بدنا نعيش
بدنا نعيش، هي حركة احتجاج بدأت في قطاع غزة في 15 مارس 2019 ضد حركة حماس في قطاع غزة والسلطة الفلسطينية في رام الله، احتجاجاً على غلاء المعيشة وسوء الخدمات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
انطلاق الحركة
تزامناً مع ذكرى قيام ثورات الربيع العربي في عام 2011، انطلق حراك بدنا نعيش في 15 مارس 2019، مع الموجة الثانية للربيع العربي، التي انطلقت في السودان والجزائر. وعلى خلاف حراك عام 2011، الذي دعا إلى مطلب سياسي هو إنهاء الانقسام الفلسطيني، وحراك 29 أبريل 2014، وأشبه بما عرف بحراك الكهرباء في 12 يناير 2017، كانت مطالب/دوافع الحراك اجتماعية - إنسانية واضحة، متمثلة بشكل أساسي بارتفاع الضرائب وغلاء المعيشة، إضافة إلى غياب فرص العمل، وتكرار مشاهد القمع والاعتقال السياسي، الّتي يمكن اختصارها في شعار "بدنا نعيش". وككلّ مرّة، تكون مقابلة هذه الحراكات الاجتماعيّة بأدوات القمع العنفيّة؛ المادّيّة والمعنوية.[1]
والتفرقة هنا بين نوعي الحراكات بمعيار الغاية، إشارة إلى نزول سقف التوقّعات والمطالبات الممكن تحقيقها؛ من تحرير وعودة، إلى إنهاء انقسام، إلى ميناء ومطار، ثمّ فكّ الحصار وفتح معبر رفح، وانتهاءً بحلّ أزمة الكهرباء وغلاء المعيشة، وما يقابله من ارتفاع لحدّة العنف المستخدَم من قِبَل الأجهزة القمعية التابعة لحركة حماس؛ أي كلما انخفض مستوى المطالبات، ازدادت حدة العنف! وربما يمكن تفسير ذلك بقصدية شبه النظام الحاكم إلى ترسيخ الاستبداد؛ أي فهم سلمية الشعب ومطالبه اليومية، بأنّه خضوع وتكيّف بما تقرّره السلطة الحاكمة؛ أي ترجمة ضعف مقوّمات الشعب على أنّه زيادة رصيد قوة الجماعة المسيطرة، كونها تتعامل مع الشعب، بوصفه رعايا لا مواطنين.
انطلق حراك بدنا نعيش في أنحاء مختلفة من قطاع غزة: معسكر جباليا، ودير البلح، وخانيونس، ونصيرات، والبريج، بعد دعوة أطلقتها مجموعة من الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، تحت وسمَي #الترنس_يجمعنا، للخروج يوم 14 آذار (مارس) 2019، و#بدنا_نعيش، في تظاهرات سلميّة، تنديداً بكومة الظروف السيئة الّتي يعيشها القطاع؛ ومنها غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار عشرات السلع الأساسية، آخرها السجائر الّتي زادت أسعارها بنسبة 200%، لسد العجز المالي الذي تعانيه حكومة حماس؛ إذ تعود ضرائب التبغ بما يقارب 20 مليون شيكل إسرائيلي شهرياً على خزينة وزارة المالية في غزة، وذلك كحق في التظاهر السلمي، الذي تكفّله القانون الفلسطيني. والحراك ليس سياسياً - بالمعنى الّذي يُخيف الأنظمة الاستبدادية على بقائها - ولا يقصد جهة بعينها، إنّما يعبر عن رسالة موجّهة إلى كل من حكومة حماس في قطاع غزة، والسلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، والفصائل والأحزاب الفلسطينية كافة، الّتي لها مشاركة سياسية.
قمع الحكومة
لقمع الاحتجاجات، تستخدم الحكومة الحمساوية طريقتين رئيسيتين، إضافة إلى وجود عوامل أخرى غير مباشرة، بدءاً بالقمع؛ فقد تعرض العشرات من المواطنين المشاركين في الحراك إلى الضرب المبرح بالهراوات، والاعتقال رجالاً ونساء، إضافة إلى إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وإصابة مجموعة منهم، وملاحقة المتظاهرين واقتحام البيوت، ولم يسلم من ذلك الصحفيون؛ فمُنعوا من التغطية، وصودرت أجهزتهم، واعتُقل بعضهم، ومَنْ وثّق هذه الانتهاكات بالصور والفيديوهات، مجموعة من الأفراد عبر حساباتهم الشخصيّة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويُظهر ما جرى تداوله الدرجة العنيفة من القمع، بما يشبه ما يتعرّض إليه الفلسطينيّون في الضفّة الغربيّة، من قِبَل السلطة "الوطنيّة الفلسطينيّة"، ما يذكّر بأغنية شادي زقطان وعماد الصيرفي "نشرة أخبار": "هَيْ في دوْريّة برّا، مش واضح لمين، لسّا بياخدوا أوامر، مش عارف من مين [...] لا تبكي ولا تعملّي حكاية، قولي إن شاء الله بسّ يكونوا يهود".
ولم يقتصر الأمر على العنف المادي، بل استُخدم العنف المعنوي/الرمزي، حين أجرت قوات عسكرية تابعة لحماس، عرضًا عسكريًّا على "مفترق الترنس" في مخيّم جباليا، تزامنًا مع الحراك؛ لترهيب الناس وإجهاض الحراك قبل أن يبدأ، من خلال التذكير بوجود قوّة أكبر لا يمكن مواجهتها؛ وفي ذلك بيان للنهج المستمرّ بخلط جدليّة السلطة – المقاومة وتفعيلها. وحاولت المنظومة/ الجماعة الحمساويّة تبرير ذلك بإضفاء الشرعيّة، بدايةً العرض العسكريّ بأنّ تزامنه صدفة غير مخطّط لها، والقمع بأنّ الحراك ليس لديه تصريح، وكأنّ الشعب ككلّ يحتاج إلى إذن أو وصاية، أو كأنّ ذلك يكفي لتبرير القمع التنكيليّ! وكذلك وصف المتظاهرين بأنّهم يُحدثون أعمال شغب.
أمّا الدمج والتأسيس مع التيّار، فذلك من خلال إظهار تبنّي مطالب الحراك، وتوجيهها ضدّ السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، أو تغيير الشعارات إعلاميًّا، أو إشراك عناصر من المنظومة لإفساد الحراك، مثل دسّ شعار "ارحل يا عبّاس"، أو ادّعاء أنّ الأجهزة الأمنيّة التابعة لـ "حماس" تحمي المظاهرات، وكذلك من خلال الاتّهام بالتخوين والعمالة؛ أي تطبيق أجندة خارجيّة أو حزبيّة، وهو ما تعرّض إليه العديد من ناشطي الحراك، عن الاعتقال، قبل الحدث وبعده. وممّا يساعد على ذلك، محاولة بعض الأحزاب/ التيّارات تصدّر الحراك، لإضفاء شرعيّة على وجودهم وخدمة مصالحهم؛ إذ إنّ دورها غالبًا ما يكون سلبيًّا، أي تسييس/ تحزيب الحراك.
ويضاف إلى هذه الطرائق، صُنع العدوّ؛ كي تقمع بضمير مرتاح - حسب تعبير بيير كونيسا - حين أُطلقت مساء الخميس مجموعة من الصواريخ نحو الأراضي المحتلّة عام 1948، بعد فضّ الحراك ودعوات الناشطين إلى الخروج في يوم الجمعة 15 مارس 2019 - على الرغم من وجود اتّفاق تهدئة برعاية مصرية – وذلك على ما يبدو من أجل حرف بوصلة الناس وخياراتهم، وللتغطية إعلاميًّا على الحدث الأبرز. ومع ذلك، في تصريح صحافيّ لوزارة الداخليّة والأمن الوطنيّ التابعة لحماس، ثمّة تنصّل من مسؤوليّة إطلاق الصواريخ من قطاع غزّة، رغم أنّها مَنْ يسيطر على هذا القرار، ولا أحد يملك القدرة على الفعل بلا موافقتها، ويمكن تفسير هذا الإنكار بعدم تحمّل مسؤوليّة أيّ تصعيد محتمَل، أمام الداخل أو الخارج.
ويمكن إدراج ذلك في نهج الماذاعنية/ الماذالوية (Whataboutism /Whatifism)، الذي تتبنّاه المنظومة الحمساوية، من أجل تحوير القضايا بسبب عدم وجود حجج، وذلك في تبرير القمع والبقاء، ولمنع أي محاولة تعبير عن سخط أو تغيير؛ فعند المطالبة بتحسين الكهرباء، يأتي الرد "ماذا عن المقاومة؟"، وعند المطالبة بإلغاء الضرائب، "ماذا عن عقوبات محمود عباس؟"، وعند النداء بالحرّيّات المدنيّة والسياسيّة، "ماذا لو حكمت السلطة أو إسرائيل؟"، وعند الدعوة إلى الحراك مرّة أخرى، "ماذا عن معركتنا مع الاحتلال؟".
صحيح أنّ حراك "بدنا نعيش" اجتماعيّ بحت؛ أي ليس له أيّ مطالب سياسيّة، لكن ما تفهمه المنظومة الحمساويّة، أنّ ذلك تعبير عن فشل إدارتها، ورفض الشعب لوجودها ككلّ، حتّى لو لم يُستخدم شعار "إسقاط النظام"، ولا سيّما بعد استهلاك الشعارات الأيديولوجيّة "المقاومة، التحرير، العودة... إلخ"، المستخدمة لإضفاء الشرعيّة لأكثر من اثني عشر عامًا منذ أحداث الانقسام الفلسطينيّ؛ إذ لم تعد تكفي، لذلك يكون تفعيل ماكينة القمع، فلا تختلف في ذلك عن باقي الأنظمة الاستبداديّة، الّتي تعمل على إقصاء المواطنين من الميدان العامّ إلى مجالاتهم الخاصّة، وتطالبهم بالانصراف إلى شؤونهم وأعمالهم، لكن هنا لا تتركهم حتّى ينصرفوا إلى عاديّاتهم الحياتيّة، بسبب عدم وجود أيّ موارد تمكّنهم من ذلك.
ردود الفعل
حركة حماس
حركة فتح
في 17 مارس 2019 قال السفير حازم أبو شنب، القيادي في حركة فتح، إن الحراك الشبابي السلمي الذي بدأ في قطاع غزة فاجأ الجميع. وأضاف أنه بعد مرور ثلاثة أيام، تركوا أثراً وانطباعات عن السياسيين والمثقفين والمستوى الشعبي.[2]
وفيما يتعلق بعلاقة حركة فتح بحراك بدنا نعيش، في قطاع غزة، أوضح أبو شنب، قائلاً: تفاجئنا في فتح بهذا الحراك، وبهذه العفوية من قطاعات الشعب الواسعة، والتي انضم إليها كبار السن وكل الأعمار بشكل عفوي. وطالب أبو شنب بضرورة استيعاب المطالب التي يرفعها الحراك، وأنها مطالب مستحقة للقطاعات الواسعة من أبناء الشعب في قطاع غزة، والذين حرموا من أقل حقوقهم نتيجة سيطرة حماس على مجريات الحياة اليومية، ونتيجة الحصار الاقتصادي، حسب قوله.[3]
وفي الوقت نفسه، تزخر المواقع الإعلامية التابعة لحركة فتح بمشاهد وقصص القمع التي مارستها حركة حماس ضد فلسطينيين خرجوا إلى شوارع غزة ضد الغلاء تحت شعار" بدنا نعيش". كما نشر العديد من أعضاء حركة فتح على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تدعو للانقلاب وتشدد على قمع حركة حماس للمتظاهرين السلميين.
مرئيات
مظاهرات حركة بدنا نعيش في دير البلح، 15 مارس 2019. |
قوات حماس تلاحق المتظاهرين أثناء مظاهرات 16 مارس 2019. |
المصادر
- ^ "حراك "بدنا نعيش": تفكيك المقدس الحمساوي". عرب 48. 2019-03-17. Retrieved 2019-03-17.
- ^ "قيادي بـ"فتح": مطالب حراك "بدنا نعيش" مشروعة ويجب مساندتها من كل الفصائل". سپوتنك عربي. 2019-03-17. Retrieved 2019-03-17.
- ^ "احتجاجات "بدنا نعيش".. فرصة "فتح" لإنهاء سيطرة حماس على قطاع غزة". العين الإخبارية. 2019-03-17. Retrieved 2019-03-17.