الوب من أجل رخائنا (مجلة العلوم)
تحيا الوِبْ
بقلم تيم برنرز-لي
- مقالة مفصلة: نحو عمليات بحث أفضل على الإنترنت
- مقالة مفصلة: مقالات مجلة العلوم الأميريكية
إن الوِب web أساسية، ليس للثورة الرقمية فحسب وإنما أيضا من أجل استمرار رخائنا، وحتى حرِّيتنا. وكالديموقراطية، تحتاج الوِب إلى حمايتها.
"باختصار
يتيح مبدأُ الشمولية للوِب أن تعمل مهما كانت العتاديات الحاسوبيـة أو البرمجيات أو وسائط الاتصال أو اللغة المستعملة، ويَسمح لها بالتعامل مع المعلومات بمختلف أنواعها. وهذا هو المبدأ الذي يقوم عليه تصميم تقانة الوِب. تمكِّن المعايير (المقاييس) standards التقنية المجانية المفتوحة الناس من إنشاء تطبيقات من دون الحاجة إلى استئذان أيِّ جهة أو تكبُّد أيِّ نفقات. أما براءات الاختراع المحمية، وخدمات الوِب التي لا تَستعمل معرِّفات الموارد الشاملة الشائعة للعنونة، فإنها تحدُّ من روح الابتكار. تمثِّل التهديدات التي تحيق بالإنترنت، ومنها تدخُّل الشركات والحكومات في حركة الإنترنت والتلصُّص عليها، انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية في الشبكة. لا سبيل إلى ازدهار تطبيقات الوِب، والبيانات المترابطة، وتقانات الوِب المستقبلية الأخرى إلا بحماية المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الإنترنت." |
انطلقت الوِب (الشبكة العنكبوتية العالمية) the web إلى الوجود من حاسوبي المكتبي المادِّي(1) physical desktop في جنيڤ بسويسرا، في الشهر 12/1990. وكانت تتألف من موقع وِب web site واحد ومتصفِّح واحد one browser تصادف وجودهما على الحاسوب نفسه. وقد أَظهرَت تلك التركيبة البسيطة مفهوما جوهريا تمثَّل بأنَّ أيَّ شخص يستطيع مشاركة أيِّ شخص آخر في المعلومات حيثما وُجِد. ومن هذا المنطلق، انتشرت الوِب انتشارا سريعا بين الناس جميعا. وها هي اليوم، في الذكرى السنوية العشرين (في عام 2010) لانطلاقتها، باتت جزءا لا يتجزَّأ من حياتنا اليومية، وصار وجودها شيئا مسلَّما به ومتوقَّعا في كلِّ زمان ومكان، تماما كالكهرباء.
وتطوَّرت الوِب تدريجيا لتصبح أداة فاعلة واسعة الانتشار لأنها أُقيمت على مبادئ المساواة، ولأن آلافا من الأفراد والجامعات والشركات عملوا فرادى ومجتمعين، بوصفهم جزءا من اتحاد الوِب العالمي(2)، على توسيع قدراتها بالاعتماد على تلك المبادئ.
إلا أن الوِب، بشكلها الحالي، مهدَّدةٌ بطرائق شتى. فقد بدأ بعض أنجح مستخدِميها بتقويض مبادئها، وتقوم مواقع شبكات تواصل اجتماعي(3) كبيرة بحجب المعلومات المرسَلة إليها من مستخدِميها عن بقية الوِب. وينـزع مزوِّدو خدمة الإنترنت اللاسلكية إلى عرقلة الحركة باتجاه المواقع التي لا تربطهم بها مصالح. وتقوم الحكومات، الديكتاتورية والديموقراطية على حد سواء، بمراقبة عادات الناس على الإنترنت، معرِّضة حقوق الإنسان المهمة للخطر.
فإذا سمحنا، نحن - مستخدمي الوِب - لهذه النزعات وغيرها بالاستمرار من دون رقابة أو ردع، فإن الوِب سوف تتشظَّى إلى جزر متناثرة، وسوف نفقد حرية النفاذ إلى المواقع التي نريدها. ويمكن لتلك المفاعيل السلبية أن تمتد لتصل إلى الهواتف الذكية والهواتف المحوسبة(4) pads التي تُعَدُّ أيضا بوّابات للنفاذ إلى كميات المعلومات الهائلة التي توفرها الوِب.
ما الذي يحملك على الاهتمام بهذا الأمر؟ الجواب هو أن الوِب تخصُّك. فهي مورد عام تعوِّل عليه أنت ومؤسَّستك ومجتمعك وحكومتك. وهي مهمة أيضا للديموقراطية، لأنها قناة تواصل تتيح التخاطب المستمر عبر العالَم. وهي اليوم أكثر أهمية لحرية التعبير من جميع وسائل الإعلام الأخرى. فهي تجلب المبادئ المترسخة في دستور الولايات المتحدة وفي الوثيقة العظمى للحريات البريطانية(5)، وفي غيرها من الوثائق المهمة إلى عصر الشبكات، من دون أن يكون ثمة تلصُّص عليها، أو تغيير لمحتواها، أو رقابة عليها، أو حجب لها.
ومع ذلك، يظن الناس، على ما يبدو، أن الوِب هي شيء من الطبيعة، وإذا بدأتْ بالذبول فإن ذلك لا يعدو أن يكون من جملة الأمور المؤسفة التي لا سبيل إلى تداركها. ولكن الأمر ليس كذلك. فنحن نُنشئ الوِب بتصميم بروتوكولاتها وبرمجياتها الحاسوبية، وهذه عملية تقع بكاملها تحت سيطرتنا. ونحن ننتقي الخصائص التي نرغب في أن تتضمنها الوِب أوْ لا تتضمنها، مع أن هذا عمل لم يكتمل بعد (ولكنه مستمر من دون شك). وإذا أردنا تتبُّع ما تفعله الحكومات، ورؤية ما تقوم به الشركات، وفهم الحالة الفعلية لكوكبنا، والعثور على علاج لداء الألزهايمر، إضافة إلى التشارك في الصور مع أصدقائنا بسهولة، فإن علينا، نحن - عامة الناس - وعلى المجتمع العلمي والإعلام، ضمان بقاء مبادئ الوِب سليمة، لا لمجرَّد المحافظة على ما حصلنا عليه، بل للانتفاع من التطوُّرات العلمية القادمة الكبرى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشمولية هي الأساس(**)
ثمة مبادئ مفتاحية عدة تضمن التزايد المستمر لأهمية الوِب ودورها. وأحد المبادئ التصميمية الرئيسية الذي يقوم عليه تطوُّر الوِب وفائدتها هو الشمولية التي تنطوي على أنه حينما تقيم اتصالا، فإنك تستطيع الاتصال بأيِّ شيء. وهذا يعني أن الناس يجب أن يكونوا قادرين على وضع أيِّ شيء في الوِب، مهما كانت أنواع الحواسيب التي يمتلكونها أو البرمجيات التي يستعملونها أو اللغة التي يتكلمونها، وبصرف النظر عن كون اتصالهم بالإنترنت سلكيا أو لاسلكيا. ويجب أن تكون الوِب متيسرة للمعوقين أيضا. ويجب أن تعمل مع أي شكل للمعلومات، سواء أكان وثيقة أم بيانات قياسات معينة، وبأي نوعية لها، من الأغنية البسيطة حتى المقالة العلمية الرصينة. ويجب أن يكون النفاذ إليها ممكنا من أي نوع من العتاديات الحاسوبية القابلة للاتصال بالإنترنت، سواء أكانت ثابتة أم متحركة، وذات شاشة صغيرة أم كبيرة.
قد تبدو هذه الخصائص بديهية أو تحصيل حاصل أو عديمة الأهمية. ولكنها في واقع الأمر هي ما سوف يجعل موقع الوِب الرائد القادم أو صفحة الموطن(6) homepage الجديدة لفريق كرة القدم المحلي المفضل لدى طفلك يَظهران على الشاشة دون أي صعوبة. إن الشمولية متطلَّب مهم لأي نظام.
واللامركزية decentralization هي سمة أخرى من سمات التصميم المهمة. ليس عليك الحصول على موافقة أيِّ جهة مركزية لإضافة صفحة إلى الوِب أو إنشاء رابط link فيها، وكل ما عليك فعله هو استعمال ثلاثة بروتوكولات قياسية بسيطة: اكتب صفحةً باستعمال لغة تأشير النصوص المترابطة(7) HTML، وأعطِها اسما باستعمال معرِّف الموارد الشامل(8) URI، واعرضْها في شبكة الإنترنت باستعمال بروتوكول نقل النصوص المترابطة(9) HTTP. لقد جعلت اللامركزيةُ الابتكاراتِ الواسعة النطاق ممكنةً، وسوف تستمر بذلك في المستقبل.
يُعَدُّ المعرِّف URI مفتاح الشمولية. (في البداية أَطلق على هذا النظام الاسم URI، أي معرِّف الموارد الشامل، وهو يُعرَف اليوم بـ «عنوان المورد النظامي»(10) URL. وهو يتيح لك اتباع أيِّ رابط، بصرف النظر عن المحتوى الذي يقود إليه، أو الجهة التي نشرت ذلك المحتوى. والروابط تحوِّل محتوى الوِب إلى مادة أعلى قيمة: تتمثل بفضاء معلوماتي مترابط.
لقد ظهرت مهددات عدة لشمولية الوِب في الآونة الأخيرة. فشركات التلفزة الكبلية(11)، التي تبيع خدمة الاتصال بالإنترنت، تنظر في تقييد زبائنها بتحميل باقة البرامج الترفيهية الخاصة بها فقط. وتطرح مواقع شبكات التواصل الاجتماعي مشكلة من نوع آخر. فالمواقع: فَيْسبوك Facebook ولينكدإِن LinkedIn وفريندستر Friendster وغيرها تحقق مكاسب عادة بالتقاطها المعلومات أثناء إدخالك إياها إلى الوِب، ومن تلك المعلومات تاريخ ميلادك، وعنوانك الإلكتروني، ورغباتك المفضَّلة، والروابط التي تدل على صداقاتك وعلى هويات من يظهر في صورك الفوتوغرافية. ومن ثم تجمِّع تلك الشذرات من البيانات في قواعد بيانات ذكية، وتستعملها لتقديم خدمات ذات قيمة مضافة، ولكنْ ضمن حدود مواقعها حصرا. وعندما تُدخِل بياناتك إلى أحد تلك المواقع، لا يُمكنك استعمالها بسهولة في موقع آخر. فكلُّ موقع منها هو صومعة معزولة ومحجوبة عن سائر المواقع الأخرى. صحيح إن صفحات موقعك باتت على الوِب، ولكنَّ بياناتك ليست هناك. بإمكانك النفاذ إلى صفحة وِب تحتوي على قائمة بأسماء أشخاص أنشأتَها في موقعٍ ما، ولكنك لا تستطيع إرسال تلك القائمة، أو شطرٍ منها، إلى موقع آخر.
وتحصل هذه العزلة بسبب عدم احتواء أجزاء المعلومات على المعرِّف URI، وهذا يؤدي إلى انعدام إقامة الاتصالات فيما بين البيانات إلا ضمن حدود موقع معيَّن. لذا كلما أدخلت مزيدا من المعلومات، أصبحت أشد أَسْرا. ويتحوَّل موقع تواصلك الاجتماعي إلى منصَّة مركزية، أي إلى صومعة معزولة للمحتوى لا تمنحك سيطرة كاملة على معلوماتك الموجودة فيها. وكلما تنامى استعمال هذا النوع من البنيان، تزايد تشظِّي الوِب، وتناقص استمتاعنا بفضاء معلوماتي شامل متكامل.
ومن الأخطار ذات الصلة أيضا أن يتضخَّم موقعٌ للتواصل الاجتماعي، أو محرِّك بحث أو متصفِّح ما، إلى حد يصبح عنده حِكرا لجهة ما، ومن شأن هذا أن يحدَّ من روح الابتكار. لذا، وكما كان الحال منذ انطلاق الوِب، قد يكون الإبداع المستمر من قبل عامة الناس خيرَ طريقة للرقابة المتوازنة في مواجهة أي هيئة أو حكومة تحاول تقويض الشمولية. إن البرنامجين GnuSocial وDiaspora هما مشروعان في الوِب يمكِّنان أيَّ شخص من إنشاء شبكة تواصل اجتماعي تخصه من مخدِّمه الخاص، والاتصال بأيِّ شخص في أيِّ موقع آخر. والمشروع Status.net، الذي يشغيل مواقع من مثل identi.ca، يتيح لك تشغيل شبكتك Twitter-link من دون مركزية هذه الشبكة.
المعايير المفتوحة تحفِّز الابتكار(***)
إن تمكين أيِّ موقع من الاتصال بأيِّ موقع آخر شيء ضروري، ولكنه غير كافٍ لقيام وِب منيعة قوية. ولا بدَّ من توفير تقانات وِب أساسية، مجانا ومن غير تبعات مالية، لتمكين الأفراد والشركات من تطوير خدمات فاعلة. وعلى سبيل المثال، تنامى الموقع Amazon.com ليصبح دارا ضخمة لبيع الكتب على الإنترنت، ثم متجرا لبيع الموسيقى، ثم متجرا لبيع شتى ضروب السلع، وذلك لأنه يتمتع بنفاذ مجاني مفتوح إلى المعايير (المقاييس) التقنية technical standards التي تعمل الوِب وفقا لها. إن الموقع Amazon، شأنَه شأن أي مستخدم آخر للوِب، يستطيع استعمال لغة تأشير HTML، والمعرِّف URI، والبروتوكول HTTP من دون حاجة إلى الحصول على موافقة أيِّ جهة، ومن دون مقابل. ويستطيع أيضا استعمال تحسينات المعايير standards developed التي وضعها اتحاد الوِب العالمي والتي تتيح للزبائن مَلْءَ استمارات طلبات شراء افتراضية، والدفع عبر الإنترنت، وإبداء الرأي بالسلع التي يشترونها ..إلخ.
أعني بالمعايير المفتوحة open standards معايير قام بتصميمها خبراء موثوق بهم، وباتت مقبولة بعد التدقيق الشامل فيها، وأصبحت متاحة في الوِب مجانا من دون مقابل. إن المعايير المجانية المفتوحة السهلة الاستعمال هي التي تؤدي إلى ذلك التنوُّع الكبير في أنواع مواقع الوِب، من تلك ذات الأسماء اللامعة مثل Amazon و Craigslist و Wikipedia، مرورا بالمدوَّنات المغمورة التي يكتبها هواة بالغون، وانتهاء بأفلام الڤيديو المنزلية التي يرسلها إلى الوِب فتيان مراهقون.
ويعني الانفتاح أيضا أن تستطيع إنشاء موقع أو شركة لك في الوِب من دون حاجة إلى موافقة أحد. عندما أطلقتُ الوِب أول مرة، لم يكن عليَّ الحصول على إذن من أحد، أو دفع رسوم مقابل استعمال معايير الإنترنت المفتوحة، ومنها بروتوكول التحكُّم في الإرسال(12) (TCP) الشهير وبروتوكول الإنترنت(13) (IP). وبالمثل، تنص سياسة براءات الاختراع المجانية التي ينتهجها اتحاد الوِب العالمي على أنه يتعيَّن على الشركات والجامعات والأفراد الذين يسهمون في تطوير معيار ما التعهُّد بعدم فرض رسوم على أيِّ جهة قد تستعمل هذا المعيار.
إلا أن المعايير المجانية المفتوحة لا تعني أنه لا يجوز لمؤسسة أو لفرد تطوير برامج للتدوين أو لتشارك الصُّوَر ومطالبتك برسم مقابل استعماله. إن المطالبة هنا ممكنة. وقد تكون أنت راغبا في الدفع مقابل البرنامج إذا رأيت أنه «أفضل» من غيره. إن المهم هنا هو أن المعايير المفتوحة تتيح خيارات متعدِّدة، مجانية وغير مجانية.
وبالفعل، يُنفق كثير من الشركات أموالا على تطوير تطبيقات استثنائية الأهمية، لأنها على قناعة بأن تلك التطبيقات سوف تصلح للجميع، مهما كان العتاد الحاسوبي أو نظام التشغيل أو مزوِّد خدمة الإنترنت المستعمل، وقد أضحى كلُّ ذلك ممكنا بفضل معايير الوِب المفتوحة. وهذه القناعة نفسها هي التي تشجِّع العلماء على صرف آلاف الساعات لابتكار قواعد بيانات مدهشة تستطيع التشارك في معلومات عن الپروتينات، مثلا، أملا بإيجاد علاجات للأمراض. وهي التي تحمِل حكومات دول كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة على وضع مزيد من البيانات في الإنترنت لتمكين المواطنين من التدقيق فيها، وهذا ما يزيد من شفافية الحكومة. وتساعد المعايير المفتوحة أيضا على تنمية روح الإبداع التلقائي، لأن البعض يمكن أن يستعملها بطرائق لم تخطر على بال أحد من قبل. ونحن نكتشف ذلك في الوِب كل يوم.
"آلية العمل
وِب أم إنترنت؟(****) الوِب هي تطبيق يعمل في شبكة الإنترنت. والتراسل الآني(14) هو تطبيق يعمل فيها أيضا. أما الإنترنت، فهي شبكة إلكترونية تقسِّم معلومات التطبيق إلى رُزَم، وتنقلها بين الحواسيب على وسائط سلكية ولاسلكية وفقا لبروتوكولات (قواعد) بسيطة يُعبَّر عنها بمصطلحات متنوعة. ويمكن النظر إلى الإنترنت والتطبيقات على أنها كُدسة من الطبقات المفاهيمية التي يَستعمل كلٌّ منها خدمات الطبقة التي تحتها. ويمكن تصوُّر التطبيقات على أنها أدوات منزلية تستمد طاقتها من الشبكة الكهربائية بالطريقة المعتادة. " |
وفي المقابل، يؤدي الإحجام عن تطبيق المعايير المفتوحة إلى عوالِم مغلقة. فالنظام iTunes من الشركة apple، مثلا، يُعرِّف الأغاني ومقاطع الڤيديو باستعمال معرِّفات موارد شاملة مفتوحة، تستخدم عناوين تبدأ بـ “itunes:,” بدلا من “http:”، وتلك العناوين محمية المُلكية. عندئذ لا تستطيع النفاذ إلى أيِّ رابط “itunes:” إلا باستعمال البرنامج iTunes المحمي المُلكية. ولا تستطيع النفاذ إلى أيِّ معلومات، من قبيل أغنية أو معلومات عن فرقة غناء، في عالَم iTunes، ولا تستطيع إرسال تلك المعلومات إلى غيرك ليطَّلع عليها. فقد أصبحتَ خارج الوِب، لأن عالَم iTunes هو عالمَ مركزيٌّ منغلق. وغدوتَ حبيس متجر وحيد، بدلا من أن تكون في رحاب سوق مفتوحة. ويبقى تطوُّر المتجر، بكل ما فيه من مزايا رائعة، محدودا بما ترتئيه الشركة.
وتقوم شركات أخرى أيضا بتكوين عوالِم مغلقة. وعلى سبيل المثال، يُعدُّ التوجُّه نحو إيجاد «تطبيقات» لقراءة المجلات بواسطة أجهزة الهاتف الذكي بدلا من قراءتها في الوِب أمرا مقلقا، لأن تلك المادة تبقى خارج الوِب، ولا يمكن ربطها بعلام(15) فيها، أو إرسال عنوان صفحة منها بالبريد الإلكتروني. ولا يمكنك إرسالها إلى تويتَّر Twitter. وما هو أجدى من ذلك هو إنشاء تطبيقات وِب تعمل أيضا في متصفِّحات الهاتف الذكي، وتقنيات تحقيق ذلك تشهد تحسُّنا مطَّردا.
قد يظن البعض أن العوالِم المغلقة رائعة. فهي سهلة الاستعمال، وقد تبدو أنها توفِّر لهم ما يريدونه. ولكن وفقا لما رأيناه في تسعينات القرن الماضي، من خلال نظام معلومات النفاذ إلى الإنترنت هاتفيا والمعروف بـ America Online، الذي كان يتيح النفاذ إلى مجموعة جزئية محدودة من الوِب، فإن هذه «الرياض الحصينة» المغلقة، بكل ما فيها من مَسرَّات، لا يمكن أن تنافس من حيث التنوُّع والغنى والإبداع سوق الوِب الرحيبة المفتوحة النابضة بالحياة خارج بواباتها. ولكن إذا كانت الروضة الحصينة قابضة على السوق بإحكام، أمكنها تأخير ذلك النمو الذي في الخارج.
"
استشراف المستقبل الوِب المستقبلية قَيد التكوين(*****) ثمة عدة توجُّهات مثيرة قيد التنفيذ، تقوم على المبادئ الأساسية للوِب، ومن شأنها أن تغيِّر آلية عالَم الإنترنت والعالمَ الواقعي. انظر «مراجع للاستزادة» في آخر المقالة للحصول على رابط يتيح لك الاطلاع على تعليقات وعروض مرئية عن هذه التوجُّهات الأربعة: بيانات مفتوحة إن وضع البيانات على الوِب وربطها معا يمنح الناس، حيثما وُجدوا، قدرات دينامية جديدة. فقد ساعدت تلك البيانات الدرَّاجين فعلا على تجنب الحوادث في لندن، وكشفت عن التمييز العِرقي في ولاية أوهايو، وساعدت فرق الإنقاذ على تقديم العون لمنكوبي زلزال هايتي الهائل الذي وقع في الشهر 1/2010. آلات اجتماعية يُرسل كثير من الناس إلى الوِب آراء عن المطاعم التي يرتادونها مع تقييمات لها، فتؤثِّر تلك التقييمات في خيارات الزبائن الآخرين المستقبلية. وهذه الأنشطة هي مثال للآلة الاجتماعية. وثمة آلات اجتماعية أكثر تعقيدا قيد التصميم يمكن أن تحسِّن طرائق ممارسة العمل العلمي وتحقيق الديموقراطية. عِلْم الوِب لم نحقِّق في الواقع سوى النَّزر اليسير في فهمنا للآلية التي تجسِّد بها الوِب العالَم الحقيقي وترسم معالِمه. وقد بدأ علم الوِب، وهو تخصُّص جديد يمارَس اليوم في هيئات علمية مختلفة، بالكشف عن أفكار مدهشة في تصميم الوِب وعملها ومفعولها في المجتمع. عرض حزمة ترددية مجاني قلةٌ هم القادرون على تحمُّل أجور النفاذ إلى الإنترنت في البلدان النامية. ولا شك في أن وجود خدمة مجانية بحزمة ترددية ضيقة جدا يمكن أن يحسِّن مستوى التعليم والصحة والاقتصاد في تلك البلدان إلى حدٍّ بعيد، وأن يشجِّع في الوقت نفسه بعض الأفراد على الارتقاء إلى خدمة أسرع، مدفوعة الأجر." |
دعِ الوِب منفصلة عن الإنترنت(******)
إن الإبقاء على الوِب شمولية، وعلى معاييرها مفتوحة، يساعد الناس على ابتكار خدمات جديدة. وثمة مبدأ ثالث أيضا، يتمثَّل بفصل الطبقات، ويعزل تصميم الوِب عن تصميم الإنترنت.
إن هذا الفصل شيء جوهري. فالوِب هي تطبيق يعمل ضمن الإنترنت، والإنترنت هي شبكة إلكترونية تنقل رُزَما packets من المعلومات بين ملايين الحواسيب وفقا لبضعة بروتوكولات مفتوحة. ويمكن تمثيل الوِب بأداة منزلية تغذِّيها شبكة الكهرباء. فالثلاجة أو الطابعة تستطيع أن تعمل ما دامت تَستعمِل بضعة من البروتوكولات الممقيَسة، من قبيل العمل بجهد كهربائي يساوي 120 ڤلطا وبتردُّد يساوي 60 هرتزا في الولايات المتحدة. وبالمثل، يمكن لجميع التطبيقات، ومنها الوِب أو البريد الإلكتروني أو التراسُل الآني(16)، أن تعمل ضمن الإنترنت ما دامت تَستعمِل بضعة بروتوكولات ممقيَسة مثل البروتوكول TCP والبروتوكول IP.
ويمكن لمصنِّعي الثلاجات والطابعات تحسين منتجاتهم من دون تغيير آلية عمل الكهرباء، ويمكن لشركات مرافق الكهرباء تحسين الشبكة الكهربائية من دون المساس بآلية عمل الأجهزة الكهربائية. إن طبقتي التقانة هاتين تعملان معا، لكنهما تتطوَّران منفردتَيْن. والشيء نفسه ينطبق تماما على الوِب والإنترنت، حيث يُعتبر فصل الطبقات عاملا مهما للابتكار. وفي سنة 1990 انتشرت الوِب في الإنترنت من دون إدخال أيِّ تغييرات في الإنترنت نفسها، وكان هذا هو حال جميع التحسينات منذئذ. وفي الوقت نفسه تزايدت سرعة نقل البيانات في الإنترنت من 300 بت في الثانيـة (بت/ثا) إلى 300 مليون بت/ثا (ميگابت/ثا)، من دون حاجـــة إلى إعــادة تصميم الوِب للاستفادة من تلك التحسينات.
حقوق الإنسان الإلكترونية(*******)
صحيحٌ إن الإنترنت والوِب منفصلتان تصميميا، إلا أن مستخدِم الوِب هو مستخدِمٌ للإنترنت أيضا، ولذا فهو يعتمد على إنترنت خالية من التدخُّل في شؤونها. وفي أيام الوِب الأولى، كان من العسير جدا، من الناحية التقنية، على هيئة أو دولة التحكُّم في الإنترنت والتدخُّل في أنشطة مستخدِمي الوِب إفراديا. ولكنَّ تقانة التدخُّل أضحت أكثر فاعلية فيما بعد. ففي سنة 2007، قامت الشركة BitTorrent، التي يتيح بروتوكولها الخاص بشبكة «النِّد-للنِّد»(17) للمستخدِمين التشارك في ملفات الموسيقى والڤيديو وغيرها عبر الإنترنت مباشرة، بالاحتجاج لدى مفوَّضية الاتصالات الاتحادية(18) الأمريكية على الشركة العملاقة Comcast، وهي مزوِّد خدمات إنترنت(19)، لقيامها بإعاقة أو إبطاء حركة المشتركين الذين كانوا يستعملون البروتوكول BitTorrent. فطلبت المفوَّضية إلى شركة Comcast الكفَّ عن ممارساتها تلك. ولكن محكمة اتحادية قضت في الشهر 4/2010 بأن المفوَّضية ليست مخوَّلة بطلب ذلك من شركة Comcast. يُشار في هذا السياق أيضا إلى أن مزوِّد الخدمة الجيد غالبا ما يُنظِّم الحركة بإهمال أجزائها القليلة الأهمية عندما يكون ثمة نقص في عرض النطاق المتاح، ويفعل ذلك على نحو معلن لجميع المستخدمين. وثمة فارق جليٌّ بين هذا الإجراء وبين استعمال السُّلطة نفسها للتمييز بين المستخدِمين.
يُبرِز هذا التفريق مبدأ حيادية الشبكة الذي ينص على أنه إذا دفعتُ (أنا) مالا مقابل اتصال بالإنترنت ذي جودة معيَّنة، وليكن بمعدَّل 300 ميگابت/ثا مثلا، ودفعتَ (أنت) أيضا مقابل المستوى نفسه من الاتصال، تعيَّن أن يتصف اتصال كل منا بتلك الجودة. إن حماية هذا المبدأ حَرِيَّةٌ بمنع مزوِّد خدمات إنترنت كبير من أن يرسِل إليك مادة ڤيديوية من شركة صوتيات ومرئيات يمتلكها بمعدَّل 300 ميگابت/ثا، وأن يرسِل مادة ڤيديوية من شركة أخرى منافِسة بمعدَّل أبطأ، مؤديا إلى نوع من التمييز التجاري. وقد تنشأ عن عدم الحياد تعقيدات أخرى أيضا. فماذا يحصل إذا يَسَّر مزوِّد الخدمة اتصالك بمتجر معيَّن لبيع الأحذية في الإنترنت وأعاق وصولك إلى متاجر أخرى؟ ماذا يحصل إذا أعاق مزوِّد الخدمة وصولك إلى مواقع وِب تخص أحزابا سياسية معينة أو مذاهب دينية بعينها، أو مواقع تتناول موضوعات في النشوء والارتقاء الدارويني مثلا؟
ومن المؤسف أن الشركتين Google و Verizon اقترحتا، لسبب ما، في الشهر 8/2010 عدم تطبيق مبدأ حيادية الشبكة على الاتصالات القائمة على الهواتف الجوّالة. إن كثيرا من الناس القاطنين في المناطق الريفية، من ولاية أوتا الأمريكية إلى أوغندا، يَنفُذون إلى الإنترنت عن طريق الهواتف الجوّالة فقط، ومن شأن استثناء الاتصالات اللاسلكية من الحيادية أن يجعل هؤلاء المستخدِمين عرضة للتمييز في الخدمة. إن من العجيب فعلا أن أتخيَّل أن حقِّي الأساسي في النفاذ إلى مصدر معلومات أختاره يكون مصونا عندما أستعمل حاسوبي الشخصي الموصول بالشبكة اللاسلكية المحلية(20) WiFi في المنزل، وغير مصون عندما أستعمل هاتفي الخلوي.
إن شبكة الاتصالات الحيادية هي أساس اقتصاد السوق التنافسية العادلة، وأساس العلم والديموقراطية. وقد عاد الجدل إلى الظهور ثانية في عام 2009 بخصوص سَنِّ تشريع حكومي لحماية مبدأ حيادية الشبكة، لأن ثمة حاجة ملحة إليه. صحيح إن الإنترنت والوِب محسودتان على قلة التشريعات التي تخصهما، إلا أن ثمة قيما أساسية لا بد من صونها قانونيا.
لا للتلصُّص(********)
ثمة أخطار أخرى تهدِّد الوِب وتحصل بسبب العبث بالإنترنت، ومنها التلصُّص. ففي عام 2008، ابتكرت الشركة Phorm طريقة لمصلحة أحد مزوِّدي خدمة الإنترنت تمكِّنه من الاطلاع خلسة على محتوى رُزَم المعلومات التي ينقلها. وبذلك يستطيع المزوِّد تحديد كل معرِّف موارد شامل يتصفَّحه كل زبون، ومن ثَمَّ يستطيع تحديد هويات المواقع التي يزورها الزبائن، وإعداد إعلانات موجهة إليها.
يكافئ النفاذ إلى معلومات ضمن رزمة في الإنترنت التنصُّت على الهاتف أو فتح رسالة بريدية. وتكشف معرِّفات الموارد الشاملة التي يستعملها الناس عن الكثير من شؤونهم. والشركة التي تشتري الهويات المستنتَجة من معرِّفات الموارد الشاملة الخاصة بمتقدِّمين إلى وظيفة، مثلا، قد تُستعمله أثناء التوظيف لاستبعاد أفراد ذوي آراء سياسية معيَّنة. ويمكن لشركات التأمين على الحياة أن تستعملها أيضا لاستبعاد أولئك الذين تظهِر الوِب وجود أعراض لآفات قلبية لديهم، على سبيل المثال. وقد يستغلها الأشرار للانقضاض على ضحاياهم. إن كلا منا سوف يغير طريقة استعماله للوِب كليا لو عرف أن نقراته على الحاسوب يمكن أن تُرصد وأن بياناته يمكن أن تقع في أيدٍ غريبة.
وتجب حماية حرية التعبير أيضا. فالوِب يجب أن تكون كالصفحة البيضاء، جاهزة للكتابة عليها، من دون قيود على ما يُكتب. ففي بداية عام 2010، اتهمت شركة Google الحكومة الصينية باختراقها قواعد بياناتها للحصول على رسائل البريد الإلكتروني العائدة إلى معارضين لها. وقد حصلت الاختراقات المزعومة بعد أن رفضت الشركة طلب الحكومة الصينية مراقبة وثائق معيَّنة ضمن نسخة اللغة الصينية من محرِّك البحث Google.
ولا يقتصر انتهاك حقوق المواطنين في الوِب على الحكومات الديكتاتورية. ففي فرنسا مثلا، شُرِّع قانون اسمه هادوپي Hadopi في عام 2009، سمح لوكالة جديدة تحمل الاسم نفسه، بفصل كل أسرة عن الإنترنت مدة سنة كاملة إذا ما ادعت شركةٌ ما للصوتيات والمرئيات أن أحد أفراد الأسرة قد أقدم على سرقة مقاطع موسيقية أو ڤيديوية تخصها. وبعد اعتراض واسع، طلب المجلس الدستوري الفرنسي في الشهر 10/2010 إلى أحد القضاة مراجعة قضية من هذا القبيل قبل تنفيذ عملية الفصل. لو أُقِرَّ التنفيذ، لفُصلت الأسرة من دون أن تتمتع بحماية مبدأ الحد من سلطة القانون(21). وفي المملكة المتحدة، يتيح قانون الاقتصاد الرقمي، الذي أُقِرَّ على عَجَل في الشهر 4/2010، للحكومة أن تأمُر مزوِّدي خدمة الإنترنت بإلغاء اشتراك أي شخص يَظهر اسمه في لائحة المشتبَه في انتهاكهم لحقوق النشر. وفي الولايات المتحدة، أقرَّ مجلس الشيوخ في الشهر 9/2010 قانون مكافحة انتهاك الوِب والتزوير(22)، الذي يسمح للحكومة بإنشاء لائحة سوداء بمواقع الوِب المتهمة بالانتهاك والموجودة ضمن الولايات المتحدة أو خارجها، والطلب إلى جميع مزوِّدي الخدمة حجب النفاذ إلى تلك المواقع والضغط عليهم لتنفيذ ذلك.
وفي جميع تلك الحالات، ليس ثمة ما يحمي الناس قانونيا من فصلهم عن الشبكة، أو من حجب مواقعهم. حسبك أن تستعرض الجوانب الكثيرة لأهمية الوِب في حياتنا وأعمالنا لتدرك أن الفصل عنها يمثِّل نوعا من سلب الحرية الشخصية. وبالعودة إلى الوثيقة العظمى للحريات، قد يكون من الواجب علينا اليوم أن نؤكِّد أنه «لا يجوز حرمان فرد أو هيئة من إمكان الاتصال بالغير من دون الحماية من سلطة القانون الجائرة والأخذ بقرينة البراءة حتى الإدانة(23)».
حينما تُنتهك حقوق الفرد في الوِب، يصبح الاحتجاج الشعبي على درجة عالية من الأهمية. وقد احتجَّ الناس في شتى أنحاء العالَم على مطالب الصين من شركة Google إلى درجة دَفَعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري <كلينتون> إلى القول إن الحكومة الأمريكية تؤيِّد رفض شركة Google الإذعان إلى الطلب، وأن حرية الإنترنت، ومعها حرية الوِب، يجب أن تصبح مبدأ رسميا في السياسة الأمريكية الخارجية. يُذكَر هنا أن فنلندا جعلت في الشهر 10/2010 النفاذ العـريض الحزمة بسرعة 1 ميگابت/ثا حقا قانونيا لجميع مواطنيها.
اِرتباط بالمستقبل(*********)
ما دامت المبادئ الأساسية للوِب مصونة ومحترمة، فإنَّ تطوُّرها المستمر لن يكون حِكْرا على أي شخص أو مؤسسة، سواء كانت مؤسستي أو مؤسسة غيري. وإذا استطعنا الحفاظ على تلك المبادئ، فإن الوِب تنطوي على بعض الإمكانات المستقبلية الواعدة.
على سبيل المثال، ليس أحدث إصدار للغة التأشير HTML، المسمّى HTML5، مجرَّد لغة تأشير، بل منصَّة حوسبة سوف تجعل تطبيقات الوِب أكثر فاعلية مما هي عليه حاليا. وسوف يجعل انتشارُ أجهزة الهواتف الذكية الوِب أكثر أهمية في حياتنا. وسيكون النفاذ اللاسلكي إلى الوِب نعمة كبرى للبلدان النامية، على وجه الخصوص، حيث يفتقر كثير من الناس إلى إمكان الاتصال السلكي، ولكنهم يمتلكون وسائل الاتصالات اللاسلكية. طبعا، ثمة الكثير مما يجب فعله، كإتاحة النفاذ للأفراد المعوقين جسديا، وابتكار صفحات تعمل جيدا على شاشات من مختلف الأنواع: من الشاشات الجدارية العملاقة الثلاثية الأبعاد، حتى النوافذ التي بحجم ساعة اليد.
ويتجلى أحد الأمثلة العظيمة لبشائر المستقبل الواعدة التي تعزِّز تلك المبادئ في البيانات المترابطة(24). فالوِب الحالية تُعتبر ذات كفاءة جيدة من حيث مساعدة الناس على نشر الوثائق والبحث عنها، أما برامج حواسيبنا فهي غير قادرة على قراءة أو معالجة البيانات الفعلية المتضمَّنة في تلك الوثائق. وعندما تُحَل تلك المشكلة، ستغدو الوِب أكثر فائدة، لأنه سوف يكون بالإمكان تكوين بيانات تخص جميع نواحي حياتنا تقريبا، بمعدَّلات مذهلة. وسوف تشتمل تلك البيانات على معارف عن علاج الأمراض وتعزيز قيم الأعمال الاقتصادية وإدارة عالَمنا على نحو أعلى كفاءة.
ويتصدَّر العلماء الاضطلاع بالقسط الأكبر من المساعي الرامية إلى وضع البيانات المترابطة على صفحات الوِب. فقد أدرك الباحثون أنه ما من مختبر واحد، أو مخزن بيانات وحيد متصل بالإنترنت، يكفي لاكتشاف عقاقير جديدة في حالات كثيرة. وتبيَّن لهم أن المعلومات اللازمة لفهم المفاعيل المعقَّدة المتبادلة بين الأمراض والسيرورات الحيوية في جسم الإنسان والمجموعة الهائلة من العوامل الكيميائية، تتوزَّع في شتى أنحاء العالَم ضمن قواعد بيانات وجداول ووثائق لا تُحصى.
ويتصِل أحد النجاحات الأخرى باكتشاف عقار لعلاج داء الألزهايمر. فقد تخلَّت مجموعة من مختبَرات البحث الخاصة والحكومية عن إحجامها عن الكشف عن بياناتها، وأَطلقت مبادرة التصوير العصبي لداء الألزهايمر(25)، ونَشَرت مقدارا كبيرا جدا من المعلومات والصور الدماغية تخص المرضى على شكل بيانات مترابطة كانت قد اعتمدت عليها كثيرا في تطوير أبحاثها. وفي استعراض شهدتُه شخصيا، طرح أحد العلماء السؤال التالي: «ما هي الپروتينات التي تنغمس في تحويل الإشارات ولها صلة بالعصبونات الهَرميَّة(26)؟» ولدى طرح السؤال على محرك البحث Google، وردت 233000 نتيجة، بدلا من النتيجة الواحدة. وعندما وُضِع السؤال في نظام قواعد بيانات مترابطة، أعطى عددا صغيرا من الأسماء لپروتينات معيَّنة تحمل تلك الخصائص.
ويمكن لقطاعَيْ الاستثمار والتمويل الاستفادة من البيانات المترابطة أيضا، حيث تنجم معظم الأرباح عن العثور على أنماط معينة من البيانات ضمن مجموعة شديدة التنوُّع من مصادر المعلومات. إن البيانات تحيط بجميع نواحي حياتنا، وحينما تدخل إلى موقع تواصلك الاجتماعي وتعلن أن الشخص الجديد الذي انتسب إلى الموقع هو صديقك، فإن ذلك يولِّد علاقة، وتلك العلاقة هي بيانات.
ولكن البيانات المترابطة تثير قضايا محدَّدة يتعيَّن علينا مواجهتها. فمثلا، يمكن للطرائق الجديدة لمكاملة البيانات أن تؤدي إلى مشكلات تتَّصل بالخصوصية نادرا ما تطرَّقت إليها قوانين الخصوصية الحالية. لذا، علينا أن ندقِّق في الخيارات القانونية والثقافية والتقنية التي من شأنها صون الخصوصية من دون كبح إمكانات التشارك المفيد في البيانات.
إن الوقت المناسب هو الآن. وعلى مطوِّري الوِب والشركات والحكومات والمواطنين أن يعملوا معا على المكشوف وأن يتعـاونوا بكفاءة، كما فعلنا حتى الآن، بغية الحفاظ على مبادئ الوِب الأساسية وعلى مبادئ الإنترنت أيضا، مع ضمان احترام البروتوكولات التقانية والأعراف الاجتماعية التي نضعها لحقوق الإنسان الأساسية. فالغاية من الوِب هي خدمة الإنسانية، ونحن نبنيها اليوم لتكون الأجيال القادمة قادرة على إبداع ما يتعذَّر علينا اليوم تصوُّره.
المؤلف
Tim Berners-Lee تيم برنرز-لي
مُخترع شبكة الوِب العالمية، وهو حاليا مدير اتحاد الوِب العالمي المتمركز بمعهد ماساشوستس للتقانة في الولايات المتحدة. وهو أيضا أستاذ هندسة في المعهد نفسه، وأستاذ للإلكترونيات وعلوم الحاسوب بجامعة ساوثهامپتون بإنكلترا.
مراجع للاستزادة
Creating a Science of the Web. Tim Berners-Lee et al. in Science, Vol. 313; August 11, 2006.
Also, see the Web Science Research Initiative: www.webscience.org
Notes by Tim Bemers-Lee on Web design and other matters: www.w3.org/DesignIssues.
The World Wide Web Consortium's main page is www.w3.org
The World Wide Web Foundation funds and coordinates efforts that see to it that the Web serves humanity: www.webfoundation.org (*) LONG LIVE THE WEB (**) UNIVERSALITY IS THE FOUNDATION (***) OPEN STANDARDS DRIVE INNOVATION (****) Web or Internet? (*****) The Future Web in Action (******) KEEP THE WEB SEPARATE FROM THE INTERNET (*******) ELECTRONIC HUMAN RIGHTS (********) NO SNOOPING (*********) LINKING TO THE FUTURE