سجلماسة: تاريخ وتراث إنساني
يعتبر موقع سجلماسة الأثري من أهم المآثر التاريخية في المملكة المغربية ، والتي تحتاج إلى تضافر الجهود ومساهمة كل المتدخلين لاستخراج باقي أطوار حضارة المغرب في تلك الربوع. والتي بلا شك كانت مركزا حضاريا جذّابا احتضن ثقافات وأعراق وديانات مختلفة لمراحل مهمة من تاريخ المغرب. حيث ساهم كل واحد منها في إقامة تلك الحضارة وتلميعها. وهذا ما استرعى اهتمام المؤرخين والجغرافيين للحديث عن التفاعل في تلك الديار التي بحق كانت نقطة التقاء وأداة ربط بين المغرب وعمقه الإفريقي من خلال التبادل التجاري والثقافي الذي نشط آنذاك، والذي جعل من سجلماسة مدينة معروفة بثرائها والتي استقطبت رؤوس الأموال والتجار من كل حدب وصوب للاستثمار فيها.فسجلماسة انتهت زمانيا لكن في المكان بقايا، تحتاج إلى تنقيب واستجلاء لاكتشاف كيف كانت تتفاعل الساكنة مع محيطها لقرون في تلك الأرض. لتكون شاهدة على ما خلّفه السلف ليكون إرثا للخلف. بقايا من أسوار تحتاج إلى ترميم بآليات العصر، لتكون مزارة أخرى تستقطب السياح من كلّ مكان، وتعيد الحياة لهذه الربوع ماديا ومعنويا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أولا: سجلماسة ثاني مدينة إسلامية في الغرب الإسلامي
تاريخ سجلماسة:
جل المصادر التاريخية أومأت إلى أن سجلماسة هي المدينة الثانية الإسلامية التي تم بناؤها في الغرب الإسلامي بعد مدينة القيروان، وهي مدينة تاريخية كانت تقع في الجنوب الشرقي للمملكة المغربية والتي تطلّ على واد زيز وغريس وتودغة، بالقرب من مدينة الريصاني حاليا والتابعة إداريا لإقليم الرشيدية كمكون من جهة درعة تافيلالت. وقداختطّها بنو مدرار الخوارج الصفرية في أواسط القرن الثاني للهجرة/ الثامن الميلادي، وبالضبط في سنة 140 ه/ 757 م.
واعتبرت عاصمة أوّل إمارة مستقلة عن الخلافة بالمشرق، وتسمّيها الساكنة بالمدينة العامرة أو المدينة الكبيرة. والنفوذ الجغرافي لسجلماسة كان يتّسع ويتقلّص تبعا للظروف السياسية التي عرفها المغرب في تلك الفترة؛ ففي فترة حكم المدراريين اتسع نفوذها حتى مناطق درعة. ووصلت إلى مناطق قريبة من فاس في فترة حكم المغراويين، لتغدو تابعة للدول التي تعاقبت على حكم المغرب كالمرابطين والموحدين والمرينبين.
وقد أطلعتنا كتب التاريخ أنّ سجلماسة شكّلت منارة عريقة في التاريخ المغربي قبل مدينة فاس بنحو أربعين سنة أو تزيد، ففي فترة الفتوحات الإسلامية اعتبرت من أثرى المناطق في المغرب وذلك للأرباح التي كانت تجنيها من التجارة مع السودان وغانة. [1] و وبعد انهيار دولة بني مدرار استحوذ عليها الشيعة الفاطميون (ملوك القيروان)، بالنّظر إلى موقعها المتميّز الذي شكّل ممرّا مهمّا للقوافل التجارية التي تربط المغرب ببلاد السودان. لكن مع وصول المرابطين إلى الحكم عادت إلى سلطة الحكم المغربي، واستمر الوضع كذلك في عهد الموحدين والمرينيين، إلى أن تم تخريبها في فترة حكم السعديين. حيث تفرّق سكانها في محيطها إذ استقروا في القصور المجاورة، ومن أهم القصور التي استقطبت سكان سجلماسة؛ تَنجيويت، تبوعصامت، المأمون . [2] لكن ذلك لم يمنع من تأسيس مدينة جديدة أطلق عليها "تافيلالت"؛ والتي كانت قائمة في ق10هـ/16م والتي شكّلت منطلق الدولة العلوية الشريفة.
ومازالت بعضا من أطلال سجلماسة ماثلة للعيان شاهدة على تاريخ مضى، حيث تعايشت ساكنة جمعت بين أجناس متعددة: إذ ضمّت الأمازيغ والعرب والأندلسيون والأفارقة واليهود والحرّاثون. ماض مازال حيّا فينا يدغدغ مخيالنا الجماعي ويثير فضولنا لاكتشاف كلّ خباياه وفكّ أسراره التي مازالت تبحث عمّن يظهر كلّ شموسها. لكن ما جادت به دواخل المصادر التي عنت بتاريخ المنطقة كفيلة بالخروج بمعطيات ولو قليلة عن صنيع الأسلاف ومجدهم. وقد أفادت مجموعة من المظان التي عبرت الزمن إلينا بمميزات هذه المدينة وخصائصها التي انفردت بها إن اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو دينيا.
شبكة مهمة من المسالك التجارية:
فالتواصل بين سجلماسة وغيرها من المناطق سواء في الداخل أو الخارج قد تم عبر شبكة من الطرق والمسالك التجارية. ففيما يتعلق بالتبادل التجاري بين سجلماسة والسودان فثمة ثلاث شبكات طرقية:
- الطريق الساحلي الرابط بين سجلماسة وممالح أوليل عبر نول لمطة.
- طريق وادي درعة غانة عبر وادي تركا.
- والطريق الذي يربط بين سجلماسة وغانة عبر تامدلت وأودغست.
إضافة إلى المسالك الطرقية بين سجلماسة ومجموعة من المناطق المغربية؛ الشمال والشمال الشرقي والجنوب الغربي. فالمحور الشمالي ربطها بالبحر الأبيض المتوسط عبر فاس وسبتة. والثاني الشمال الشرقي ربطها بتاهرت والقيروان وتلمسان. بينما المحور الجنوبي الغربي فقد سهّل التواصل بينها وبين مدينة أغمات ومراكش وتامدلت ومنها إلى بلاد السودان.[3]
نشاط زراعي متنوع:
بالعودة إلى المصادر التي عنت بالتأريخ لسجلماسة وإقليمها، يلاحظ أنها لم تعان من نقص في المياه الجارية أو الجوفية في العصر الوسيط. وهذا ما ساعد المزارعين على مزاولة نشاط زراعي مهم في جانب الواحات. وللحفاظ على مخزون المياه لاستعماله عند الحاجة؛ استعانوا بتقنية إقامة السدود الحجرية وشق السواقي لمد المناطق البعيدة والمرتفعة بالمياه. كما نجد الخطارة كتقنية من تقنيات السقي ؛ وهي عبارة عن قناة باطنية تستعمل لجلب المياه من منطقة مائية إلى أخرى يقل أو يندر فيها الماء. ويتم ربط القناة بواسطة آبار تتباعد فيما بينها؛ يتم استعمالها لحفر القناة وتنقيتها من الشوائب التي تطالها كالحصى وبقايا النباتات.
إضافة إلى ذلك تم حفر الآبار لاستخراج مياهها الجوفية. دون أن نغفل دور واد زيز باعتباره أهم مصدر مائي والذي كان "يزيد في الصيف كزيادة النيل ويزرع بمائه حسبما يزرع فلاحو مصر، ولزراعته إصابة كبيرة معلومة". [4]كما أنّ التنظيم المحكم لقنوات الري قد أمدّت الحقول والبساتين بالمياه الكافية لإقامة نشاط زراعي مهم ومتنوع من قبيل الحبوب والقطن والتّاكّوت والنيلة وبساتين النخل والعنب وحقول الخضر. كما نشط إنتاج بعض التوابل كالكمون والكروياء والحناء. إضافة إلى كثرة النخيل وما تنتجه من تمور متعددة الأنواع نجدالأعناب وجميع الفواكه.
نشاط صناعي متميّز:
اشتهرت سجلماسة بالعديد من الصناعات، من أهمها صناعة المنسوجات وخاصة الصوف والتي لعبت النساء دورا متميّزا في صياغته حيث كان" يعمل منه كل عجيب حسن بديع من الأزر التي تفوق القصب". [5]
كما نجد صناعة الفخار التي نشطت خارج أسوار المدينة والذي كان يصدّر إلى بلاد السودان، إضافة إلى صناعة القناديل الطينية الزيتية ذات الطلاء الأخضر. ونشطت صناعة الخشب، وكذا صناعة الحديد والذي اشتهر به أمراء بني مدرار، حيث عمدوا إلى صناعة الأدوات الحربية. كما نمت صناعة صكّ العملة التي كانت تصاغ من الذهب نظرا لوفرته، إضافة إلى صناعة الحلي. [6]وهذه الأنشطة الصناعية كافية لتجعل من سجلماسة مدينة ذات جاذبية مع محيطها ، حيث وفّر كل ذلك دخلا مهما لخزينتها ووفّر كذلك مناصب شغل متنوعة لساكنتها.
تجارة مندمجة وجذّابة:
فقد اعتبرت سجلماسة بحقّ مركزا تجاريا جذّابا استقطب مجموعة من التجار من مناطق متعدّدة، إذ ربطت الشمال بالجنوب وانتهاء بأسواق السودان وغينيا الكبرى (ساحل خليج غينيا)، فقد شكّلت باب معدن "التّبر"، ومركزا مهما يتحكّم في مرور البضائع والسلع عبر المحور الذي يربط المغرب ببلاد الأندلس وإفريقية والمشرق.
ونظرا لموقع المدينة ومكانتها كمركز حضري مهم، فقد استقطبت التجّار من مختلف البلدان المجاورة، بل ذاع صيتها إلى بلاد المشرق العربي، ممّا حفّز أصحاب المال على الاستثمار والاتجار في مجموعة من المواد المختلفة، فنشطت حركة الأسواق الداخلية. كلّ ذلك أمدّ سوق ابن عقلة بمنتوجات كثيرة نشّطت حركيته وجعلته من أشهر الأسواق آنذاك بالمنطقة. كما أن المدینة كانت عامرة بالأسواق وهذا ما تحدّث عنه أبي الفداء "بأن مدینة سجلماسة لدیها أسواق جلیلة ". [7] ویصف إبن الوردي هذه الأسواق بقوله" أنه یسیر السائر في أسواقها نصف یوم فلا یقطعها." [8] وهذا كفيل للإقرار باتساع حجم المدينة وتوسع نشاطها التجاري.
وتزايدت كذلك حركية التجارة الخارجية، وازدهرت عملية البيع والشراء وبناء الوكالات لخدمة التجار الأجانب. وقد وفّرت تجارة الذهب مع السودان دخلا وافرا أدخل مجموعة من التجار نادي الغنى الفاحش.
وقد شكّلت القوافل التجارية وسيلة آمنة للتصدير والاستيراد؛ وهي قافلة يترأسها قائد خبير بخبايا الطرق وأسرارها. حيث يستعين بأشخاص على دراية باللغات عربية كانت أو إفريقية، كما يكون ملمّا بأسرار النجوم والفلك كسند لهم لتجاوز إكراهات الطريق وخطورتها. إضافة إلى العشرات من الخَدم المسلّحين لحماية القافلة والتجّار والعلماء والفقهاء من أي مكروه. [9]
وعليه، فقد ضمّت صادرات سجلماسة المواد الغذائية من قمح وتمر وعنب وملح…، ثم المواد المصنعة من نسيج وحلي وفخار وجلد ونحاس وزجاج ومواد خشبية، وكذلك مواد التجميل والتوابل من حناء وكحول وكمون وقرنفل. [10]أمّا الواردات فهي متنوعة وتتحدّد أساساً في الصوف والنحاس والخرز، و التبر والخدم من عبید اللملم بحسب إفادة الإدريسي. [11]أما ابن الخطیب فذكر أنّ سلع السودان إلى سجلماسة هي الجلد والعاج والجوز والتبر. [14] وللإشارة فتبادل السلع بين سجلماسة وبلاد السودان كان يعتمد على المقايضة بین الذهب والملح .
مركز عمراني متحضّر:
ابن بطوطة اعتبر سجلماسة من أحسن المدن التي زارها في رحلاته الكثيرة. [12]هذا دليل واضح على ما تمتعت به المدينة من هندسة جميلة في تشييد بناياتها وتنظيم لمجالها الحضري. وقد وصفها الرحالة الجغرافي المقدسي (ت نحو 380 ه/990 م) بكونها " طولانية عليها سور من طين نحو القبلة .[13]" كما أنّ" سورها الخارجي أسفله مبني بالحجارة وأعلاه بالطوب، بناه أليسع أبو منصور بن أبي القاسم من ماله[...] ولها اثنا عشر بابا ثمانية من حديد." [14] وتواجدت فيها عدّة شوارع كبيرة وأزقة عديدة؛ كانت تضم مباني جميلة تشبه مباني مدينة الكوفة، في أبوابها الرفيعة والعالية. [15] وبالإرتكان إلى صور القمر الإصطناعي تبيّن أنّ خرابها يمتد على مساحة 3 كلم طولا، وما بين 500 و1000 م عرضا. بحسب ما استنتجه تيراس بناء على دراسة الصور الجوية.
أمّا العمارة فنجد منها المساجد كمشعل ديني، حيث عرفت تشييد مجموعة من المساجد أهمها المسجد الكبير في وسط المدينة قرب دار الإمارة، [16] وغالبا لم يتجاوز الطابع الذي كان سائدا آنذاك؛ حيث كانت المساجد متقنة البناء تتوزع على صحن داخلي واسع وحراب، وفي وسطها سقيفة وتعلو جدران أروقتها فسيفساء، كما تتوفّر على مئذنة مربّعة ودار للوضوء إلى جانب بيوت لإيواء الطلبة.
كما نجد دار الإمارة، وهي من أهم المرافق الحيوية في مدو ن الغرب الإسلامي والتي لم تخرج في هندستها عن النسق الهندسي العام السائد آنذاك. حيث كانت تشتمل في عمومها على فناء مربع ذي أرضية مبلّطة تربطها شرقا وغربا أقواسا تؤدّي إلى غرف مجاورة، حيث تعلو الجدران قطعا من الجبس المصبوغ ومن الخشب المزين برسومات جميلة، وهذا ما يظهر من خلال ما تم اكتشافه من بقايا بعد عملية التنقيب التي قامت بها البعثة المغربية الأمريكية بين الفترة الزمنية ( 1994/ 1996). و بالعودة إلى بقايا الهدم في مدينة سجلماسة، يلاحظ أن المواد المستعملة في البناء هي الآجر والطوب والحجر والخشب. [17]
وذكر البكري أنها كانت تتوفر على حمامات إلا أنها "رديئة البناء غير محكمة العمل". [18]وتوفرت سجلماسة أيضا على مجموعة من البساتين كانت متنفسا للساكنة للاستجمام والنزهة. إضافة إلى تواجد مجموعة من النافورات والناعورات والجسور؛ وهذا ما أظهرته الحفريات الأثرية للبعثة المغربية الإيطالية في سنتي 1971-1972 .
والدينامية الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها سجلماسة، لم تمنع من تطور الحركة الثقافية بدورها، فقد كانت منارة لرجال العلم والأدب، ومضمارا للنقاش والتفاعل في مجموعة من القضايا المذهبية والفكرية، حيث انخرط في هذه الدينامية كلّ الأطياف المذهبية الخارجية والسنيّة والشيعية والصوفية. وساهموا أيضا في نشر تعاليم الإسلام بين الدول الإفريقية التي كانت تجمعهم معها المبادلات التجارية. وقد شكّل المسجد آنذاك مركزا مهما للتلقين في أمور الدين والدنيا.
فقد استطاعت سجلماسة بفضل موقعها الاستراتيجي وحنكة ساكنتها في التجارة والبحث عن الذّهب الإفريقي، أن تتحول إلى قوة اقتصادية وسياسية في المنطقة لعقود من الزمان، لكن تحوّل مسار التجارة نحو المحيط الأطلسي وظهور مراكز حضرية أخرى نافست سجلماسة، وكذا التوتّرات السياسية التي عرفها المغرب والمنطقة؛ كل ذلك عجّل من خفوت وهجهها وانهيارها ، خصوصا بعد أن تم تخريبها في فترة حكم السعديين وتفرق ساكنتها في القصور المجاورة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثانيا: سجلماسة تراث وطني وقطب سياحي
موقع سجلماسة ضمن لائحة التراث الوطني:
كان قرار وزارة الثقافة المغربية [19] "تسجيل موقع سجلماسة ضمن لائحة التراث الوطني" بتاريخ 23 نونبر 2017. بداية جديدة لإحياء عبق تاريخ المدينة وإدراجه ضمن سلسلة إحياء وتثمين التراث المادي واللامادي. وهذا لن يتم إلا باتخاذ إجراءات حمائية وتفعيل تدابير عملية تهدف إلى تدعيمه وحمايته واستثماره في التنمية الاقتصادية المحلية. حيث وضعت الوزارة كأولوية لها، حماية الموقع من الخروقات التي مسّته، بصياغة تصميم خاص بالموقع يسهّل عملية تسييره وتدبيره. كما ستعمل على إنشاء محافظة خاصة بالموقع من أجل مراقبة وتتبع مختلف الأشغال المتعلقة بتسييجه وتحسين مسالك الزيارة داخله.
وللارتقاء بالسياحة الثقافية للموقع ستسعى الوزارة لإحداث مركز للتعريف بتراث وآثار هذا الموضع الأثري ، كما ستقوم بإطلاق برنامج للبحث الأثري يهدف إلى تمكين الطلبة و الأساتذة الباحثين من الاستفادة من أعمال البحث والتنقيب والنشر حول الموقع والتعريف بقيمته الأثرية والمعمارية الاستثنائية بالنسبة إلى الذاكرة التاريخية الوطنية.
بعثات استكشافية ودراسات أركيولوجية:
ساهمت مجموعة من البعثات الاستكشافية والدراسات الأركيولوجية في نفض الغبار عن مخلفات سجلماسة والتي عكست طبيعة الحياة داخل هذا الربوع وتطورها. وتتضمن تلك المخلفات بقايا المباني والقطع الفنية، والأدوات والمعدات والفخار وحتى العظام. ومن هذه البعثات نجد: [20]
البعثة الإيطالية: حيث نظمت مؤسسة The Ludwig Keimer تحت إشراف Boris de Rachewiltz بعثتين إلى سجلماسة ؛ الأولى أثرية وامتدت من 19 ماي إلى 3 يوليو1971 . والثانية إثنولوجية من 28 مارس إلى 7 مايو1972. وبعد الحفريات التي تم القيام بها؛ تم اكتشاف قنوات للري، بقايا أسوار، نافورة، مستحثات نباتية، عظام بشرية، لقى زجاجية وخزفية وبعض المجوهرات.
البعثة المغربية: وهي البعثة التي ترأسّها المفتش المعماري بمكناس محمد بنشمسي سنة 1974. حيث قام بحفريات قرب المسجد؛ إذ توصل إلى الربط بين أسوار المسجد المبنية من الطين بالحقبة العلوية (القرن 17م).
أبحاث مركز الدراسات والبحوث العلوية بين سنتي 1991 و1992: تحت إشراف مديره آنذاك لحسن تاوشيخت، والذي اهتم بالكشف والتنقيب عن السور الغربي للمدينة وعن مصانع الفخار السجلماسي.
البعثة المغربية الأمريكية: وقد ترأس هذه البعثة الباحث الأمريكي A. Messier Ronald في يونيو1988 ، والذي قام بتوقيع اتفاقية تعاون وشراكة بين المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث وجامعة ولاية ميدل تينيسي الأمريكية. وإلى حدود 1997 قامت البعثة بخمسة مواسم حددت أعمال الأولى منها في رسم خريطة مدققة للجزء الأساسي أوللمجال المركزي للمدينة الوسيطية "سجلماسة".
مشروع "تأهيل موقع سجلماسة الأثري":
في 12يوليوز 2021 ترأس عثمان الفردوس، وزير الثقافة بمقر المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط، مراسيم تقديم مشروع "برنامح تأهيل موقع سجلماسة الأثري". وذلك بحضور مجموعة من ممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدة بالمغرب وبعض سامي الشخصيات الوطنية والدولية. والغاية من عقد هذا اللقاء هو تحفيز المشاركين في هذا اللقاء دوليا ووطنيا على الانخراط والمساهمة في هذا المشروع الذي يعنى بتعزيز البحث الأثري والحفاظ على الموروث الثقافي وتثمينه. كما يهدف إلى تثمين نتائج الأبحاث التي سيتم إجراؤها من خلال التعاون بين الأساتذة الباحثين المغاربة وجامعات أجنبية. وكذا الإشادة بالمجهودات المبذولة سواء على المستوى العلمي أو الأركيولوجي، وكذا تأهيل موقع سجلماسة وصيانته من أجل منحه المكانة التي يستحقها.
إجراءات استعجالية:
قامت وزارة الثقافة المغربية [21]باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية تتمثل في جرد مكونات هذا الموقع الأثري وتوثيق ما يزخر به من خصائص معمارية؛ وذلك ببرمجة دراسات ميدانية يشرف عليها فريق عمل متخصص في المجال الأركيولوجي، لتوفير قاعدة بيانات توثيقية متكاملة توضع رهن إشارة الباحثين وعموم المهتمين.
كما يتوخى القطاع إنجاز بعض العمليات الأركيولوجية والوقائية التي من شأنها حماية هذا الموقع؛ وذلك بتخصيص مبالغ مالية قصد تسييجه وحمايته بغية المحافظة عليه والحيلولة دون استمرار التدمير الذي يطاله. إضافة إلى ذلك قامت الوزارة بإجراءات استثمارية عاجلة تتمثل في رصد غلاف مالي قدّر بـ 1 مليون درهم؛ لإصلاح بناية متواجدة بالموقع من أجل استغلالها كفضاء للآثاريين أطلق عليها "دار الباحث" والتي ستستقبل الطلبة الباحثين في مجال علوم الآثار والتراث؛ المغاربة منهم والأجانب، حيث تتم دراسة اللقى الأثرية المستخرجة وتخزينها.
وفي إطار المشاريع المستقبلية، تعتزم وزارة الثقافة بالتعاون مع مجلس جماعة مولاي علي الشريف بالريصاني، إنجاز محافظة للموقع ومركزا للتعريف به؛ وذلك حتى يتم فتحه في وجه الزوار وإدراجه في المسالك السياحية بالمنطقة، تماشيا مع استراتيجية اشتغال الوزارة القائمة على أسس تنمية ثقافية مستدامة.
فموقع سجلماسة من أهم المآثر التاريخية التي نزخر بها المملكة المغربية ، والتي تحتاج إلى اعتماد مقاربة جديدة بغية تأهيل الموقع ليكون ضمن التراث المادي الذي يستقطب الزوار من داخل المغرب وخارجه للإطلاع على تاريخ المدينة وجغرافيتها . وبالتالي استخراج باقي أسرارها وهي أسرار ستتسع مع كثرة الأبحاث التي ستتم في تلك الربوع .
فما تبقى من الأطلال شاهدعلى ما كان فيها من تفاعل بين الساكنة التي تعايشت لعدة قرون. ويبقى الدور على الجهات المسؤولة لإحياء مواتها بترميمها وتهيئتها من جديد مع المحافظة على هندسة البناء القديم. وكل ذلك سيفتح الطريق أمام تنمية السياحة التاريخية والثقافية في تلك المنطقة التي تشكّل بحق مدارا سياحيا يغري بالمشاهدة والزيارة؛ والذي يضم إلى جانب سجلماسة قصر الفيضة وتبوعصامت وأولاد عبد الحليم ....الخ. ويساهم كل ذلك في تنمية الذاكرة الجماعية للمغاربة وما خلّفوه من حضارة غنيّة. و كذا تنوير العقل البشري برمّته بأن سجلماسة كانت وستبقى حاضرة على مر التاريخ.
المصادر والمراجع المعتمدة:
- ^ الحسن الوزان: وصف إفريقيا، ترجمة محمدحجي، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، دار الغرب الإسلامي. ص: 120 وما بعدها
- ^ نفسه.
- ^ حسن حافظي علوي: سجلماسة وإقليمها في ق 8ه. منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة فضالة، ط َ1، 1997 م، ص: 349 وما بعدها.
- ^ الإدريسي الشريف: وصف إفريقيا الشمالية والصحراوية، الجزائر ، 1957 م. ص: 37
- ^ محمود القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت، 1969 . ص:42
- ^ [1]
- ^ أبو الفدا المختصر في أخبار البشر، المطبعة الحسنية المصرية، د ت. ص:165
- ^ ابن الوردي: خريدة العجائب وفريدة الغرائب، تحقيق أنور زناتي، القاهرة، مكتبة الثقافة الإسلامية، ط 1 ، 2008 م - 1428 ه . ص: 53
- ^ سجلماسة وإقليمها، ص: 376 وما بعدها
- ^ البكري: المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، دار الكتاب الإسلامي ، القاهرة. د ط، د ت. ص:159
- ^ الشريف الإدريسي: صفة المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس، 1969 م, ص: 5
- ^ ابن بطوطة اللواتي: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، بيروت ، 1975 م، ص: 773
- ^ المقدسي البشاري: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم. القاهرة، مكتبة مدبولي، ط 3 ، 1991 م - 1411 ه . ص: 231
- ^ البكري الأندلسي: المسالك والممالك، ص: 835 - 836
- ^ ابن حوقل النصيبي: صورة الأرض، دار مكتبة الحياة، بيروت ، د ت . ص: 90
- ^ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم . ص: 231
- ^ سجلماسة وإقليمها، ص: 112
- ^ المسالك والممالك، ص: 148
- ^ [2]
- ^ [3]
- ^ [4]