نجح في احتلال غالة من شرقها إلى نهر السوم في الغرب، واتخاذ تورناي عاصمة له. وخلفه على العرش ملك آخر يدعى مروفك Merovingian (ابن البحر) -وقد يكون هذا مجرد خرافة- وهو الذي سميت باسمه الأسرة المروفنجية Merovingian التي حكمت الفرنجة حتى عام 751. وأغوى ابنه كلدريك Childeric باسينا Basina زوجة أحد الملوك الثورنجيين Thuringian؛ فجاءت إليه لتكون ملكته، وقالت: إنها لا تعرف رجلا أحصف منه عقلا، أو أقوى منه جسماً، أن أجمل منه خلقاً. وولدت له كلوفيس Clovis، الذي أنشأ فرنسا والذي تسمى باسمه ثمانية عشر من الملوك الفرنسيين .
المصادر
- ^ D'après (Feffer & Périn 1987, p. 30 et 33) .
المراجع
- Area Handbook of the US Library of Congress
- Ammianus Marcellinus, History of the Later Roman Empire.
- Chisholm, Hugh (1910). Franks, In The Encyclopædia Britannica: A Dictionary of Arts, Sciences, Literature and General Information, V. 11, pp. 35-36.[1]
- Gregory of Tours, Decem Libri Historiarum (Ten Books of Histories, better known as the Historia Francorum).
- Musset, Lucien : The Germanic Invasions: The Making of Europe, Ad 400-600,1975, ISBN 1-56619-326-5, p. 68.
- Orrin W. Robinson, Old English and its closest Relatives - A Study of the Earliest Germanic Languages.
- Perry, Walter Copland (1857). The Franks, from Their First Appearance in History to the Death of King Pepin. Longman, Brown, Green: 1857.
- Wood, Ian, The Merovingian Kingdoms, 450-751 AD. 1994.
- Zosimus (1814): New History, London, Green and Chaplin. Book 1.[2]