برجوان

الأستاذ أبو الفتوح برجوان (ت. 390هـ) كان عبداً خصياً سلاڤونياً من خدام الحاكم بأمر الله صاحب مصر ومدبري دولته. وكان نافذ الأمر مطاعًا، نظر في أيام الحاكم في ديار مصر والحجاز والشام والمغرب وباقى أمور المملكة، وكان ذلك في سنة (387هـ).

وتنسب إليه حارة برجوان بالقاهرة. وقتل سنة (390هـ) في القصر بالقاهرة بأمر الحاكم. ولما قتل خلف من الملابس والفرش والآلات والكتب والطرائف ما لا يحصى لكثرته.

ذكر المقريزي في المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 90 من 167 )  : " قال ابن ميسر‏:‏ هذه المنظرة بناها العزيز بالله ولما ولي برجوان الحاكم بأمر الله بعد أمين الدولة بن عمار الكتامي‏:‏ سكن بمنظر اللؤلؤة في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وثلثمائة إلى أن قتل وفي السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة‏:‏ أمر الحاكم بأمر الله بهدم اللؤلؤة ونهبها فهدمت ونهبت وبيع ما فيها‏.‏ وقال المسبحي‏:‏ وفي سادس عشري ربيع الآخر يعني سنة اثنتين وأربعمائة‏:‏ أمر الحاكم بأمر الله بهدم الموضع المعروف‏:‏ باللؤلؤة على الخليج موازاة المقس وأمر بنهب أنقاضه فنهبت كلها ثم قبض على من وجد عنده شيء من نهب أنقاض اللؤلؤة واعتقلوا‏.‏

وقال ابن المأمون‏:‏ لما وقع الاهتمام بسكن اللؤلؤة والمقام فيها مدة النيل على الحكم الأول يعني قبل وزارة أمير الجيوش بدر وابنه الأفضل أمر بإزالة ما لم تكن العادة جارية به من مضايقها بالبناء ولما بدت زيادة النيل وعول الخليفة الآمر بأحكام الله على السكن باللؤلؤة أمر الأجل الوزير المأمون‏:‏ بأخذ جماعة الفراشين الموقوفين برسم خدمتها بالمبيت بها على سبيل الحراسةلا على سبيل السكن بها وعندما بلغ النيل‏:‏ ستة عشر ذراعًا أمر بإخراج الخيم‏


قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الثالث ( 97 من 167 )  : " حارة بَرَجَوَان منسوبة إلى الأستاذ أبي الفتوح برجوان الخادم وكان خصيًّا أبيض تامّ الخلقة رُبّي في دار الخليفة العزيز بالله وولاه أمر القصور‏.‏

فلمّا حضرته الوفاة وصّاه على ابنه الأمير أبي عليّ منصور فلمّا مات العزيز بالله أقيم ابنه منصور في الخلافة من بعده وقام بتدبير الدولة أبو محمد الحسن بن عمّار الكتامي فدبّر الأمور وبرجوان يناكده فيما يصدر عنه ويختصّ بطوائف من العسكر دونه إلى أن أفسد أمر ابن عمّار فنظر برجوان في تدبير الأمور يوم الجمعة لثلاث بقين من رمضان سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وصار الواسطة بين الحاكم وبين الناس فأمر بجمع الغلمان ونهاهم عن التعرّض لأحد من الكتاميين والمغاربة ووجّه إلى جار ابن عمّار فمنع الناس عنها بعد أن كانوا قد أحاطوا بها وانتبهوا منها وأمر أن يُجري لأصحاب الرسوم الرواتب جميع ما كان ابن عمّار قطعه وأجرى لابن عمّار ما كان يُجري له في أيام العزيز بالله من الجرايات لنفسه ولأهله وحرمه ومبلغ ذلك من اللحم والتوابل خمسمائة دنيار في كلّ شهر يزيد عن ذلك أو ينقص عنه على قدر الأسعار مع ما كان له من الفاكهة وهو في كلّ يوم سلّة بدينار وعشرة أرطال شمع بدينار ونصف وحمل بلح‏.‏

وجعل كاتبه أبا العلاء فهد بن إبراهيم النصراني يوقّع عنه وينظر في قصص الرافعين وظلاماتهم فجلس لذلك في القصر وصار يطالعه بجميع ما يحتاج إليه ورتّب الغلمان في القصر وأمرهم بملازمة الخدمة وتفقّد أحوالهم وأزال علل أولياء الدولة وتفقّد أمور الناس وأزال ضروراتهم ومنع الناس كافة من الترجّل له فكان الناس يلقونه في داره فإذا تكامل لقاؤهم ركبوا بين يديه إلى القصر ما عدا الحسين بن جوهر والقاضي ابن النعمان فقط فإنهما كانا يتقدّمانه من دورهما إلى القصر حتّى أنّه لقّب كاتبه فهدًا بالرئيس فصار يخاطب بذلك ويكاتب به‏.‏ وكان برجوان يجلس في دهاليز القصر ويجلس الرئيس فهد بالدهليز الأول يوقّع وينظر ويطالع برجوان ما يحتاج إليه ممّا يطالع به الحاكم فيخرج الأمر بما يكون العمل به‏.‏

وترقّت أحوال برجوان إلى أن بلغ النهاية فقصر عن الخدمة وتشاغل بلذّاته وأقبل على سماع الغناء وأكثر من الطرب وكان شديد المحبّة في الغناء فكان المغنّون من الرجال والنساء يحضرون داره فيكون معهم كأحدهم ثمّ يجلس في داره حتّى يمضي صدر النهار ويتكامل جميع أهل الدولة وأرباب الأشغال على بابه فيخرج راكبًا ويمضي إلى القصر فيمشي من الأمور ما يختار بغير مشاورة‏.‏

فلما تزايد المر وكثر استبداده تحرّد له الحاكم ونقم عليه أشياء من تجرّئه عليه ومعاملته له بالإذلال وعمد الامتثال ومنها أنّه استدعاه يومًا وهو راكب معه فصار إلهي وقد ثنى رجله على عنق فرسهوصار باطن قدمه وفيه الخفّ قبالة وجه الحاكم ونحو ذلك من سوء الأدب‏.‏

فلما كان يوم الخميس سادس عشري شهر ربيع الآخر سنة تسعين وثلاثمائة أنفذ إليه الحاكم عشيّة للركوب معه إلى المقياس فجاء بعدما تباطأ وقد ضاق الوقت فلم يكن بأسرع من خروج عقيق الخادم باكيًا يصيح‏:‏ قتل مولاي‏.‏ وكان هذا الخادم عينًا لبرجوان في القصر فاضطرب الناس وأشرف عليهم الحاكم وقام زيدان صاحب المظّلة فصاح بهم‏:‏ من كان في الطاعة فلينصرف ويتكامل جميع أهل الدولة وأرباب الأشغال على بابه فيخرج راكبًا ويمضي إلى القصر فيمشي من الأمور ما يختار بغير مشاورة‏.‏

فلما تزايد المر وكثر استبداده تحرّد له الحاكم ونقم عليه أشياء من تجرّئه عليه ومعاملته له بالإذلال وعمد الامتثال ومنها أنّه استدعاه يومًا وهو راكب معه فصار إلهي وقد ثنى رجله على عنق فرسه وصار باطن قدمه وفيه الخفّ قبالة وجه الحاكم ونحو ذلك من سوء الأدب‏.‏ فلما كان يوم الخميس سادس عشر شهر ربيع الآخر سنة تسعين وثلاثمائة أنفذ إليه الحاكم عشيّة للركوب معه إلى المقياس فجاء بعدما تباطأ وقد ضاق الوقت فلم يكن بأسرع من خروج عقيق الخادم باكيًا يصيح‏:‏ قتل مولاي‏.‏ وكان هذا الخادم عينًا لبرجوان في القصر فاضطرب الناس وأشرف عليهم الحاكم وقام زيدان صاحب المظّلة فصاح بهم‏:‏ من كان في الطاعة فلينصرف إلى منزله ويكبر إلى القصر المعمور‏.‏ فانصرف الجميع‏.‏

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قتل برجوان

قال المقريزي المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الثالث ( 97 من 167 )  : " فكان من خبر قتل برجوان أنّه لما دخل إلى القصر كان الحاكم في بستان يعرف بدّويرة التين والعنّاب ومعه زيدان فوافاه برجوان بها وهو قائم فسلّم ووقف فسار الحاكم إلى أن خرج من باب الدويرة فوثب زيدان على برجوان وضربه بسكّين كانت معه في عنقه وابتدره قوم كانوا قد أعدّوا للفتك به فأثخنوه جراحة بالخناجر واحتزّوا رأسه ودفنوه هناك‏.‏

ثمّ إنَّ الحاكم أحضر إليه الرئيس فهدأ بعد العشاء الأخيرة وقال له‏:‏ أنت كابني وأمّنه وطمّنه فكانت مدّة نظر برجوان في الوساطة سنتين وثمانية أشهر تنقص يومًا واحدًا ووجد الحاكم في تركته مائة منديل يعني عمامة كلّها شروب ملوّنة معمّمة على مائة شاشية وألف سراويل دبيقية بألف تكّة حرير أرمنيّ ومن الثياب المخيطة والصحاح والحليّ والمصاغ والطيب والفرش والصياغات الذهب والفضّة ما لا يحصى كثرة ومن العين ثلاثة وثلاثين ألف دينار ومن الخيل الركابيّة مائة وخمسين فرسًا وخمسين بغلة ومن بغال النقل ودواب الغلمان نحو ثلثمائة راس ومائة وخمسين سرجًا منها عشرون ذهبًا ومن الكتب شيء كثير‏.‏ وحمل لجاريته من مصر إلى القاهرة رحل على ثمانين حمارًا‏.‏


المصادر


إسلام أون لاين: برجوان       تصريح