توازن اقتصادي
التوازن الاقتصادي Economic equilibrium في الأصل هو تطبيق لمفهوم فيزيائي على الظاهرات الاقتصادية. فهو وصف لحالة تعادلية تتكافأ فيها قوى متضادة تقوم بينها علاقات سببية، فإذا ما تغيرت إحدى القوى زيادةً أو نقصاناً تأثر غيرها تلقائياً أو عمداً تأثراً بعلاقة السببية أو تأثيراً فيها حتى تصل إلى حالة التوازن السابقة أو تبتعد عنها.
والتوازن في اقتصاد ما، هو الوضع الذي يتيح فيه تناسب المكونات الإجمالية تحقيق التصحيح الملائم للتدفقات، وثباتاً في الأسعار تشغيلاً للآلية الاقتصادية. إنه الحالة الاقتصادية والمالية التي تتفاعل فيها قوى جزئية أو كلية أو كلها معاً، إذا ما توافرت شروط وظروف محددة، ويمكن أن يؤدي عدم استمرار أحد هذه الشروط أو نقصها أو زيادتها، مع ثبات غيرها، إلى خلل من خلال العلاقات أو التأثيرات المترابطة بين الوحدات الاقتصادية في الاقتصاد القومي، وقد يطول أجل هذا الخلل أو يقصر إلى أن تحدث أو تستحدث عوامل مضادة تعمل في عكس الاتجاه المخل فيعود التوازن الاقتصادي إلى سيرته الأولى.[1]
يقصد بالميزان الاقتصادي الجدول الذي يبين في أحد طرفيه مصادر هذا الميزان وفي الطرف الآخر استعمالات هذه المصادر، أو بعبارة أخرى، هو كشف حسابي يبين مصادر مادة ما وكيفية التصرف بهذه المادة. وقد سمي هذا بالميزان لأن إجمالي مصادره يجب أن يتوازن مع إجمالي استعمالات هذه المصادر. هذا ويمكن تصوير هذا الميزان بالكمية أو بالقيمة، ويبقى هذا التعريف ناقصاً ما لم يضف إليه عنصران آخران: الأول هو عنصر الزمن والثاني هو عنصر المكان. فيجب على الميزان الاقتصادي أن يُحدد مكانياً بدولة معينة أو منطقة معينة، وزمانياً بفترة زمنية محددة كسنة مثلاً أو عدة سنوات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التعريف
من الصعب وضع تعريف شامل ودقيق لتعبير «التوازن». فالتوازن «نسبي»، أي إنه يُعرَّف بالاستناد إلى وضع سابق وظرف دولي معين. وهو «إجمالي» لأن المقصود بالتوازن توازن الاقتصاد بصفته كلاً متضمناً مستوى من الملاءمة بين مجموع القطاعات، لاسيما الاجتماعية منها. ولهذه الأسباب فهو تعبير «معقد» لأنه يرتبط بتحقيق كثير من التوازنات الرئيسة التي تسهم في الحفاظ على التوازن الكلي. ويُشار عادة إلى أن التوازن ليس بالمساواة أو بالمعادلة الرياضية لمكون أو لعدد من المكونات الإجمالية. فمثل هذه المساواة أو المعادلة لا يمكن لها أن تتحقق إطلاقاً في جهاز حي كالاقتصاد. فالتوازن يمكن أن يعد انسجاماً بين القيم والقوى الاقتصادية (أو انعدام عدم التناسب بينها) كأن يقوم الكيان الاقتصادي ـ الاجتماعي بأكمله بالعمل على تلبية الحاجات المعقولة لأعضائه وأن يكون مستعداً لمواجهة الأزمات.
وما من شك أن التوازن هو أحد المفهومات الأكثر عرضة للجدل في العلم الاقتصادي، وهذا يعود إلى كون كل وضع اقتصادي متوازناً ببعض المعايير وغير متوازن بمعايير أخرى. فالأمر يتوقف على الزاوية المنتقاة من المحلل الاقتصادي. فتوازن الاستخدام غير الكامل لدى جون مينارد كينز مثلاً يتناول وضعاً تتحقق فيه مساواة بين العرض والطلب للسلع النهائية مع الاستمرار في وجود فائض في العرض في سوق العمل (البطالة)، كذلك فإن حالة التضخم مع التوازن هي الحالة التي ينعكس فيها تعادل العرض والطلب الإجمالي ليس بثبات الأسعار بل بارتفاعها (الضغوط التضخمية التي تظهر في بعض القطاعات تتجاوز الضغوط الانكماشية في القطاعات الأخرى).
ويمكن تعريف التوازن في الاقتصاد من خلال ثلاثة معانٍ:
- التوازن بوصفه حالة موازنة قوى. وهو المفهوم التقليدي وفي الغالب هو المفهوم (السكوني) للتوازن (المساواة بين العرض والطلب في سوق ما، المساواة بين الاستثمار والادخار وغير ذلك).
- التوازن بوصفه حالة استراحة لنظام أو لجزء من نظام خاضع تبعاً لذلك لوضع استقرار. فمن هذه الزاوية إن كل عدم توازن في سوق ما -أي كل وضع يتحقق فيه فائض في عرض أو طلب بصورة مستمرة- هو وضع توازن إذا ما استمر في الزمن.
- التوازن بوصفه حالة تتحقق فيها التوقعات كاملة. إن التوازن، في هذه الحالة، هو الوضع الذي تتحقق فيه، بصورة تامة، التوقعات التي تتناول المتغيرات الاقتصادية الأساسية. هذا التوجه نجده في الأصل في النظرية النقدية لدى لينداهل Lindahl، وفي تحليل النمو المتوازن لدى هارود Harrod.
التاريخ
يُعد آدم سميث أوَّل من بحث في التوازن الاقتصادي إذ كان الهدف من كتابه «ثروة الأمم» تحليل التوازن الاقتصادي العام. وكان يغلب على النظرية الاقتصادية التقليدية إيمان بالتوازن التلقائي الساكن القائم على آلية أتوماتيكية لتحركات الأسعار والأجور بمرونة تامة. وقد جاءت فكرة التوازن الساكن إلى الفكر الاقتصادي منذ قرنين من الزمن لتطبع، منذ ذلك الحين، مختلف المفهومات المتعلقة بالعلوم الاقتصادية. ويمكن إرجاع ذلك إلى ما كان يغلب على النظريات الاقتصادية التقليدية من طابع «السكون والاستقرار» ومن «التلقائية والحتمية» ومن «تجربة الظواهر الاقتصادية وعزلها بعضها عن بعض في محاولة الكشف عن العوامل والفرضيات التي تعمل على التوازن الساكن». ولكن سرعان ما أثبتت أحداث التجربة التاريخية بُعد هذا التطور النظري عن الواقع الفعلي. فقد تعرضت اقتصاديات الدول الصناعية، منذ نهاية القرن الثامن عشر، إلى تقلبات واختلال في التوازن أصر اتباع المدرسة التقليدية بادىء الأمر على النظر إليه على أنه اختلال آني مؤقت. ولكن النتائج الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذا الاختلال من جهة، وردود الفعل المثارة على الحرية الاقتصادية من جهة ثانية دفعت بعض الاقتصاديين التقليديين المحدثين إلى استقراء الأحداث وبناء نظرية علمية للتوازن العام. فقد توصلت المدرسة الهامشية (مدرسة لوزان) مع ليون والراس Léon Walras ت(1834-1910) وتلميذه فلڤردو پاريتو Vilfredo Pareto ت(1848-1923) إلى صياغة نموذج رياضي للتوازن العام يقوم على التوفيق بين مفهومين: مفهوم العلاقات المتبادلة لمختلف الظاهرات في نظام اقتصادي معين، ومفهوم التوازن العام لهذا النظام. وقد انطلقا من المبدأ القائل «بأن القيم الاقتصادية تتحدد بصورة متبادلة لأن هناك تبعية متبادلة عامة بين أسواق المنتجات وأسواق الخدمات المنتجة». وقد أقام هذان الاقتصاديان بالاستناد إلى ظاهرة التبعية المتبادلة هذه فكرة التوازن الساكن، إذ «تكافىء بعض القوى بصورة آلية التجاوزات وتحاول إعادة الوضع السابق». ويظهر «والراس» مثل هذا التوازن بوساطة مخطط اقتصادي مهد باستعماله لاستعمال جداول التبادل بين القطاعات المستخدمة من كثير من الدول اليوم. ويفترض هذا المخطط المقدم من «والرس» و«باريتو» التطبيق الكامل لقواعد المنافسة التامة. يضاف إلى أنهما لا يأخذان العامل النقدي بالحسبان لأن النقد في نظر هذين الاقتصاديين ومن سبقهما من المدرسة التقليدية هو قطاع ثانوي يستحسن استبعاده عن التحليل النظري.
وبعد أن غلبت نظرية التوازن العام في التحليل الاقتصادي طوال عشرات السنين، بدأت تتعرض منذ المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الثانية إلى انتقادات حادة انصبت بوجه خاص على مخالفة النظرية للواقع الفعلي، ثم لم يعد من خلاف حول هذا الموضوع في تلك المرحلة بعد أن أجمع معظم الباحثين على ضرورة إحلال فكرة التوازن الحركي المتجدد محل فكرة التوازن الساكن المستقر. ولم تقتصر الطعون الناقدة على تناول مفهوم التوازن ذاته بوصفه مفهوماً نظرياً مخالفاً للواقع الفعلي فحسب بل امتدت الانتقادات إلى المنطق الداخلي الذي تقوم عليه النظرية. وكان من النتائج الإيجابية لهذه الانتقادات إسراع أتباع نظرية التوازن إلى بناء نظرية التوازن العام الديناميكي بإدخال متحول «الزمن» في معادلات التوازن.
جدد جون مينارد كينز John Maynard Keynes ت(1883-1946) نظرية التوازن بأن وضع في صلب تفكيره العمالة الكاملة التي لم تستأثر باهتمام «والراس» و«باريتو» اللذين كانا يعتقدان أن للأجر دور المنظم في سوق العمل (فعندما تزداد القوى العاملة يتيح انخفاض الأجور الاسمي الحفاظ على العمالة الكاملة). ومن جهة أخرى فقد خص التحليل الكينزي الزمن بالأهمية وعدّه أحد العناصر المجهولة من الاقتصاديين التقليديين الجدد، وفي رأي كينز أن أصحاب المشروعات يقومون بالاستثمار استناداً إلى توقعاتهم لحجم الطلب في المستقبل فهو يدرس تصرف الوحدات الاقتصادية طوال تلك المدة، وليس في وقت محدد، كما تكمن أهمية هذه الطريقة في إيجاد الحالات التي يظهر فيها تأثير هذا العامل في السياسات الاقتصادية.
إن كينز برفضه فكرة «التوازن التلقائي» يقبل بإقامة توازن نهائي، إذ تطرأ تعديلات جذرية على العلاقات بين الادخار والاستثمار. وبرفضه فكرة «الادخار المسبق الضروري لانطلاق الاستثمار» يؤكد بالفعل وجود التوازن اللاحق للاستثمار والادخار. ولم يعد يتوقف التوازن في هذا المنظار على تصحيح الأسعار إنما على تبدلات الدخل. فإن جميع التوازنات ممكنة (السَّيِّء منها والجيد) في نظر كينز والتوازن المنشود هو ذلك الذي يؤدي إلى العمالة الكاملة التي يمكن التوصل إليها بوساطة مستوى مرتفع للاستثمار الذي يتحدد بموجبه الناتج القومي والادخار.
ثم ألحق بمفهوم التوازن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إضافات ملموسة لقيت استحساناً في السياسات الاقتصادية لدول أوربة الغربية، فقد ضمن تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية تحقيق حجم كاف من الاستثمار. وأضاف الذين استكملوا أعمال كينز ولاسيما الاقتصادي بول سامويلسون Paul A.Samuelson إلى التوازن الاقتصادي الإجمالي إسهاماً، هو أكثر من إضافة شكلية، عن طريق تحديد أدق لمفهوم الاستثمار، وعن طريق التمسك بتعرف توزيع الدخل القومي بصورة أفضل. وينبغي ملاحظة أن هذين المفهومين (التقليدي الجديد والكينزي) للتوازن يضمان بذاتهما توازنات فرعية (بين العرض والطلب في السوق، وبين الدخل والاستهلاك العائلي، عدا توازن الموازنة والتوازن الدولي وغيرها).
ومما يجدر ذكره في هذا المجال أن عالم اليوم يشهد تزايداً مطرداً في توجيه أصابع الاتهام إلى التوازن بصفته معياراً وإلى استمراره «أداة تحليل» في خدمة السياسات الاقتصادية.
توازن ناش
- لمزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع، انظر توازن ناش و نموذج كورنو.
التوازن في المنشأة
التوازن في المنشأة هو ظفرها بأكبر قدر ممكن من الأرباح أو تكبدها أدنى مستوى ممكن من الخسائر. وتحقق المنشأة الحد الأقصى من الربح في مستوى الإنتاج الذي تتساوى عنده التكلفة الحدّية مع الإيراد الحدي (انظر التحليل الاقتصادي). وفي ظل المنافسة التامة يتساوى الإيراد الوسطي والحدي مع السعر. ومن ثمَّ تحدد المنشأة حجم إنتاجها عند النقطة التي تتساوى فيها تماماً التكلفة الحدّية لآخر وحدة منتجة مع السعر. فإذا ما تجاوز الإنتاج هذا المستوى نجمت خسائر كما أن إنتاجاً بمستوى أدنى يؤدي إلى نقص في الربح. وعندما تحقق منشأة ما أرباحاً في النقطة التي تتساوى فيها التكلفة الحدّية مع الإيراد الحدي فإن هذا يؤدي إلى تحفيز منشآت أخرى على الدخول في السوق، وتكون النتيجة زيادة العرض في فرع الإنتاج المعني ومن ثمَّ انخفاض السعر. وعلى العكس في حال الخسارة، فإن بعض المنشآت تترك فرع الإنتاج تدريجياً مما يؤدي إلى تقلص عرض السلع المنتجة وارتفاع السعر.
التوازن في أسواق عوامل الإنتاج
يتحقق استقرار أسعار عوامل الإنتاج، ومن ثمَّ التوازن في أسواقها، عندما تجعل الزيادة في أسعار عوامل الإنتاج الناجمة عن انخفاض الإنتاجية الحدّية استعمال عوامل إنتاج إضافية غير منتج لأي ربح.
التوازن في الاقتصاد الوطني
يُطلق تعبير «الدخل القومي» على دخل مجموع الأفراد والجماعات التي تسهم في النشاط الاقتصادي. فإذا ما تم استهلاك الدخل كاملاً في اقتصاد ما يمكن عندئذٍ القول بأن الاستهلاك يساوي الدخل القومي.
ولأن هناك أفراداً يقومون بالادخار، في أي اقتصاد كان، فإن الدخل القومي يساوي مجموع الاستهلاك والادخار. استناداً إلى ما تقدم يتبين أن الاستهلاك هو أحد الأجزاء المكونة للدخل القومي، وهو يزداد بازدياد الدخل، وبتعبير آخر هو تابع من الدرجة الأولى للدخل القومي. ومن جهة أخرى تُعرّف النزعة الهامشية للادخار بأنها نسبة تزايد الادخار إلى نسبة تزايد الدخل. ويظهر الادخار في الاقتصاد البدائي بصور متعددة من السيولة (قطع ذهبية وأكياس توابل...الخ) في حين أنَّه يوظِّف في الاقتصاد المتطور لدى مؤسسات مالية تقوم بإقراضه إلى مستثمرين. فالمستثمر حين يرغب باستثمار مبلغ معين ينبغي له إيجاد مبلغ مدخر مكافئ.
وهكذا يمكن تعريف التوازن في الاقتصاد الوطني بأنه: التوافق بين قرارات الوحدات الإنتاجية وقرارات الوحدات الإنتاجية الإنفاقية.
ولكي يتحقق التوازن ينبغي أن تكون نفقات الاستهلاك والادخار في نهاية المدة مكافئة لقرارات إنتاج سلع الاستهلاك وسلع الاستثمار في بداية المدة. وفي هذه الحالة فإن الادخار كله يستثمر، فليس للشركات أن تقوم بإنشاء أي مخزون لا إرادي. كما لن يكون هناك أي فائض في الطلب في أي من الأسواق. وهناك شرط إضافي تم إدخاله في الاقتصاد النقدي يتناول المساواة بين عرض النقد والطلب عليه. إذ لا يكون هناك أي فائض في الطلب على النقد.
التوازن في الاقتصاد الدولي
من مفارقات الاقتصاد الدولي اليوم أن تتعايش حالة الافتقار إلى المنتجات في دول العالم الثالث. (ربما أحياناً مع فائض إنتاجي قطاعي) مع الخوف من فائض إنتاج في «المجتمعات الاستهلاكية» (في الدول المتقدمة) وأن يتم اللجوء في هذه المجتمعات إلى تنشيط مصطنع للطلب من أجل تحقيق نمو في الإنتاج والحفاظ على الاستخدام الكامل.
وتعود أزمات «فائض الإنتاج» في الاقتصاد الدولي إلى القرن التاسع عشر وتطور الرأسمالية الصناعية في تلك المرحلة. ويبدو أنها كانت متلازمة مع تعثر آلية عمل «اقتصاد السوق». فهذا الخلل في توازن الاقتصاد الدولي لا يمكن أن يكون إلا جزئياً ومؤقتاً في بعض الدول في حين أنه قد يكون شاملاً ومستمراً في بعضها الآخر.
ويذهب اقتصاديو المدرسة التقليدية في القرن التاسع عشر إلى أن فائض الإنتاج الشامل هو أمر مستحيل، لأن «المنتجات تتبادل لقاء منتجات» (قانون المنافذ لجان باپتيست ساي Jean-Baptiste Say)، ولا يمكن أن يكون هناك فائض في العرض على النطاق العالمي، لأن العلاقة بين العرض والطلب هي أكثر من كونها مساواة وإنما تعود «لمواصفات في طبيعة كل منهما»، «فالمبادلة بوساطة النقد تعادل المقايضة. فالنقد هو وسيط حيادي ولا يرغب به لذاته». ومن ثمَّ لن يكون هناك اكتناز، فالدخول التي ادُّخرت يجري إقراضها إلى مستثمرين لقاء فائدة، ويتم بوساطة تغيير معدل الفائدة تحقيق المساواة، بين الادخار والاستثمار أي بين العرض العالمي الإجمالي والطلب العالمي الإجمالي. إن هذا التوازن الشامل في الوقت نفسه توازن للاستخدام الكامل، لأن مرونة أسعار العوامل تضمن المساواة بين عرض هذه العوامل والطلب عليها. أما خلل التوازن بالإضافة إلى ندرة حدوثه فهو جزئي ومؤقت، إذ يؤدي فائض العرض آلياً إلى خفض السعر مما ينشط الطلب ويكبح الإنتاج وفي الأمد الطويل، فإن ثبات الأجر الحقيقي وزيادة عائد الملاّك العقاريين المرتبط بتزايد الندرة النسبية للأرض في مواجهة تزايد السكان يؤدي إلى تقلص معدل الربح. ومن ثمَّ إلى انخفاض الاستثمار وتراكم رأس المال ممَّا يدفع بالاقتصاد نحو وضع يتصف بالجمود، إذ يستقر كل من عدد السكان والإنتاج غير أن العرض يبقى دوماً مساوياً للطلب.
وتعد الدول اليوم مسؤولة أكثر فأكثر عن الحفاظ على النمو الاقتصادي والتوازن والاستخدام الكامل. وعلى أنَّ تدخل الدول كان صعباً، يبدو ناجحاً في الأمد القصير والمتوسط، لأن الاستخدام الكامل والنمو أمكن تحقيقهما بصورة عامة في اقتصاديات الدول المسماة الدول المتقدمة، لأن الأزمات استعيض عنها بحالات ركود خفيفة. غير أنه ليس من المؤكد إمكانية الاستمرار بنسب النمو الحالية في الأمد الطويل مما يؤدي إلى فائض الإنتاج الشامل ومن ثمَّ إلى التشكيك في مدى صلاحية النظام الاقتصادي القائم اليوم.
التوازن والنشاط الاقتصادي
كان للمكانة الكبيرة التي أسندها التحليل الاقتصادي لفكرة التوازن أن صارت، إن لم نقل من حيث الشكل فمن حيث المضمون على الأقل، الطابع الرئيس للسياسات الاقتصادية المعاصرة. غير أن هذا الواقع كان مختلفاً إثر نهاية الحرب العالمية الثانية حينما أعلنت معظم الحكومات في تلك المرحلة، بغية تجنب أزمات اقتصادية مشابهة لأزمة عام 1929، أنها ستضع سياسات اقتصادية تهدف إلى تحقيق الاستخدام الكامل. وتبين لتلك الحكومات بعد مدة قصيرة بأن الاستخدام الكامل لا يمكن أن يكون وحده هدفاً لسياسة اقتصادية، وأن التوصل إلى الاستخدام الكامل ينبغي أن يتم في إطار سياسة تتيح تحقيق نسب نمو عالية للاقتصاد في جو من الاستقرار في الأسعار الداخلية وفي ظل التقيد بتوازن المدفوعات الخارجية. فالسياسات الاقتصادية المعاصرة لا تقترح تحقيق نمو اقتصادي بأي ثمن كان ولا تحقيق استخدام كامل بأي ثمن كان بل هي تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية في آن واحد:
- نمو الناتج المحلي الإجمالي بأعلى نسبة ممكنة.
- الاستخدام الكامل للقوى العاملة.
- استقرار الأسعار.
- توازن ميزان المدفوعات.
لذلك جاء ما يسمى بسياسة «النمو المتوازن» التي ترتكز على عدد من المبادىء من أهمها:
1- ضرورة تحقيق نمو الناتج بعد الأخذ بالحسبان التزايد السكاني ولاسيما تزايد القوى العاملة بنسبة تؤدي إلى رفع مستوى المعيشة.
2- ضرورة وضع القواعد الناظمة لتطور الناتج الإجمالي عن طريق القيام، في آن واحد، بإلغاء التوسعات الاقتصادية المضاربية والتقلصات العميقة للنشاط اقتصادي.
3- ضرورة الحفاظ على مستوى مرتفع للاستخدام مع ضمان انتقال العمل وتوزيعه بحسب الإنتاجية النسبية لمختلف فروع الاقتصاد.
4- ضرورة القضاء على الضغوط التضخمية الناجمة عن طلب فعلي شديد الارتفاع.
5- ضرورة تحقيق معدل نمو داخلي ينسجم مع توازن ميزان المدفوعات.
6- ضرورة تحقيق توزيع عادل لثمار النمو المتحقق.
وهكذا فمن أجل زيادة الإنتاج والتوصل إلى الاستخدام الكامل ينبغي التحفيز على زيادة الطلب سواء بوساطة السياسة المالية (زيادة النفقات العامة، عجز الموازنة) أو بوساطة السياسة النقدية (تخفيض معدلات الفائدة). إن كِلا الأسلوبين يؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية، وإن الخطورة الكامنة وراء استعمال مثل هذه الأساليب تتجلى في التحريض على ارتفاع الأسعار، وفي حدوث التضخم، وفي تدهور قيمة النقد في حال تجاوز الطلب الإجمالي للمستوى المناظر للاستخدام الكامل، وفي حال كون الإنتاج لم يعد قادراً على تلبية شدة الطلب، وينبغي عند ذلك كبح التوسع عن طريق اتخاذ تدابير معاكسة، كاستقرار الموازنة ورفع معدلات الفائدة وتخفيض الطلب على النقد. إن «النمو المتوازن» هو في الواقع عملية السير الشائكة بين حجري العثرة: البطالة والتضخم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أهداف الموازين الاقتصادية
يهدف نظام الموازين الاقتصادية عموماً إلى تحديد مستويات متوافقة من الإنتاج في مختلف القطاعات، وتحقيق التوزيع المناسب للبضائع الزراعية والصناعية بين المشروعات بغية تحقيق التوازن بين خطط الإنتاج وخطط الاستثمار، كما يهدف هذا النظام إلى ضمان التوازن في المبادلات بين القطاعات، وتحقيق الانسجام فيما بينها، إضافة إلى تحقيق التوازن بين الموارد والنفقات.
تصنيف الموازين الاقتصادية
ومن تعريف الموازين الاقتصادية المذكور أعلاه وحسب أهدافها يمكن تصنيفها إلى عدد من الموازين من أهمها:
ـ الموازين البشرية: وهي التي يتفرع عنها ميزان السكان وميزان القوة العاملة.
ـ الموازين النوعية: وهي الموازين المتعلقة بناحية معينة من نواحي النشاط الاقتصادي، كميزان الطاقة الإنتاجية وميزان الأراضي وميزان المواشي وميزان الخامات المعدنية.
ـ الموازين الإجمالية: وهي التي تهدف إلى ربط الموازين النوعية بعضها مع بعض بما يسمى «ميزان الاقتصاد القومي» كميزان إنتاج واستخدام الناتج القومي.
ـ الموازين المالية: كميزانية الدولة العامة، والتي تبين موارد هذه الدولة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة عموماً واستخدامات هذه الموارد (نفقات الدولة) في حقول التعليم والطرق والنظافة.
ـ الموازين السلعية: وهي الموازين التي سيقتصر البحث عنها هنا.
الموازين السلعية
يقصد بالميزان السلعي الجدول الحسابي الذي يبين في أحد طرفيه المصادر لسلعة ما وفي الطرف الآخر استعمالات مصادر هذه السلعة، وذلك من حيث المكان والزمان. ويمكن تصوير هذا الميزان بالكمية وبالقيمة. وقبل الخوض في مكونات هذه الموازين وفوائدها وميزاتها في إعداد الخطط الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق النمو والتطور في بلد ما، لابد من ملاحظة أن هذه الموازين هي مدخل لإيضاح مفهوم جداول المدخلات والمخرجات التي تهدف إلى تبيان التشابك الاقتصادي بين جميع القطاعات المكونة للاقتصاد القومي وتصوير العلاقات الداخلية بين مختلف أنشطة هذا الاقتصاد.
ولأهمية هذه الموازين السلعية (وجداول المدخلات والمخرجات) قامت عدة دراسات بشرح مفهومها، الأمر الذي يتطلب تناول المنظور التاريخي لها باختصار.[2]
انظر أيضاً
- Competitive equilibrium
- General equilibrium theory
- Partial equilibrium
- Nash equilibrium
- Labor theory of value
- Price
- Exchange value
- Supply and demand
- Microeconomics
- Real prices and ideal prices
- Prices of production
- Law of value
المصادر
- ^ جورج الاوظن. "التوازن الاقتصادي". جريدة الشرق الأوسط. Retrieved 2011-12-16.
- ^ الاقتصادية, الموسوعة العربية
قراءات أخرى
- فؤاد دهمان، الوجيز في الاقتصاد السياسي (1965).
- Emile James, Histoire sommaire de la Pensée économique .ed.Montchrsdtien (1965).
- Raymond Barre, Economie Politique, P.U.F (1970).
- L .Stoleru, L’equilibre et la croissance économique, Dunod (1967).
وصلات خارجية
- Equilibrium and Explanation, chapter 2 of Surfing Economics by Huw Dixon