هذا المقال هو عن الشخص. إذا كنت تريد المكتبة، انظر مكتبة جرير.
ديوان جرير. لقراءة الديوان، اضغط على الصورة.
جرير هو أبو حرزة جرير بن عطية اليربوعي التميمي (و. ح. 650 - ت. 728)، هو شاعر من بني كليب بن يربوع من قبيلة بني تميم وهي قبيلة في نجد، ولد في بادية نجد من أشهر شعراء العرب في فن الهجاء وكان بارعًا في المدح أيضاً.
كان جرير أشعر أهل عصره، ولد ومات في نجد، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم فلم يثبت أمامه غير الفرزدقوالأخطل. كان عفيفاً، وهو من أغزل الناس شعراً.
بدأ حياته الشعرية بنقائض ضد شعراء محليين ثم تحول إلى الفرزدق "ولج الهجاء بينهما نحوا من أربعين سنة" [1]
وإن شمل بهجائة أغلب شعراء زمانة [2]
مدح بني أمية ولازم الحجاج زهاء العشرين سنة [3]
ووصلت أخباره وأشعاره الأفاق وهو لايزال حيا، وأشتغلت مصنفات النقدوالأدب به واقترن ذكرة بالفرزدقوالأخطل.
لا تعرف سنة ولادته على وجه الدقة، ولكن يُستخلص من أخباره أنَّه ولد في خلافة عثمان بن عفان.
كانت أسرة جرير من الأسر ذات الأصالة الشعرية، فقد كان أبوه عطيّة وجده الخطفى وأخوه عمرو، كلُّهم شعراء، ثم اتصل الشعر بعده في عدد من أبنائه وأحفاده، وكان لجرير عدد من البنين منهم: حزرة، ونوح وعكرمة وبلال، واشتهر بالشعر منهم بلال وعمارة بن عقيل بن بلال والمغيرة بن حجناء بن نوح بن بلال بن جرير. وقد نقل عن أبي العباس المبرّد قوله إن الشعر لم يتصل في أحد من الإسلاميين اتصاله في ولد جرير.[4]
كان موطن جرير وقومه بالوشم من أرض اليمامة، وفيها نشأ جرير نشأة فقيرة يرعى غنم أبيه وجده، ولمّا آنس من نفسه المقدرة على قول الشعر مضى إلى العراق وإلى الشام يعرض شعره على الخلفاء والولاة حتى نبه ذكره واغتنى، فاتخذ داراً بالبصرة كان ينزلها حين يقدم إلى العراق.
شغل جرير في حياته المديدة بأمرين: أولهما انتجاع خلفاء بني أمية وولاتهم وقادتهم ومديحهم ليحظى بصلاتهم. والثاني: مقارعة الشعراء الذين تعرضوا له، وقد ذكروا أنه هاجى ثلاثة وأربعين شاعراً لم يثبت له منهم إلا الفرزدق والأخطل.
أول من اتصل بهم جرير من الخلفاء كان يزيد بن معاوية، ذكر أبو الفرج الأصفهاني أنه وفد إليه أيام شبابه فلم يأذن له يزيد لأن ذكره لم يكن قد نبه يومذاك، فقال للحاجب: قل له إني القائل:
وإنّي لعفّ الفقر مشترك الغنى
سريع إذا لم أرض داري انتقاليا
فأذن له يزيد وأنشده جرير مدحه فيه فوصله، وتلك أول جائزة ينالها من خليفة.
ثم اتصل جرير ببشر بن مروان، والي العراق من قبل أخيه عبد الملك، وكان بشر مولعاً بالإغراء بين الشعراء، فأغرى سراقة البارقي بهجاء جرير ثم بعث بالقصيدة إلى جرير ليجيب عنها، فقال جرير قصيدة يهجو فيها سراقة ويعاتب بشراً ويمدحه ومنها قوله:
يا بشر حقّ لوجهك التبشير
هلا غضبت لنا وأنت أمير
وفي مجلس بشر اجتمع جرير بالفرزدق وتفاخرا، ففضَّل بشر جريراً. وممن قدم على بشر الأخطل التغلبي، وطلب إليه بشر أن يفاضل بين جرير والفرزدق، ففضَّل الفرزدق. وكان تفضيل الأخطل للفرزدق من دواعي استطارة الهجاء بين جرير والأخطل، إضافة إلى أسباب أخرى.
ولماّ تولّى الحجاج بن يوسف إمارة العراق بعد بشر اتصل به جرير وقال فيه مدائح غُرّاً. ولشدة إعجاب الحجاج بجرير أوفده إلى عبد الملك بن مروان مع ابنه محمد، ولكن عبد الملك حجبه في بادىء الأمر ولم يأذن له في إنشاده شعراً، فقد كان عبد الملك واجداً على جرير لأنه كان تميمياً، وتميم كانت زبيرية الهوى، وفي بعضها إشادة بذود الحجاج عن بني أمية، وبعد إلحاح أذن له فأنشده مدحته التي منها بيته المشهور:
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
ومدح فيها عبد الملك وبني أمية وهجا عبد الله بن الزبير، فأعجب عبد الملك بالقصيدة وأمر له بجائزة سنية، ومنذ ذلك الحين أخذ جرير يتردد على عبد الملك وينشده مدائحه فيه فيجزل له العطاء.
ثم اتصل جرير بالوليد بن عبد الملك ومدحه، وحين أراد الوليد جعل ولاية العهد لابنه عبد العزيز بدلاً من أخيه سليمان، وقف جرير إلى جانبه وقال أبياتاً في ذلك ومدح عبد العزيز بعدد من القصائد.
ولما وليَ سليمان بن عبد الملك كان ساخطاً على جرير لوقوفه مع الوليد في ولاية العهد لابنه، ولكن سليمان آثر أن يغض الطرف عن موقف جرير لجودة شعره، وقد مدحه جرير بقصيدة واحدة.
ولما ولي عمر بن عبد العزيز وفد عليه جرير مع الشعراء، وأنشده مديحاً فيه، ولكن عمر لم يعطه شيئاً، مع إعجابه بقصيدته وتأثره بها، ومع ذلك لم يغضب جرير وخرج من عنده وقال: خرجت من عند رجل يقرب الفقراء ويباعد الشعراء، وأنا مع ذلك عنه راض. ورضى جرير عن عمر بن عبد العزيز مردّه إلى إعجابه بسيرة عمر بن عبد العزيز وورعه وعدله.
وخلف عمر بن العزيز يزيد بن عبد الملك، فاتصل به جرير ومدحه بأربع قصائد ضمنها هجاء ليزيد بن المهلب المعادي ليزيد بن عبد الملك.
ثم اتصل جرير بعد يزيد بهشام بن عبد الملك، فمدحه بخمس قصائد، وكان يرسل قصائده إليه في مقره بالرصافة. ومدح جرير كذلك ابنه معاوية بن هشام وعامل هشام على العراق خالد بن عبد الله القسريّ. وفي زمن خلافة هشام توفي جرير.
وإلى جانب هؤلاء مدح جرير طائفة من ولاة بني أمية وقادتهم، ومنهم عبد العزيز بن مروان، والي مصر من قبل عبد الملك والقائد هلال بن أحوز المازني.
الأمر الثاني الذي شغل جريراً وقال بسببه أكثر شعره هو مهاجاته الشعراء وغير الشعراء، والجانب الأكبر منه مقول في خصميه اللدودين الفرزدق والأخطل، وأكثر هجائه لهما جاء في قالب النقائض. وقد جمع أبو عبيدة معمر بن المثنى نقائضه مع الفرزدق وشرحها وفصل القول في ما اشتملت عليه من أيام ووقائع، وفي مناقضات هذين الشاعرين فحش وبذاءة ونهش للأعراض. وكان جرير يعير الفرزدق بأمور منها ما عرف به من فسق وفجور وتعرض للنساء، ومنها وصف صفاته الخلقية، وعيَّره كذلك بنبو السيف في يده يوم دفع الخليفة لمن كانوا معه أسارى لقتلهم فضرب جرير عنق أسيره فأبانها، في حين أن الفرزدق دفع إليه سيف كهام فنبا ولم يقطع وقد أطلق جرير على الفرزدق لفظ (ابن القين) والقين هو الحداد لأن قومه كان لهم قيون يصنعون لهم السيوف، فنسب جرير الفرزدق إلى أحد هؤلاء وعيّر الفرزدق كذلك بقتل أحد بني مجاشع الزبير بن العوَّام بعقب وقعة الجمل، وعيّره بأيام قومه التي هزموا فيها، وكان يعرض لنساء مجاشع ودارم فيرميهنَّ بكل فاحشة، ومن نقائضه معه قوله:
لقد ولدت أم الفرزدق فاجراً
فجاءت بوزواز قصير القوائم
يوصل حبليه إذا جن ليله
ليرقى إلى جاراته بالسلالم
أتيت حدود الله مذ أنت يافع
وشبت فما ينهال شيب اللهازم
(الوزواز: القصير القوائم. اللهزمة: ما تحت الأذنين من أعلى الخدين).
فإذا فرغ من هجائه وهجاء قومه انتقل إلى الفخر بقبيلة يربوع وعشيرته كليب فنسب إليهما كل مفخرة.
وفي هجائه الأخطل يتسع أمامه مجال القول لأن جريراً والفرزدق ينتميان إلى قبيلة واحدة هي تميم، أمّا الأخطل فكان من قبيلة تغلب النصرانية، فهو في هجائه إياه يعيِّره هزائم تغلب في حروبها مع قبيلة قيس، ويعرض لعقيدته، ويرميه وقومه بكل مثلبة، ثم يفخر عليه بانتمائه إلى مضر. وهو الجذم الذي ينتمي إليه الرسولr والخلفاء، نحو قوله:
ولد الأخيطل نسوة من تغلب
هن الخبائث بالخبيث عذينا
إن الذي حرم المكارم تغلباً
جعل النبوة والخلافة فينا
أما في مدائحه فهو يضفي على الممدوح جميع الصفات التي كانت موضع التقدير في المجتمع العربي ويضيف إليها الصفات التي تليق بالممدوح وتختص به، فإذا مدح عبد الملك بن مروان أشاد بحزمه وبطشه بأعدائه وسخائه وإذا مدح عمر بن عبد العزيز أشاد بعدله وتقواه وحدبه على الفقراء. ولم يكن جرير يتورع عن التصريح بطلب العطاء والإلحاح فيه. ومن أماديحه المشهورة قصيدته الحائية التي مدح بها عبد الملك بن مروان، منها قوله:
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
وقوم قد سموت لهم فدانوا
بدهم في ململة رداح
فقد وجدوا الخليفة هبرزياً
ألف العيص ليس من النواحي
(الدهم: الجيش العظيم. الململة الرداح: الكتيبة الضخمة. الهبرزي: الأسد.)
ولجرير في الحجاج أماديح كثيرة أشاد فيها بقمعه الفتن ومحاماته عن خلفاء بني أمية وقتاله أعداءهم وقمعه ثورات الخوارج، ومن قوله فيه:
من سدّ مطلع النفاق عليـكم
أم من يصول كصولة الحجاج
أم من يغار على النساء حفيظةً
إذ لا يثقن بغيرة الأزواج
إن ابن يوسف فاعلموا وتيقنوا
ماضي البصيرة واضح المنهاج
أما النسيب فيأتي في شعر جرير مقدمة لقصائد المديح والهجاء، وهو يطيل فيه لميله إلى هذا الفن ورقة حسه، وعلى أنه لم يفرد للغزل قصائد مستقلة استطاع أن يجيد هذا الفن ويأتي فيه بمعان جيدة، وألفاظه في نسيبه عذبة وأسلوبه رقيق، وهو يجنح إلى التصوير العفيف البعيد عن الفحش، بخلاف هجائه، ولو أتيح له الانصراف إلى هذا الفن لكان من شعراء الغزل المتقدمين، على أن نسيبه لا يصوّر عاطفة حب لامرأة بعينها ولم يكن عاشقاً حقاً وإنما هو غزل بالمرأة عامة. ومن جيد غزله قوله:
يا أم عمرو جزاك الله مغفرة
ردي عـليّ فؤادي كالذي كانا
ألست أحسن من يمشي على قدم
يا أملح الناس كل الناس إنسانا
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وتناول جرير فضلاً عن هذه الأغراض فن الرثاء، وهو في رثائه الخلفاء والولاة يلجأ إلى تهويل الخطب والمبالغة في بيان أثره في الناس والطبيعة، ولكنه في رثاء ذويه يجنح إلى تصوير فجيعته بصدق دون مبالغة، وقد رثى أحد أولاده رثاء يتجلى فيه صدق العاطفة وشدة اللوعة، ورثى زوجته أم حزرة، مخالفاً العرف البدوي الذي يقضي بعدم رثاء الزوجة وعدم زيارة قبرها، ومن قوله فيها:
لولا الحياء لعادني استعبار
ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولهت قلبي إذ علتني كبرة
وذوو التمائم من بنيك صغار
ولقد أراك كسيت أجمل منظر
ومـع الجمال سـكينة ووقار
والريح طيبة إذا استقبلتها
والعرض لا دنـس ولا خـوار
وجرير شاعر مطبوع، يجري في شعره على سجيته، لا يتعمل ولا يتكلف، وليس في شعره تعقيد ولا معاظلة بخلاف شعر الفرزدق، وحين يعمد إلى التصوير تأتي صوره بسيطة تمثل البيئة البدوية وتقل فيها الصور الحضرية، وهو يوشح شعره بالمعاني القرآنية فيكثر من ذكر الأنبياء وقصصهم نحو قوله:
دعا الحجاج مثل دعاء نوح
وأسمع ذا المعارج فاستجابا
وفي الجملة فإن جريراً شاعر مبرز في أكثر أغراض الشعر وأسلوبه يتسم بالسهولة مع جزالة اللفظ وحلاوة الديباجة.
في زمن وفاة جرير روايات عدة (فقد جعلها بعض من ترجموا له سنة 110هـ، وجعلها آخرون سنة 111هـ) والمرجح (أنه توفى سنة 114هـ) لأن وفاته كانت بعد وفاة الفرزدق، والثابت أن الفرزدق عاش حتى سنة 114هـ، وقد هجاه جرير بعد وفاته ولكنه ما لبث أن رثاه.
شعره
بالاضافة إلى الهجاء برع جرير في المدح وخص به الخلافة الاموية وامرائها وكان مدحه للتكسب والحصول على المال لفقر حالته كما برع في الغزل التقليدي الذي افتتح به قصائده وكذلك اشتهر بالفخر والرثاء والوصف.
ويتميز شعر جرير بثلاثة أمور:
الأول ان جرير قال بيتين في شعر الغزل يعدان أفضل ما قيل في الغزل بالعربية- رغم كونه ليست من شعراء الغزل ولم يتوله باحد اويعشق احدا- ولم يقل الشعراء مثليهما في الشعرالعربي على مدى العصور.
الثاني انه تكالب عليه الشعراء فافحمهم واسكتهم ونقض قصائدهم بافضل منها واشد واقوى وكان سببا من وجود شعر النقائض في العربية.
الثالث طيبة نفس جرير التي جعلته ينسى كل ماقاله فيه الفرزدق من هجاء مقذع في قصائده اذ قام برثاء الفرزدق اجمل رثاء في قصيدة رائعة تعد من روائع الشعر العربي والتي تنم عن الخلق العربي الاصيل.
تبادل جرير والفرزدق الهجاء أكثر من أربعين سنة، وكان كثير من الشعراء ينزلق في هذه المناظرة مؤيدا شاعرا على الاخر,وهذا ما حدث للراعي النميري حيث انحاز الى الفرزدق على حساب جرير (فكان له الويل وكل الويل) حيث قال :
يا صاحبي دنا الرواح فسيرا
غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
فلم يمهله جرير كثيرا بل اعد له في اليوم التالي قصيدة تتكوم من97 بيت من الشعر، فأتى سوق المربد بعد ان احتل الناس مراكزهم واسرج ناقته عند مجلس الفرزدق والراعي النميري وألقى قصيدته، وهذه بعض أبياتها:
اعد الله للشعراء مني
صواعق يخضعون لها الرقاب
أنا البازي المدل علة نمير
اتحت من السماء لها انصبابا
اذا علقت مخالبه بقرن
اصاب القلب او هتك الحجابا
ترى الطير العتاق تظل منه
جوانح للكلاكل ان تصابا
فلا صالى الاله على نمير
ولا سقيت قبورهم السحابا
ولو وزنت حلوم بني نمير
على الميزان ما باغت ذبابا
ستهدم حائطي قرماء مني
قواف لا اريد بها عتاب
أعد لهم مواسم حاميات
فيشفي حر شعلتها الجرابا
فغض الطرف انك من نمير
فلا كعب بلغت و لا كلاب
أتعدل دمنة قلت وخبثت
الى فرعين قد كثرا وطابا
اذا غضبت عليك بنو تميم
حسبت الناس كلهن غضابا
لنا البطحاء تفعمها السواقي
ولم يكن سيل أوديتي شعابا
ستعلم من اعز حمى بنجد
و أعضمنا بغائرها هضابا
شياطين البلاد يخفن زأري
و حية أريحاء لي استجابا
اليك اليك عبد بني نمير
ولما تقتدح مني شهابا
المصادر
^ابن سلام الجمحي. طبقات فحول الشعراء . ت محمود محمد شاكر. مطبعة المدني. ص 389
^أبو الفرج الأصفهاني . كتاب الأغاني . الهيئة المصرية العامة للكتاب .1993. ج8 . ص 14 /8 22
^أبو الفرج الأصفهاني. كتاب الأغاني. الهيئة المصرية العامة للكتاب .1993. ج8 . ص 285 /8 22