توماي
توماي
الاكتشاف الأبرز في تاريخ الذاكرة الإنسانية
"توماي"
مخلوق بشري عمره 7 ملايين سنة
"إن هذا الحدث أشبه بانفجار قنبلة ذرية في مجال التطور البشري."
بهذه الكلمات وصف الإعلام اكتشافَ أقدمِ أثرٍ متحجِّر لمخلوق بشري حتى الآن، يعود إلى سبعة ملايين عام، في تشاد.
في إطار البحث عن أقدم الأدلة حول التاريخ البشري، أعلن فريق دولي، مؤلَّف من أربعين من علماء الآثار والأنثروبولوجيين، عن اكتشاف ستِّ عينات من الأحافير تعود إلى الإنسان الأول، أو الكائن "شبيه الإنسان" Hominidae، الذي يشكِّل أحد الأجداد الأوائل للإنسان الحديث، بحسب نظرية التطور.
وتتضمن الأحافير المكتشَفة في تشاد، على بعد 2500 كم من وادي الصَّدع الأفريقي الشرقي، جمجمة كاملة أو أجزاء من الفك السفلي، يُعتقَد أنها تعود لذَكَر، وتبلغ من العمر ما بين ستة وسبعة ملايين سنة، مما يجعلها الأقدم بين الأحافير البشرية المكتشَفة حتى الآن. وتبرز أهمية هذا الاكتشاف في أنه يُظهِر جنسًا جديدًا من "البشريات" أو أجداد البشر، سُمِّيَ Sahelanthropus tchadensis ("إنسان التشاد السواحلي")، نسبة إلى المنطقة التي اكتُشِف فيها؛ وهو جنس لم يكن معروفًا، ولا يشبه الأجناس المُكتَشفة حتى الآن، ويعيد إنعاش فكرة "الحلقة المفقودة" بين البشر والقرود. ويدل الاكتشاف، من حيث موقعُه الجغرافي في أفريقيا الوسطى وعمره، على أن التبايُن أو الانفصال الذي حصل بين الجنس البشري وجنس القرود تمَّ قبل وقت أطول بكثير مما كان يُعتقَد حتى الآن، وأن الأعضاء المبكرين للجنس البشري كانوا موزَّعين على نطاق جغرافي واسع، لا ينحصر فقط في القسم الشرقي من أفريقيا، كما جرى الاعتقاد طويلاً.
"لا يمكن أن أصف العاطفة التي تجتاحني وأنا أمسك بين يدي بداية السلالة البشرية. لقد كنت أبحث عن هذا منذ خمسة وعشرين عامًا، وعرفت أنني سأجده في يوم من الأيام. فهو جزء من حياتي... إنها قصتي الإنسانية كما هي قصة البشرية..."، قال العالم الفرنسي ميشيل بروني الذي قاد فريق الباحثين، معلقًا على هذا الاكتشاف الذي أبقاه طيَّ الكتمان مدة سنة ولم يعرضه سوى لعدد محدود من العلماء.
وقد أطلق الفريق اسم توماي (أو "أمل الحياة"، بلغة الغوران الأفريقية) على البقايا المكتشَفة التي وصفها المحرِّر العلمي في مجلة Nature هنري جي بأنها "الاكتشاف الأبرز في تاريخ الذاكرة البشرية، وهو ينافس اكتشاف أول "إنسان قرد" قبل سبعة وسبعين عامًا، على يد العالم ريمون دارت، الذي شكَّل الوصف والدليل الأول على آليات تطور الجنس البشري، بحسب نظرية داروِن".
ويتميز شكل جمجمة توماي والأجزاء العظمية الأخرى العائدة له بأنها تحتوي على مزيج من المميزات البدائية والناشئة حديثًا، مما يزيد من الاعتقاد بأنه الأقرب إلى الجدِّ المشترك بين الجنس البشري وقرود الشمبنزي، كما إلى أجداد البشر الحديثين. فحجم الجمجمة صغير، لا يتعدَّى 350 سنتمترًا مكعبًا، أي بحجم جمجمة الشمبنزي الحديث، وجبينه عال وسميك بشكل لم يُرَ إلا لدى الصنف البشري. أما علبة الدماغ فأشبه بالعلبة الخاصة بالقرود، فيما الوجه قصير، والأسنان – لاسيما الأنياب – صغيرة، وبالتالي أشبه بأنياب البشر.
ويرد بروني على الذين يشككون في أن تكون هذه الجمجمة عائدة لبشري، فيعيدونها إلى أنثى قرد، بالقول إن "جبينه أسمك من جبين ذَكَر الشمبنزي، وبالتالي، لا يمكن، في أيِّ حال من الأحوال، أن يكون لأنثى". فجبين الإناث عادة ما يكون أرق.
يؤجِّج الاكتشافُ من جديد النقاشَ حول النظرية القائلة بأن أجداد البشر تطوَّروا في الجانب الشرقي من الصَّدع الأفريقي، فيما تطورت القرود في الجانب الغربي منه.
وبحسب مجلة Nature التي تنشر اليوم تفاصيل الاكتشاف، فإن "العالم كان مليئًا بالقرود قبل عشرة ملايين سنة، والجنس البشري، أو أعضاء في هذه الأسرة، بدأوا بالظهور والافتراق عن القرود قبل خمسة ملايين سنة".
زينب غصن
جريدة السفير اللبنانية