تصنيف:كتابة التاريخ
الدكتورة ثورية أبو فاطمة ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
|
الدراسة النقدية للتاريخ النص التاريخي بين التحليل والتأويل
التاريخ ليس كتابة تاريخ فرد، أو حادثة تاريخية، أو تاريخ شعب وأمه، أو التاريخ الكلي أي التاريخ الإنساني الشامل، وإنما هو تحليل وفهم للأحداث التاريخية عن طريق منهج يصف و يسجل ما مضى من وقائع و أحداث و يحللها و يفسرها على أسس علمية صارمة بقصد الوصول إلى حقائق تساعد على فهم الماضي و الحاضر و التنبؤ بالمستقبل.
وكذلك وجب القيام بدراسة تعتمد على حقائق الماضي وتتبع سوابق الأحداث في الماضي والحاضر، ودراسة ظروف السياقات التاريخية وتفسيرها في الماضي والحاضر والمستقبل فمنهج البحث التاريخي هو مجموعة الطرق و التقنيات التي يتبعها الباحث و المؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية، و إعادة بناء الماضي بكل وقائعه و زواياه ، وكما كان عليه زمانه و مكانه تبعا لذلك فالمنهج التاريخي يحتاج إلى ثقافة واعية و تتبع دقيق بحركة الزمن التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على النص التاريخي ، لهدا وجب ارتباط المنهج بمستويات النقد في كل مراحله الممثلة في التفسير والتأويل و التنقيح و الحكم نظرا لعنايته الجادة بالنص كرؤية واقعية ترتبط بالزمن و العصر. ويجب كذلك إعطاء الأهمية الأولية للسياق التاريخي لتأويل النصوص لان هناك وثائق تعبر عن انحياز كامل للمرحلة التي كتبت فيها ، لهذا فبعض الوثائق التاريخية لا تعبرعن حقيقة مايجري من أحداث لهذا وجب التركيز على قراءة النص التاريخي ونقده لان هناك كتابات لمؤرخين سيطرت عليهم الإيديولوجيات السياسية السائدة أتناء الفترة التي أنتج فيها.
وإذا كانت الوثائق وغيرها من المواد التي يجمعها المؤرخ بخصوص الموضوع التاريخي الذي يعالجه بالدرس والتحليل والتمحيص تمثل الحقيقة، فماهي إذن الحقيقة التاريخية ؟
وهل يمكن اعتبار تلك الوثائق والمواد بمثابة الحقيقة عينها؟
ثم إن وجود هذه الحقائق والوثائق بين أيدي هذا المؤرخ أو ذاك لا يضمن الاتفاق بين المؤرخين على تأويلها نفس التأويل لأن لكل مؤرخ وجهة نظره ودوافعه، لهذا فالمؤرخ هو من يتخذ القرار المسبق في عملية ترتيب النصوص والوثائق التي تخدم وجهة نظره ، لهذا لا يمكن أن نضمن اتفاقا بين المؤرخين على حدث معين ، فلكل تأويله وتحليله لهذا عند تحليل النصوص التاريخية لا بد من الوقوف على علاقة المؤرخ بالوثائق والحقائق التي يملكها بين يديه كمواد خام للدرس والتحلي ، هل يعتمدها كحقيقة مسلم بها ؟ أم يقارنها بمعطيات أخرى مثل التحدث عن الإيديولوجيات والمواقف السياسية السائدة في العصر التي كتبت فيه الوثائق ؟ وكذلك مقارنتها بالموقف السياسي لكاتب الوثيقة وعلاقته بعصره.
إن الحقائق والوثائق ليست في حد ذاتها تاريخا، وإنما هي شهادة تشهد على جزء من اللحظة التاريخية وقد تكون هذه الشهادة مزيفة، ولذا ينبغي مقارنتها بشهادات أخرى بهدف الوصول للحقيقة لان الحقائق التاريخية لمرحلة معينة تخضع دائما وللتعديل، وكذلك لحذف بعض عناصرها بسبب المصالح، أو بغية إخفاء ما لا يتلاءم مع الفاعلين في التاريخ ، لهذا وجب على المؤرخ وهو يدون كتاباته التاريخية أن يتعامل مع النصوص والوثائق بحياد، وان يبحث في علاقة تلك النصوص بأصحابها لتوفير بعض الموضوعية ويتفاعل مع الوقائع التاريخية بموضوعية في كتاباته التاريخية والابتعاد عن الذاتية التي تجعل من النص التاريخي يخضع للتأويل ليتلاءم مع منهج المؤرخ في الكتابة.
وأثناء تحليل النص التاريخي لابد أن يستحضر الباحث في التاريخ :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أولاً: العلوم الاجتماعية والإنسانية
منها دراسات الأنثروبولوجية فالباحث في التاريخ لا يمكن أن يستغني عن الدراسات الأنثروبولوجية خاصة عندما يدرس التطور الثقافي في المجتمع والتمكن من معرفة مراحل هذا التطور ومدى عملية التأثير و التأثر، و هناك أيضا علم الجغرافيا وهو من العلوم المرتبطة بالتاريخ فالارتباط وثيق للغاية بين التاريخ و الجغرافيا أي بمعنى آخر بين الزمان و المكان وتتحكم الجغرافية في التوجهات السياسية لحد كبير فمثلا امتداد نهر النيل من بلاد الحبشة يفرض على مصر علاقات معينة و خاصة بينها و بين دول حوض النيل.
أما علم الاقتصاد و الاقتصاد السياسي فهو يخدم دراسة التاريخ لمعرفة دور العوامل الاقتصادية و توزيع الثروة بين الطبقات و كذلك وسائل الإنتاج ونوعيه وأسلوب التوزيع للثروة في تشكيل نوع الدولة وطبيعة النظم فيها والطبقة الحاكمة.
وكذلك وجب الإلمام بعلم الاجتماع لأنه من العلوم الوثيقة الصلة بعلم التاريخ و التي يحتاجها المؤرخ في فهم الأحداث التاريخية وعلم الاجتماع كعلوم الإنسان يقوم بدراسة شاملة للأفعال و العلاقات الإنسانية وللتغير الاجتماعي لهذا ونظرا لاهتمام هذا العلم بدراسة التغير السياسي و الديني و الحربي فانه يساعد الباحث في فهم الطبقات الاجتماعية ودورها في المجتمع.
وأما بخصوص علم السكان فهو من العلوم الهامة للباحث التاريخي وهو يتناول دراسة الشعوب وتكوينها و توزيعها الجغرافي فيضطر المؤرخ للرجوع إليها لتفسير ظاهرة تاريخية لها علاقة بتحرك السكان وبالجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذه الحركة.
كما يجب اهتمام الباحث بدراسة علم النفس حيث أن العوامل النفسية تدخل في تفسير بعض المواقف التي تحرك الأفراد و خاصة الأبطال و الزعماء خاصة عند دراسة التاريخ الشخصي للزعيم من حيث البيئة التي نشأ فيها والأسرة التي تربى فيها للبحث عن عقد نفسية معينة مسئولة عن حركته ضد آخرين أو معهم.
ووجب الإلمام أيضا بعلم السياسة لان التاريخ هو سياسة الماضي و السياسة هي تاريخ المستقبل
ثانياً: المهارات والأدوات
ومن هذا المنطلق وجب الإلمام باللغات فالباحث في التاريخ الفرنسي يحتاج لمعرفة اللغة الفرنسية والمهتم بالتاريخ العثماني لابد من الإلمام باللغة التركية القديمة و كذلك وجب الاهتمام بالبحث العلمي .
هذه مجمل الخطوات التي يجب استحضارها أثناء تحليل الوقائع تاريخية.