جيش عبيد البخاري
جيش البخاري هو جيش نظامي مكون في معظمه من العبيد والحراطين أسسه السلطان المغربي المولى إسماعيل لتعزيز الأمن في الإيالة الشريفة. أكبر مراكزه محلة مشرع الرمل قرب مكناسة، حيث استقر معظم جنود الجيش. ضمن مهامه كانت ضمان طاعة القبائل وجمع الضرائب منها. يعتبر جيش البخاري سلف الحرس الملكي المغربي.
يذكر المؤرخ الناصري أن عدد الجنود وصل، في بدايته، إلى أربعة عشر ألفا، عشرة آلاف بمشرع الرملة وأربعة آلاف بآدخسان، وعند موت السلطان بلغ عدد البخاريين مائة وخمسون ألفا. لكنه سرعان ما تحول هذا الجيش سببا في الفتن والاضطرابات، حيث وقف جيش العرب من الودايا بجانب أهل فاس، وجيش عبيد البخاري مناصرين من قبل أهل مكناس، وهنا دخل المغرب عصر الفوضى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تاريخ
خلفية
كان للسلطان إسماعيل جيش نظامي بمواصفات جديدة، فمن جهة ألف جيشا بنظام خاص وهو الودايا الذي ينقسم بدوره إلى ثلاث أرحاء: رحى أهل السوس ومنهم أولاد جرار وأولاد مطاع وزرارة والشبانات وهم من عرب المعقل، ورحى المغافرة وهم من عرب الخلط، ورحى الودايا وهم من قبائل الحوز من عرب المعقل. لكن طاعة العرب وانصياعهم للسطان وأوامره ليست مطلقة، فهم ثوار في طبيعتهم. كما كان ينوي بناء جيش قوي على غرار الجيش التركي المعروف بالإنكشارية وجيش المنصور السعدي.
تأسيس
لم يكتفي السلطان إسماعيل بجيش نظامي عربي بل عمل على تأليف جيش خاص بالعبيد، وقد ساعده في ذلك كاتبه عمر بن قاسم المراكشي الشهير بعليليش، وكان والده كاتبا عند المنصور السعدي، وبقي في حوزته الكناش العبيدي الذي يضم أسماء العبيد الذين كانوا في خدمة جيوش السعديين، فأمره السلطان بتجميع ما يجده منهم ومن ذريتهم.
فأصدر أمرا إلى عماله بتجميع العبيد وشرائهم من مختلف حواضر المغرب، مقابل عشرة مثاقيل للعبد، وكان مجموع ما اشتراه العمال حوالي ثلاثة آلاف، جمعهم بعليليش في سنة واحدة، منهم المتزوج والأعزب ثم كتبهم في دفتر وبعث به إلى السلطان بمكناسة، فتصفحه السلطان وأعجبه ذلك فكتب إليه يأمره بشراء الإماء للعزاب منهم، ويدفع أثمان المماليك إلى ملاكهم. وبذلك تم جمع حوالي ثمانية آلاف، أنزلها السلطان بمحلة مشرع الرملة بالقرب من مكناس، فدربهم وسلحهم. إضافة إلى ألفين جمعها محمد بن العياشي المكناسي كاتب المولى إسماعيل المكلف بتجميع العبيد من قبائل الغرب وبني حسن.
يقول الناصري:
إضافة إلى ذلك، ففي غزوة قام بها السلطان لصحراء سوس وشنكيط وتيشيت وبلاد السودان، جلب السلطان من هذه الغزوة ألفين من الحراطين[1] بأولادهم فدربهم وسلحهم.
الخلاف على الحراطين
لما فرغ عليلش، الذي وصفه الشيخ ابن عجيبة "بفقيه السوء" [2] و"عدو الله" على حد قول الفقيه علي مصباح [3]، من جمع الحراطين بالمغرب ولم يبق له إلا حراطين فاس أراد أن يدخلهم في الديوان، فأبى بعض العلماء وأغلب أهل فاس، فقال لهم السلطان: هذه منافسة منكم على حراطينكم. الأمر الذي دفع السلطان باستصدار فتوى. في ظل سخط أهل فاس عليه بسبب إتخاده مدينة مكناس عاصمة لملكه. بل يزيد على ذلك أكنسوس أن السلطان اتهم فاس بالتقاعس عن إمداده بالجيش، بل كان ذلك واحدا من مبرراته لتكوين جيش البواخر. جاء الرد على الموقف السلطاني على لسان محمد بن عبد القادر الفاسي [4] عندما أكد بصورة لبقة بأن
. هذا الموقف المتميز بنوع من الرفض المبطن، اتخذ منحى أكثر تشددا، بل أميل إلى العصيان، مع قاضي فاس الشيخ العربي بردلة الذي اتهم المؤسسة الحاكمة
فما كان من السلطان إلا أن عزله من منصبه وانتقص من كفاءته، ثم اتهم علماء فاس بالتقصير وقلة العلم والتهاون في التحصيل.
وفي صباح 18 يوليو 1698، وفد أعيان أهل فاس على عامل المدينة عبد الله الروسي بجامع القرويين حيث تدارسوا الأوامر السلطانية، ثم "وضعوا خطوطهم" (توقيعاتهم) على ملتمس رفعوه إلى السلطان مع أحد أشياخهم للتشفع لأهل فاس حتى يلغي قرار التجنيد. وبعد أربعة أيام جاء جواب السلطان بالموافقة قبل أن يقنعه عليلش بخطورة ما أقدم عليه، فتراجع السلطان عن موافقته. ثم بعد أزيد من أربعة أشهر جاءت الأوامر السلطانية صارمة إلى عبد الله الروسي بتسجيل كل حراطين فاس وضرورة توقيع القاضي والفقهاء والعدول على السجلات. فعمت الفوضى المدينة، وهجرها العشرات من الحراطين، كما هجرها العلماء الذين رفضوا التوقيع ومن بقي فيها وقع مكرهاً.[5]
امتنع الشيخ عبد السلام بن حمدون جسوس على الموافقة على ديوان الحراطين الذي أصدره عليلش المراكشي للسلطان، حقد السلطان على الشيخ، فصادر ماله أجرى عليه أنواع التعذيب، فلما فرغ جميع ما يملك هو وأولاده ونساؤه وبيعت دوره ورباعه وأصوله وكتبه، وكان يطاف به في الأسواق وينادى عليه من يفدي هذا الأسير، فبقي على هذه الحال ما يقرب من السنة. ثم في آخر ذلك أمر بقتله فقتل خنقا ودفن ليلا على يد القائد أبي علي الروسي.[6]
فانتفض الحراطين وقتلوا قائد الجيش زيدان بن عبيد العامري، وألزم الرئيس أبو محمد عبد الله الروسي الفقهاء
عبيد البخاري بعد وفاة إسماعيل
أحمد الذهبي وتحسن أوضاع الجند
ما إن بويع أحمد الذهبي حتى زاد جند البخاري في الراتب خمسين ألفاَ[8]. وكان مساعفاً لهم وليس له من السلطة إلا الاسم، لا يقطع أمراً إلا بما يأمرونه به. ولقب بالذهبي لكثرة ما كان ينفق من بيت المال على جيش عبيد البخاري بدون حساب. وكان هؤلاء هم الذين يتولون الحكم عمليا بعد وفاة المولى إسماعيل، بينما كان الذهبي في الصورة الظاهرية فقط، بعدما اختاروه هم بأنفسهم بين جميع أولاد المولى إسماعيل بعد وفاته.
سياسة عبد الملك التقشفية
قام السلطان عبد الملك بن إسماعيل بتقليص رواتب جنود البخاري.[9][10] ولم يكن تقليص رواتب عبيد البخاري سوى مقدمة في سياسة مولاي عبد الملك الرامية إلى التخلي، في نهاية الأمر، عن خدماتهم. وفي هذا الصدد كتب الناصري أن مولاي عبد الملك
. أراد عبد الملك أن يجردهم مما اغتصبوه، بل وأن ينشئ جيشاً جديداً بدلاً منهم.[11] وبدأ جيش العبيد يتضايق من عبد الملك بعد أن أمسك يده عن العطاء، بعكس ما تعودوه مع الذهبي، وتخوفهم من حل جيش البخار، ففكروا في خلعه ومبايعة أحمد الذهبي مجددا. وبعد مواجهة عسكرية بين جيش عبد الملك وجيش البخاري هزم فيها السلطان عبد الملك.
تسمية
سبب تسمية هذا الجيش بعبيد البخاري، حسب الناصري، أن السلطان جمع الجنود وأحضر نسخة من كتاب صحيح البخاري وقال لهم:
وأمرهم بالاحتفاظ بتلك النسخة وأمرهم أن يحملوها حال ركوبهم ويقدموها أمام حروبهم كتابوت بني إسرائيل. ظل ذلك التابوت المحتوي نسخة البخاري المزين بالحلل يحمل في محفة على فرس كامل الأدوات يسير في الموكب السلطاني في الأسفار والرحلات، محوطا بـ"العلم النبوي" الذي يحمله الملوك في أسفارهم وبأعلام جيش البخاري كحراس له.
الحياة الاجتماعية للعبيد
لم يكتفي السلطان بالذكور البالغين من هؤلاء العبيد، بل استغل أبنائهم وبناتهم، ودربهم منذ صغرهم، يقول الناصري:
»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تطور الجيش
في عهد السلطان مولاي يوسف تمت اعادة هيكلة الحرس الأسود فصار يتكون من وحدة للمشاة تضم فرقة موسيقية وكتيبة من الخيالة وجوقة نحاسية وفيصل سلاح المدفعية، وأصبح يطلق عليه الحرس الشريف.
وفي عهد الملك محمد الخامس اتخذت هده المؤسسة مسمى الحرس الملكي وأصبحت وحدة ضمن صفوف القوات المسلحة الملكية كرمز للسيادة والاستقلال، وقد صدر ظهير شريف للحسن الثاني سنة 1963 يقعد لكينونة الحرس الملكي.[13]
انظر أيضا
مراجع
- ^ يبين صاحب «الاستقصا» لفظ الحرطاني، الذي معناه العتيق، وأصله الحر الثاني، كأن الحر الأصلي حر أول، وهذا العتيق حر ثان، ومع كثرة استعماله أصبح الحرطاني على ضرب من التخفيف.
- ^ أبحاث، ص.82
- ^ الضعيف، ص.85
- ^ هسبريس، ص.29 وص.42
- ^ ابن الحاج، 6/389-394
- ^ محمد الضعيف الرباطي، تاريخ الضعيف، تحقيق أحمد العماري، دار المأثورات، الرباط، 1986، صص.85-86.
- ^ الناصري، 7/94
- ^ أ ب أحمد الناصري، الاستقصا...، مصدر سابق، ج 7، ص. 120.
- ^ عبد الرحمن بن زيدان، إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، المطبعة الوطنية، الرباط، 1352 هـ، ج 5، صص. 306 ـ 307
- ^ أحمد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، مطبعة دار الكتاب، البيضاء، ج 7، ص. 120.
- ^ عبد الرحمن بن زيدان، إتحاف أعلام...، ج 5، صص. 306 ـ 307.
- ^ فصل «بيان تربية أولاد عبيد الديوان وكيفية تأديبهم» في الجزء السابع من «الاستقصا».
- ^ "الحرس الملكي هيئة عسكرية من جيشنا الملكي موضوعة مباشرة وبصفة خاصة تحت سلطة جنابنا العالي بالله، وتجري عليها مع مراعاة لمقتضيات الظهائر الشريفة والأنظمة المطبقة على القوات المسلحة الملكية."الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 230-63-1 بتاريخ 21 جمادى الثانية 1303 هـ الموافق ل 9 نونبر 1963 م.