عزيز علي
عزيز علي مطرب وشاعر شعبي من العراق ولد في بغداد في جانب الكرخ، واسمه الحقيقي عزيز بن علي بن عبد العزيز علي بن حاتم بن هانئ، أكمل الدراسة الابتدائية عام 1924م، وأشتهر بغناء (المونولوج), ولم يكن هذا اللون معروفا أو مألوفا في أوساط الغناء العراقي قبله.
كلمة المونولوج مصطلح يوناني- لاتيني مركب من كلمتين (مونو) وتعني (واحد- فرد) و(لوج) وتعني (كلام- مقال) وتركيبها يعني الكلام الفردي أو المقال الفردي ويجوز أن يكون نثرا أو شعرا ويصلح أن يلقى أو يلحّن.
كان عزيز علي فنانا ناقدا في مرحلته الفنية الأولى من عام 1937 لغاية عام 1939م، وناقدا سياسيا بعد هذه المرحلة، بل أصبح من أكثر الداعين إلى الثورة ونتاجه في هذه المراحل كلها يدل على نضج فكري ووعي سياسي والتزام مبدئي. وهذا يتضح في موقفه المعلق ومساندته ومشاركته الفعلية في ثورة مايس 1941م، وإعتقل وسجن بسببها.
في يوم أربعاء من اربعاءات عام 1956 استعد لدخول الاســتديو لانشاد مقال (السفينة) و(صل عالنبي) وأثناء الانشاد فوجئ بوجود (نوري السعيد) -باشا- وراء زجاج غرفة مراقبة الاستديو ينظر اليَّ مع بعض موظفي الاذاعة وقد خيل له انه سيكرمه فأنسجمت مع المقال وبعد فترة ترك غرفة المراقبة وعاد بعد قليل وهو يحدق بي ويطيل النظر نحوي وبعد لحظات دخل مهندس الاذاعة (ناجي صالح) واسر في اذنله (هل تحمل معك مجموعة اشعارك لان الباشا يريد ان يراها) فسلمه اياها وهي بخط يدي وكان الباشا قد سأله (لك هذا شنودا يحجي من كلبه) فأجابوه (لاباشا هذا هو ينظم ها الاشياء وحافظها ويقرأها على الغيب ومدير الاذاعة موافق عليها) فطار صواب الباشا وقال وين مدير الاذاعة فأجابوه (طلع قبل شيويه) فقال (لعد جيبولي الاشعار اللي دايكولهه هذا- يقصد عزيز).
بعد حين عاد المهندس ناجي ليقول له (الباشا يريدك) فذهبت اليه وانا اجهل ماقاله للموظفين.. فقال الباشا وبشكل يوحي بعدم الرضا) انت شدعوه هلكد متشائم.. وداتبجي الناس بها الحجايات ييزي تتشاؤم.. ييزي مضت علينه اربعميت سنة واحنا نبجي)) ثم اردف قائلاً: (انت شنو شغلك)؟ فقال اني موظف بالكمرك فقال (واي واي.. جمالة موظف بالحكومة) فقال لنفسي (اكلها عزيز افندي خوش تكريم راح يكرمني الباشا).
ثم قال الباشا شنو (جي) وشتقصد بعبارة (اخر كل علاج هلجي) فقالت باشا انت باشا تعرف الجي فقال الباشا (المن تريد الجي) فأجبته لم اقصد ناساً معينين.
فدس المجموعة في جيبه وقال بسيطة وغادر المكان فخاف في حينها ولم ينم في تلك الليلة وفي اليوم التالي ذهب إلى كمرك بغداد حيث كان يعمل مخمناً فرن جرس الهاتف وحدثه (خليل ابراهمي) مدير الدعاية العام وقال الباشا يريدك ويبدو أنه كان يظن انه شيوعي.
فذهب إلى مجلس الوزراء في القشلة واستقبله الباشا قائلا (شتشربون) فاعتذرنا كلانا عن طلب شيء ثم قال (انته يا أخي الله ناطيك هالموهبة تسفط الكلام مثل ماتريد فليش دا تفزز الناس واتبجيهم كول البلد بخير وبيه رجال مخلصين يكدرون يقضون على هالعيوب والافات.. ليش تلزم الجوانب السلبية وماتذكر الايجابية ثم توقف عند كلمة في مقال (حبسونا) اقول فيها (مجلسكم مجلس اشرار) وقال بالله هذا اشلون حجي فأجبته بانني اقصد مجلس الامن وليس مجلس الامة فقال ليش اني غشيم هذا الحجي مايعبر عليَّ. فسكت ثم اعاد اليَّ المجموعة وغادرت بدون أن يعاقبني الباشا لكن (خليل إبراهيم) الذي بقي في غرفته بعد خروجه وبعد ذلك قال خليل إبراهيم (الباشا تأكد انت موشيوعي وصار معجب بيك هواية) فقلت له ارجوك ان تشطب اسمي من برامج الاذاعة وقد خفت على نفسي كثيراً وفعلاً لم اذهب إلى الاذاعة في الاربعاء الذي تلا الحادثة رغم اذاعة اسمي وموعد برنامجي في ذلك اليوم لكن جريدة الاهالي هاجمت الباشا في اليوم التالي وقالت انه ذهب إلى الاذاعة لاسكات اصوات الحق المتمثلة بالادباء والشعراء.. فأزددت خوفاً وشعر ان عدم ذهابه هو السبب في ذلك وكي لاتتطور الامور أكثر ذهب في الاسبوع التالي وانشد مقال (انعل أبو الفن لابو أبو الفن).
وبعد ثورة 1958 حدثني د. (مصطفى جواد) قائلاً (كنت عند نوري باشا في أحد الايام ومصادفة ادار مؤشر الاذاعة فسمع مقالك (الفن) وتابعه بكامله لكنه قال عندما انتهيت- شوف شوف ابن الـ.. دايشتمني).
في كانون الأول سنة 1968 اناطت به وزارة الثقافة والاعلام في العراق تأسيس مدرسة الاطفال الموسيقية، فبادر باستقدام خبراء موسيقين من الاتحاد السوفيتي واستورد الالات الموسيقية المطلوبة لهذه المدرسة على حساب وزارة الثقافة والاعلام واشرف على إدارة هذه المدرسة سنتين.
في عام 1975 تم فتح أحد صناديق البنك المتروكة لمدة زادت عن 25 عاما فوجد فيه أسماء أحد المحافل الماسونية في العهد الملكي وكان اسم عزيز علي بينها، فاعتقل على اثرها وسجن لمدة قاربت السنتين ثم اطلق سراحه لكبر سنه. عزيز علي لديه ولد اسمه عمر استشهد أثناء الحرب العراقية - الإيرانية. توفي عزيز علي عام 1998 مغمورا دون أن يذكره أحد، حاله حال معظم المبدعين الذين انجبتهم بلاد الرافدين. قدم عزيز علي مجموعة من اروع المنولوجات التي لا زال معظمها تنطبق كلماته على أوضاع العراق إلى الآن.