عصمت داوستاشي
عصمت داوستاشي (و. 14 مارس 1943) فنان تشكيلي مصري.
بين حي بحري وحي الأنفوشي حيث مسجد أبو العباس المرسي ولد الفنان داوستاشي يوم 14 مارس 1943، كان الفتى ابنا لإحدى العائلات المسلمة التي نزحت من جزيرة كريت بعد تعرضها لاضطهاد، ولا يمكن فهم إبداعات هذا الفنان الذي تعلم الرسم على يد عمه ومعلمه الوحش بشارع وكالة الليمون إلا بردها إلى جذوره ونشأته وثقافته؛ فهو مصري سكندري ينتمي لعالم البحر المتوسط الذي تلتقي فيه أوربا وإفريقيا وآسيا.
اتخذت لوحات داوستاشي شكلا جديدا يميل إلى السريالية، وهي دائما مشحونة بالرموز والعناصر غير المنطقية وبألوان قوية، وقد تحول رسمه إلى نوع من التصوف الديني، وداوستاشي كثير التغير والتحول، يهوى جمع الأشياء القديمة واستخدامها في تشكيلاته المجسمة التي دائما ما تتضمن سخرية وانتقادا مريرا للعديد من المظاهر الاجتماعية. تطيح لوحات داوستاشي بالقوالب والأنماط بحثا عن خصوصيته الذاتية وهويته المتراوحة بين الملحمة الشعبية والسيرة القديمة، وما وراء الغيب الذي يشكل المعرفة اليقينية.
أقام داوستاشي أول معرض له في الرسم والتصوير الزيتي عام 1962، قبل أن يدرس فن النحت بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، ويتخرج بدرجة امتياز عام 1967 (تخصص نحت)، وهذا التاريخ هو نفس تاريخ معرضه الثاني.
عمل داوستاشي 4 سنوات في ليبيا حتى 1972 في الإخراج والرسم الصحفي، وأقام أحد معارضه في بنغازي، ثم عمل في التلفزيون المصري مخرجا مساعدا في البرامج الثقافية، ثم عمل من نوفمبر 73 بوزارة الثقافة مشرفا على المعارض بالمراقبة العامة للفنون الجميلة بالإسكندرية (بمتحف محمود سعيد).
لداوستاشي محاولات في كتابة السيناريو (الصمت 1982)، والقصة القصيرة (أشكال هندسية 1986)، والشعر (كلاميات 1966) والنقد، كما نفذ مجموعة من الأفلام السينمائية الملونة فوق شريط الفيلم الخام أو السابق تصويره بالإضافات الخطية واللونية والخربشة، وشارك في مهرجان الفيلم للهواة بتونس عام 1975.
شارك داوستاشي في العديد من المهرجانات، وأقام أكثر من 59 معرضا منذ 1962، كما شارك في معظم المعارض الجماعية، وتقتني بعض أعماله وزارة الثقافة ومتحف كلية الفنون الجميلة ومتحف الفن المصري الحديث بالقاهرة، وحصل على العديد من الجوائز، وكانت الأولى عام 1962 في معرض اتحاد طلاب الإسكندرية عن لوحة تصوير زيتي بعنوان "في انتظار الفرج" وحصلت على المركز الأول، كما حصل على مجموعة جوائز، منها: جائزة بيكاسو وميرو من المركز الثقافي الأسباني، وجائزة راديو فرنسا الدولي بباريس عن تصميم إعلان "إفريقيا 1988".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بانورما رسومات داوستاشي
خيالات فنجان القهوة
"استوحيتها من نقوش البن على فنجان القهوة الذي أشربه يوميا، ثم أقلبه لأستمتع بهذه النقوش وليس لقراءة البخت". لقد قدم داوستاشي بانوراما شاملة لمجموعة الرسوم الملونة أو المنفذة باللون الأسود التي استلهمها من أشكال رواسب البن في فنجان القهوة لتحقيق رؤية جمالية واستحضار أساطير تراثية تطرح عالم الإنسان بإيجابياته وسلبياته.
المستنير دادا
حاول الفنان الكبير حسين بكار تفسير هذا الاسم المثير؛ فوجد أنه بطل وهمي يعبر عن واقع حقيقي، وأنه استعارة مجازية ترمي إلى إشعال جذوة من النور تبدد بعض القتامة التي أحدثتها الخيوط العنكبوتية التي نسجها الفكر الراكد في حياة جيل يحاول أن ينفض عنه غبار التخلف.
الـكـف
تعد هذه المجموعة البداية الحقيقية في مسيرة داوستاشي الفنية التي نضجت خلالها لغته التشكيلية وبلورة رؤيته الفنية ومواقفه الحياتية.
اقتصاديات الفنون التشكيلية تساوي صفرا
منذ تخرج الفنان عصمت داوستاشي في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1960 وهو شعلة نشاط فني لا تهدأ؛ يكوّن الجمعيات الفنية، ويقيم المعارض، ويمارس الكتابة والإخراج والرسم الصحفي والعمل الإداري، حتى بلغ رصيده أكثر من 60 معرضًا خاصًا غير المعارض الدولية والمحلية التي شارك فيها، بالإضافة إلى عدد من الكتب في مجالات الإبداع المختلفة منها مجلد ضخم عن الفنان محمود سعيد، وفي هذا الحوار نقترب من عالم داوستاشي، ونتعرف آراءه التي تصدم البعض أحيانا.
المراحل الفنية في مسيرته التشكيلية
داوستاشي يرى أن كل ما يفعله في المجال الإبداعي هو مرحلة واحدة؛ فهو عطاء متنوع إلا أنه متسق شكلا ومضمونًا فيما يريد أن يعبر عنه، ومظاهر التنوع التي تبدو في أعماله مرجعها أساسًا إلى إيمانه بحرية الفنان وعدم تقيده وتقييده باتجاه فني ما، وهذه سمة الفن الحديث منذ انطلاقته في أوائل القرن الماضي؛ فالفنان المعاصر يتسم بالشمولية، إنه يرسم وينحت وينفذ أعماله بالطباعة، ويصمم ديكورات للمسرح، ويكتب، ويخرج أفلامًا كان آخرها الفيلم الذي عُرض في الافتتاح التجريبي لمكتبة الإسكندرية؛ فالفن إن لم يكن متعة وبه قدر من اللعب والاكتشاف والابتكار يفقد اهتمامه به، وهو لا يحب أن يكون أسير أسلوب واحد أو إيقاع واحد، ولكن يحب أن يكون خلف كل أعماله شخصية واحدة هي شخصيته الفنية التي كوّنها ويطوّرها خلال عمره الفني.
لماذا مارس الكتابة بأشكالها المختلفة
لأنه يؤمن بقوة اللغة الكامنة في الكلمة، وبقدر ما كان يرغب في أن يكون تشكيليًا فقد رغب بنفس القدر أن يكون كاتبا، ولو لم تكن لديه مشاكل في اللغة تحدثًا وكتابة لكان إبداعه في مجال الكتابة أكثر، ولكنه اكتفى بكتابات تجريبية في الشعر والرواية والمسرح والقصة القصيرة والسيناريو، وكلها كتابات تشكيلية -أو هكذا أُطلق عليها-، ثم رأى أن يركز جهده في الدراسات النقدية التشكيلية، واهتم بصفة خاصة بالحركة الفنية في الإسكندرية منذ نشأتها حتى الآن، وأصدر عدة كتب أهمها مجلد عن الفنان محمود سعيد.
الشخصية العربية التشكيلية لم تكتمل بعد
الشخصية العربية في الفن التشكيلي لم تتحقق إلا في قليل من الدول كالعراق، وسوريا، والمغرب، وتونس. أما بقية الدول العربية فإما أنها واقعة تحت تأثير المدرسة المصرية بحكم أن فنانيها درسوا الفن في مصر، أو تحت تأثير المدارس الغربية لو كان فنانوها ممن درسوا في الغرب، وفي الفن على كل حال هناك مبدعون مؤثرون وهم قلة في مصر والوطن العربي، وهناك "ممارسون" وهواة، وهؤلاء كثرة وإبداعاتهم غير مؤثرة، وهناك أكاديميون جهدهم يتجه لتدريس الفن في الكليات والمعاهد الفنية.
مساحة الوجود الحقيقة للنقد التشكيلي في مصر والعالم العربي
النقد التشكيلي يحتاج إلى مساحة إعلامية غير متوفرة له سواء في الصحف أو الإذاعة أو التليفزيون؛ لأنها جميعًا تهتم فقط بالناحية الإخبارية؛ فطالما لا توجد منافذ للنقد التشكيلي فلا وجود له في مصر عمومًا؛ لأنه لا يوجد اهتمام حقيقي بالفن التشكيلي، فاقتصاديات الفنون التشكيلية تساوي صفرا مقارنة باقتصاديات كرة القدم ونجوم الغناء مثلا، ولا يتم توظيف هذه الاقتصاديات الضئيلة على مستوى البلد ككل توظيفًا حياتيًا؛ بمعنى أن تكليف الفنانين بأعمال فنية كالتماثيل الميدانية والجداريات وتزيين المؤسسات الضخمة وحتى العمارات السكنية الجديدة.. كل هذا سيحقق رواجًا جماهيريًا للفنون التشكيلية وبالتالي تنشط حركة النقد.
الفن في المقهى
عصمت داوستاشي من الناشطين في التواصل مع الأجيال الجديدة في "آتيليه" الإسكندرية، ونشر الثقافة التشكيلية في تجربة قهوة خفاجة. فهو مؤمن بضرورة تواصل الأجيال، خصوصًا أنه يلاحظ أن الفنانين الشباب في حيرة من أمرهم، في "توهان" حقيقي؛ فهم لا يجدون المثل أو الأستاذ الذي يلجئون إليه ليوجههم بصدق وأمانة دون تلاعب بهم أو استغلالهم، وما يفعله ليس أكثر من توفير فرص العرض لأعمال الفنانين الشباب ومساعدتهم على معرفة ما يملكونه وما يفعلونه لتطوير إمكاناتهم الإبداعية، والتقنيات التي يمارسون فنهم من خلالها، فهو يوجه ويساعد ولكن لا يصنع فنانًا، وهذا ما حدث معه من جيل الأساتذة الكبار أمثال: "سيف وانلي"، و"عفت ناجي"، و"محمود موسى"، وغيرهم.
كما أنه لا يؤمن بفن المتاحف والجاليرهات؛ فالجمهور العادي لا يقترب منها، بل لعله يخاف دخولها، ومع ملاحظتي للمقاهي التي انتشرت في السنوات الأخيرة انتشارًا سرطانيًا لذلك فكر في استغلال الأعداد الكبيرة التي تقضي وقتها في المقاهي لنعرّفهم بالفن دون أن ننتظر أن يأتوا هم إلينا؛ لأنهم لن يأتوا؟ وهذا ما فعله في مقهى خفاجة بالإسكندرية واستمر لمدة عام، حيث أهدى المقهى مكتبة كاملة، ونظمت سلسلة معارض متنوعة، وكان جمهور المقهى في البداية غير متجاوب، ولكنه تجاوب بعد ذلك، وشاهد اللوحات، وقرأ الكتب، وكان لا بد للتجربة لكي تستمر أن أتفرغ لها وهذا مستحيل، وأصارحك أنني كنت أتخيل أن هذه التجربة ستجد صدى في كل مقاهي مصر، لكن لم يتجاوب معها سوى الفنان "محمد كمال"، وكررها في "كفر الشيخ".
التشكيل والتكنولوجيا
يرى البعض أن التكنولوجيا في تطوراتها المتلاحقة ستؤثر سلبًا على الفن التشكيلي. فقد وصل الإبداع على مستوى العالم إلى نقطة محورية؛ حيث ينتقل الآن شكلا ومضمونًا من دنيا إلى أخرى، نحن في زمن الكمبيوتر والإنترنت والديجيتال، زمن سيتغير فيه مفهوم الفن وشكله، في رأيي لن تكون هناك اللوحة التقليدية ولا التمثال التقليدي الذي نضعه على قاعدة في مكان ما، هناك الآن وقفة، أو بحث فلسفي ينتاب مبدعي العالم فيما سيقدمونه للمستقبل، لقد لمسنا بعض النتائج التجريبية لذلك في "بينالي القاهرة الثامن"؛ حيث كانت الأجنحة الغربية تستعين بالتكنولوجيا المتقدمة، ولا تقدم أشكالا تقليدية، في حين ظلت الجنحة العربية، أو التي تنتمي إلى العالم الفقير تقدم اللوحة والتمثال بالمفهوم التقليدي باستثناء بعض الفنانين الذين يقلدون الغرب تقليدًا باهتًا ضعيفًا.
الفن في العالم يواجه متغيرات جوهرية وأساسية لم تتضح بعد بشكل قوي خصوصًا في التشكيل، وإن اتضحت بصورة أوضح في مجالات الكمبيوتر والسينما والإنترنت.
نهضة الإسكندرية الجمالية في خطر
- شهدت شوارع وميادين الإسكندرية في السنوات الأخيرة نهضة جمالية كان عمادها الفن التشكيلي، وإن كان نوعاً من التجميل العشوائي الذي أضر أكثر مما أفاد. بصفة عامة، ما حدث كان شيئاً رائعاً كانت الإسكندرية في أشد الحاجة إليه بعد سنوات من انهيار البنية الأساسية للمدينة، فقدت فيه شخصيتها المتوسطية، وأصبحت عجوز البحر المتوسط لا عروس البحر المتوسط؛ لذلك فما فعله المحجوب اتسم بروح الإنقاذ لمدينة تحتضر، أما إذا نظرنا في تفاصيل التجميل فالتفاصيل كلها سيئة؛ فتجميل الميادين تم بأعمال نحتية ضعيفة للغاية من حيث جمالياتها وتشكيلاتها وموضوعاتها، والأهم الخامات التي نفذت بها؛ فالأعمال النحتية التي توضع في الميادين يجب أن تتم بخامات صلبة تقاوم الزمن والتغيرات الجوية، مثل: الجرانيت، والرخام، والبرونز.
ولكن معظم الأعمال التي تمت نُفِّذت بخامة هشة لن تعيش وهي خامة البوليستر وهي لدائن صناعية لن تعيش إلا سنوات قليلة وستتفكك بفعل العوامل الجوية وضعف تماسكها، ثم إن هذه اللدائن ينفذ بها في الغالب أعمال الديكور الداخلي في الملاهي وليس أعمالا نحتية قيمة في ميادين مدينة عريقة لها تاريخها مع الفن والإبداع منذ نشأتها، بجانب أن الموضوعات التي اختيرت لتجميل هذه الميادين موضوعات غير فنية على الإطلاق، وهي تصلح لمدينة ملاهٍ أو حديقة أطفال؛ فما معنى وضع بلاليص، وأوانٍ، وكلاب بحر، وورود ضخمة في ميادين عامة؟ هذه كلها أشياء هزيلة وليس لها أي علاقة بالفن، وإذا قسنا بقية تفاصيل التجميل فسنتعرض لمأساة حقيقية، والسبب الرئيسي في اعتقادي أن المحافظ لم يكن لديه استشاري فني أو لجنة فنية تدرس هذه المشاريع قبل تنفيذها حتى تستطيع هذه اللجنة رفض المشاريع الهشة وقبول المشاريع الفنية الجادة التي تدوم والتي تليق بالمدينة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .