طب نبوي
الطِبُّ بكسر الطاء وضمِّها؛ علاج الجسم والنفس، والجسمُ مجمع الأعضاء والأجهزة والحواس، والنفسُ مجمع الروح والقلب والعقل، وكما يصيب المرض الجسم بكل أجزائه، يقع كذلك بالنفس وبكل متعلقاتها، والحاجة لعلاج القلوب والعقول والنفوس مثل الحاجة إلى علاج الجسد والأعضاء بل أشد، فالمرء بعقله وقلبه ولسانه، لا بجسمه وطيلسانه.
ومن هنا عرف الناس طب الأبدان، وطب النفوس والأرواح، وطب العقول والقلوب والأفكار.
والإسلام رسالة الله تعالى إلى الخلق كافة يدعو إلى الخير والمصلحة والفضيلة، ويحذِّر من الشر والفساد والرذيلة، ويضع لكل منهما الأسسَ والقواعد والموازين؛ إنه دعوة شاملة لتحقيق المصالح كافة في الدنيا والآخرة، فهو طب للعقول والقلوب والأرواح، وطب للأبدان والأجساد، قال تعالى: )ونُنزّلُ مِنَ القُرْآن ما هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمةٌ للمؤمنين((الإسراء82).)وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمةً لِلعَالمين( (الأنبياء 107).
ولما كان رسول اللهr هو المبلِّغُ لهذه الرسالة، فقد كان بكل صدق وأمانة طبيباً لأمراض النفوس والعقول والقلوب، وطبيباً لأمراض الأبدان والأجسام.
ومن هنا يبرز دور الإسلام الشامل في العناية بسلامة الفرد والمجتمع وعلاج الآفات والأمراض التي تصيبهما، أو تهدِّدُ حياتهما النفسية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية، إلى جانب الصحة البدنية، و يمكن أن يُطلق عليه اسم «الطب الإسلامي»، وهو مصطلح جديد برز من خلال الدراسات الحديثة يشمل في عمومه الطب النفسي والفكري والروحي والاجتماعي والبدني، وما عُرِفَ قديماً بالطب النبوي يمكن أن يكون مرادفاً للطب الإسلامي بالنظر إلى حامله ومُبَلِّغه، لكنْ من النظر في الكتب والمصنفات والتراث الفقهي فيما يحمل هذا العنوان «الطب النبوي» يُرى أنه يدل على معنى أخصّ يتميز بما يأتي:
أولاً: أنه يغلب عليه الطب العلاجي للأمراض الواقعة، والطب الوقائي للأمراض المتوقعة.
ثانياً: تشمل مفرداته نوعين من الأدوية، وكلها واردة في الصحيح، وتعالج أمراض البدن والجسد:
أ ـ الأدوية المادية الطبيعية: كالعسل والتمر والحبة السوداء، والحجامة وما إلى ذلك.
ب ـ الأدوية الروحانية: كالرقى والتعاويذ والأذكار والأوراد التي لاينكر دورها المؤمن.
فقد ثبت في الصحيحين أن نفراً من أصحاب رسول اللهr عالج لديغاً، فكان يقرأ الفاتحة ويمسح الموضع، فقام اللديغ كأنما نشط من عِقال، وانطلق يمشي وما به شيء. (البخاري رقم7/170) (مسلم رقم 2201).
ثالثاً: أن الطب النبوي لايستقصي بالبيان والتفصيل كل الحالات المرضية وأسبابها ووسائل علاجها، كما هو شأن الأطباء المتخصصين، لأنهr لم يأت طبيباً لعلاج الأبدان وحسب، وإنما هو هداية ورحمة عامة للنفوس والعقول والقلوب، ولهذا يبدو أثره في هذا المجال، قاصراً على وضع القواعد والأسس والمبادئ العامة، مع ذكر بعض المفردات الدوائية بأنواعها وترك للمتخصصين التفصيل والبيان، فأمرr بالتداوي، ودعا إلى الرجوع إلى الأطباء، ودعا إلى طلب التخصص في شتى العلوم والمعارف، وإلى اكتشاف ما في هذا الكون من منافع وخيرات وخبرات في كل مجال، ومن ذلك قضية الطب والصحة والعلاج.
رابعاً: طب المتخصصين يقوم ـ كما هو معلوم ـ على الانتفاع بتجارب الأوائل، ووسائلهم، ثم على التوسع بالبحث والنظر والتجربة، وإضافة المزيد من وسائل العلاج سعياً وراء الأفضل والأكمل، وهذا بطبيعته يخضع ـ أولاً ـ ومن غير شك للخطأ والصواب، ويخضع ـ ثانياً ـ للتطور والترقي نحو الكمال، أما الطب النبوي فيرتبط بالوحي السماوي الذي لا يُتَصَوُّرُ فيه الخطأ، لأنه صنعة الخالق الذي أحسن كل شيء خلقه، ومن هنا برزت فكرة الإعجاز الطبي في الطب النبوي، وتوسعت الدراسات فيه تبعاً لتوسع البحث العلمي والتطور الحضاري، لهذا لم يمنع الشرع إطلاقاً الانتفاع بالخبرات البشرية والممارسات العملية، فلا تعارض بين الموردين، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها.
خامساً: الغالب في مفردات الطب النبوي أنها في أحد مجالين، إما الأغذية وإما الدلالة على الوسائل والمبادئ والقواعد الصحيحة العامة، ولم يتعرض لأعمال الطب المعقدة كالجراحة وأمثالها إلا في الحدود الضيقة المناسبة للزمن الذي جاء فيه التشريع كالفصد والحجامة والكي، وترك لأهل العلم والاختصاص استخراج المناسب من المعالجات المفيدة، كما لم يمنع من التداوي بالكيماويات والعقاقير التي يقرُّها العلم والتجربة، وتطغى اليوم على وسائل العلاج، مع أن الاتجاهات الحديثة تؤكد صحة المقولة: (الغذاء قبل الدواء) أو (الغذاء لا الدواء).
سادساً: ثبت فيه النهي عن التداوي بالمحرم والدواء الخبيث, فإنه وإن ظهر أثره في إزالة علّةٍ ما آنيّةٍ في الجسد لكنه يعقب سقماً أعظم منها في الجسم والقلب.
سابعاً: اختلطت في مصادر الطب النبوي النصوصُ والأخبارُ الصحيحةُ الثابتةُ بغيرها من الحسن والضعيف بل الموضوع، ومن المتفق عليه جواز العمل بالصحيح والحسن ورفض العمل بالموضوع، وأما الضعيف؛ فإن كان شديد الضعف فيُهْمَلُ كما يُهْمَلُ العمل بالموضوع، وأما خفيف الضعف؛ فيجوز العمل به حين يترتب عليه مصلحة ثابتة مؤيدة بالتجربة وحقائق العلم، من غير أن يترتب عليه ضرر في النفس أو الجسم، تماماً كما أجاز الفقهاء في ميدان الأحكام الشرعية العمل بالضعيف في فضائل الأعمال.
ثامناً: إذا ترتب على استعمال أية مفردة من مفردات الطب النبوي ضرر بيّن فلابد أن يتوقف الاستعمال عملاً بالقاعدة القرآنية {ولا تقتلوا أنفسكم} والقاعدة النبوية «لا ضرر ولا ضرار» وهذا لا يعني التعارض بين الهدي النبوي في هذه المفردة والمصلحة التي تترتب في العادة عليها، وإنما يعني سوء التقدير وعدم التوافق بين المفردة وظروف المتعاطي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مصادر الطب النبوي القديمة
المكتبة الإسلامية وفي تراثنا الحضاري العظيم مصادر هامة منها:
أولاَ ـ أبواب الطب في كتب الحديث: الموطَّأ والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة: الترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه، حدد مواضعها فنسنك في كتابه «مفتاح كنوز السنة» بالتعاون مع العلاّمة الشيخ فؤاد عبد الباقي رحمه الله.
ثانياً ـ مصنفاتٌ تحمل عنوان «الطب النبوي»: للإمام علي الرضا بن موسى الكاظم (ت 203 هـ/818م)، ولعبد الملك بن حبيب الأندلسي (ت238هـ/852م)، ولأبي بكر أحمد بن محمد الدينوري المعروف بابن السني (ت364هـ/974 م)، وللحافظ أبي نعيم الأصبهاني (ت430هـ/1038م)، وللحافظ شمس الدين الذهبي (ت 748 هـ/1347م)، وأشهرها وأجمعها للإمام محمد بن أبي بكر شمس الدين المعروف بابن قيم الجوزية (ت751هـ/1350م)، وهو باب من كتابه الجامع «زاد المعاد في هدي خير العباد».
ثالثاً ـ هناك مصنفات تحمل عنوانات أخرى مثل: «الطب من الكتاب والسنة» للموفق عبد اللطيف البغدادي (ت629هـ/1231م)، و«الشفا في الطب المسند عن المصطفى» لأحمد بن يوسف التيفاشي (ت651هـ/1253م)، و«الأحكام النبوية في الصناعة الطبية» لعلاء الدين الكحَّال علي بن عبد الكريم الحموي (ت720هـ/1320م)، و«المنهج السَّوِي والمنهل الرَّوِيّ في الطب النبوي» للإمام جلال الدين السيوطي (ت911هـ/1505م).
مصادر الطب النبوي الحديثة
بعد التطور الهائل في مجال الطب، ظهرت فوائد طبية جلّى لمفردات الطب النبوي، لم ترد في المصادر القديمة وإنما اكتشفت في بعض الأحاديث النبوية وفي أبواب الفقه وموضوعاته، كالطهارة والنكاح والأطعمة، والآداب تنبه إليها العلماء الأجلاّء والأطباء المسلمون منذ أوائل هذا القرن، وأثبتوا فيها سبق المناهج الإسلامية في ميداني الطب والإعجاز الطبي النبوي.
ومن هؤلاء الرواد:
1ـ حامد الغوابي (ت 1381هـ/1961م) في مقالات عديدة تحت عنوان «بين الطب والإسلام» وفي كتابيه «الطب الحديث يترسم خطى الإسلام» و«الحمل وخلق الإنسان بين الطب والقرآن».
2ـ إبراهيم الراوي (ت 1365هـ/1946م) في مقالاته تحت عنوان «استشارات طبية في ضوء الإسلام» في مجلة حضارة الإسلام الدمشقية.
3ـ محمود ناظم النسيمي (معاصر) الذي قدم دراساته لأكثر من ربع قرن ضمن عشرات المقالات في مجلة حضارة الإسلام، وله كتاب «الطب النبوي والعلم الحديث».
4ـ حسان شمسي باشا الذي صنف الكتب التالية:
«قبسات من الطب النبوي» و«زيت الزيتون بين الطب والقرآن» و«الأسودان التمر والماء» و«النوم والأرق والأحلام بين الطب والقرآن».
5 ـ محمد علي البار صاحب الإنتاج الغزير والمشارك في أعمال المنتديات والمجامع، وقد أغنى المكتبة بالعنوانات الآتية: «الطبيب أدبه وفقهه» و«السّنا والسَّنوت» و«خلق الإنسان بين الطب والقرآن» و«العدوى بين الطب وحديث المصطفى» وغيرها.
6ـ ظافر العطار الذي لايزال يعمل في إنتاج البحوث في فوائد مفردات الطب النبوي، ونشر فيها المقالات العديدة.
7 ـ نزار الدقر الذي أغنى المكتبة بالكتب الممتعة بالطب النبوي، ومنها: «العسل شفاء للناس» و «النحلات صيدلانيات ملهمة» و «روائع الطب الإسلامي» الذي يقع في أربعة أجزاء تناول في الأول «القسم العلاجي»، وفي الثاني «العبادات في الإسلام وأثرها في صحة الفرد والمجتمع»، وفي الثالث «المحرمات في الإسلام وأثرها في صحة الفرد والمجتمع»، وفي الرابع «الآداب الإسلامية وأثرها في صحة الفرد والمجتمع».