عبور كوكب الزهرة عام 2004

عبور كوكب الزهرة(*)

حين يجتاز كوكب الزهرة قرص الشمس في الشهر 6/2004، سيحتفل العلماء

بواحد من أعظم الأحداث في تاريخ علم الفلك.

<J .S .ديك>

«نحن الآن في عشية العبور الثاني لكوكب الزهرة أمام وجه الشمس، ولن يحدث عبور آخر إلا بعد أن يطلع فجر القرن الواحد والعشرين من هذا العصر على أرضنا، وتتفتح أزهار الشهر 6/2004... تُرى، ما الذي سيكون عليه حال العلم عندما يحين موسم العبور التالي؟ الله وحده أعلم.»

كلمات كتبها عام 1882

W. هاركنس

SCI2004b20N4-5 H.JPG

الفلكي في المرصد البحري الأمريكي

إن النقطة السوداء أمام الشمس هي كوكب الزهرة، وقد جرى تصويره عام 1882 أثناء العبور الأخير.

سيطلع فجر يوم 8/6/2004 مثل أي يوم آخر تمامًا، لكن كثيرا من الناس المحظوظين في جميع أنحاء العالم سيشهدون حدثا فلكيًا نادرًا جدًا. إن الراصدين الذين سيتواجدون في مواقع مناسبة، والمجهزين بمرشحات ملائمة لعيونهم أو بمناظير ذات عَيْنِيّتَيْن أو بمقاريب، سيكونون قادرين على رؤية كوكب الزهرة كنقطة سوداء تتحرك أمام الشمس عبر قرصها الناري طوال نحو ست ساعات. سيكون العبور الكلي للزهرة مرئيا في معظم بقاع آسيا وإفريقيا وأوروبا. أما في أستراليا، فلن يرى الناس سوى المراحل الأولى من هذا العبور قبل أن تغيب الشمس هناك، وستكون الزهرة قد قطعت ثلاثة أرباع طريقها بحلول الوقت الذي تشرق فيه الشمس على السواحل الشرقية للولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية. أما أولئك الناس غير المحظوظين الموجودين على الساحل الغربي للولايات المتحدة وفي المناطق الجنوبية الغربية من أمريكا الجنوبية، فستفوتهم رؤية هذا الحدث كليا [انظر الشكل في الصفحة 48].

عبور الزهرة لا ترقى روعته إلى روعة الكسوف الشمسي، الذي يحدث نتيجة مرور القمر بين الأرض والشمس. ومع أن الزهرة أكبر بثلاث مرات ونصف المرة من القمر، فإنها أبعد منه بكثير عن الأرض، وهذا يجعلها تبدو كبقعة صغيرة أمام الشمس، قطرها لا يتجاوز 3 في المئة تقريبا من قطر الشمس. تُرى، ما الذي يثير العلماء والمعلمين والفلكيين الهواة في أمر هذا العبور القادم؟ يعود السبب جزئيا إلى أن ظاهرة العبور هذه نادرة الحدوث ـ فلم يرصد الفلكيون عبورا من قبل إلا خمس مرات، حدث آخرها في 6/12/1882. فإذا فات راصدي السماء عبور عام 2004، فإن الفرصة التالية التي ستتاح لهم ستكون عام 2012، لكن بعد ذلك، عليهم أن يتركوا الأمر لأحفادهم ليرصدوا الظاهرة عام 2117.

إن النقطة السوداء أمام الشمس هي كوكب الزهرة، وقد جرى تصويره عام 1882 أثناء العبور الأخير.

ثمة عامل جذب آخر لرصد هذا العبور، ألا وهو التاريخ المثير للجهود التي بذلت في هذا الرصد، والتي حدثت في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. وهذه حكاية تملك جميع مقومات الإثارة العلمية: التنافس الدولي والوقائع الرصدية الغامضة والنتائج المثيرة للجدل التي تتعلق بواحدة من أكثر المشكلات إرباكا في تاريخ علم الفلك. أضف إلى ذلك أن هذه الظاهرة تحظى بأهمية بالغة لدى الباحثين المعاصرين، ذلك أن عبور الزهرة قد يسلط الضوء على موضوع ساخن في علم الفلك الحديث، ألا وهو اكتشاف كواكب في نظم شمسية أخرى.


من <كِپْلر> إلى القبطان <كوك> (**)

إن حدوث أي عبور كوكبي هو مسألة بسيطة في علم الهندسة ـ إذ إنه كي يحدث ذلك، لا بد من مرور الكوكب قيد الاعتبار بين الراصد والشمس. فمن الأرض، يمكن للمرء رؤية أحداث عبور كوكَبَي عطارد والزهرة. ومن المريخ، يمكن مشاهدة عبور للأرض أيضا. (فكرة القصة القصيرة الشهيرة التي عنوانها «عبور الأرض»، والتي ألفها <C .A.كلارك> ،مبنية على معرفة أنه يمكن لراصد على المريخ في 11/5/1984 أن يرى الأرض وهي تعبر وجه الشمس.) مثل هذه الأحداث نادرة نسبيا، لأن مدارات الكواكب ليست موجودة في مستوى دائرة البروج التي هي مسار الشمس في السماء كما يُرى من الأرض. فمثلا، يميل مدار الزهرة على مدار الأرض بزاوية قدرها 3.4 درجة، ومن ثم فحتى عندما تكون الزهرة والشمس تسيران في الاتجاه نفسه (أي عندما يحدث ما يسميه الفلكيون «اقترانا»)، فإن الزهرة تكون معظم الوقت بعيدة جدا عن فلك البروج ـ إما فوقه وإما تحته ـ ومن ثم فهي لا تتمكن من اجتياز وجه الشمس [انظر الشكل العلوي في الإطار في الصفحة المقابلة]. ولسبب مشابه، لا يكسف القمر الشمس مرة كل شهر خلال دورانه حول الأرض؛ فهو يكون عموما فوق فلك البروج أو تحته.

لا يحدث عبور للزهرة إلا عندما تكون الأرض والزهرة في وضع اقتران قرب النقط التي يتقاطع فيها مداراهما. ونتيجة لذلك، تتكرر ظاهرة العبور نموذجيا أربع مرات فقط كل 243 سنة. وتتبع الفواصل الزمنية بين كل عبورين متتاليين نسقا يمكن التنبؤ به: فالعبور يتبعه آخر عموما بعد ثماني سنوات؛ والعبور التالي يحدث بعد 105.5 سنة، وما يليه يحدث بعد ثماني سنوات أخرى؛ وتتكرر الدورة ثانية بعد 121.5 سنة أخرى. تُرى لماذا تحدث ظاهرات العبور عادة بحيث يفصل بين العبورين الأول والثاني من زوج منها ثماني سنوات؟ السبب هو استغراق الزهرة 224.7 يوم لإتمامها دورة كاملة حول الشمس، وبالتالي فإن 13 سنة من سنوات الزهرة تكاد تعادل ثماني سنوات بالضبط من سنوات أرضنا. وبعد مضي ثماني سنوات على أول عبور من زوج من العبورات، تعود الزهرة والأرض إلى نفس موقعيهما الأولين في مداريهما، ومن ثم تقعان على خط واحد مع الشمس تقريبا. القطر الزاوي للشمس ـ الكبر الذي تظهر به في السماء ـ يساوي قرابة نصف درجة، وهذا يسمح بمهلة زمنية صغيرة؛ فإذا حدث العبور قرب إحدى حافتي القرص الشمسي، فإن العبور التالي سيكون بالقرب من الحافة المقابلة. ومع ذلك، فمن وقت إلى آخر، لا يحدث سوى عبور وحيد لأن أحد عبوري الزوج لا يتحقق وبالتالي لا يمكن مشاهدته من الأرض(1). لقد حدث عبور واحد فقط للزهرة في القرن الرابع عشر، وستتكرر هذه الظاهرة ثانية في 18/12/3089.

ولما كان عبور الزهرة حدثا يرى بالعين المجردة بصعوبة بالغة، فقد كان يمر والناس في غفلة عنه طوال معظم الحقب التاريخية الماضية. وأول من تنبأ بحدوث عبور كوكبي هو فلكي القرن السابع عشر الألماني <J. كپلر>، الذي وفرت جداوله الفلكية المسماة جداول رودلفين Rudolphine Tables أكثر الأدلة دقة، في ذلك الوقت، للحركة الكوكبية. أكد <كپلر> أن عطارد سيعبر قرص الشمس في 7/11/1631، يلي ذلك عبور للزهرة في 6/12/1631. لكن <كپلر> لم يعش ليتحقق من صحة توقعاته، إذ وافته المنية عام 1630. وقد رصد عبور عطارد ثلاثة أشخاص على الأقل، أشهرهم عالم الفلسفة الطبيعية الفرنسي

الذي ترك تقريرا مفصلا للحادث. وقد قدر <گاسيندي >القطر الظاهري لعطارد بنحو 20 ثانية قوسية ـ أي زهاء 1/180 من الدرجة ـ وقد كان هذا في حد ذاته تقدما علميا مشهودا. أما عبور الزهرة، فلم يكن مرئيا في أوروبا، ومع أن <كپلر> أعلن هذا الحدث للعالم، فلم يُعرف أن أحدا رصده. أدرك الفلكي الإنكليزي <J. هوروكس> ( 1618 - 1641) أن عبورا آخر للزهرة سيحدث في 4/12/1639 (التاريخ الذي حدده هوروكس كان 24/11/1639، لأن إنكلترا لم تعتمد التقويم الگريگوري إلا عام 1752). لذلك نصب مقرابا صغيرا في بيته في بلدة Much Hoole قرب ليفربول؛ وبإسقاطه الضوء الآتي من المقراب على صحيفة من الورق، تمكَّن من مشاهدة صورة مكبرة للشمس. لكنه لم ير شيئا غير عادي حتى الظهر، عندما غادر بيته مسرعا، ربما لحضور قداس كنائسي. وعند عودته بعد الساعة الثالثة بقليل، وجد الزهرة على وجه الشمس! ومع أن هوروكس لم يستطع رؤية سوى المراحل المبكرة من العبور طوال قرابة 30 دقيقة قبل غروب الشمس، فقد قدّر القطر الظاهري للزهرة بنحو دقيقة قوسية واحدة، وهذا يعادل ثلاثة أمثال القطر الظاهري الذي قدره <گاسيندي> لعطارد. وفي مانشستر، التي تقع إلى الجنوب الشرقي من بلدة Much Hoole على بعد 25 ميلا عنها، استعمل <W .كَرابْتِري>، صديق هوروكس، مقرابا مشابها كي يلمح الزهرة خلال عبورها قبل غروب الشمس مباشرة. وبقدر ما نعلم، كان <هوروكس> و<كَرابْتِري> أول شخصين تسنى لهما مشاهدة هذا الحدث. [[ملف:|تصغير|300بك|]] كان عبور الزهرة عامي 1761 و 1769 هدف كثير من الأرصاد الجادة. وبحلول ذلك الوقت، كان الفلكي البريطاني <E. هالي> [شغل منصب الفلكي الملكي] الذي اشتهر باكتشافه المذنب المسمى باسمه، قد قدم طريقة مفصلة لاستخدام عبور الزهرة في تعيين المسافة بين الأرض والشمس (التي تسمى اليوم الوحدة الفلكية). ولو رصد العلماء العبور من نقطتين أو أكثر على سطح الأرض تقعان على خطي عرض متباعدين بدرجة كافية، فإن كل راصد سيرى أن الزهرة ترسم مسارا عبر الشمس يختلف قليلا عن المسار الذي يراه الآخر [انظر الشكل السفلي في الإطار في الصفحة المقابلة]. ولما كان كل مسار يتخذ شكل وتر ـ خط مستقيم يصل بين نقطتين واقعتين على حافة قرص الشمس ـ فقد تمكن الفلكيون من قياس الانزياح الزاوي بين المسارين عن طريق مقارنة مدتي العبورين. هذا الانزياح الزاوي، الذي يسمى الاختلاف الظاهري parallax للزهرة، يوفر طريقة لقياس المسافة بين الأرض والزهرة. ولرؤية كيفية عمل هذه الطريقة، ارفع إحدى أصابعك أمام وجهك، وانظر إليها بالتناوب بعينك الأولى ثم بالأخرى. إن الانزياح الظاهري في موقع الإصبع نتيجة فتح عينيك وإغلاقهما يكون أكبر عندما تقرب إصبعك من وجهك، وبالعكس. نظرة إجمالية/ عبور مدهش(***) ▪ يحدث عبور كوكب الزهرة حين يمر الكوكب أمام الشمس مباشرة [بالنسبة إلى راصد أرضي]. وعادة، تجري أربعة أحداث عبور فقط كل 243 سنة. ▪ وبسبب صعوبة رؤية عبور الزهرة بالعين المجردة، فلم يرصد الفلكيون هذه الظاهرة من قبل سوى خمس مرات فقط. في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حاول الفلكيون استعمال العبور لتعيين المسافة بين الأرض والشمس. ▪ الفلكيون، المحترفون منهم والهواة، يترقبون بلهفة حدث العبور الذي سيجري هذا العام. وقد تكون أرصادهم مفيدة للباحثين الذين يعدون سفينة فضائية مصممة لاستكشاف الكواكب في نظم شمسية أخرى. [[ملف:|تصغير|300بك|]] ومع أن عطارد يحقق 13 أو 14 حدث عبور كل قرن، فلم يكن مرشحا ملائما لطريقة هالي التي تستعمل «الاختلاف الظاهري»، ولا لطريقة التغيرات (الانحرافات) variations التي ابتكرها فلكيون آخرون فيما بعد. وبسبب كون عطارد بعيدا جدا عن الأرض، فإن الانزياحات الزاوية كانت أصغر من أن تقاس بدقة. وحتى في حال الزهرة، التي هي أقرب كثيرا، فقد كانت الأرصاد تتطلب براعة وحذرا شديدين، إذ كان من المهم جدا معرفة المواقع الجغرافية الدقيقة لمحطات الرصد، ومعرفة زمن التقابلات الأربعة بين الزهرة والشمس بدقة عالية. (كان التقابلان الأول والثاني يحدثان حين يقابل قرص الزهرة الشمس من الخارج أولاً ثم من الداخل؛ أما التقابلان الثالث والرابع فيحدثان عندما يلامس قرص الزهرة الشمس من الداخل أولا ثم من الخارج.) لكن الفوائد المحتملة لهذه الأرصاد كبيرة جدا. فقد عرف الفلكيون من قوانين كپلر للحركات الكوكبية المسافات النسبية التي تفصل جميع الكواكب عن الشمس، ومن ثم تمكنوا من تعيين الاختلاف الظاهري الشمسي من الاختلاف الظاهري للزهرة. ولا يسمح هذا القياس بدوره للعلماء بتقدير المسافة بين الأرض والشمس فحسب، بل يسمح لهما أيضا بتقدير مقياس النظام الشمسي كله. [[ملف:|تصغير|300بك|]] هندسة العبور (****) أحداث العبور نادرة لأن مدار الزهرة يميل 3.4 درجة على مدار الأرض. عندما تكون الزهرة والأرض في وضع اقتران ـ أي عندما يكون أحد الكوكبين قريبا من الآخر بأكبر قدر ممكن ـ فإن الزهرة تمر عادة فوق الشمس أو تحتها. ولا يحدث العبور إلا حين تكون الزهرة والأرض في وضع اقتران قرب النقط التي يتقاطع فيها مستوياهما المداريان. تطلَّب أسلوب الاختلاف الظاهري الذي صممه فلكي القرن الثامن عشر البريطاني E. هالي رصد العبور من نقطتين أو أكثر على سطح الأرض، تقعان على خطي عرض متباعدين جدا. إن راصدا في النقطة A سيرى الزهرة تسلك عبر الشمس طريقا مختلفا قليلا عن الطريق الذي يراه راصد في النقطة B. وبقياس الفلكيين للانفراج الزاوي بين الطريقين [الذي كبر كثيرا في هذا المخطط المبسط] يمكنهم تعيين المسافة بين الأرض والشمس.

SCI2004b20N4-5 H0k.JPG


ولسوء الحظ، لم تكن نتائج عبور عام 1761 بالجودة المتوقعة، فقد كانت القيم المقيسة للاختلاف الظاهري للشمس تراوح بين 8.3 و 10.6 ثانية قوسية. لكن الأرصاد التي أجريت عام 1769 كانت محصورة في مجال أضيق ـ ما بين 8.43 و 8.8 ثانية قوسية ـ وهذا حصر تقدير الوحدة الفلكية بين 93 مليون و97 مليون ميل.

SCI2004b20N4j.JPG

وكان من بين راصدي عام 1769 <D. ريتنهاوس> [العالم البارز في المستعمرات الأمريكية] الذي أصيب بالإغماء نتيجة الإثارة التي شعر بها بعد تحديقه في مقرابه. هذا وإن أول رحلة للمستكشف البريطاني القبطان J. كوك على السفينة Endeavour، استهدفت، في المقام الأول، رصد حدث العبور خلال استكشافه جنوب المحيط الهادئ. وقد أنجز كوك وبحارته هذه المهمة بنجاح من منطقة مازالت تعرف باسم Point Venus (أي «نقطة الزهرة») في تاهيتي، ومن موقعين آخرين مجاورين. لكن كوك ذكر حادثة مشؤومة تعرّض لها أيضا راصدون آخرون: فالمحاولات التي أجريت لتعيين الأوقات الدقيقة لتقابل الزهرة والشمس باءت بالفشل، لأن الحافتين الخارجيتين لهذين الجرمين كانت إحداهما تتداخل بالأخرى عدة ثوان [انظر الشكل الأيمن في الصفحة المقابلة]. وقد خمّن <كوك> أن هذه الظاهرة، التي صارت تُسمى تأثير القطرة السوداء black-drop effect، كانت نتيجة «جو أو غيمة داكنة اللون تحيط بجسم الكوكب.»

«رأيت عندئذ أكثر المشاهد إدهاشا ولفتا للنظر... رأيت بقعة كبرها

غير عادي، لها شكل دائري تماما...»

الفلكي الإنكليزي <J. هوروكس>، 1639


رصد المستكشف البريطاني القبطان <J. كوك> أثر القطرة السوداء خلال عبور كوكب الزهرة عام 1769. ويبين مخطط مبني على أرصاد كوك [في الأعلى] الحافة الخارجية للزهرة ملتصقة بمحيط الشمس، وهذا يجعل من المستحيل تعيين اللحظة التي جرى فيها التقابل بالضبط. وقد اعتقد<كوك> بأن السبب كان وجود جو حول الزهرة. لكن السفينة الفضائية تريس TRACE سجلت عام 1999 ظاهرة مشابهة خلال عبور لكوكب عطارد، الذي لا جوً له [في اليسار]. سبب القطرة السوداء مازال مثارا للخلاف بين الفلكيين.


حين قام الفلكي الألماني .J. إنكي عام 1824 بتحليل نتائج كل من عبوري القرن الثامن عشر، اعتمد قيمة للاختلاف الظاهري للشمس قدرها 8.58 ثانية قوسية، وهي توافق مسافة متوسطة للشمس عن الأرض قدرها 95.25 مليون ميل. بيد أنه بعد انقضاء ثلاثين سنة على ذلك، حاج الفلكي الدانماركي A .P . هانسن ـ استنادا إلى الاضطرابات التي تحدثها ثقالة الشمس في حركة القمر ـ بأن الشمس يجب أن تكون أقرب كثيرا. وقد لاقت دعوى <هانسن> دعما أقوى عام 1862، حين أسفرت قياسات الاختلاف الظاهري للمريخ ـ الذي حدد بمقارنة موقع الكوكب في السماء انطلاقا من نقطتي رصد بعيدتين جدا إحداهما عن الأخرى ـ عن تقديرات للوحدة الفلكية تراوح بين 91 مليون و92.5 مليون ميل. وهكذا، ففي عشية عبور الزهرة في القرن التاسع عشر، كانت المسافة بين الشمس والأرض لاتزال قيمة يكتنفها ارتياب شديد. وقد ذكر الفلكي البريطاني B .G. إيري في منتصف ذلك القرن أن تعيين الاختلاف الظاهري للشمس كان «أنبل مشكلة عاشها علم الفلك.» وقد كتبت M .A.كلارك [وهي مؤرخة فلكية عاشت في القرن التاسع عشر] ما يلي: «كان الاختلاف الظاهري الشمسي يمثل القياس المعياري للكون... وأعظم معلومة استدلالية أساسية لعلم الفلك، أي وحدة الفضاء، وأي خطأ في تقديرها سيتضاعف ويتكرر بألف طريقة مختلفة، في كل من النظامين الكوكبي والنجمي.»

البحث الحثيث عن الاختلاف الظاهري(*****)

بحلول عام 1857، كان إيري قد وضع خطة عامة لرصد عبور الزهرة الذي سيحدث عام 1874. وبحلول عام 1870، كانت بريطانيا تبني الآلات اللازمة لعملية الرصد، وكان ثمة خطط مشابهة يجري إعدادها في مناطق أخرى من العالم. ومع اقتراب الحدث المتوقع كثيرا، أطلقت على الأقل 26 بعثة من روسيا، و12 بعثة من بريطانيا، و8 بعثات من الولايات المتحدة، و6 بعثات من كل من فرنسا وألمانيا، وثلاث من إيطاليا، وواحدة من هولندا. وقد كتبت <كلارك> تقول: «كل بلد كان يحظى بسمعة جيدة في امتلاكه للحماسة العلمية، تقدم للتعاون في هذا المشروع العالمي العظيم لرصد العبور.» وهذا التاريخ المشوق لهذه البعثات يتطلب كتابا كاملا لوصفها؛ إذ كان لكل من هذه البعثات قصتها الخاصة بها، وقد لاقت درجات مختلفة من النجاح والإخفاق.

وتجدر الإشارة إلى أن S .نيوكوم [من مرصد البحرية الأمريكية، الذي كان المركز الفلكي الرئيسي في أمريكا في ذلك الوقت] حث الأكاديمية الوطنية للعلوم على التصدي لهذه القضية، وكون مجلس الكونگرس «اللجنة الأمريكية لعبور الزهرة» التي أدى فيها نيوكوم وفلكيون آخرون من مرصد البحرية دورا بارزا. وقد جهزت تلك اللجنة ثماني بعثات لحدث عام 1874 ـ ثلاث منها للتوجه إلى نصف الكرة الشمالي، وخمس إلى نصف الكرة الجنوبي، ورصد مجلس الكونگرس لهذا المشروع ما مجموعه 000 177دولار، وهذا يعادل ما يزيد على مليونين من دولارات هذه الأيام.

زُوِّدت كل بعثة بتجهيزات معقدة. وبغية الرصد البصري للحظات تقابل الزهرة والشمس، استعمل الباحثون مقرابا كاسرا refractor telescope قطر عدسته خمس بوصات من صنع Alvan Clark and Sons، وهو أفضل صانع للمقاريب في أمريكا في القرن التاسع عشر. كان العلماء قادرين أيضا على تصوير الشمس باستعمال مصور الشمس(2) photoheliograph، وهو آلة اخترعت قبل ذلك بعقدين فقط. كان ضوء الشمس يوجه عبر مقراب أفقي مثبت، له طول بؤري قدره 40 قدما، بوساطة مرآة تدور ببطء بحيث تُبقي صورة الشمس دون حركة. كان المقراب يولّد صورا للشمس بقطر قدره أربع بوصات، وهذا يسمح للفلكيين بالتعقب الدقيق لحركة الزهرة عبر القرص الشمسي.

مجلة ساينتفيك أمريكان، التي كانت تتابع باهتمام شديد تقدم تلك البعثات، ذكرت في عددها الصادر في 26/9/1874 أن السفينة سواتارا Swatara، التي كانت تحمل على متنها فرق الرصد الأمريكية المتجهة إلى نصف الكرة الجنوبي، قطعت الرحلة من نيويورك إلى البرازيل في 35 يوما فقط. أما الأوروبيون، في معظم الأحيان، فقد فضلوا استخدام مقاريب أصغر وذات أطوال بؤرية أقصر. كانت تجهيزاتهم مصممة لتوفر صورا عالية الجودة، بيد أنه بسبب كون صورهم أصغر من صور الفرق الأمريكية، فقد كان قياس موقع الزهرة بالنسبة إلى قرص الشمس يمثل مهمة أصعب.

حين حدث العبور أخيرا في 9/12/1874، عاق الطقس السيئ كثيرا من البعثات. والأسوأ من ذلك أنه حين حلل الفلكيون الأرصاد البصرية للتقابل، سرعان ما وجدوا أن النتائج لم تكن أفضل من تلك التي سُجلت في القرن الثامن عشر. وكانت المشكلة هي نفسها في جميع أنحاء العالم. وقد كتب <W. هاركنس> [الفلكي في مرصد البحرية الأمريكية، الذي قاد فريق الرصد بمدينة هوبرت الواقعة في جزيرة تسمانيا الأسترالية] ما يلي: «إن القطرة السوداء، وجوي الزهرة والأرض، ولدت ثانية سلسلة من الظواهر المعقدة استمرت للعديد من الثواني الزمنية، وكان من الصعب جدا أن نتبين وقت التقابل الفعلي.»

لهذه الأسباب، ازدادت كثيرا جدا أهمية الأرصاد الفوتوغرافية، لكن الإحباط كان سائدا أيضا في هذا المجال. وقد ذكر هاركنس أنه «سرعان ما بدأ الهمس ينتشر بأن أرصاد الفلكيين الأوروبيين أخفقت.» وأعلن التقرير الرسمي البريطاني أنه «بعد القيام بقياسات وحسابات اتسمت بالكد والجهد، تكوّن اعتقاد بأن أفضل ما يمكن عمله هو الامتناع عن نشر المقارنة بين نتائج القياسات الفوتوغرافية والنتائج المستخلصة من الأرصاد المقرابية.» وقد ذكر <هاركنس> أنه كان من المستحيل تعيين موقع تقابل الزهرة وقرص الشمس بدقة، لأن الباحثين لم يتمكنوا من أن يحددوا بالضبط محيط القرص الشمسي. وقد كتب يقول: «أيا كانت درجة الجودة التي يمكن أن تحدد بها العين المجردة الحافة الخارجية للشمس على الصورة الفوتوغرافية، فعند استعمال مجهر (ميكروسكوب)، تصبح الصورة المكبرة غامضة ومشوشة، وحين كان يوضع السلك الدقيق للمقياس المجهري (الميكرومتر) عليها، كان المحيط يختفي كليا.» وقد نشر الفرنسيون نتائجهم لكنها كانت تتضمن نسب أخطاء عالية.

كانت جميع الآمال معقودة على البعثات الأمريكية، التي عادت ومعها نحو 220 لوحة فوتوغرافية قابلة للقياس أُخِذت بوساطة مصورات شمسية ذات أطوال بؤرية كبيرة. وقد نُشرت قيمة للاختلاف الظاهري للشمس قدرها 8.883 ثانية قوسية وذلك عام 1881، عشية العبور التالي. لكن النتائج بلغت من الغموض حدا جعل كثيرا من الفلكيين، ومنهم <نيوكوم>، يحاج بأن عبور الزهرة ليس أسلوبا جيدا لتعيين الوحدة الفلكية، لكن إيمان <هاركنس >لم يتزعزع قط. وقد قام مجلس الكونگرس بالموافقة على مخصصات إضافية سمحت بتجهيز ثماني بعثات أخرى لرصد عبور عام 1882. وبعد تحليل صور العبور طوال عقد تقريبا، توصل هاركنس إلى أن أفضل تقدير لاختلاف الشمس الظاهري هو 8.809 ثانية قوسية، وهذا يعطي التقدير 000 92 797 ميل للمسافة بين الأرض والشمس، بخطأ قدره 700 59ميل. وجدير بالذكر أن المسافة المتوسطة الفعلية التي قيست الآن بدقة بوساطة أرصاد السفن الفضائية وتقنيات أخرى هي 92955859 ميلا. (القيمة المقابلة التي يُحصل عليها من الاختلاف الظاهري للشمس هي 8.794148).

تُرى، ما هو مدى أهمية أرصاد عبور الزهرة لتاريخ علم الفلك؟ مع أن نيوكوم ،الذي ظل نظام الثوابت الفلكية الذي وضعه مستعملا عالميا طوال معظم القرن العشرين، اعتمد قيمة للاختلاف الظاهري للشمس قريبة جدا من تلك التي قدمها <هاركنس>، فقد أعطى نيوكوم لعبور الزهرة وزنا طفيفا جدا مقارنة بالطرق الأخرى في تقدير هذا الثابت. وهو يرى أن تأثير القطرة السوداء black-drop effect وأخطاء أخرى أفسدت إلى حد بعيد استعمال العبور لتعيين الوحدة الفلكية.

رصد المستكشف البريطاني القبطان J. كوك أثر القطرة السوداء خلال عبور كوكب الزهرة عام 1769. ويبين مخطط مبني على أرصاد كوك [في الأعلى] الحافة الخارجية للزهرة ملتصقة بمحيط الشمس، وهذا يجعل من المستحيل تعيين اللحظة التي جرى فيها التقابل بالضبط. وقد اعتقد<كوك> بأن السبب كان وجود جو حول الزهرة. لكن السفينة الفضائية تريس TRACE سجلت عام 1999 ظاهرة مشابهة خلال عبور لكوكب عطارد، الذي لا جوً له [في اليسار]. سبب القطرة السوداء مازال مثارا للخلاف بين الفلكيين.

ومن المثير للاهتمام أن سبب تأثير القطرة السوداء مازال موضوع كثير من المناقشات والخلافات. وقد عزاه فلكيو القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إلى مجموعة متنوعة من الأسباب، من ضمنها جوا الأرض والزهرة. بيد أنه عندما استعمل العلماء عام 1999 السفينة الفضائية تريس TRACE لرصد عبور عطارد ـ وهو كوكب ليس له غلاف جوي، يُرى من ساتل يدور حول الأرض في مدار بعيد جدا عن غلافها الجوي ـ رأوا، مع ذلك، أثرا ضعيفا للقطرة السوداء [انظر الشكل الأيسر في الصفحة 47]. ومع أن هذا الاكتشاف لا يتناقض مع الافتراض بأن التأثيرات الجوية تعزز تأثير القطرة السوداء، فإن السبب الحقيقي يجب أن يكون شيئا آخر.

استخلص فريق السفينة الفضائية تريس (الذي قاده G. شنايدر [من مرصد ستيوارد Steward التابع لجامعة أريزونا] و M .J. باساشوف> [من مرصد هوپكنز بكلية وليامز] و L.گُولَب [من المرصد السميثسوني للفيزياء الفلكية]) أن سبب القطرة السوداء يعود جزئيا إلى التلطخ الضوئي optical smearing بين الأقراص الكوكبية وقرص الشمس. وكي ترى ظاهرة مشابهة، اجعل إبهامك وسبابتك بحيث يكون كل منهما قريبا جدا من الآخر، وانظر إلى الفرجة الضيقة بينهما على خلفية ساطعة؛ عندئذ تظهر «وصلة» قاتمة بينهما حتى عندما لا يكونان متلامسين. إضافة إلى ذلك، فإن تعتيم الحافة الخارجية الشمسية ـ أي انخفاض السطوع في تلك الحافة ـ يسهم أيضا إسهاما جوهريا في القطرة السوداء. ويرى باحثو تريس أنه يمكن تلطيف أثر القطرة السوداء باستعمال تقنيات جديدة عند حدوث العبور القادم.

السلامة أولا!(******)

مع أن أحداث عبور الزهرة لم تعد تحظى بأهمية في تعيين الوحدة الفلكية، فإن رصد عبور هذا العام سيكون، دون ريب، واحدا من أوسع عمليات الرصد التي جرت في التاريخ الفلكي. من الممكن رؤية الزهرة مقابلة لقرص الشمس دون تكبير، وبالطبع أيضا، باستعمال منظار ذي عينيتين أو مقراب صغير. لكن F .اسپيناك [من مركز گودارد للطيران الفضائي التابع للوكالة ناسا] يتوجه إلى المشاهدين بضرورة اتخاذ نفس الاحتياطات التي تُراعى عند رؤية الكسوف الشمسي. إن النظر إلى الشمس عبر مقراب دون مرشح ملائم يمكن أن يُلحق بالعين ضررا فوريا وعمى دائما.

إحدى أكثر الطرائق أمانا لرؤية العبور هي إسقاط صورة الزهرة والشمس على قطعة من الورق. وباستعمال تقنيات راقية لمشاهدة أحداث الكسوف، يمكن للفلكيين الهواة القيام بأرصاد مفيدة لتحديد وقت المقابلات (وأيضا إحداثياتها الجغرافية)، التي يفترض إرسالها إلى قسم عبور عطارد/ الزهرة Mercury/ Venus Transit Section التابع للاتحاد الأمريكي لراصدي القمر والكواكب. وبعد عبور عام 1882، أرسل كثير من هواة التحديق في السماء تقاريرهم إلى مرصد البحرية الأمريكية، ومازالت هذه التقارير محفوظة في السجل (الأرشيف) الوطني.


إن أفضل الأمكنة لرصد عبور الزهرة في 8/6/2004 تقع في أوروبا وإفريقيا وآسيا [في اليسار]. سيستطيع الذين يشاهدون السماء في أستراليا والقسم الشرقي من الولايات المتحدة أن يروا أجزاء فقط من العبور؛ أما الناس في غربي الولايات المتحدة فسيفوتهم الحدث كليا. لتفادي إلحاق الأذى بالعين، يجب على الراصدين استعمال مرشحات شمسية ملائمة عند مشاهدتهم حدث العبور [في الأعلى]. يمكن الاطلاع على مزيد من المعلومات المتعلقة باحتياطات السلامة في موقع الويب:

www.transitofvenus.org/safety.htm

وقد أورد دليل الراصدين لعام 2004، الذي أصدرته الجمعية الفلكية الملكية في كندا، تفصيلات عن متوسط التردد لغطاء الغيوم في وقت العبور لمواقع كثيرة من العالم. ووفقا لما ورد في الدليل، تقع أفضل أمكنة الرصد في العراق والمملكة العربية السعودية ومصر، والموقع الأفضل هو الأقصر في مصر، الذي يكون احتمال صفاء سمائه 94 في المئة، وذلك طبقا للسجلات التاريخية. لهذا السبب، تتجه حاليا رحلة بحرية واحدة، على الأقل، إلى نهر النيل.

ومثلما أثار عبور عام 1882 الاهتمامات بالأمور السماوية للشابين <E .G .هيل>و <N .H. راسل> [وهما من الفلكيين الرواد في القرن العشرين] فربما ستشجع أحداث عبور الزهرة في القرن الواحد والعشرين الشباب على دراسة علم الفلك. وأملا في الإفادة القصوى من الفرص التعليمية، يقوم مكتب ناسا للعلوم الفضائية برعاية سلسلة طويلة من النشاطات الموجهة لحفز انخراط الطلبة وعامة الجمهور في هذا الحدث. وقد قام اتحاد لمعاهد أوروبية بوضع خطط مشابهة. إضافة إلى ذلك، فإن المقطوعة الموسيقية بعنوان اللحن العسكري لعبور الزهرة Transit of Venus March، التي ألفها الموسيقي الأمريكي الأسطوري

بعد عبور عام 1882، بُعثت من جديد، وأخذ الإقبال على عزفها يتزايد بعد أن جرى إهمالها طوال أكثر من 100 سنة. «عندما حدث آخر موسم للعبور، كان عالَم الفكر يصحو من سبات استمر عصورا...» وليام هاركنس، 1882 أحداث العبور خارج النظام الشمسي(*******) والآن، يقوم الفلكيون المحترفون في جميع أنحاء العالم بالاحتفال بالعبور حتى خلال دراستهم له. وفي الوقت الذي يوجه فيه العلماء المقاريب المنصوبة على الأرض والآلات الموجودة على متون السفن الفضائية إلى الشمس، سيعقد الاتحاد الفلكي الدولي اجتماعا قرب المكان الذي شاهد منه <هوروكس> عبور الزهرة عام 1639. وتشجع مجموعة عمل عبور الزهرة، التابعة للاتحاد الفلكي الدولي، على نصب لافتات تذكارية في المواقع التي أجريت فيها الأرصاد الماضية للعبور. مازال عبور الزهرة يثير اهتمام الباحثين لأنه يوفر فرصة نادرة لتطوير تقنيات اكتشاف وتمييز الكواكب في نظم شمسية أخرى. إن معظم الكواكب خارج النظام الشمسي، التي عُرف منها حتى الآن مئة وعشرون، جرى اكتشافها عن طريق ثقالتها التي تسبب حركات دورية صغيرة في النجوم التي تدور حولها. بيد أن الفلكيين أعلنوا عام 1999 أول اكتشاف لكوكب عن طريق قياس تضاؤل شدة الضوء الصادرة عن نجم أثناء مرور الكوكب بينه وبين الأرض. هذا الكوكب، الذي يقع على مسافة 153 سنة ضوئية من نظامنا الشمسي، خفض شدة الضوء الصادر عن النجم بنسبة 1.7 في المئة خلال عبوره، الذي استغرق ثلاث ساعات، أمام النجم. وخلافا للتقنيات التقليدية المتبعة في اكتشاف الكواكب، فإن أرصاد العبور تسمح للفلكيين بتعيين المستوى المداري للكوكب الموجود خارج نظامنا الشمسي، الذي يمكن أن تستنتج منه كتلة ذلك الكوكب. ولما كان مقدار النقص في الضوء يشير إلى حجم الكوكب، فإن العلماء يمكنهم تقدير كثافته. تخطط ناسا الآن لاستعمال سفينة فضائية لاستكشاف كواكب أخرى خارج نظامنا الشمسي عن طريق رصد أحداث عبورها. وسيقوم مجس كپلر Kepler probe، الذي وُضعت الخطط لإطلاقه عام 2007، بمراقبة100000 نجم شبيه بالشمس طوال أربع سنوات. وبسبب أن مقاييس الشدة الضوئية (الفوتومترات) photometers تسمح بكشف الانخفاضات الطفيفة جدا في سطوع النجوم، فستكون السفينة قادرة على اكتشاف كواكب لا يزيد حجمها على حجم الأرض. ويمكن لأرصاد عبور الزهرة هذا العام أن تساعد الباحثين على معايرة آلاتهم ليتوصلوا إلى هذه الفتوحات الجديدة. وهكذا فإن قصة عبور الزهرة دارت دورة كاملة من كپلر الإنسان إلى كپلر السفينة الفضائية. لا بد أن <نيوكوم> و<هاركنس> ومعاصريهما كانوا سيصابون بالدهشة حتما أمام التقدم الذي أحرزه علم الفلك منذ العبور الأخير الذي حدث عام 1882. تُرى، ما الذي سيكون عليه حال العلم والحضارة عندما تقترب الزهرة من الشمس ثانية عام 2117؟ من المحتمل جدا أنه بحلول ذلك الوقت سيكون قد رُصِد من المريخ عبور للأرض، كما تنبأ <C .A. كلارك>. وإذا وُجد بشر على المريخ في 10/11/2084، فإنهم سيرون الأرض تتجاوز وجه الشمس ببطء، وستبدو الأرض لهم نقطة سوداء على خلفية ساطعة. ستكون تلك لحظة مثيرة للمشاعر دون ريب، تمثل مَعْلَمًا بارزا في تاريخ أحداث العبور الكوكبية والاستكشاف البشري.


المؤلف

Steven J. Dick

مؤرخ رئيسي في ناسا. أمضى 25 سنة يعمل فلكيا ومؤرخا للعلوم في مرصد البحرية الأمريكية، وهو المؤسسة التي قادت البعثتين الأمريكيتين لرصد عبور الزهرة عامي 1874 و 1882. وهو مؤلف كتابي The Biological Universe، وLife on Other Worlds، وحديثا كتاب Sky and Ocean Joined: The U.S. Naval Observatory، 1830 - 2000. يتضمن الكتاب الأخير فصلا تاريخيا مفصلا عن أحداث عبور الزهرة. وديك هو الرئيس السابق للجنة تاريخ علم الفلك التابعة للاتحاد الفلكي الدولي، وهو الآن رئيس مجموعة عمل عبور الزهرة التابعة للاتحاد المذكور.