حوار الحضارات
د. عبد العزيز التويجري
جاء ت المبادرة إلى طرح فكرة الحوار بين الحضارات في إطارها الدولي، من العالم الإسلامي، حين تقدم رئيس الدورة الثامنة لمؤتمر القمة الإسلامي، السيد محمد خاتمي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الثالثة والخمسين، يوم 21 من سبتمبر 1998 ، باقتراح تسمية عام 2001 عام الحوار بين الحضارات. وبعد شهرين من توجيه هذا النداء، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 16 من نوفمبر 1998 القرار رقم (22/35/ A/RES ) الذي جاء فيه ما يلي: 1 ـ تعرب عن عزمها الوطيد على تيسير الحوار بين الحضارات وتشجيعه. 2 ـ تقرر أن تعلن سنة 2001 (سنة الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات). وكان الرئيس الإيراني قد وجّه نداءه إلى المجتمع الدولي في كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على النحو التالي : > أقترح باسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تبادر الأمم المتحدة بخطوة أولى إلى تسمية عام 2001 عام حوار الحضارات، على أمل أن يحقق هذا الحوار الخطوات الضرورية الأولى في سبيل العدل والحرية العالمية. فمن أهمّ مكاسب القرن العشرين الاقتناع بضرورة الحوار، والحؤول دون اللجوء إلى القوة، وتعزيز عملية التنسيق والتفاعل في المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية، إلى جانب تعزيز الحرية والعدل وحقوق الإنسان. ولقد تبلورت الدعوة إلى الحوار بين الحضارات وتطورت حتى أصبحت مسألة دولية. ففي الدورة الخامسة والخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة، صدر القرار رقم (A/RES/53/23 ) المؤرخ في 11 يناير 2001، حول (سنة الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات)، جاء فيه مايلي: إن الجمعية العامة، إذ تؤكد من جديد المقاصد والمبادئ التي يجسدها ميثاق الأمم المتحدة، والتي تدعو، في جملة أمور، إلى بذل جهد جماعي لتعزيز العلاقات الودية بين الأمم، وإزالة التهديدات للسلام، وتعزيز التعاون الدولي في حلّ القضايا الدولية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني، وفي تعزيز وتشجيع الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، وإذ تلاحظ أن الحضارات ليست حكرًا على فرادى الدول القومية، بل تشمل ثقافات مختلفة ضمن الحضارة نفسها، وإذ تؤكد من جديد أن المنجزات الحضارية تشكل التراث الجماعيَّ للجنس البشري، وأن توفر مصدرًا للإلهام والتقدم للبشرية جمعاء، وإذ تضع في اعتبارها خصائص كل حضارة وإعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية المؤرخ في 8 سبتمبر 2000 الذي يعتبر في جملة أمور، أن التسامح يشكل قيمة لازمة للعلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين، ينبغي أن تشمل التشجيع بشكل نشيط على نشر ثقافة السلام والحوار بين الحضارات، واحترام الإنسان على اختلاف المعتقدات والثقافات واللغات، دون خشية أو كبت للاختلافات بين المجتمعات وداخلها، بل مع الاعتزاز بها باعتبارها ميزة قيّمة للبشرية، وإذ تلاحظ أن العولمة تؤدي إلى مزيد من الترابط بين الشعوب والتفاعل بين الثقافات والحضارات، وإذ يشجعها أن الاحتفال بسنة الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات في بداية القرن الحادي والعشرين سيوفر الفرصة للتركيز على أن العولمة لا تنحصر في كونها عملية اقتصادية ومالية وتكنولوجية يمكن أن تجلب مكاسب عظيمة فحسب، بل هي تشكل أيضًا، تحديًا عميقًا للبشرية يدعونا إلى تقبّل تكافل الجنس البشري وتنوّعه الثقافي الغني، وإذ تسلم بتنوّع المنجزات الحضارية للجنس البشري التي تبلور التعددية الثقافية والتنوّع البشري الخلاق، وإذ تؤكد على ضرورة الإقرار بغنى جميع الحضارات واحترامها، والبحث عن القواسم المشتركة بين الحضارات وداخلها لمواجهة التهديدات التي يتعرض لها السلام العالمي والتحديات المشتركة للقيم والمنجزات البشرية، مع مراعاة أمور منعها التعاون والشراكات والإدماج، ترحب باجتماع المائدة المستديرة المعني بالحوار بين الحضارات الذي شاركت فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، وعقد على مستوى رؤساء الدول، في 5 سبتمبر 2000 ، في مقر الأمم المتحدة، مما أسهم في زيادة تعزيز الحوار بين الحضارات، تدعو الحكومات ومنظومة الأمم المتحدة، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، وغيرها من المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة، إلى مواصلة وزيادة تكثيف تخطيط وتنظيم البرامج الثقافية والتعليمية والاجتماعية الملائمة لترويج مفهوم الحوار بين الحضارات بوسائل من بينها تنظيم المؤتمرات والحلقات الدراسية والمواد الأكاديمية عن الموضوع.
وتعزيزًا لهذا القرار الدولي، صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والخمسين، القرار(A/56/L.3 ) بتاريخ 24 سبتمبر 2001 ، حول برنامج عالمي للحوار بين الحضارات، الذي لا يكاد يختلف في بعض الفقرات من ديباجته، عن القرار الآنف الذكر، ولكنه يسطر برنامجًا عالميًا للحوار بين الحضارات، ويضع الأهداف والمبادئ. وقد جاء في المادة الأولى من هذا القرار : أن الحوار بين الحضارات عملية تجري بين الحضارات وداخل الحضارة الواحدة، وتقوم على الإدماج، وعلى الرغبة الجماعية في التعّلم وكشف المسلمات ودراساتها وتوضيح المعاني المشتركة والقيم الأساسية، وتكامل وجهات النظر المتعددة من خلال الحوار. وجاء في المادة الخامسة من هذا القرار أيضًا . المشاركة في الحوار بين الحضارات ستكون عالمية النطاق ومفتوحة أمام الجميع، بمن فيهم شعوب جميع الحضارات، والباحثون والمفكرون والكتاب والعلماء ورجال الفن والثقافة وممثلو وسائط الإعلام والشباب، ممن يؤدون دورًا فعالا في بدء الحوار بين الحضارات واستمراره، والأفراد من المجتمع المدني وممثلو المنظمات غير الحكومية، بصفتهم شركاء فعالين في تشجيع الحوار بين الحضارات. ولابد أن نلاحظ في هذا السياق، أن البرنامج العالمي للحوار بين الحضارات قد أعلن رسميًا يوم 24 من سبتمبر 2001 ، بعد تسعة شهور من صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتسمية سنة 2001 ، (سنة الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات) وفي أجواء عالمية مشجعة. غير أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، قد وقعت قبل ثلاثة عشر يومًا من انطلاق العمل على الصعيد الدولي ببرنامج طموح واسع المدى فسيح المجالات، للحوار بين الحضارات. وكأن هذه الأحداث التي هزَّت العالم، قد وقعت للحيلولة دون تنفيذ هذا البرنامج. ولكن إدارة المجتمع الدولي كانت أقوى من هذه التحديات. ولقد كان حضور العالم الإسلامي في الوسط الدولي ومشاركته في تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة متميزاً ومؤثراً، فقد وضعت منظمة المؤتمر الإسلامي برنامج العمل التنفيذي للحوار بين الحضارات، في شهر سبتمبر 2001 . ووضعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة من جهتها، برنامجًا تنفيذيًا خاصًا بالعالم الإسلامي حول الحوار بين الحضارات، وذلك عملا بالقرار الصادر عن المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية الذي كلف المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بتنظيم مجموعة من الأنشطة في هذا الإطار، تعبيرًا عن مشاركة العالم الإسلامي في سنة الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات. وفي هذا الإطار أشرف الباحث بصفته مديرًا عامًا للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، على عقد سلسلة من الندوات الدولية في العديد من العواصم العربية الإسلامية والغربية، تناولت بالدرس والبحث والمناقشة القضايا المتصلة بالحوار بين الحضارات، شارك فيها صفوة من المفكرين والباحثين والإعلاميين من العالم الإسلامي ومن بعض الدول الغربية وصدرت عنها بيانات وإعلانات تضمنت مجموعة مهمة من التوصيات، نشرت ضمن (الكتاب الأبيض حول الحوار بين الحضارات) الذي أصدرناه . بالتعاون مع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ( 1). ولقد كان من النتائج المهمة التي خرجنا بها من هذه الندوات والمؤتمرات الدولية التي عقدتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، أن مفهوم الحوار قد تبلور بعمق وبوضوح منهجي، وترسخ الاقتناع بالحوار نهجًا للتواصل وأسلوبًا للتعايش، وأصبح قضية فكرية وثقافية وإعلامية تستأثر باهتمام صانعي القرار والنخب من مختلف الاتجاهات.
لمعرفة المزيد ادخل موقع افاق حوار الحضارات
www.aafaak.com