عجائب عالم الكربون
عالم عجائب الكربون(*)
يُعدُّ الگرافين، وهو شكل من الكربون تمّ عزله حديثا، مصدرا غنيا لفيزياء أساسية حديثة ولتطبيقات عملية مهمة.
<K.A.جايم> ـ <Ph.كيم>
مفاهيم مفتاحية
الگرافين صفيحة مفردة من الكربون يبلغ سمكها ذرة واحدة وتتكدس مع غيرها من الصفائح المماثلة معطية الگرافيت ـ «رصاص» القلم. وقد توصل الفيزيائيون حديثا فقط إلى عزل مادة الگرافين. تحقق البلورة النقية الخالية من أي عيب إيصال الكهرباء في درجة حرارة الغرفة على نحو أسرع من أي مادة أخرى. يعتقد المهندسون بإمكانية إيجاد مجال واسع من المنتجات المشتقة من الگرافين، مثل الترانزستورات ذات السرعة الفائقة. ويجد الفيزيائيون أن هذه المادة تمكنهم من اختبار نظرية الظواهر العجيبة التي كان يعتقد سابقا أنه لا يمكن ملاحظتها إلا في الثقوب السوداء وفي مسرعات الجسيمات ذات الطاقات العالية. |
ربما يكون مفاجئا أن تعرف أن أداة الكتابة الشائعة ـ «قلم الرصاص المتواضع» ـ قد تصدّرت في وقت من الأوقات قائمة الضرورات ذات التقانة العالية. ففي الواقع، كان قلم الرصاص البسيط هذا بمثابة عتاد استراتيجي يُمنع تصديره. وربما تستغرب أكثر ما يقال من أنه كلما سطر شخص سطرا بقلم رصاص، ترك أثرا يتضمن شذرات من المادة الجديدة الأكثر إثارة في الفيزياء والتقانة النانوية ألا وهي: الگرافين graphene.
يشتق الگرافين من الگرافيت، وهو «رصاص» القلم: نوع من الكربون النقي المكون من طبقات محددة من ذرات الكربون المتوضّع بعضها فوق بعض. لقد عرفت البنية الطبقية للگرافيت منذ قرون عديدة، وكان من الطبيعي أن يقوم الفيزيائيون وعلماء المواد بمحاولة فصم هذا الفلز للحصول على الصفائح المكونة له ـ على الأقل من أجل دراسة مادة تتمتع بهندسة ذات بساطة رائعة. وكان الگرافين الاسم الذي أطلق على صفيحة مفردة من هذه الصفائح. تتألف الصفيحة بأكملها من ذرات كربون مترابطة معا في شبكة من سداسيات hexagons متكررة ضمن مستو مفرد سمكه ذرة كربون واحدة.
ولكن بمرور السنين، باءت جميع المحاولات التي جرت لتحضير الگرافين بالفشل. وتمثَّلت المقاربة المبكرة الأكثر انتشارا في إدخال جزيئات متباينة بين المستويات الذرية للگرافيت ابتغاء فصمها عن بعضها ـ باستخدام تقانة سميت التقشر الكيميائي chemical exfoliation. وعلى الرغم من حصول انفصال لطبقات الگرافين من الگرافيت في بعض المراحل الانتقالية من العملية، فإنه لم يجر قط تحديد هويتها. وبدلا من ذلك كان المنتج النهائي المتولد يبدو كوحل من جسيمات particles الگرافيت ـ لا يختلف كثيرا عن السخام أو هباب الفحم soot الرطب. وقد تلاشى الاهتمام بالتقشر الكيميائي نهائيا.
وسرعان ما قام المجربون بعد ذلك بمحاولة تبني مقاربة تكون أكثر مباشرة، إذ قاموا بفصم بلورات الگرافيت إلى رقاقات(1) يتناقص سمكها باطراد، بكشط هذه البلورات أو حكّها على سطح آخر. وعلى الرغم من بدائية هذه التقنية التي تسمى التشطُّر الميكروميكانيكي micromechanical cleavage، فقد صَلُحَت بشكل مذهل. واستطاع الباحثون تقشير أغشية من الگرافيت مؤلفة من أقل من 100 مستوٍ ذري. فعلى سبيل المثال، قام الفيزيائيون الألمان بجامعة Aachen RWTH في عام 1990 بعزل أغشية من الگرافيت ذات درجة من الرقة تكفي لجعلها شفافة ضوئيا.
[أشكال جزيئية]
أم لجميع أصناف الگرافيت
— |
وبعد مرور عقد من الزمن، تمكن أحدنا (كيم) [وكان حينذاك طالب دراسات عليا في جامعة كولومبيا]، يعمل مع <Y.زانگ>، من تعديل طريقة التشطُّر الميكروميكانيكي، بحيث توصل إلى نسخة من قلم رصاص عالية التقانة ـ هي بالطبع قلم رصاص نانوي nanopencil. وقد كانت الكتابة بالقلم النانوي تعطي شرائح من الگرافيت لا يزيد سمكها على بضع عشرات من الطبقات الذرية [انظر المؤطر في الصفحة 73]. وهنا ظلَّت النتيجة تتمثل في گرافيت رقيق وليس گرافين. وما من أحد توقع بحق حينذاك وجود مادة كهذه في الطبيعة.
وفي عام 2004 تمّ إلغاء هذه الفرضية التشاؤمية؛ إذ قام أحدنا (جايم) ـ بالتعاون مع باحث كان حينذاك يعمل في مرحلة ما بعد الدكتوراه، يسمى S.K.نوکوسيلوف، ومساعدوه في جامعة مانشستر في إنكلترا ـ بدراسة مقاربات مختلفة لصنع عينات من الگرافيت أقل سمكا. وفي ذلك الوقت، كانت معظم المختبرات قد بدأت بمثل هذه المقاربات باستخدام السخام soot لهذه الغاية؛ ولكن <جايم> ومساعديه شرعوا مصادفة في استعمال جذاذات(2) من حتات debris ناتج من فصم الگرافيت بقوة ماسية. لقد ألزقوا ببساطة قشرة من حتات الگرافيت على شريط بلاستيكي دبق، ومن ثم فصلوا الشريط على نحو يشطر القشرة إلى قشرتين. وعندما كان المجربون يكررون هذه العملية كانت الشدف الناتجة تزداد رقة [انظر المؤطر في الصفحة 75]. وحالما حصل الباحثون على الكثير من الشدف قاموا بفحصها بدقة شديدة ـ وأصيبوا بالدهشة عندما تبين لهم أن بعض الشدف كانت بسمك ذرة واحدة فقط. وكذلك تبين، خلافا لتوقعاتهم، أن جذاذات الگرافين الناتجة تمتلك نوعية بلورية عالية الجودة وأنها مستقرة كيميائيا حتى في درجة حرارة الغرفة.
لقد أدى الاكتشاف التجريبي للگرافين إلى اهتمام بحثي دولي عارم. فالمادة ليست فقط هي الأكثر رقة بين المواد المعروفة جميعها، بل هي أيضا شديدة القوة والقساوة، والأهم من ذلك أنها بشكلها النقي أسرع إيصالية للإلكترونات في درجة حرارة الغرفة من أي مادة أخرى. ويقوم حاليا المهندسون في جميع مختبرات العالم بدراسات متمعنة لهذه المادة لمعرفة إمكان تصنيعها في منتجات كتراكيب composites فائقة التحمل ووسائط عرض ذكية smart displays وترانزستورات فائقة السرعة وحواسيب كمومية نقطية quantum-dot computers.
وفي الوقت ذاته، فإن الطبيعة الفريدة للگرافين بالمقياس الذري تتيح للفيزيائيين التعمُّق في ظواهر توجب دراستها اللجوء إلى الفيزياء الكمومية النسبية. إن البحث في مثل هذه الظواهر، التي يُغرق بعضها في غرابة طبيعته، كان مقصورا على الفيزيائيين الفلكيين وفيزيائيي الجسيمات العالية الطاقة الذين يعملون بمقاريب telescopes تبلغ تكلفتها عدة ملايين من الدولارات أو بمسرعات الجسيمات البالغة تكلفتها عدة بلايين من الدولارات؛ في حين أن الگرافين يمكّن التجريبيين من اختبار توقعاتهم في الميكانيك الكمومي النسبي بواسطة جهاز يوضع على سطح طاولة المختبر.
تتضمن كل خطة قلم رصاص في كل يوم كميات صغيرة جدا من الگرافين الذي يمثل إحدى المواد «الجديدة» الأكثر إثارة في العلم والهندسة.
تعرََّف فصيلة الگرافين
أمام الانتشار الواسع الذي نشهده اليوم لقلم الرصاص، يبدو من اللافت للنظر أن ما أصبح يعرف بالگرافيت لم يؤدِّ أي دور في الحضارات القديمة، مثل الحضارتين الصينية والإغريقية. فالگرافيت النقي لم يُعرف إلا في القرن السادس عشر، حين اكتشف الإنكليز مكامن كبيرة منه، وأطلق عليه يوم ذاك اسم پلومباگو plumbago (وتعني باللاتينية «فلز الرصاص»). وقد اتضح في الحال إمكان استعماله في الخط والكتابة. ولم يدخر الإنكليز الوقت لتحويله إلى بديل سهل الاستخدام عوضا عن الريشة والحبر. وسرعان ما أصبح قلم الرصاص الصرعةَ السائدة في أوساط المثقفين الأوروبيين.
ولكن لم يتبين أن الپلومباگو هو كربون وليس رصاصا إلا في عام 1779 على يد الكيميائي السويدي K.شييليه. وبعد ذلك بنحو عقد من الزمن، اقترح الجيولوجي الألماني K.A.فيرنر أن تسمية هذه المادة گرافيتا يعد أنسب، وهي تشتق من الكلمة اليونانية «يكتب». وفي الوقت ذاته، اكتشف مصنعو العتاد العسكري استخداما آخر لهذا الفلز المتفتت: لقد وجدوا أنه يشكل بطانة مثالية لقوالب صب قذائف المدافع. وأصبح هذا الاستعمال من الأسرار العسكرية الشديدة الكتمان. فعلى سبيل المثال، قام التاج البريطاني أثناء حروب نابليون بحظر تصدير الگرافيت وأقلام الرصاص إلى فرنسا.
وفي العقود الحديثة استعاد الگرافيت بعضا من مكانته التقانية الرفيعة الشأن عندما اكتشف الباحثون الخواص والتطبيقات المحتملة لعدد من الأشكال الجزيئية للكربون الموجودة في المواد الگرافيتية العادية غير المعروفة سابقا. وكان أولَ هذه الأشكال جزيءٌ له شكل كرة القدم أطلق عليه اسم «كرة بَكي» buckyball، اكتشفه الكيميائيان الأمريكيان R.كيرل و E.R.سمالي في عام 1985 بالترافق مع زميلهما الإنگليزي H.كروتو. وبعد ذلك بست سنوات، اكتشف الفيزيائي الياباني S.إيجيما تجمعات أسطوانية من ذرات الكربون تشبه قرص العسل honeycomb سميت الأنابيب النانوية nanotubes. وعلى الرغم من أن عددا من الباحثين كانوا قد أعلنوا حصولهم على الأنابيب النانوية في عهود سابقة، فإنهم لم يدركوا أهميتها في ذلك الوقت. لقد جرى تصنيف هذين الشكلين الجديدين في فئة الفولّرينات fullerenes. (أطلق هذا الاسم وكذلك مصطلح «كرة بكي» تخليدا لاسم المنظِّر والمهندس المعماري الأمريكي Buchminster Fuller الذي درس هذه الأشكال قبل اكتشافها الفعلي.)
سياج قفص دجاج جزيئي
يتشارك الگرافيت والفولّرينات والگرافين في الترتيب البنيوي الأساسي للذرات المكونة لها. تبدأ كل بنية من هذه البنى بست ذرات كربون مرتبط بعضها ببعض ارتباطا كيميائيا وثيقا لتؤلف شكلا سداسيا منتظما ـ يسميه الكيميائيون حلقة البنزين benzene ring.
يقع الگرافين ذاته في المستوى التالي من التنظيم، فهو تجمع كبير لحلقات البنزين التي تتصل ببعضها مشكلة صفيحة من سداسيات منتظمة تشبه شبكة السياج الذي يحيط عادة بقفص دجاج [انظر المؤطر في هذه الصفحة]. وتبنى الأشكال الگرافيتية الأخرى انطلاقا من الگرافين. ويمكن النظر إلى كرات «بكي» وإلى عدد كبير من الفولّرينات الأخرى غير الأنبوبية على أنها صفائح من الگرافين جرى رزمها بشكل كرات تامة وكروانيات متطاولة elongated spheroids ذرية المقياس؛ أما الأنابيب الكربونية النانوية فهي أساسا صفائح من الگرافين جرى لفها على شكل أسطوانات لامتناهية في الصغر. وكما ذكرنا سابقا، فإن الگرافيت هو تكدس ثخين ثلاثي الأبعاد لصفائح الگرافين، وتتماسك هذه الصفائح بعضها مع بعض بواسطة قوى تجاذبية بين جزيئية ضعيفة تسمى قوى کاندرفالس. إن هذا الاقتران الضعيف بين صفائح الگرافين المتجاورة هو الذي يجعل الگرافيت سهل التفتت إلى شرائح صغيرة جدا تؤدي إلى حدوث الأثر الذي يظهر على الورقة عندما يكتب المرء بقلم الرصاص.
أدى اكتشاف الگرافين إلى فيض عارم من الاهتمام البحثي العالمي.
ويتضح الآن ـ وإن كان إدراك ذلك جاء متأخرا ـ أن الفولّرينات، رغم أنها لم تعرف إلا حديثا، كانت في متناول اليد على الدوام. فهي موجودة على سبيل المثال في السخام (الهباب) الذي يكسو أغلفة أجهزة الشواء وإن كانت بكميات صغيرة جدا. وبالطريقة ذاتها، فإن بعض الگرافين لابد وأن يكون موجودا في كل أثر خطة قلم ـ على الرغم من أن ذلك لم يُلحظ عبر أزمان مديدة. ولكن منذ اكتشاف الفولّرينات أَوْلى المجتمع العلمي جميع هذه الجزيئات ما تستحقه من الاهتمام.
وتُعد كرات «بكي» متميزة لكونها بشكل رئيسي مثالا لجزيء من نوع جديد أساسي، إضافة إلى كونها ذات تطبيقات مهمة وبخاصة في توصيل الدواء. وتجمع الأنابيب النانوية جملة من خواص غير اعتيادية ـ كيميائية وإلكترونية وميكانيكية وبصرية وحرارية ـ ألهمت تشكيلة واسعة من التطبيقات الممكنة. وتتضمن هذه المبتكرات مواد قد تحل محل السيليكون في الشيپات الميكروية وخيوطا يمكن حبكها لتعطي كبلات cables خفيفة الوزن وفائقة المتانة. ومع أن الگرافين ـ أصل جميع الأشكال الگرافيتية ـ قد أصبح في حد ذاته جزءا من هذه الرؤى منذ عدد من السنين، فإنه على ما يبدو سيقدم تبصرات أوفر في الفيزياء الأساسية وتطبيقات تقانية أكثر فتنةً من أبناء عمومته الكربونيين.
[الكرافين في التصنيع]
علامة القلم النانوي بذلت جهود كبيرة لصنع عينات گرافيتية يقترب سمكها من سمك طبقة مفردة من الگرافين. وتتضمن إحدى الطرائق المتبعة تثبيت بلورة ميكروية من الگرافيت إلى ذراع كابولcantilever تابع لمجهر ذري القوة، ثم حتُّ قمة البلورة الميكروية على شريحة من السيليكون (في اليسار). يكدس ذلك «القلم النانوي» گرافينا رقيقا بشكل أقراص دائرية (لها شكل الكعك الأمريكي المسمىpancake) على الشريحة (في اليمين). والعينات في الصور الميكروية مكبرة 6000 مرة. — |
استثناء استثنائي
يتمتع الگرافين بصفتين تجعلانه مادة استثنائية. الأولى، هي أن الگرافين، على الرغم من بدائية الطرق التي لا تزال تستعمل في تحضيره، يبدي جودة عالية بشكل رائع ـ تنجم عن اجتماع نقاوة محتواه من الكربون مع الانتظام الشديد للشبيكة lattice التي تترتب فيها ذرات الكربون التابعة له. وحتى الآن، فشل الباحثون في إيجاد عيب ذري واحد في الگرافين ـ لنقل، مثلا، شاغر واحد في بعض المواقع الذرية في الشبيكة أو ذرة واحدة خارج مكانها. ويبدو أن هذا الانتظام البلوري الكامل ينشأ عن قوة الروابط التي تجمع بين ذرات الشبيكة وعن مرونتها العالية في الوقت ذاته، وهذا يفضي إلى مادة أقسى من الألماس، ومع ذلك تسمح للمستويات بالانحناء لدى تطبيق قوة ميكانيكية. وتمكن هذه المرونة من احتواء البنية على كمية كبيرة من التشوه قبل أن يجب على الذرات المؤلفة لها إعادة ترتيبها لتتأقلم مع الجهد المطبق عليها.
وكذلك فإن جودة شبيكته البلورية هي المسؤولة أيضا عن خاصة التوصيل الكهربائي العالي التي يتمتع بها الگرافين؛ إذ تستطيع إلكتروناته الانتقال من دون أن تتشتت بفعل عيوب الشبيكة أو بسبب وجود ذرات أجنبية فيها. وحتى الإعاقة الناتجة من ذرات الكربون المحيطة والتي يجب أن تتحملها إلكترونات الگرافين في درجة حرارة الغرفة، فإنها تكون صغيرة نسبيا بسبب القوة الكبيرة للروابط بين الذرية.
أما الصفة الاستثنائية الثانية التي يتمتع بها الگرافين، فتتجلى في إلكتروناته الموصلة التي (إضافة إلى انتقالها من دون إعاقة كبيرة ضمن الشبيكة) تتحرك بسرعة أكبر بكثير من السرعة التي تتجول بها إلكترونات المعادن العادية وأشباه الموصلات (أنصاف النواقل)، وتبدو وكأن لها كتلة أقل بكثير من كتلة إلكترونات هذه المعادن وأشباه الموصلات. وبالفعل، فإن إلكترونات الگرافين (وربما يكون مصطلح «موصلات الشحنة الكهربائية» أكثر ملاءمة) تمثل مخلوقات عجيبة تعيش في عالم شاذ ذي قواعد تشبه قواعد الميكانيك الكمومي النسبي. إن ذلك النوع من التآثر interaction داخل جسم صلب، كما يعرف الجميع حتى الآن، فريد من نوعه في الگرافين. وبفضل هذه المادة الغريبة لقلم الرصاص، فإن الميكانيك الكمومي النسبي لم يعد مقتصرا على الفلكيين أو فيزيائيي الطاقات العالية، فقد دخل الآن المختبر.
انفجار أعظم في أرض مُسطّحة كربونية
ولكي نتمكن من تقدير السلوك الغريب لحاملات الشحنة الكهربائية في الگرافين، فقد يكون من المفيد مقارنته بالطريقة التي تتحرك بها الإلكترونات في موصل اعتيادي. إن الإلكترونات «الحرة» التي تولد التيار الكهربائي في معدن على سبيل المثال لا تكون في الواقع حرة، فهي لا تسلك سلوك إلكترونات تتحرك في الخواء. إن الإلكترونات تحمل بالطبع شحنة سالبة، ولذلك عندما تتحرك في معدن ما تترك عوزا في الشحنة لدى ذرات المعدن التي انطلقت منها. وهكذا عندما تتحرك الإلكترونات ضمن الشبيكة، فإنها تتآثر مع الحقول الإلكتروستاتية(3) التي تولدها، فتقوم بدفعها أو جذبها مبتعدة أو مقتربة بطريقة معقدة. وتكون النتيجة النهائية أن الإلكترونات المتحركة تسلك كما لو أنها تمتلك كتلة مغايرة لكتلة الإلكترونات العادية ـ ولذلك تسمى الكتلة الفعالة effective mass. ويسمي الفيزيائيون حاملات الشحنة تلك أشباه الجسيمات quasiparticles.
الإلكتروديناميك الكمومي يدخل المختبر تتحرك الإلكترونات افتراضيا من دون أي إعاقة ضمن البنية الذرية العالية التنظيم للگرافين، فتصل إلى سرعات عظيمة تجعل من غير الممكن توصيف سلوكها بواسطة الميكانيك الكمومي «العادي». وتعرف النظرية التي تنطبق في هذه الحالة بالميكانيك الكمومي النسبي، أو الإلكتروديناميك الكمومي (QED)، وهي نظرية يعتقد حتى الآن، بسبب تنبؤاتها المتميزة (والعجيبة)، أنها لا تنطبق سوى في الثقوب السوداء أو في مسرعات الجسيمات العالية الطاقة. ولكن قد يُمكِّن الگرافين الفيزيائيين من اختبار أحد أشد تنبؤات النظرية QED غرابة، وهي: «النفقية الكمومية الكاملة». فمن المعروف في الفيزياء التقليدية أو النيوتينية أن الإلكترون المنخفض الطاقة (الكرة الخضراء في الشكل 1a) يتصرف مثل أي جسيم عادي. فإذا لم تكن طاقته كافية لحمله فوق حاجز للطاقة الكامنة، فإنه يبقى محتجزا في أحد جانبي الحاجز (1b)، مثلما تبقى شاحنة خالية من الوقود موجودة في واد عالقة عند أحد جانبي الهضبة. أما في حالة الميكانيك الكمومي العادي، فيتصرف الإلكترون في بعض البيئات كموجة منطلقة نحو الفضاء. وعلى وجه التقريب، تمثل الموجة احتمال وجود الإلكترون في نقطة معينة في المكان والزمان. وعندما تقترب هذه الموجة «البطيئة الحركة» من حاجز طاقة كامنة (الموجة الزرقاء في 2a)، فإنها تتغلغل ضمن الحاجز بطريقة تعطي قيمة ما، ليست صفرا وليست 100، لاحتمال وجود الإلكترون في الجانب الآخر من الحاجز (2b). وما جرى هو أن الإلكترون وجد نفقا للمرور خلال الحاجز. وعندما تصل موجة الإلكترون العالية السرعة في الگرافين (الموجة البرتقالية في 3a) إلى حاجز طاقة كامنة، فإن النظرية QED تعطي تنبؤا مذهلا؛ إذ إن موجة الإلكترون ستكون بالنتيجة موجودة في الجانب الآخر من الحاجز الطاقي باحتمال قدره 100 في المئة (3b). إن الإيصالية الكهربائية العالية الجودة التي يتصف بها الگرافين تؤكد هذا التنبؤ. |
تتحرك تلك الجسيمات المشحونة الشبيهة بالإلكترونات بسرعة أبطأ بكثير من سرعة الضوء عبر المعدن الموصل. ولذلك ليس ثمة حاجة إلى تطبيق تصحيحات نظرية آينشتاين النسبية على حركتها؛ إذ لا تصبح هذه النظرية ذات أهمية إلا عند سرعات تقترب من سرعة الضوء. ولذلك فإن تآثرات أشباه الجسيمات في الموصلات يمكن وصفها إما بالفيزياء التقليدية(4) (النيوتينية) المألوفة أو بالميكانيك الكمومي «العادي» (أي غير النسبي).
وعندما تسري الإلكترونات عبر شباك سياج قفص الدجاج لذرات الكربون في الگرافين، فإنها تتصرف هي أيضا كما لو أنها نوع من أشباه الجسيمات. ولكن، بصورة مدهشة، لا يتصرف شبه الجسيم الناقل للشحنة في الگرافين كإلكترون على الإطلاق، بل يقترب في تصرفه من جسيمِ عنصر آخر معدوم الكتلة تقريبا هو النترينو. وبالطبع، فإن النترينو، كما يدل اسمه، معتدل كهربائيا (نترينو في الإيطالية تعني «الصغير المعتدل»)؛ في حين أن شبه الجسيم في الگرافين يحمل شحنة تساوي شحنة الإلكترون. وبالنظر إلى أن النترينو ينتقل بسرعة تقارب سرعة الضوء، فلا بد عندئذ من التعامل معه وفق النظرية النسبية، مهما كانت طاقته أو اندفاعه momentum. وعلى نحو مشابه، ينتقل شبه الجسيم في الگرافين دائما بسرعة عالية ثابتة تقدر بأقل 300 مرة من سرعة الضوء. وعلى الرغم من الانخفاض المذكور في السرعة، فإن سلوكه يتوازى مع السلوك النسبي للنترينو.
لم يحدث أن فُسِّر الإلكتروديناميك الكمومي (الميكانيك الكمومي النسبي) من دون صراع شديد مع الحدس.
إن الطبيعة النسبية لأشباه الجسيمات في الگرافين تجعل الميكانيك الكمومي العادي (غير النسبي) عديم الفائدة عند دراسة سلوكها. ويجب على الفيزيائيين البحث عن هيكلية أكثر تعقيدا في ترسانة نظرياتهم، مثل الميكانيك الكمومي النسبي الذي يعرف اليوم باسم الإلكتروديناميك الكمومي (quantum electrodynamics (QED . إن لهذه النظرية لغتها الخاصة، وتدعم هذه اللغة المعادلة الاحتمالية المسماة تيمنا بالفيزيائي الإنكليزي <پول ديراك>(5)، الذي وضع معادلته أول مرة في عشرينات القرن الماضي. ولذلك، فإن النظريين في بعض الأحيان يطلقون على الإلكترونات التي تنتقل في الگرافين اسم أشباه جسيمات ديراك العديمة الكتلة.
جسيمات من «لاشيء»
ولسوء الحظ، لا يتأتّى إدراك الإلكتروديناميك الكمومي من دون قدر مهم من العراك مع الحدس العادي. فعلى المرء أن يأنس، وإن لم يسترح تماما، الظواهر التي تبدو للعيان متناقضة. وغالبا ما تنشأ التناقضات الظاهرية للإلكتروديناميك الكمومي من حقيقة كون الجسيمات النسبية تترافق دائما مع نظيراتها مضادات الجسيمات antiparticles ذات العالم العجيب Bizarro-world والذات المتغيرة alter egos. فمثلا، يقترن الإلكترون مع مضاد جسيم يسمى الپوزترون الذي يمتلك كتلة تساوي تماما كتلة الإلكترون ولكن يحمل شحنة موجبة. ويمكن أن يظهر الزوجان «جسيم-مضاد جسيم» في شروط نسبية، لأنه لا يلزم سوى القليل من الطاقة لكي يستطيع جسم ذو طاقة مرتفعة وسرعة انتقال كبيرة جدا أن يكوّن زوجا من «جسيمات افتراضية» virtual particles. والغريب في الأمر أن هذا الزوج ينبثق مباشرة من العدم ومن الخلاء.
إن سبب حدوث ذلك يمثل نتيجة لأحد وجوه مبدأ هايزنبرگ في الارتياب(6) Heisenberg uncertainty principle في الميكانيك الكمومي: ينص المبدأ، بصورة مبسطة، على أنه كلما حاولنا توصيف زمن وقوع حدث ما بدقة أكبر، قلّت دقة كمية الطاقة المرتبطة بهذا الحدث. ونتيجة لذلك، فان الطاقة ـ وفق مقياس زمني لامتناه في الصغر ـ يمكن أن تأخذ تقريبا أي قيمة. وبالنظر إلى أن الطاقة متكافئة مع الكتلة كما تبين معادلة آينشتاين الشهيرة E=mc2 فإن الطاقة المكافئة لكتلة جسيم ومضاده يمكن أن تظهر من لاشيء. فمثلا، يمكن لإلكترون افتراضي وپوزترون افتراضي أن يظهرا فجأة إلى الوجود «باستعارة» الطاقة من الخلاء، شرط أن يكون زمن حياة الجسيمين الافتراضيين قصيرا إلى درجة تمكن من سداد نقص الطاقة قبل أن يُستطاع كشفه.
تقود الدينامية المحيرة التي يمتلكها الخلاء في الإلكتروديناميك الكمومي إلى تأثيرات عجيبة. وتعد مفارقة paradox كلاين أفضل مثال عليها. تصف هذه المفارقة الظروف التي يستطيع فيها جسم object نسبي المرور من خلال أي حاجز للطاقة الكامنة potential energy مهما كان علوه ومهما كان عرضه [انظر المؤطر في الصفحة المقابلة]. إن المثال المألوف لحاجز الطاقة الكامنة هو الهضاب العادية التي تحيط بسهل. تكتسب شاحنة تغادر السهل طاقة كامنة عند صعودها الهضبة على حساب الطاقة المتحررة من احتراق الوقود في المحرك. وعند الوصول إلى قمة الهضبة يمكن للشاحنة أن تهبط على الجانب الآخر من دون تشغيل المحرك مع وضع جهاز نقل الحركة transmission في وضع الحياد. فالطاقة الكامنة التي اكتسبت عند صعود الشاحنة تحولت إلى طاقة حركية عند هبوطها.
مراحل تحضير الگرافين
3- ثبّت بواسطة ملقط صغير شريحة من الگرافيت على شريط بلاستيكي لاصق طوله نحو 15 سنتيمترا. اطوِ الشريط بزاوية قدرها 45 درجة بعد نهاية الشريحة تماما، بحيث تصبح بين نهايتي الشريط البلاستيكي. اضغط على الشريحة بلطف وحذر شديدين، ثم باعد بين طرفي الشريط اللاصقين ببطء كبير وعلى نحو يمكنك من مشاهدة الگرافيت ينشطر بهدوء إلى شطرين. 4- كرر المرحلة الثالثة نحو عشر مرات. وتزداد صعوبة العملية كلما زدت عدد مرات الإعادة. 5- ضع بحذر على شريحة السيليكون عينة الگرافيت المنشطرة التي بقيت عالقة بالشريط اللاصق. وباستعمال ملقط بلاستيكي، اضغط طاردا أي كمية من الهواء موجودة بين الشريط والعينة. مرر الملقط بلطف لكن بثبات فوق العينة مدة 10 دقائق. وباستعمال الملقط، حافظ على الشريحة ملتصقة بالسطح في الوقت نفسه الذي تقوم به بنزع الشريط. يجب أن تستغرق هذه الخطوة من 30 إلى60 ثانية لتجنب تكسير الگرافين الذي حصلت عليه. 6- ضع الشريحة تحت مجهر مجهز بعدسات جسميةobjective lens تكبر 50 مرة أو100 مرة. يجب أن ترى الكثير من الحتات الگرافيتي: قطع قصيرة غليظة لامعة من جميع الأنواع والأشكال والألوان (الصورة العليا). وإذا كنت محظوظا، حصلت على الگرافين بأشكال بلورية شديدة الشفافية ذات تلوين خفيف مقارنة ببقية الشريحة (الصورة السفلى). العينة العليا مكبرة115 مرة والسفلى200 مرة. |
مينكل جونير، مراسل أونلاين نيوز
اختبار الناشز
تستطيع الجسيمات أيضا التحرك بسهولة من تلقاء ذاتها «هابطةً» من مناطق ذات طاقة كامنة مرتفعة نسبيا إلى أخرى طاقتها الكامنة منخفضة نسبيا. فإذا كانت منطقة من «الهضاب» ذات طاقة كامنة مرتفعة تحيط بجسيم موجود في «سفح» طاقي، فإن وضع هذا الجسيم لا يختلف عن وضع شاحنة فارغة من الوقود موجودة في سهل حقيقي. ولكن ثمة تحذير كبير يتعلق بقبول هذه النتيجة التي تنتج من الميكانيك الكمومي العادي. فالوجه الآخر لمبدأ هايزنبرگ في الارتياب ينص على استحالة معرفة الموقع الدقيق للجسيم. وتبعا لذلك يلجأ الفيزيائيون إلى توصيف الموقع احتماليا. وهناك نتيجة غريبة لذلك تتمثل في الجسيم المنخفض الطاقة. فعلى الرغم من أنه قد يكون «محتجزا» بحاجز مرتفع، فإن من المحتمل وجود هذا الجسيم فيما بعد خارج الحاجز. وعندما يكون الأمر كذلك، فإن ظاهرة الممر الشبح الذي سلكه الجسيم ضمن حاجز الطاقة تسمى النفقية الكمومية quantum tunneling.
[تطبيقات]
تقانة مبنية على الگرافين
لم يعرف الگرافين إلا منذ عهد قريب؛ لذلك لم يتمكن المهندسون من تطوير منتجات يدخل في تصنيعها، لكن قائمة التقانات التي يتوقع أن تقوم على أساس الگرافين طويلة. ونورد فيما يأتي مثالين:
ترانزستورات أحادية الإلكترون
يمكن تحويل صفيحة من الگرافين نانوية المقياس إلى ترانزستور وحيد الإلكترون (أو نقطة كمومية). يبين الشكل (في الأعلى واليمين) تخطيطيا كيف يرتبط إلكترودان («منبع» و«مصرف») بواسطة جزيرة من مادة موصلة، أو نقطة كمومية، عرضها لا يتجاوز100 نانومتر. إن الجزيرة التي تبدو في مركز الصورة الميكروية لإلكترون في تجهيزة كهذه (في الأسفل واليمين) ـ مكبرة نحو 00040 مرة ـ هي أصغر من أن تتسع لأكثر من إلكترون جديد واحد في كل آن؛ فلا يستطيع أي إلكترون ثان الاقتراب بسبب التدافع الإلكتروستاتي (الكهراكدي)electrostatic repulsion. يقوم إلكترون من المنبع بالعبور نفقيا وفق الميكانيك الكمومي إلى الجزيرة، ثم يغادر نفقيا أيضا إلى المصرف. وتتحكم الکلطية المطبقة على إلكترود ثالث يدعى البوابة (غير ظاهر في الصورة الميكروية للإلكترون) في إمكان دخول إلكترون وحيد إلى الجزيرة أو الخروج منها، مسجلا بذلك إما 1أو 0.
مواد مُركَّبة
يمكن غالبا جمع مادتين متتامتين أو أكثر للحصول على الصفات المرغوبة لكليهما. وتستعمل نموذجيا ركازة جرمية bulkmatrix ومادة تقويةreinforcement: مثلا، بدن قارب من الفايبرگلاس مصنوع من البلاستيك المصبوب فوق ألياف زجاجية قوية. يقوم الباحثون بفحص الخواص الفيزيائية للمُرَكَّبات المصنوعة من الپوليمرات المدعّمة بمواد معتمدة على الگرافين، مثل أكسيد الگرافين، وهو نموذج صلب ومتين من الگرافين المحوّر كيميائيا. وعلى عكس الگرافين، فإن أكسيد الگرافين «صفيحة» (الصورة في اليسار) سهل التصنيع نسبيا، وقد يجد قريبا تطبيقات مهمة في المُرَكَّبات الصفيحيةlaminated composites (الأرضية في اليسار). إن المقياس هو1 ميكرون طولا.
أما في الميكانيك الكمومي العادي (غير النسبي)، فإن قيمة احتمال مرور جسيم، عبر نفق خلال حاجز ذي طاقة كامنة مرتفعة، تتفاوت ولكنها لن تصل إلى 100 في المئة. ويتقلص احتمال النفقية الكمومية كلما ارتفعت قيمة طاقة الحاجز أو ازداد سمكه. ولكن مفارقة كلاين تغير كليا صفة النفقية الكمومية. وتنص هذه المفارقة على أن الجسيمات النسبية يجب أن تتمكن باحتمال قدره 100 في المئة من المرور عبر الأنفاق من خلال مناطق الحاجز ذي الطاقة العالية والامتداد الكبير. فحينما تصل الجسيمات إلى الحاجز تقترن الجسيمات مع توائمها مضادات الجسيمات، التي تحيا في العالَم في زيٍّ فوضوي مقلوب رأسا على عقب ترى فيه هضاب العالم الحقيقي على شكل أودية لمضادة الجسيمات. وبعد سفر مضادات الجسيمات بسهولة عبر الوادي العجيب المضاد لعالم الحواجز، تتحول عائدة إلى جسيمات في الجانب الآخر وتبرز من دون أي عائق طاقي. ويبدو هذا التنبؤ الذي يقدمه الإلكتروديناميك الكمومي، حتى بالنسبة إلى عدد كبير من الفيزيائيين، معاكسا كليا للحدس.
ويدفع هذا التنبؤ الغريب إلى طلب الاختبار تجريبيا، ولكن يظل من غير الواضح هل يمكن اختبار مفارقة كلاين ولو حتى من حيث المبدأ. ويبدو أن أشباه جسيمات ديراك العديمة الكتلة الموجودة في الگرافين قد هبت للنجدة؛ إذ تصبح مقاربة كلاين في الگرافين مفعولا روتينيا ذا تداعيات يمكن ملاحظتها بسهولة. فعندما تنتقل أشباه جسيمات ديراك العديمة الكتلة والناقلة للشحنة ضمن بلورة گرافين مطبقٍ بين نهايتيها کلطية ما أو فرق طاقة، فسيتمكن التجريبيون من قياس الموصلية الكهربائية للمادة. وتكون النفقية الكاملة (احتمالية 100 في المئة) هي المسؤولة عن فقدان أي مقاومة إضافية يتوقعها المرء من جانب الحواجز والحدود الزائدة. ويقيس الباحثون الآن تدفق مثل هذه الجسيمات النفقية من خلال حواجز كمونية ذات قيم متفاوتة في الارتفاع. ويتوقع الفيزيائيون أن يساعد الگرافين أيضا على توضيح عدد كبير من المفاعيل(7) العجيبة الأخرى التي يتنبأ بها الإلكتروديناميك الكمومي.
على المدى الطويل، يمكن للمرء أن يصمم دارات متكاملة تامة منحوتة من صفيحة گرافين مفردة.
ثنائي بُعْدٍ أو لا
من المبكر الآن أن تُخمِّن العدد الكبير من التطبيقات التقانية للگرافين. ولكن عقدا ونصف العقد من الأبحاث التي أجريت على الأنابيب النانوية (الگرافين المطوّى) أعطت الگرافين دفعا هائلا في انطلاقته. وليس من غير المعقول الاعتقاد أن أي دور مفيد يمكن تصوّره للأنابيب النانوية سيكون مفتوحا لقريبها الگرافين المسطح. وتخطط اليوم الصناعات العالية التقانة لإنجاز بعض التطبيقات التجارية التي يُراهن على نجاح بعضها. وستؤدي تلبية الطلب على هذه التطبيقات إلى رفع إنتاج الگرافين إلى المستوى الصناعي. ويوجد حاليا عدد كبير من فرق البحث التي تعمل بجد على تطوير تقنيات إنتاج محسنة. وعلى الرغم من أن مسحوق الگرافين ينتج اليوم بكميات صناعية، فإن صفائح الگرافين ما زالت صعبة الإنتاج، وتصنف في الوقت الحاضر على أنها أثمن مادة على وجه الأرض. فصفيحة من الگرافين منتجة ميكروميكانيكيا وبسمك يقل عن سمك شعرة إنسان تكلف اليوم أكثر من 1000 دولار أمريكي. وقد قامت مجموعات في أوروبا وعدد من المؤسسات الأمريكية ـ منها مؤسسة جورجيا التقانية وجامعة كاليفورنيا وبيركلي وجامعة الشمال الغربي ـ بتنمية أغشية من الگرافين على شرائح من كربيد السيليكون مشابهة لتلك الشائعة في صناعة أشباه الموصلات.
وفي الوقت ذاته، يجهد المهندسون في جميع أرجاء العالم لاستغلال الخواص الفيزيائية والإلكترونية المرغوبة بشدة والتي يتصف بها الگرافين حصرا [انظر المؤطر في هاتين الصفحتين ]. فمثلا، يمكن أن تؤهله صفة ارتفاع نسبة السطح إلى الحجم إلى تأدية دور في صناعة مواد مركبة composite متينة. كما أن الرقة اللامتناهية للگرافين تؤدي إلى الحصول على مصدرات emitters حقلية ذات كفاءة عالية (على شكل تجهيزات devices إبرية تحرر الإلكترونات بوجود حقول كهربائية قوية).
ويمكن توليف خواص الگرافين بدقة بتطبيق حقول كهربائية، بحيث يمكن الحصول على ترانزستورات فائقة الموصلية متطورة وما يسمى الترانزستورات ذات الصمام السپيني spin-valve، إضافة إلى كواشف detectors كيميائية فائقة الحساسية. وأخيرا، فإن صناعة أغشية رقيقة بتنضيد طبقات من الگرافين فوق بعضها تبدو واعدة جدا في استعمالها أغلفة موصلة وشفافة في الخلايا الشمسية وفي العارضات displays المعتمدة على مبدأ البلورات السائلة. وما أوردناه ليس إلا قليلا من كثير، ونتوقع أن تدخل بعض التطبيقات الملائمة الأسواق في غضون سنوات قادمة.
إرجاء الحكم بانتهاء قانون مور
ثمة توجه هندسي يستحق ذكرا خاصا، وهو الإلكترونيات المعتمدة على الگرافين. وقد بينّا بوضوح أن حاملات الشحنة في الگرافين تتحرك بسرعة عالية ولا تخسر سوى كمية ضئيلة من الطاقة نسبيا عند التشتت أو التصادم مع الذرات الموجودة في شبيكتها البلورية. ويجب أن تتيح هذه الخاصة صنع ما يسمى الترانزستورات الباليستية ballistic transistors والتجهيزات الفائقة التواتر(8) التي تستجيب أسرع بكثير من الموجودة حاليا.
ولعل الأمر الأكثر تشويقا هو أن يتمكن الگرافين من دعم الصناعة الإلكتروديناميكية في إطالة عمر قانون مور. وكان <G.مور> [وهو رائد في الصناعة الإلكترونية] قد أشار قبل نحو 40 سنة إلى أن عدد الترانزستورات التي يمكن ضغطها في مساحة محددة تتضاعف كلما انقضى نحو 18 شهرا تقريبا. وقد أُعلن قبل الأوان مرارا الوصول إلى النهاية المحتومة لعملية التصغير المتواصلة هذه. ونجد الآن أن الاستقرار الرائع والتوصيل المثالي للگرافين، حتى في مقياس النانومتر، قد يُمكِّنان من تصنيع ترانزستورات مفردة عرضها أقل من 10 نانومترات، وربما تبلغ من الصغر مرتبة حلقة بنزينية واحدة. ويمكن على الأمد الطويل صنع دارات متكاملة كاملة منحوتة من صفيحة گرافين مفردة.
ومهما يكن ما سيأتي به المستقبل، فإن عالم العجائب الذي يبلغ سمكه جزيئا واحدا سيبقى على وجه التأكيد يأسر الاهتمام عدة عقود من الزمن. وسيتابع المهندسون العمل لإيصال نواتج اختراعاتهم إلى الأسواق. وسيتابع الفيزيائيون اختبار الخواص الكمومية العجيبة. ولكن ما يذهل حقا أن كل هذا الغنى وكل هذا التنوع بقي عددا من القرون متواريا تقريبا في جميع ما خطه قلم الرصاص.
ثمة عرض بالصور يوضح كيف يحضر الگرافين بطريقة الشريط اللاصق، وهي التقنية التي لخصها مينكل جونير في المؤطر أعلاه، وهذا العرض موجود على:
www.SciAm.com/ontheweb
المؤلفان
Phillip Kim - Andre K. Geim
هما فيزيائيان متخصصان في المادة المتكثِّفة condensed matter، تركزت أبحاثهما الأخيرة على مجال الخواص النانوية للمواد المتبلورة الثنائية البعد والتي يبلغ سمكها ذرة واحدة.
جايم (في اليسار) هو زميل في الجمعية الملكية وأستاذ الفيزياء في جامعة مانشستر بإنكلترا، ويدير أيضا مركز مانشستر لعلم الميزو Mesoscience والتقانة النانوية، حصل على الدكتوراه من مؤسسة فيزياء الجسم الصلب في Chernogolovka بروسيا.
وأما كيم (في اليمين) فهو زميل في الجمعية الفيزيائية الأمريكية، حصل على الدكتوراه من جامعة هارکرد وهو أستاذ مشارك في الفيزياء بجامعة كولومبيا، تتركز أبحاثه على عمليات الانتقال الكمومية الحرارية والكهربائية في المواد النانوية المقياس.
مراجع للإستزادة
Electrons in Atomically Thin Carbon Sheets Behave Like Massless particles, Mark Wilson in physics Today,
Vol. 59, pages 21-23; January 2006.
Drawing Conclusions from Fraphene. Antonio Castro Neto, Francisco Guinea and Nuno Miguel Peres
in physics World, Vol. 19, pages 33-37; November 2006.
Graphene: Exploring Carbon Flatland. A. K. Geirn and A. H. MacDonald in Physics Today, Vol. 60, pages 35-41;
August 2007.
The Rise of Graphene. A. K. Geim an dK.S. Novoselov in Nature Materinals, Vol. 6, pages 183-191; 2007.
Andre K. Geim's Mesoscopic physics Group at the University of Manchester: www.graphene.org
Philio Kim's research group at Columbia University: pico.phys.columbia.edu
CARBON WONDERLAND Meet the Grephene Family THE MOTHER OF ALL GRAPHITES
Molecular Chickin Wire MARK OF THE NANOPENCIL
Exceptional Exception Big Bang in Carbon Flatland
Quantum Electrodynamics Enters the Lab
Particles from"Nothing"
D.I.Y. Graphene
Testing The Bizarre
GRAPHENE-BASED TECHNOLOGY
2-D or Not 2-D Reprieve for Moore's Law?
(1) wafers (2) bits أو نتف. (3) أو الكهرسكونية أو الكهراكدية. (4) classical (5) انظر: «پول ديراك وجمال الفيزياء»،مجلة العلوم،العددان8/9 (1995) ، صفحة 18. (6) انظر: «هايزنبرگ والارتياب والثورة الكمومية»،مجلة العلوم، العدد 7 (1992) ، صفحة 45. (7) effects (8) high-frequency