أنشد المعري ديوان اللزوميات أو ديوان لزوح ما لا يلزم، والتزم فيها أن تكون القافية على حرفين، وأن تشمل أشعاره كلَّ حروف الضاد وما يلحقها من الفتح والضم والكسر والسكون، فقد كان لكل حرف بإستثناء الألف ـ أربعة فصول: فللباء المضمومة فصل، وللمفتوحة فصل، وللمسكورة فصل آخر، وكذلك للباء الساكنة وهكذا. وفي هذا دلالة على مقدرة لغوية وعروضية وفلسفية لاتخفى على أحد، وأكثر لزومياته متين اللفظ، فخم الأسلوب يعجّ بالمصطلحات العروضيّة، والصرفية، والفقهيّة، والطبيّة، والفلسفية، ويحوي من الأمثال السائرة، والحكم الماهرة، وما يستلزم كتاباً لإحصائها وتبيانها.[1]
الأفكار الرئيسية
لعل ديوان اللزوميات الوحيد، بين دواوين العرب القدماء الذي ينطلق من حياة الإنسان وشؤون المجتمع، وإن من زاوية خاصة طغى عليها روح الزهد والتشاؤم. فأبوالعلاء، خلافاً لمن سبقه وعاصروه ولحقه من زملائه القدماء، لم ينطلق في شعره من قصور الحكام وميادين المحاربين، بل من أوساط الشعب المغلوب على أمره والرازح تحت وطأة الفقر والظلم والإبتزاز.[2]
ديوان اللزوميات، المجلد الثاني. لتحميل الديوان، اضغط على الصورة.
تحدث المعري في الديوان عن العقل والحياة ومايواجهها الإنسان في حياته ومجتمعه من السراء والضراء والشدة والرخاء والتشاؤم السائد على حياته فيتضح لنا أن سير الحياة على غير ما يرضاه هوالذي أدى إلى زهده.[3]
وتنكشف معالم الزهد في شعر أبي العلاي في آرائه التي برزت في إتجاهين هما المجتمع وفساده والحياة والموت ففي الشق المقبل من هذا الفصل بينت ملخصاً من تلك المعالم ديوانه اللزوميات الذي يتضمن آلاف الأبيات في الزهد والتنفير من الحياة الدنيا.
ينظر أبوالعلاء إلى الدنيا بمنظار أسود، فقد إستنزل أشد سخطه وغضبه عليها ولهج في لزومياته بذمها واحتقارها وكان في كثير من الأحيان يدعوها بأم دَفِر، وهي كنيه قديمه لها (والدَفِر: النتِن، فهي كنيه قبيحة تعرب عن احتقار واضح، وأم دَفِر: الداهيه وقيل: سميت أم دَفر لما فيها عن الآفات والدواهي وقد أوسعها سبّاً وشتماً وذمّاً ولوماً، وعرض ذمها بصور مختلفة. وحض على اجتنابها وزهد فيها، وشغل حيزاً كبيراً من شعره فيها)، مثل قوله:[4]