صفقة الأسلحة التشيكية
صفقة الأسلحة التشيكية، هي اتفاق أُبرم في 27 سبتمبر 1955، وبلغت قيمتها 250 مليون دولار، وكانت الأسلحة سوڤيتية الصنع تم تمريرها عن طريق تشيكوسلوڤاكيا.[1] كانت الصفقة جزء من برامج المساعدات العسكرية والاقتصادية التي قدمها الاتحاد السوڤيتي وكانت تلك الصفقة بمثابة الحدث الذي جر منطقة الشرق الأوسط بعد ذلك إلي سلسلة من التداعيات التي تركت آثارها علي شكل النظام الدولي وتوازن القوي الذي كان سائداً. وقضت هذه الصفقة على احتكار الغرب للسلاح، وأعطى للعالم الثالث فرصة جديدة للانطلاق بناء الجيوش الوطنية.
وعندما أُثير موضوع تمويل مشروع السد العالي في الكونگرس الأمريكي، أرسلت لجنة الاعتمادات بالمجلس مذكرة في 16 يوليو 1956 برفض تخصيص أموال لمشروع السد العالي، وكان الهدف هو الثأر من مصر بسبب صفقة الأسلحة التشيكية، واعترافها بالصين الشيوعية، ومواجهتها لسياسة الأحلاف العسكرية. وفي 19 يوليو 1956 قررت الولايات المتحدة الأمريكية سحبها لعرض المساهمة في مشروع السد العالي. وبصدور هذا القرار اتجهت مصر نحو الاتحاد السوڤيتي لمساندتها في بناء السد العالي، وبالفعل قام بإرسال الفنيين وسفن الإرشاد بعد سحب المرشدين من قناة السويس نتيجة لقرار مصر بتأميم قناة السويس. وصدر البيان الثلاثي الأمريكي ـ الفرنسي ـ البريطاني بلندن في 2 أغسطس 1956، الذي ندد بعدم شرعية قرار مصر في التأميم، فتحرك الاتحاد السوڤيتي لدعم مصر، وسارع بشحن الأسلحة إليها، وزاد من عدد خبرائه ودبلوماسييه الذين أوفدهم إلى مصر.[2]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خلفية
كانت الدول الغربية تطبق ما عرف آنذاك بالتصريح الثلاثي الصادر عن الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا، والذي كان يقضي بحظر تصدير السلاح إلي دول الشرق الأوسط. إلا أن إسرائيل كان لديها السلاح الذي حصلت عليه من قبل من دول الكتلة الشرقية، وبنت به قواتها المسلحة التي حاربت الدول العربية في حرب 48، كما كانت لها طرقها بعد ذلك في الحصول علي الأسلحة من الدول الغربية بغض النظر عن التصريح الثلاثي.[3]
في باندونگ استطاع عبد الناصر أن يخترق هذا الحصار عندما تحدث مع شواين لاي رئيس وزراء الصين طالبا إليه أن يسعي لدي الاتحاد السوفيتي لتزويد مصر بالسلاح، حيث لم يكن الاتحاد السوفيتي طرفا في التصريح الثلاثي. وكانت تلك هي الخطوة الأولي التي تبلورت بعد ذلك في صفقة الأسلحة التشيكية التي أعلن عنها بعد خمسة شهور. وهي الصفقة التي كانت لها تداعيات سياسية بعيدة الأثر علي مصر وعلي الشرق الأوسط بل وعلي السياسة الدولية وتوازناتها بصفة عامة.
كانت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة في عام 1954 وبين رجال الثورة منذ قيامهم بحركة 23 يوليو علاقات جيدة وواعدة. وخاصة بعد أن أيدت الولايات المتحدة مصر في مفاوضات الجلاء وضغطت علي بريطانيا أثناء المفاوضات المصرية البريطانية من أجل جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية. وكانت الولايات المتحدة تؤمل الكثير من زعماء الثورة وتعتقد أنها من خلالهم سيمكن إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي وإدخال مصر ضمن منظومة الدفاع عن الشرق الأوسط ذي الأهمية الاستراتيجية للغرب، فجاءت صفقة الأسلحة التشيكية وما أعقبها من اعتراف مصر بجمهورية الصين الشعبية التي كانت تحارب النفوذ الغربي في شرق آسيا لتوجه ضربة كبيرة لهذه التوقعات، وبدأت الأحداث تتتابع وتتداعي في مسلسل الصدام بين مصر والغرب، وكان هذا الصدام أساسا مع إنجلترا بسبب دعوتها لإنشاء حلف بغداد ومع فرنسا بسبب دعم مصر لثورة الجزائر التي قامت في أول نوفمبر 1954، ثم جاءت صفقة الأسلحة التشيكية في عام 1955 بعد باندونج لتفتح باب الصراع مع الولايات المتحدة.
في هذا الوقت أيضا كانت إسرائيل بدورها تسعي لإفساد العلاقات المصرية الأمريكية التاريخية.. ظهر ذلك عندما ثبت أن رئيس وزراء إسرائيل آنذاك دافيد بن جوريون قد كلف وزير دفاعه اسحق لافون بإرسال مجموعات تخريبية إلي مصر لتقوم بعمليات إرهابية في مصر بما في ذلك المنشآت الأمريكية والبريطانية بما في ذلك مكتبة السفارة الأمريكية ودور السينما التي تعرض أفلاما أجنبية وكان الهدف من هذه العمليات هو إفساد أجواء العلاقات بين الغرب وخاصة الولايات المتحدة وبين مصر واثبات أن النظام الجديد عاجز عن حماية الأجانب. ولقد أكد ذلك هدف إسرائيل الذي اتبعته منذ البداية وهو محاربة أية فرصة للتقارب بين مصر والولايات المتحدة. بل لعل بن جوريون قد هدف من عدوانه علي غزة أن يدفع عبد الناصر للبحث عن السلاح من المعسكر الشرقي وبالتالي يزج به في طريق الصدام مع الولايات المتحدة، وهو ما حدث بالفعل... وتبقي سياسة إفساد العلاقات المصرية الأمريكية هدفا ثابتا للدبلوماسية الإسرائيلية.
تلازمت صفقة الأسلحة التشيكية مع حملة مصر ضد حلف بغداد. ثم جاء اعتراف مصر بعد ذلك بالصين الشعبية وتبادل التمثيل الدبلوماسي بعدها. وكانت الصين آنذاك هي ذلك التنين الأصفر الذي حارب الولايات المتحدة في كوريا بعد نجاحه في القضاء علي نظام تشان كاي تشيك في الصين. ثم ساعدت بعد ذلك حركة التحرر الوطني الفيتنامية التي هزمت فرنسا عام 1954 في معركة ديان بيان فو التاريخية. وبالتالي تصور دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة أن الشيوعية بدأت تزحف بثقلها علي منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستراتيجية الحيوية للغرب وكان دالاس يعتبر أن الحياد في الصراع بين «العالم الحر» وبين معسكر «الستار الحديدي» هو عمل غير مقبول بل عمل غير أخلاقي، فقرر أن يدخل في مواجهة مع هذا النظام الثوري الذي قام علي ضفتي النيل والذي جرؤ علي تحدي الغرب وعقد صفقة السلاح مع الكتلة الشرقية والاعتراف بالصين الشيوعية.
سحب تمويل السد العالي
كان قرار دالاس هو سحب عرض تمويل مشروع السد العالي في يونيو 1956 وهو المشروع الذي كان عبد الناصر يعلق عليه آمالا كبيرة في تنمية مصر. وقد جاء هذا القرار بمثابة صفعة علي وجه النظام الثوري الجديد. مما دفع عبد الناصر للرد بتوجيه ضربة مقابلة تمثلت في تأميم قناة السويس في يوليو 56. وكان هذا التأميم هو الذي أثار ثائرة الإمبراطوريتين الاستعماريتين المتداعيتين فرنسا وإنجلترا صاحبتي أكبر قدر من الأسهم في شركة قناة السويس. فكان تحالفهما مع إسرائيل فيما عرف بالعدوان الثلاثي في 29 أكتوبر 1956 ثم فشل هذا العدوان والذي عارضته الولايات المتحدة بفضل الرئيس أيزنهاور والاتحاد السوفيتي حتي أجبرت فرنسا وإنجلترا وإسرائيل علي الانسحاب. وكانت تلك من الناحية العملية لحظة انتهاء الحقبة الاستعمارية في العالم.
مؤتمر باندونگ وصفقة السلاح التشيكية
- مقالة مفصلة: مؤتمر باندونگ
في تلك الأثناء بادرت مجموعة كولومبو المتكونة أساساً من الهند وپاكستان وإندونيسيا بعقد مؤتمر باندونگ في 17-24 أبريل 1955 قريباً من العاصمة الإندونيسية جاكرتا.
اجتمع ثلاثون بلداً من إفريقيا وآسيا وانتهى المؤتمر إلى التأسيس إلى أخلاقيات جديدة في العلاقات الدولية، تقوم على مبدأ الحياد والانعتاق من حلقة الصراع الكبرى، لكن قبيل المؤتمر يطلب عبد الناصر من رئيس الوزراء الصيني التوسط لدى الاتحاد السوفيتي لعقد صفقة أسلحة، وفي السابع والعشرين من سبتمبر/أيلول، عام ألف وتسعمائة وخمسة وخمسين، يعلن عبد الناصر عزمه تسلم أسلحة تشيكية.
وكان السبب في حرص مصر على الحصول على السلاح هو الغارة الإسرائيلية على غزة في 28 فبراير 1955، وقتل عدد من الجنود المصريين، فده أشعر قيادة الثورة، وأشعر جمال عبد الناصر بأن دي ضربة صعبة لا تستطيع الثورة أن تتحملها، وهي قد وضعت ضمن شعارها، أو أهدافها الستة، تكوين جيش وطني.
لذلك حرصت مصر على محاولة الحصول على الأسلحة من الولايات المتحدة، حيث كانت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة علاقات طيبة، ولكن لم تستجب الولايات المتحدة ولا بريطانيا لطلب مصر، وعلى الجانب السوڤيتي حدثت بعض الاتصالات، ونجحت الاتصال الذي تم في باندونگ بعد لقاء شوين لاي مع جمال عبد الناصر وصلاح سالم، ويعني شرحهم للوضع في مصر بعد هذه الغارة الإسرائيلية، والدور الذي لعبه شوين لاي في إقناع الاتحاد السوڤيتي بأنه يقدم صفقة أسلحة لمصر، والتي تقدمت على أنها تشيكية، لعدة أسباب.
أولاً: لأن تشيكوسلوڤاكيا سبق أن سلحت إسرائيل عند بداية تأسيسها.
ثانياً: حتى لا تكون صفقة مباشرة مع الاتحاد السوڤيتي.
ثالثاً: في ذلك الوقت كانت الحرب الباردة على وشك الوقوع، وكانت الولايات المتحدة تعتبر دخول الاتحاد السوڤيتي لمنطقة الشرق الأوسط من أكبر الأخطار التي قد تهدد أمنها القومي، ولذلك فضل السوڤيت أن تكون صفقة تشيكية، ولكنها كانت في واقع الأمر أسلحة سوڤيتية الصنع.
تفاصيل الصفقة
القوات الجوية
- 138 طائرة ميگ-15، حصلت عليها مصر طوال الخمسينات.
- 80 طائرة قاذفة يوشن-28، واستخدمت في حروب 1956، 1967، و1973
- حوالي 70 طائرة نقل يوشن-14.
- 10 طائرات نقل أنتينوڤ-2.
- 30 طائرة ياك-18: هيل مي-1، هيل مي-2.
وعام 1956 حصلت مصر على:
- 215 طائرة ميگ-17.
- أكثر من 30 طائرة أنتينوڤ-12.
- 40 طائرة ياك-11.
- أكثر من 6 طائرات زيلن-226 التشيكية.
القوات البرية
- بدأت مصر في استلام 150 دبابة تي-34 فيما بعد صنعت مصر محرك تلك الدبابة في مصر.
- 60 دبابة جوزيف ستالين إس2.
- مدفعية ميدان
- مدفعية هاوتزر
- مدفعية مضادة للدبابات
- هاونات متعددة الأعيرة
القوات البحرية
بدأت مصر لأول مرة في استلام غواصات ويسكي والمدمرات سكوري. وتوالى دخول العديد من أنظمه التسلح من لنشات صواريخ ولنشات طوربيد ولنشات مدفعية، وفرقاطات مسلحة بالصواريخ وقراويط وكاسحات ألغام وسفن إنزال، وغواصات روميو.
الإعلان عن الصفقة
أبرزت الصفحة الأولي من جريدة الأهرام المصرية الصادر في 1 أكتوبر 1955 خبر الاعلان عن صفقة الأسلحة التشيكية وتداعيات ذلك الاعلان علي منطقة الشرق الأوسط كلها. والملاحظ أن الرئيس عبد الناصر قد اختار إحدي محطات الإذاعة الأمريكية لهذا الإعلان، وقال أنه لتراجع الولايات المتحدة عن وعودها بتسليح الجيش المصري ولعدوان إسرائيل علي القوات المصرية في غزة. وقد امتلأت الصفحة الاولي بالأخبار التي لها علاقة بالصفقة.
فهناك خبر عن سفن روسية محملة بالأسلحة تغادر ميناء أوديسا في طريقها إلي مصر وتهديد من الولايات المتحدة بأن مثل هذه الصفقة ستؤدي إلي احتدام سباق التسلح في الشرق الأوسط.
وهناك خبر آخر عن تحذير بريطاني وجهته إنجلترا إلي روسيا بعدم التدخل في شئون الشرق الأوسط. وخبر ثالث عن مقابلات دبلوماسية مهمة لعبد الناصر مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي ومع السفير الأمريكي في العاصمة المصرية والسفير السوفيتي. فضلا عن مجموعة من الأخبار في الصفحات الداخلية تقول عناوينها( تأييد الشعب للرئيس في موقفه التاريخي)( الصحف العربية تؤيد الرئيس تأييدا مطلقا)( قلق الغرب لحصول مصر علي أسلحة روسية.[4]
الهامش
- ^ "الميزان العسكري العربي الإسرائيلي عام 67". الجزيرة نت. 2007-06-07. Retrieved 2012-09-04.
- ^ "الاتحاد السوفيتي وعلاقات بأطراف الصراع". موسوعة مقاتل من الصحراء. Retrieved 2012-09-09.
- ^ "باندونج .. في مشوار العمر مع الدبلوماسية المصرية". مجلة وجهات نظر. 2005-06-01. Retrieved 2012-09-08.
- ^ "أخطر صفقة سلاح في تاريخ مصر - عبد الناصر يعلن نبأ صفقة الأسلحة التشيكية من محطة إذاعة أمريكية - تهـديد أمريكي: الصفـقـة ســتؤدي إلي اندلاع سـباق تسلح في المنطقـة". صحيفة الأهرام. 2002-07-15.