خلفية الحرب الأهلية الإسپانية
ترجع خلفية الحرب الأهلية الإسپانية إلى نهاية القرن 20، تقلد ملاك العقارات الكبرى، ويطلق عليهم لاتيفونديا، معظم السلطة في نوع من حكم الأقلية المعتمد على الأرض. فشلت سلطة ملاك الأراضي في تحدي القطاعين الصناعي والتجاري. عام 1868 أطاحت الانتفاضات الشعبية بالملكة الملكة إيزابلا الثانية من آل بوربون. عام 1873، تنازل خليفتها، الملك أماديو الأول من آل ساڤوي عن العرش لتزايد الضغط السياسي، وأُعلنت الجمهورية الإسپانية الأولى قصيرة العمر. بعد عودة آل بوربون للحكم في ديسمبر 1874، ظهر الكارليون والأناركيون في معارضة الملكية. ساعد ألخاندرو لروكس في جلب الجمهورية إلى الصدارة في كتالونيا، حيث كانت تعاني من الفقر المدقع. الاستياء المتزايد من التجنيد ومن خسارة الجيش في الأسبوع المأساوي في برشلونة عام 1909. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، الطبقة العاملة، الطبقة الصناعية، والجيش اتحدوا جميعاً أملاً في الإطاحة بالحكومة المركزية الفاسدة، لكنها كانت محاولة غير ناجحة. خوفاً من تناوي الشيوعية، جاء ميگل پريمو ده ريڤرا إلى السلطة عام 1923 عن طريق انقلاب عسكري، وحكم إسپانيا حكماً دكتاتورياً عسكرياً. دعم نظامه تلاشى تدريجياً، واستقال في يناير 1930. كان هناك دعماً محدوداً للملكية في المدن الكبرى، وتنازل الملك ألفونسو الثالث عشر عن العرش؛ وتشكلت الجمهورية الإسپانية الثانية، التي ظلت في السلطة حتى اندلاع الحرب الأهلية الإسپانية. واستمر الملكيون في معارضة الجمهورية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سلطة العمال والثورة الإسپانية
في الانتخابات القومية الإسپانية عام 1936، نجح ائتلاف من الليبراليين والاشتراكيين في اكتساح حكومة يمينية قمعية ليخلعها من السلطة ويحل محلها. أطلق العمال الإسپان، مستفيدين من وجود مناخ أقل قمعاً أوسع موجة اضرابات في التاريخ الإسپاني، بعشرات من الاضرابات العامة التي شملت مدن بأكملها ومئات من الاضرابات الجزئية. بنهاية يونيو كان مليون عامل قد اعلنوا الاضراب.
بعد ما يقرب من شهر بعد انتخابات فبراير 1936، قادت فدرالية العمال الزراعيين 80 ألف عامل زراعي معدم في حملة للاستيلاء على 3 آلاف مزرعة في "سيبريا الإسپانية" - منطقة استريمادورا التي ضربها الفقر الطاحن. احتد الاستقطاب السياسي، وقد علت نبرة الجدل داخل البلاد حول المستقبل، بعمليات اغتيال ثأرية متبادلة بين اليسار واليمين. ومع الدعوات العلنية من السياسيين اليمينيين لاستيلاء العسكر على السلطة، بدأ في التاسع عشر من يوليو الانقلاب الذي توقعه الجميع في إسپانيا.[1]
لأول مرة في تاريخ إسپانيا، يقاوم الشعب بطريقة هجومية محاولة استيلاء للجيش على السلطة. انهزم الجيش في ثلثي البلاد. تحركت النقابات لتصادر مقادير هائلة من أرصدة الرأسماليين، وتضع معظم الاقتصاد الإسپاني تحت ادارة العمال. أنشأت النقابات جيوشها العمالية الثورية الخاصة لمحاربة العسكريين الإسپان. تسببت محاولة العسكر سحق الحركة العمالية في البلاد في انطلاق ثورة الطبقة العاملة الإسپانية التي كانت تخشاها النخبة الإسپانية منذ وقت طويل. الحرب الأهلية نفسها كانت صراعا طبقيا في أحد أكثر أشكاله تطرفا.
اثنان من اللاعبين الرئيسيين في هذه الدراما كانتا فدراليتين من فدراليات العمال الكبرى بالبلاد. أولاهما هي الكونفدرالية الوطنية للعمل (CNT) بعضوية أوائل عام 1936 بلغت 106 مليون عامل (طبقا للاحصاءات الحكومية). هذه الكونفدرالية هي نتيجة سبعة عقود تقريبا من العمل الأناركي لتنظيم العمال في إسپانيا. منذ عام 1919 قامت تلك الكونفدرالية على اساس "النقابة الفردية" - نقابات صناعية محلية مدارة ذاتيا. في برشلونة عام 1936 بلغت عضوية اتحادات نقابات عمال البناء والمعادن في الكونفدرالية أكثر من 30 ألف عضو في كل من القطاعين.
لم يكن هناك أحد في أي نقابة من اتحادات الكونفدرالية الوطنية للعمال يتلقون رواتب نظير عملهم كمسئولين فيها. أحب العمال الفكرة الأناركية القائلة بأن الكفاح المشترك لا يجب ان يصبح أبدا مهنة شخصية وسبيل ارتزاق شخصي. آمن الأناركيون بفكرة أن المسئولين مدفوعي الرواتب يشجعون العمال على أن يتطلعوا اليهم بوصفهم الزعماء القادرين على حل مشاكلهم، وهذا يؤدي الى هيمنة هؤلاء الرؤساء على النقابات. في 1936 تواجد عدد قليل جدا من القادة مدفوعي الرواتب في كونفدرالية العمل الوطنية - السكرتارية القومية، وسكرتارية منطقة قطالونيا، وسكرتارية النقابة الصناعية الوطنية لصناعة الصيد التجاري. هؤلاء المسئولون، وهيئة تحرير الصحف اليومية للكونفدرالية في مدريد وبرشلونة، كانت أجورهم تساوي أجر عامل متوسط. وكانت هذه المناصب المدفوعة الاجر تدور على شاغليها بعد سنة واحدة فقط.
الأناركيون في كونفدرالية العمل الوطنية - في الوقت الذي نظموا فيه النضالات حول الهموم المباشرة، شجعوا أيضا المناقشات حول رؤى مجتمع ما بعد الرأسمالية، دون هياكل للظلم والاضطهاد والاستغلال. "انعدام السياسة" في الكونفدرالية كان يعني انها تعارض الاستراتيجية الانتخابية أو البرلمانية في التغيير الاجتماعي. كان هدف مناضلي الكونفدرالية هو تحرير الطبقة العاملة من الاضطهاد الطبقي من خلال العمل الجماعي بواسطة العمال أنفسهم.
كل وحدة نقابية تتشكل من "أقسام" لها مجالسها الخاصة بها ومندوبين منتخبين عن مكان العمل. في الصناعات الانتاجية مثل النسيج والصناعات المعدنية، هناك قسم لكل منشأة أو مصنع. في صناعة البناء، "الأقسام" تتطابق مع المهن المتنوعة في الصناعة. كل الاتحادات الصناعية المستقلة ذاتيا في المدينة او المقاطعة (كوماركا) تتجمع معا في مجلس عمالي محلي (الفدرالية المحلية).
كانت النقابات جزءا من سياق أوسع لمؤسسات الحركة. نظم اليسار التحرري في إسپانيا أيضا مدارس بديلة وشبكة كثيفة مما كان يسمى الاتينيوس - مقرات مراكز مجتمعية. كانت الاتينيوس مراكز للجدل، والفعاليات الثقافية، وفصول محو الامية (نسبة بين 30٪ إلى 50٪ من السكان كانوا أميين في إسپانيا الثلاثينات)، وهكذا. الفكرة المميزة للأناركية الإسپانية كانت هي تمكين الناس العاديين، وتحضيرهم للمشاركة الفعالة في الكفاح من أجل التحول الاجتماعي.
كانت النقابية التحررية لكونفدرالية العمل الوطنية شكلا من السياسة "المجازية". بتطويرهم لنقابات تقوم على اساس المشاركة في صنع القرار من خلال المجالس والمندوبين المنتخبين غير مدفوعي الاجر،اعتقد مناضلو الكونفدرالية انهم يمارسون شكل من التنظيم يمثل تصورا لمجتمع مستقبلي يدير العمال فيه الصناعة ويدار المجتمع ذاتيا من خلال ديموقراطية المشاركة المجالسية.
المنظمة العمالية الكبرى الثانية في إسپانيا كانت الاتحاد العام للعمال (UGT)، بعضوية 104 مليون عامل في أوائل 1936. انحاز الاتحاد العام للعمال لصف حزب العمال الاشتراكي الإسپاني (PSOE) رغم أن الحزب الشيوعي الإسپاني كان نشيطا داخله ايضا. كان الاتحاد العام هو أغلبية التنظيم النقابي في المناطق الوسطى القشتالية من إسپانيا، التي تشمل مدريد، وشكل كذلك اغلبية في مناطق مناجم الفحم في اوسترياس على ساحل الاطلنطي الشمالي. فدرالية العمال الزراعيين (FNTT) بالاتحاد العام للعمال بلغت عضويتها نصف مليون في ربيع عام 1936. من خلال حملتها من أجل الاصلاح الزراعي بالاستيلاء على الاراضي، شكلت الفدرالية الفلاحية حركة ثورية جماهيرية في الريف.
الرواج الاقتصادي وفرق الموت
الحشد والتعبئة الجماهيرية والاستقطاب الاجتماعي الذي أدى إلى الحرب الأهلية كان قمة أزمة اجتماعية استحكمت في إسپانيا طوال عقود. بدأت الازمة في الاعلان عن نفسها ابان فترة الحرب العالمية الاولى. اتخذت إسپانيا وضع الحياد اثناء الحرب واصبحت قادرة على التجارة مع كلا الطرفين: الحلفاء والمحور. بدأت عملية رواج للصناعة الكثيفة والتمدين في قطالونيا. واستمر كل هذا الازدهار اثناء الرواج العالمي للعشرينات. في تلك الفترة كانت برشلونة اسرع المدن في غرب اوروبا نموا. نشأت ضواحي صناعية سريعا حول المصانع الجديدة. كانت برشلونة مركزا تجاريا كبيرا في البحر المتوسط منذ العصور الوسطى، وكانت بيتا لطبقة رجال الاعمال في شتى مجالات الاقتصاد.
أيضا أدى الرواج الاقتصادي بسبب الحرب العالمية الأولى إلى نمو المنظمتان الرئيسيتان للعمال في إسپانيا، الكونفدرالية والاتحاد العام. وشجعت الثورة الروسية في فبراير 1917 أيضا على ظهور اتجاه راديكالي بشكل متنامي. كانت اعلى نقطة في الكفاح العمالي اثناء الحرب العالمية الاولى اضرابا وطنيا عاما في 1917، ايدته كلتا المنظمتان، الكونفدرالية والاتحاد العام. في برشلونة سادت الكونفدرالية على المدنية حتى تحرك الجيش لقمع الاضراب. (رواية فيكتور سيرج "ميلاد سلطتنا" هي رواية مؤثرة عن احداث الاضراب العام في برشلونة عام 1917).
لمواجهة التهديد المتنامي للكونفدرالية في قطالونيا، بدأ سيفريانو مارتينيز انيدو، رئيس شرطة برشلونة، تجنيد مسلحين لاغتيال مسئولي ونشطاء الكونفدرالية، بمساعدة البوليس. قدم اصحاب الاعمال ومسئولو الكنيسة الكاثوليكية الرومانية التمويل اللازم لفرق الموت هذه. اثناء هذه الفترة وقعت ٤٤٠ محاولة قتل عمال في قطالونيا . اجبر العمال على الانضمام قسرا لنقابات العمال "الصفراء"، ("الاتحادات النقابية الحرة")، تحت تهديد السلاح. قلب صغير من العمال الكارليين المتدينين كانوا قد شكلوا هذه النقابات الحرة. الكارلية كانت شكلا من الفكر السياسي الكاثوليكي اليميني في إسپانيا. كرد فعل، شكل بعض الاناركيين الشباب مجموعات عمل مسلح، قامت بعمليات ثأرية اغتالت فيها اصحاب الاعمال وزعماء الكنيسة الذين شاع عنهم تمويلهم لفرق الموت تلك.
لسنوات ظلت إسپانيا تحاول التمسك باخر قطعة ارض من امبراطوريتها في المغرب. في 1923 احدى الحملات العسكرية في المغرب، ارسلها الملك الفونسو، أفضت الى كارثة راح فيها 10 آلاف جندي إسپاني. اطبق الجيش بالديكتاتورية على إسپانيا، برئاسة الجنرال ميجويل بريمو دا ريفيرا، جزئيا كوسيلة لقمع الغضب الناتج عن هذه الكارثة. تم حظر الكونفدرالية في عموم البلاد. تقدم بريمو دا ريفيرا مخططا لدمج الاتحادات النقابية في الدولة بواسطة هيئات التحكيم؛ وشجع الجنرال مشاركة الاتحاد العام للعمال بوصفه بديل "أكثر مسئولية" من الكونفدرالية. "النقابات الحرة"، التي بشرت بالتناغم بين العمل ورأس المال وبشكل من الفاشية الكهنوتية البروليتارية، تنافست مع الاتحاد العام للعمال على التمثيل داخل هيئات التحكيم. شكلت النقابات الحرة، بدعم من الدولة ورجال الاعمال، منظمة على المستوى القومي عام 1925 (الفدرالية الوطنية للنقابات الحرة - FNSL) بعضوية 200 الف ، مساوية في الحجم تقريبا للاتحاد العام للعمال.
اضراب الايجارات الجماهيري
هرب الملك من البلاد مع انهيار الديكتاتورية عام 1930. جاءت الانتخابات بتحالف من الليبراليين والاشتراكيين الى السلطة، ليحكموا جمهورية جديدة. استعادت نقابات الكونفدرالية الوطنية للعمل الحق القانوني في التنظيم. اتحاد نقابات عمال برشلونة للبناء في الكونفدرالية، في مواجهة البطالة المتنامية والرغبة في اعادة بناء منظمتهم، بدأوا حملة لاجتياح مواقع البناء لضم اعضاء ولمطالبة المقاولين باستئجار مزيد من العمال بنسبة 15٪. كان منطق نقابات البناء ان قطاع الاسكان في قطالونيا قد حقق ارباحا خيالية اثناء فترة الرواج في العشرينات - ارباح ارتبطت باستثمارات غير انتاجية. زيادة اعداد العاملين في الصناعة سوف يساعد على دوران مزيد من النقود، مما يساعد على معارضة الاتجاه نحو الركود. مع تدفق العمال الى الوحدات النقابية لكونفدرالية العمل الوطنية، انهارت اتحادات مهن البناء في فدرالية النقابات الحرة الكاثوليكية.
في أواخر العشرينات، بدأ جدل على مستوى هيئة الكونفدرالية حول الاتجاه المستقبلي للاتحادات النقابية. احد جوانب هذا الجدال كان اقتراحا لمجموعة اتحادات محلية في اتحادات الصناعة الوطنية من اجل عمل منسق ضد اصحاب العمل في الصناعة عبر البلاد كلها. خوان بييرو - عامل زجاج متعلم تعليما ذاتيا ومنظر نقابي ذو وزن كبير - استطاع اقناع كونجرس الكونفدرالية بالسماح لقيام اتحادات وطنية داخل الصناعة في 1931. ومع ذلك، بعض الاناركيين عارضوا هذا المقترح على ارضية انه قد يؤدي الى تطور بيروقراطية جديدة تتشكل من مسئولين مدفوعي الاجر لا تستطيع النقابات المحلية وقتها السيطرة عليهم. نتيجة لهذه المعارضة، نشأت اتحادات وطنية للنقابات في صناعات قليلة جدا داخل الكونفدرالية قبل عام 1936. قام اتحاد وطني نقابي للصناعة بين عمال شركة الهاتف الوطنية الإسپانية. في 1931، شنت الكونفدرالية اضرابا عبر البلاد ضد شركة التليفونات. كان ذلك مبادرة للشروع في نضال نقابي من اجل الدفاع عن حقوق قوة العمل النسوي التي كانت تعمل بشكل كبير في وحدات التحكم المركزي لتشغيل خطوط الهاتف.
جانب اخر من الجدال داخل الكونفدرالية كان هو كيفية الخروج من قفص النضال داخل الصناعة الذي يركز فقط على قضايا الاجور وظروف العمل. كان هناك شعورا قويا بأن الكونفدرالية تحتاج الى مد نفوذها ليتجاوز سياق الكفاح العمالي الصرف الى مناطق اخرى من المجتمع. نادى خوان بييرو بتشكيل لجان احياء سكانية للتنظيم حول القضايا الاعرض التي تهم الطبقة العاملة، وليس فقط المسائل المتعلقة بظروف العمل.
أثناء رواج العشرينات، ارتفعت الايجارات حوالي ١٥٠٪ في برشلونة. الازدحام، وبناء البيوت الرخيصة بواسطة كبار الملاك خربي الذمة والاسكان دون المرافق الاساسية مثل المياة اصبح امرا شائعا. في بدايات الثلاثينات، بدأ نشطاء الكونفدرالية مناقشة امكانية الكفاح حول مسائل الايجارات، وبدأت المقالات حول ازمة السكن في الظهور في الصحيفة اليومية الكبرى التي تديرها الكونفدرالية في برشلونة، سوليداريداد اوبريرا. بدأ الكفاح ضد الايجارات بلقاء جماهيري لاتحاد بناء الكونفدرالية في ابريل عام 1931. في هذا اللقاء اقترح ارتورو باريرا وسانتياجو بيلباو تشكيل لجنة دفاع اقتصادي، بمشاركة اتحادات نقابية اخرى. كان كلا من باريرا وبيلباو اعضاء بارزين في فدرالية الاناركيين الايبريين (FAI). هذه الفدرالية كانت اندماجا فضفاضا لجماعات اناركية عملت بشكل اكبر كتكتلات داخل اتحادات الكونفدرالية النقابية.
بعد سلسلة من لقاءات لجان الاحياء، استقرت حملة الايجارات على مطلب بتنزيل الايجارات 40٪ في لقاء جماهيري بقصر الفنون الجميلة في الخامس من يوليو. قرر اللقاء ان مقدمات الايجار التي يدفعها المستأجرون يجب استخدامها لدفع ايجار الشهر التالي وبعد ذلك سوف يرفض المستأجرون دفع الايجار اذا لم يوافق اصحاب العقارات الكبار على تخفيض الايجار. هيئة الغرفة التجارية لاملاك المدن - منظمة اصحاب العقارات - نددت بالحملة بوصفها انتهاك اجرامي لحقوقهم. طالبت الغرفة الشرطة بالعمل من اجل قمع هذه الحملة. بنهاية اغسطس، اخذت مفوضية الدفاع الاقتصادي تعلن ان 100 الف من الناس توقفوا عن دفع الايجار.
الطاقات التي انضمت الى الكفاح من اجل الايجار العادل تعدت العضوية التي كانت قائمة وقتها في كونفدرالية العمل الوطنية وانضمت اعداد كبيرة من النساء اللائي كن لهن دورا نشيطا في الكفاح. في احد المرات جماعة من الاسالتوس (asaltos) - فرق الاغارة - قوة بوليس وطنية شبه عسكرية انشأها السياسيون الجمهوريون في اوائل الثلاثينات - ارسلت لاخلاء احد المستأجرين، تراجعت تلك القوة متقهقرة عندما واجهتها جموع حاشدة من النسوة والاطفال. ولأن موظفي البلدية المسئولين عن تنفيذ قرارات الاخلاء كان يتهيبون القيام بذلك امام حشود الناس او بسبب تعاطفهم مع اضراب الايجارات، بدأ كبار الملاك تجنيد ميليشياتهم الخاصة لتنفيذ قرارات الاخلاء.
اشتكت منظمة كبار الملاك للحكومة الوطنية وطالبتها بالتحرك لقمع الاضراب. لارجو كاباليرو، السكرتير التنفيذي للاتحاد العام للعمال واحد زعماء الحزب الاشتراكي الإسپاني، كان عضوا في وزارة حكومة التحالف الاشتراكي الليبرالي. كاباليرو لم يكن متعاطفا مع اضراب الايجارات، واصفا اياه "بالاضراب الاحمق". في نفس الوقت، اتحاد كاباليرو العام للعمال كان يوفر غطاءا لكسر اضراب التليفون الذي تقوده كونفدرالية العمل في مدريد. وسط حركة الاضراب في برشلونة، حدث تفجيرا هائلا. لم يصب احد، ولكن وقع دمار شديد بمعدات التليفونات هناك. وحتى رغم انه لم تكن هناك صلة بين هذا الانفجار واضراب الايجار، استخدمت الحكومة هذا الانفجار ذريعة لحظر لقاءات مفوضية الدفاع الاقتصادي. حظرت الحكومة ايضا لقاءات اتحاد نقابات التليفونات المشارك في الكونفدرالية.
عينت الحكومة الوطنية محاميا من التيار المحافظ كحاكم مدني لقطالونيا الذي اعلن انه ببساطة لن يسمح باستمرار اضراب الايجارات. بدأت السلطات في استخدام الاعتقال الوقائي لاحتجاز سانتياجو بيلباو و٥٢ اخرين من نشطاء الكونفدرالية. كان معنى الاعتقال الوقائي ان بالامكان احتجاز الشخص لاجل غير مسمى دون توجيه اي تهمة له ودون تحويله للقضاء. تلك كانت احد الوسائل الكريهة التي استخدمتها الديكتاتورية العسكرية. ظن الناس ان تلك الاساليب هي اساليب من الماضي لا تستخدمها الجمهورية الجديدة.
فعليا، استطاع البوليس قمع اضراب الايجارات عن طريق القبض على المستأجرين الذين كانوا قد عادوا الى شققهم بمساعدة جيرانهم بعد اخلاءهم منها. ورغم ذلك، في مناطق عديدة من المدينة دخل عدد من الملاك الافراد في صفقات لتخفيض الايجار مع المستأجرين. لهذا شعر عديد من المستأجرين انهم قد اكتسبوا شيئا ما. بالنسبة للجيل الاصغر من اعضاء الكونفدرالية، تلك كانت المرة الاولى التي ينخرطون فيها في حملات عمل مباشر على نطاق واسع. بالنسبة للمشاركين من الطبقة العاملة كان ذلك درسا مباشرا في الطريقة التي تصطف بها تلاوين كبيرة من المجموعات ضدهم، من ملاك العقارات الى السياسيين الى رجال الشرطة.
الأرض والكنيسة
كانت إسپانيا في الثلاثينات بلدا يعيش تطورا اقتصاديا غير متساوي. ربما تبدو قطالونيا الصناعية الثرية مثل مناطق اخرى متطورة في بلاد اوروبا الغربية، ولكن المناطق الإسپانية الاخرى كانت بالاحرى مختلفة. كانت إسپانيا ما تزال بلدا زراعيا، 45.5٪ من السكان "ذوي النشاط الاقتصادي" يعملون في مهن مرتبطة بالزراعة. في اي بلد زراعي جزء كبير من الثروة مرتبط بملكية الارض. في جنوب جبال جواداراما توجد منطقة الاقطاعيات التي يعمل بها الاقنان، هذا الاقليم الذي تعرض لغزو الجيش القشتالي من بلاد المور في العصور الوسطى. كان المستثمرون الرأسماليون يرعون تلك الاقطاعيات - اقطاعيات ضخمة - بعد كسر القيود الاقطاعية على بيع الاراضي في القرن التاسع عشر. في هذا الاقليم امتلكت 2000 عائلة 90٪ من الارض. في الوقت الذي يستخدم 750 الف عامل معدم دون ارض في زراعة هذه الارض باجور تساوي حد الكفاف.
شمال جبال الجواداراما مناطق تملك فيها الفلاحين الصغار مزارع صغيرة الى متوسطة المساحة. في بعض مناطق الشمال، كانت الحيازات صغيرة جدا الى الحد الذي لا يكفي لاعاشة اسرة واحدة. اضطر الفلاحون الى تأجير انفسهم مقابل اجر، او العمل في الحصاد مقابل حصة من المحصول.
القاعدة الاجتماعية الرئيسية لاحزاب اليمين المتطرف كانت من المزارعين الذين يمتلكون الارض في مناطق الشمال مثل قشتالة القديمة ونافاري، والشريحة الوسطى المتدينة - رجال الاعمال الصغار، والمحامون، والموظفون الخ - في بلدات المحافظات. في المدن الكبيرة وعلى طول ساحل الاطلنطي وسواحل البحر المتوسط تلك الطبقات الوسطى كانت القاعدة الاجتماعية للاحزاب الجمهورية الليبرالية.
اعتبرت طبقات النخبة في إسپانيا الكنيسة الكاثوليكية الرومانية الإسپانية كعامل ايديولوجي جوهري للنظام الاجتماعي. ولكن الكنيسة كانت مكروهة بشكل واسع بين اوساط الطبقة العاملة بسبب تبشيرها الذي نادى بالرضا بالفقر بينما تكتنز ارصدة واموال واسعة وتحتضن القطاعات الاوفر حظوظا والاوسع ثراءا في المجتمع. في الثلاثينات كان عدد رجال الدين في إسپانيا اكبر من اي بلد اخر ما عدا ايطاليا. تواجد 35 الف اسقف و80 الف راهب وراهبة. ورغم ذلك، لم يكن حضور اللقاءات الدينية واسعا جدا. جنوب جبال الجواداراما، بلغ هذا الحضور نسبة متدنية تساوي 5٪ من السكان . للعلم كان معني معارضة الكنيسة ان العديد من المدرسين والاطباء كانوا ضد رجال الدين. معاداة رجال الدين شاعت بين اليسار الإسپاني، من الاناركيين العماليين الى الجمهوريين الليبراليين من الطبقات المتوسطة.
اول حكومة ليبرالية/اشتراكية في 1931 هاجمت سلطة الكنيسة عن طريق عدم التصريح باي دور للكنيسة في التعليم غير النصائح الدينية. تم حل نظام الجيزويت القوي. تأسس نظام الزواج والطلاق المدني.
الانتفاضات وصراع الفصائل
انخرط الائتلاف الليبرالي/الاشتراكي أيضاً في أعمال قمع متنوعة موجهة ضد نقابات الكونفدرالية الوطنية للعمل. رحب كاباليرو بهذه التدابير القمعية وانتهزها فرصة لبناء نقابات الاتحاد العام للعمال على حساب الكونفدرالية. في هذا المناخ القمعي، والذي دفع بالكونفدرالية إلى مواجهات مباشرة مع السلطات، عدد من المجموعات الاناركية في الكونفدرالية دفعت النقابات إلى محاولة اضراب عام ثوري والى انتفاضات مغامرة. في سيناريو نمطي، جماعة من الاناركيين تستولي على مبنى البلدية، وترفع عليه العلم باللونين الاحمر والاسود، وتحرق سجلات الملكية وتعلن قيام "الشيوعية التحررية" في البلدة. اطلق المدافعون عن هذه الاساليب عليها اسم "التمرينات الثورية". محاولات الانتفاضة هذه كانت ردة للمفهوم الأناركي في القرن التاسع عشر المعروف باسم "الدعاية من خلال الفعل" - فكرة ان عمل يضرب به المثل يقوم به مجموعة ثوار يمكنه ان يشعل شرارة هبة جماهيرية تلقائية. في اكثر هذه المحاولات سوءاً - اضرابا عاما قوميا في يناير 1933- نفذت فرق الاعدام شبه العسكرية مذبحة في قرية كاساس ڤييگاس بالأندلس. احرقت عائلة بأكملها في كوخها واطلق البوليس النار على من استسلم من الاخرين.
أسوأ مخاوف العديد من النقابيين تحققت في هبة يناير 1933، فكتب جيروم مينتز:
من وجهة النظر السينديكالية، التحول الاجتماعي يتطلب تنظيم وتعليم الطبقة العاملة بشكل مسبق، وتطوير مهاراتها وثقتها بنفسها، وصنع استراتيجية ثورية متماسكة، وليس اعتمادا على "التلقائية" الصرف. خوان پييرو، في كتابه "السينديكالية" الصادر عام 1933، وضع الفكرة كالتالي:
سوف يكون "الاستمرار" مضمونا بحقيقة أن التحول الاجتماعي يتم تنفيذه بواسطة العمال أنفسهم، الذين يمتلكون المهارة لاستمرار تشغيل الصناعة.
صراع الفصائل داخل الكونفدرالية الوطنية للعمل في أوائل الثلاثينات اشتعلت سخونته بعد ارسال مجموعة من ثلاثين مسئولا وناشطا في النقابات وثيقة مكتوبة الى صحافة الرأسماليين ينتقدون فيها ما زعموا انه "ديكتاتورية" تهيمن على الكونفدرالية بواسطة فدرالية الاناركيين الايبيرية. اشتهر الناشطون الثلاثون los treinta وأتباعهم باسم الاتجاه الثلاثيني Treintismo. لم يكن الثلاثينيون فقط هم المعارضون للانتفاضات المغامرة التي تقوم بها فدرالية الاناركيين الايبيريين بقطالونيا. مجموعات فدرالية الاناركيين خارج قطالونيا اتخذت موقفا نقديا ايضا. بقيام الجمهورية، أحد قيادات الثلاثينيين، أنخل پستانيا Ángel Pestaña، بدأ الدفاع عن فكرة تشكيل حزب سياسي للعمال، وسرعان ما أسس الحزب النقابي ليدخل منافسا في الانتخابات البرلمانية. ورغم ان معظم الثلاثينيين لم يتبع پستانيا في سياسة الانتخابات، قلق اناركيون شتى من ان يكون ذلك هو الطريق الذي يتوجه اليه الثلاثينيون.
وثارت هواجس فدرالية الأناركيين في قطالونيا بسبب جماعة لينينية منتظمة داخل نقابات كونفدرالية العمل الوطنية. في 1930 فدرالية عمال قطالونيا وجزر البليار اندمجت مع اغلبية من الحزب الشيوعي القطالوني لتشكل كتلة العمال والفلاحين (BOC). كتلة العمال والفلاحين كانت كتلة معادية للستالينية رغم اتخاذها القالب اللينيني "لحزب الطليعة". كانت كتلة العمال والفلاحين قوية على نحو خاص في منطقة لايدا. احد الشخصيات القيادية في الكونفدرالية بمنطقة لايدا كان يواقين مورين، المدرس الشعبي. مورين كان قائدا لهذه الكتلة.
حاولت الكتلة أيضاً تحقيق السيطرة على المراكز المجتمعية (الاتينيوس) في قطالونيا. كانت الهيئة الرئيسية التي تتخذ القرارات في تلك المراكز المجتمعية هي المجالس الدورية التي تنتخب اللجنة الادارية للمركز. استعرضت الكتلة قوتها في تلك المجالس لتحقيق السيطرة على اللجنة الادارية.
بحلول عام 1932 حققت الفدرالية الأناركية الأيبيرية قدراً من الهيمنة على كونفدرالية العمل الوطنية كافي ليجعلها قادرة على طرد النقابات التي تهيمن عليها جماعة الثلاثينيين وكتلة العمال والفلاحين. نتيجة لذلك فقدت كونفدرالية العمل الوطنية معظم تنظيماتها النقابية في منطقة لايدا. في 1934 شكلت النقابات التي تسيطر عليها كتلة العمال والفلاحين فدرالية جديدة للعمال، وهي فدرالية العمل للوحدة النقابية (FOUS). في 1935 اندمجت الكتلة مع جماعة لينينية أصغر وغيرت اسمها لحزب العمال لتوحيد الماركسيين (POUM).
في 1933 كسبت الاحزاب اليمينية الانتخابات، ودخلت إسپانيا مرحلة الحكم القمعي، المعروفة باسم "السنتان السود". في هذا الوقت لارجو كاباليرو وكثير من اعضاء الحزب الاشتراكي بدأوا في الميل يسارا. بدأ كاباليرو في الحديث عن الحاجة الى "ثورة بروليتارية" و"حكومة عمال".
عدد من الأحداث أدى الى تحول حزب العمال الاشتراكي الإسپاني الى اليسار: صعود هتلر إلى السلطة في المانيا والحزب الاجتماعي المسيحي الفاشي الكهنوتي في النمسا، وارتفاع معدلات البطالة، والغضب الشعبي نتيجة مذبحة قرية كاساس ڤييجاس، وتصلب اصحاب الاعمال الإسپان. كميات الاموال القليلة التي اتيحت لتقديم أراض إلى الفلاحين معدمي الارض بواسطة الحكومة لم تكن كافية على الاطلاق لانجاز القدر المطلوب من الاصلاح الزراعي. كان هناك القليل جداً من الفائدة التي يمكن تعيينها من تحالف حزب العمال الاشتراكي الإسپاني مع الجمهوريين الليبراليين في سنوات 1931-1933.
أحد علامات انتقال الاشتراكيين الى اليسار كانت محاولة قام بها الحزب اثناء الاضراب الوطني العام في اكتوبر 1934. علاقات الحزب مع كونفدرالية العمل الوطنية لم تكن قد تطورت بعد، ولم يتحقق بينهما الا قدر قليل من التنسيق مما حكم على الاضراب بالفشل في معظم انحاء إسپانيا. كان الوضع مختلفا في استورياس حيث عمل الاتحاد العام للعمال والكونفدرالية سويا من اجل تطوير "تحالف عمالي" لمدة شهور. وهكذا في اكتوبر امسكت النقاباتان بزمام المنطقة لمدة اسبوعين، في انتفاضة مشتركة. ولكنهما كانتا معزولتين. عندما ارسلوا بالجيش لسحق التمرد، قتل الآلاف وأرسلوا بآلاف عدة إلى السجون. اغتصبت زوجات وبنات المتمردين وتعرضن للايذاء والتشويه البدني بواسطة الكتيبة الاجنبية - وهي وحدة من الجيش تشكلت من المجرمين وقطاع الطرق وعصابات اللصوص من بلاد عديدة. القت الانتفاضة بالذعر في قلوب طبقات النخبة بينما استبعد القمع الوحشي الطبقة العاملة لتنأى بنفسها عن الأحداث.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الرؤية اليسارية التحررية
في اوائل عام 1936 بلغت عضوية الاتحاد العام للعمال والكونفدرالية الوطنية للعمل اعلى مستوى لها في كل الاوقات. وفي الاثناء التي امسك بخناق البلاد كلها جدل مكثف حول المستقبل، انتشرت موجة من الاضرابات عمت انحاء البلاد، متضمنة اضرابات عامة عديدة باتساع المجتمع كله. بانتصار تحالف الاشتراكيين والليبراليين في انتخابات فبراير، امكن للعمال ان يتوقعوا فسحة يتنفسون فيها لتنظيم اضرابات وللضغط من اجل التغيير. كانت اتحادات العمال الزراعيين تنفذ اصلاحها الزراعي عبر استيلاء جماهيري على الاراضي الزراعية. منظر الجماعة الثلاثينية خوان بييرو اخبر صحفيا من الصحفيين في مايو: "الجماهير تتحرك نحو الثورة".
العديد من الناس، مع نداء نشطاء اليمين الى الجيش للامساك بالسلطة، توقعوا انقلابا عسكريا. في وسط هذا المناخ من الحشد والتعبئة والازمة، عقدت كونفدرالية العمل الوطنية كونجرسا قوميا في سرقسطة. بحلول عام 1935 كانت الجماعات الاناركية القطلونية قد تحركت بعيدا عن مرحلتها المبكرة التي كانت تنادي فيها بالانتفاضات الثورية واتجهت صوب مصالحة مع الثلاثينيين. الفيدرالية الاناركية الايبيرية، حتى توفر اقصى وحدة ممكنة من اجل المعارك القادمة، دعت انصار الثلاثينيين الى العودة الى الكونفدرالية الوطنية للعمل. من بين القضايا التي تناولها الكونجرس كانت رؤية الكونفدرالية لنوع المجتمع الذي تريد خلقه، وهو ما اطلقت عليه اسم "الشيوعية التحررية". وثيقة الرؤية التي اقرها كونجرس سرقسطة حاولت خلق تأثيرات نافذة اناركية كوميونالية وسينديكالية تحررية على التفكير اليساري التحرري الإسپاني في تصوراته لمجتمع ما بعد الرأسمالية. وضع تصور لهيكل مزدوج الحاكمية للمجتمع، يقوم على اساس مجالس اماكن العمل ومجالس السكان في مناطق سكنهم بالقرى واحياء المدن. تنتخب مجالس اماكن العمل هيئات وتتصل هذه الهيئات في فدرالية قومية للصناعة، لادارة مختلف الصناعات.
وضع الكونجرس ايضا تشديدا قويا على "البلديات الحرة" واستقلالها الذاتي، ليعكس تأثرا قويا للاناركية الكوميونالية. وهذا عن طريق مؤسسة تضرب بجذورها في مجالس السكان بالقرى والاحياء الحضرية. في المدن الكبيرة، مثل برشلونة، تنتخب المجالس مجلسا للبلدية. اعضاء هذا المجلس البلدي سوف يستمرون في العمل في وظائفهم المعتادة في مجال الانتاج الاجتماعي، والقضايا الهامة سوف ترجع الى المجالس القاعدية من اجل اتخاذ القرار.
في كتيب التخطيط الاجتماعي المقترح من قبل دييجو عباد دي سانتيلان ، الفدراليات القومية للصناعات وهي فدراليات تتمتع بالاستقلال الذاتي على تنوعها سوف تتصل بمجلس اقتصادي، يعمل بدوره كهيئة تنسيقية. ولكن الخطط الفعلية سوف تتطور بواسطة المؤتمرات الاقليمية والقومية لمندوبين من فدراليات الصناعة، بمساعدة طاقم للدعم الفني. وهذه النظرة، في الواقع العملي، نسخة سينديكالية ديموقراطية للتخطيط التشاركي.
تختلف وثيقة الرؤية لكونجرس سرقسطة عن اقتراح عباد دي سانتيلان باضافة هيكل لمجالس السكان وفدراليات جغرافية لهؤلاء السكان كتعبير عن الحكم الذاتي السياسي وايضا كقناة ليدلي المستهلك برأيه، مع اضطلاعه بمسئولية تسيير وعدم تعارض الاقتراحات الخاصة بالخدمات العامة مثل الرعاية الصحية والاعلام وتخطيط المدن والاسكان. ولكن كيف سينضم عمليا صوت المستهلكين الى نظام التخطيط الاجتماعي؟ في الحقيقة لم تقل وثيقة سرقسطة شيئا عن ذلك. لم تمتلك الاناركية التقليدية مفهوما ما عن التخطيط التشاركي - التطور التفاعلي لخطة اجتماعية من خلال التفاوض بين العمال والمستهلكين.
قدمت وثيقة سرقسطة طريقا لوصل البلديات الحرة في مؤتمرات شعبية قومية واقليمية. في الواقع العملي، مهدت تلك الطريقة السبيل الى هيئات تشريعية محلية واقليمية وقومية. وضعت الوثيقة ايضا تصورا "لميليشيا شعبية" - بكلمات اخرى، جيشا - كوسيلة للدفاع عن النظام الاجتماعي الجديد . الهيكل الذي يستطيع ان يضع احكام وقواعد لمجتمع والذي يدافع عن السلطة التي تنفذ هذه الاحكام والقوانين بالقوة؛ هذا الهيكل هو في الواقع فكرة سياسية، شكل من الحكم. إن لم تكن الحياة السياسية التحررية هي دولة، اذا المطلوب هو وضع تمييز بين الحياة السياسية (او هيكل للحكم) والدولة. الاناركيون التقليديون الذين كتبوا حول هذه المسألة لم يكونوا واضحين فيها بشكل كبير.
محاولة بيتر كروبوتكين لوضع هذا التمييز ادت الى التشديد على الاستقلال الذاتي المحلي واللامركزية المميزة للاناركية الكوميونالية الإسپانية: لان "الدولة تأسست من اجل غرض محدد وهو فرض حكم الطبقات المهيمنة، اي حركة نحو تحويل الاقتصاد الى الشكل الاجتماعي و"تحرير العمل" يتطلب "شكلا جديدا من التنظيم السياسي" يكون "اكثر شعبية، اكثر لا مركزية، اقرب الى حكم ذاتي شعبي" منه الى "حكومة نيابية"، التي تمثل نوع الدولة المميزة للرأسمالية، من وجهة نظر كروبوتكين.
ورغم ان كونجرس سرقسطة تبنى اقتراحا من اجل "تحالف عمال ثوري" مع فدرالية نقابات اتحاد العمال العام، فشل الكونجرس في مناقشة استراتيجية فعلية او برنامج عملي في مواجهة الوضع المباشر الذي تواجهه كونفدرالية العمل الوطنية. نتيجة لذلك، اجبرت الكونفدرالية على "اتخاذ خطوات عملية في اضطراب شامل " (بكلمات قيصر ام لورينزو) بعد الكونجرس بشهرين، في اعقاب الانقلاب العسكري الذي استولى على الحكم.
الهوامش
المصادر
- ^ أحمد زكي (2009-07-04). "الأناركية الحرب الاهلية الاسبانية ١٩٣٦ – ١٩٣٩". الحوار المتمدن. Retrieved 2014-02-07.
المراجع
- كتب
- Beevor, Antony (2006). The Battle for Spain: The Spanish Civil War 1936–1939. London, UK: Weidenfield and Nicolson. ISBN 978-0-297-84832-5.
- Fraser, Ronald (1979). Blood of Spain. London, UK: Allen Lane. ISBN 978-0-7126-6014-3.
- Lannon, Frances (1987). Privilege, Persecution, and Prophecy: The Catholic Church in Spain, 1875–1975. Oxford, UK: Clarendon Press. ISBN 978-0-19-821923-1.
- Payne, Stanley G. (1973). "25: The Second Spanish Republic". A History of Spain and Portugal (Print Edition). Library of Iberian Resources Online. Vol. 2. Madison, Wis, USA: University of Wisconsin Press. ISBN 978-0-299-06280-4.
- Preston, Paul (2006). The Spanish Civil War: Reaction, Revolution and Revenge (3rd ed.). London, UK: HarperCollins. ISBN 978-0-00-723207-9.
- Smith, Angel (2009). Historical Dictionary of Spain. Lanham, Md, USA: Scarecrow Press. ISBN 978-0-8108-5849-7.
- Thomas, Hugh (1961). The Spanish Civil War (1st ed.). London, UK: Eyre and Spottiswoode. OCLC 395987.
- Vincent, Mary (2007). Spain, 1833–2002. Oxford, UK; New York: Oxford University Press. ISBN 978-0-19-873159-7.
- جرائد
- Brincat, Leo (4 November 2005). "Need for international condemnation of the Franco regime". Documents: working papers, 2006 ordinary session (first part) (Report). Council of Europe. ISBN 978-92-871-5932-8. Document 10737.
{{cite book}}
: Unknown parameter|separator=
ignored (help)CS1 maint: postscript (link) - Paz, Jose Antonio Souto (1 January 2001). "Perspectives on religious freedom in Spain". Brigham Young University Law Review. Provo, Utah, USA: Brigham Young University. OCLC 94892517.
- Preston, Paul (May 1999). "Franco and Azaña". History Today. London, UK: History Today Ltd. 49 (5). OCLC 95360332.
- Trotsky, Leon (1936). "The Task in Spain". New International. New York, USA: Marxists Internet Archive. 5 (4). Retrieved 4 September 2011.