زرارة
تنتمي أسرة زُرارة إلى بني دارِم، وهم حي من أحياء قبيلة تميم المعروفة في الجاهلية والإسلام، وهي قبيلة كثيرة العدد، مرهوبة الجانب، كانت تقطن شرقيَّ الجزيرة العربية بأرض نجد، وتمتد منازلها إلى أطراف هَجَر واليمامة وعُمان والبحرين والأحساء، وانساح معظمها بعد ظهور الإسلام في العراق والجزيرة وفارس وخراسان.
عرف التميميون بالشجاعة والنجدة والمهارة في فنون القتال والفروسية، كما عرفوا بالفصاحة واللسن ؛ فظهر منهم الشعراء والخطباء.
وعلى الرغم من أن بني تميم كان منهم من يعبد الأوثان، ومنهم على دين النصرانية، فإن أسـرة زُرارة كانت على الغالب تدين بالمجوسية. أما جدُّ هذه الأسرة فهو:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أبو خزيمة زرارة بن عدس
زُرارة بن عُدُس بن زيد بن عبد الله ابن دارِم التميمي، ويكنى بـ (أبي خُزَيمة).
لم تعرف سنة ولادته ولا وفاته، ومن المرجح أنه عاش إلى ما قبل الإسلام بسبعين عاماً على وجه التقريب.
كان زرارة شريفاً في قومه، معروفاً بالحكمة والرأي السديد، فكان بنو تميم يرجعون إليه في القضاء وفض الخصومات، وكان يقود قومه ومن حالفهم في الحروب والإغارات.
وكان على صلة وثيقة بملوك الحِيرة، فقد حرَّض مرة الملكَ عمرو بن هند على قبيلة طَيِّئ، وأخبره أنهم يكيدون للملك ويتوعدونه، فغزاهم وأصاب منهم نسوة وإبلاً، وهذا ما جعل الطائيين يحقدون على زُرارة ويتطلبون عثراته، فلما بلغهم أن أحد الدارِميين قتل ابناً للملك صغيراً أخبروا الملك بذلك، فأغار عمرو بن هند على بني تميم وأحرق منهم من أحرق.
وكان زرارة يجير من يستجير به، فقد ذُكر أن الحارث بن ظالم المُرِّيَّ في يوم (رَحْرَحان الأول) قتل خالد بن جعفر العامريَّ سيدَ هَوازِن غدراً، فهرب ولجأ إلى زرارة، ولم يزل عنده حتى لحق بعد ذلك بقريش.
وقد جعل الشعراء من بني تميم فيما بعد يفاخرون بانتسابهم إلى زرارة ويذكرونه في أشعارهم، فمن ذلك قول عمرو بن الأهتم يصف كرم آبائه وأخواله:
نَمَتْني عُروقٌ مِنْ زُرارةَ للعُلا
ومِنْ فَدَكيٍّ والأَشَدِّ عُروقُ
ومن ذلك قول الفرزدق :
إن الذي سَمَك السماءَ بنى لنا
بيتاً دعائمُه أعزُّ وأطولُ
بيتاً زُرارةُ مُحْتَبٍ بِفِنائِه
ومُجاشِعٌ وأبو الفوارسِ نَهْشَلُ
خلَّف زرارة عشرة أولاد، من بينهم لَقيط وعَلْقَمة وحاجِب، وهؤلاء الثلاثة أُمهم ماويَّة بنت عبد مَناة، وهي من المنجبات المعدودات في الجاهلية، أما سائر أولادة فمن أم أخرى.
وكان لأولاده وأحفاده ذكر حسن في وقائع بني تميم وغزواتهم، إلا أن لَقيطاً وحاجباً تردد ذكرهما كثيراً في كتب الأدب والتراجم والأخبار.
لقيط بن زرارة (توفي 53 ق.هـ/571 م)
لَقيط بن زُرارة بن عُدُس، الدارِمي، التميمي، الفارس الشاعر الجاهلي.
كان يكنى بـ (أبي دَخْتَنُوس) وهي ابنته، وذلك أنه لم يخلِّف عَقِباً من الذكور سوى ابنته هذه، وكانت شاعرة حفظت لها كتب الأدب مقطعات قليلة جيدة الأداء، منها في رثاء زوجها عُمير بن مَعْبَد بن زُرارة وهو ابن عمها، وفي رثاء أبيها، وفي السخرية من فارس فر من المعركة في يوم (شِعْب جَبَلة).
كان لقيط من أشراف قومه ورؤسائهم، وقد كان في شبابه كثير التبجح والزهو والاعتداد بالنفس، فهو القائل :
شربتُ الخمرَ حتى خِلْتُ أني
أبو قابوسَ أو عبدُ المَدانِ
أُمشِّي في بني عُدُسِ بنِ زيدٍ
رخيَّ البالِ مُنطلقَ اللسانِ
وقد كان أبوه زرارة يؤنبه على ذلك حتى قال لـه يوماً: «لقد طارت بك الخيلاء حتى كأنك نكحت بنت قيس بن مسعود الشيباني، أو أفأت مئة من عصافير كسرى (وهي الإبل النجيبة)». فخرج لقيط مغضباً، وأقسم ألاّ يغتسل ولا يأكل لحماً ولا يشرب خمراً حتى يحقق الأمرين معاً.
فقصد قيس بن مسعود، وهو من سادات بني شيبان، فزوجه ابنته لما رأى فيه من الكرم والنجابة وحسن الكلام والإجابة، فرجع بها لقيط إلى قومه وظل أياماً يُولم ويُطعم وينحر. ثم مضى إلى ملك الحيرة المنذر بن ماء السماء، فأعطاه مئة من إبله الهِجان، فبعث بها إلى أبيه، ثم توجه إلى كسرى، فأعجب به وكساه ومنحه الحليَّ والجواهر.
إلاّ أن لقيطاً، على ما كان فيه من صفات النبل والفروسية، تعرض لهجاء الشعراء لـه وتعييرهم إياه، ففي يوم (رَحْرَحان الثاني) وهو يوم وقع قبل الهجرة النبوية بأربع وخمسين سنة وانتصر فيه بنو عامر على بني تميم، أُسر مَعْبَد أخو لقيط من غير أمه، فأبى لقيط أن يدفع الدِّيَة ليفك أسره، زاعماً أن العرب بعد ذلك تطمع بهم وتقتسم أموالهم، فعمد بنو عامر إلى معبد وشدوا عليه الوثاق، وبعثوا به إلى الطائف خوفاً من بني تميم أن يستنقذوه، فلم يزل هناك حتى مات.
وبعد سنة من يوم (رَحْرَحان) أي سنة ثلاث وخمسين قبل الهجرة، نشبت الحرب من جديد بين بني عامر وحلفائهم من قيس وبني تميم وحلفائهم من ذبيان، وهي التي عرفت بيوم (شِعْب جَبَلَة)، فخرج لقيط يقود قومه في هذه الحرب مطالباً بدم أخيه معبد، إلاّ أن الغلبة كانت لبني عامر، فانهزم بنو تميم وقتل آنذاك لقيط، وكان الذي تولى قتله عُمارة الوهَّاب العبسي. فلما أشرف على الموت جعل يذكر ابنته ويقول :
يا ليتَ شِعْري عنكِ دَخْتَنُوسُ
إذا أتاكِ الخبرُ المَرْموسُ
أتحلِقُ القُرونَ أم تميسُ
لا بل تميسُ إنها عروسُ
فاندفعت ابنته ترثيه وتذكر ما كان من غدر بني عبس حين أخذوا يضربونه وهو ميت فتقول :
ألا يالَها الوَيلاتُ ويلاتُ مَنْ بكى
لضربِ بني عبسٍ لقيطاً وقد قَضَى
فلو أنكم كنتمْ غداةَ لقيتمُ
لَقيطاً ضربتمْ بالأسنَّةِ والقَنا
لم يكن لقيط شاعراً مكثراً، فقد كان يرتجل الشعر في مناسبات ترتبط بالوقائع والأحداث التي عاشها وشارك فيها. وأشعاره متناثرة مبثوثة في كتب الأدب والتاريخ، ولم يتح لها أن تجمع إلى اليوم، ومعظمها في الهجاء أو الفخر. ومع ذلك فقد وصفه ابن قتيبة بأنه كان أشرف بني زرارة، وأنه كان شاعراً محسناً.
أما المستشرق الفرنسي (بلاشير) فقد رأى أن لقيط بن زرارة يمثل النموذج التقليدي للفارس الشاعر في البيئة البدوية.
حاجب بن زُرارة (توفي نحو 3هـ/625م)
حاجب بن زُرارة بن عُدُس، الدارِميُّ، التميميُّ، ويكنى بـ (أبي عِكْرِشة)، كـان سـيد بني تميم في الجاهلية غير مدافَع، وقائدهم في عـدة مواطن، وأبعدهم صيتاً، وأخلدهم ذكـراً، وأوسعهم حلماً. وكانت لـه معرفة تامة بأخبار العرب وأنسابهم، ويُعد من مشاهير فصحاء أهل زمانه وبلغائهم، ويروى لـه شعر قليل. وقد اعترف عامر بن مالك، وهو من خصوم بني تميم، بمنزلة حاجب في قومه فقال :
أَلِكْني إلى المرءِ الزُّراريِّ حاجبٍ
رئيسِ تميمٍ في الخطوبِ الأوائلِ
وفارِسِها في كلِّ يومِ كريهةٍ
وخيرِ تميمٍ بينَ حافٍ وناعلِ
ولما كـان يوم (شِعْب جَبَلَة) قُتل أخوه لقيط وأُسـر حاجب، فلم يكن أحد ممن يحضر سوق عكاظ أغلى فداء من حاجب، فقد فدى نفسه واستخلصها من الأسر بألف ومئة ناقة.
ولعلوّ المكانة التي كان حاجب يحتلها في قومه، فقد روي أنه كان واحداً من أربعة أشراف من بيوتات العرب، اجتمعوا في بلاط كسرى للتفاخر وذكر المآثر، فوقف يمثل بني تميم أمام الحكام العدول.
غير أن الوفاء كان من أبرز الخصال التي خلدت ذكر حاجب على مر العصور والأزمان. ولهذه الخصلة قصة عرفت بقصة (قوس حاجب). وملخصها أن بني تميم حل بهم عام جدب وقحط، فافتقروا وقلَّ في أيديهم الطعام، فخرج حاجب يبحث لقومه ولمواشيهم عن الزاد والكلأ، حتى وصل إلى كسرى ملك الفرس. وكان كسرى قد منع بني تميم من الرعي في ريف العراق مخافة أن يغيروا على بلاده ويفسدوا في أرضه، فلما مثل حاجب بين يديه وشرح لـه ما آل إليه بنو تميم من الفاقة والعوز، وحاجتهم إلى الرعي قرب حدوده، رفض كسرى ولم يستجب إلى طلبه، فما كان من حاجب إلاّ أن رهن قوسه الأثيرة إلى نفسه عند الملك على أن يضمن لـه ألا يعيث بنو تميم في بلاده، فقبل كسرى ذلك وأذن لهم أن يدخلوا الريف. ثم مات حاجب بن زرارة، فارتحل ابنه عُطارد بن حاجب إلى كسرى يطلب قوس أبيه، وقال لـه : هلك أبي، ووفى لـه قومه ووفى هو لك. فسلمه كسرى القوس، وكساه حلة إكراماً لـه واعترافاً بوفاء أبيه، فصار ذلك الوفاء فخراً ومنقبة لحاجب وعشيرته.
وإلى هذه القوس أشار أبو تمام وهو يمدح أبا دُلَف العِجْلي الذي اشترك قومه مع بني شيبان في دحر الفرس يوم «ذي قار» بقوله :
إذا افتخرتْ يوماً تميمٌ بقوسِها
فخاراً على ما وطَّدَتْ من مناقِبِ
فأنتم بذي قارٍ أمالت سيوفُكمْ
عروشَ الذين استرهَنُوا قوسَ حاجِبِ
يذكر بعض المؤرخين أن حاجب بن زرارة أدرك الإسلام وأسلم، وبعثه النبيr على صدقات بني تميم، فلم يلبث أن مات نحو سنة ثلاث من الهجرة، ولكن هذا الأمر غير مسلَّم به ولا يثبت أمام التحقيق التاريخي.
محمد كمال
للاستزادة
- الأصفهاني، الأغاني (طبعة دار الثقافة. بيروت 1964م).
- محمود شكري الألوسي، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب (مصر 1924م).
- محمد أحمد جاد المولى وعلي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، أيام العرب في الجاهلية (مصر 1942م).
- ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمد شاكر (مصر 1967م).
- النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب (مصر 1955م).