النموذج الحضري في العالم العربي
النموذج الحضري في العالم العربي (Urban Form in The Arab World) هو كتاب بالإنكليزية للمعماري ستيفانو بيانكا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مقدمة
عندما كُلفت بعمل هذا الكتاب في أواخر, 1980 بناء على طلب من المعهد الاتحادي للتكنولوجيا (ETH), كان واضحا لي أنه لا ينبغي لي أن اكتب مرة أخرى عن تاريخ العمارة الإسلامية في العالم, لأنة يوجد عدد ليس بقليل من المستشرقين والمؤرخين الذين تعاملوا مع هذه المهمة الشاقة بدرجات متفاوتة من النجاح.
قال ستيفانو : عشت وعملت في العالم العربي لفترات طويلة منذ أول رحلة لي إلى المغرب في عام 1964, توجه اهتمامي للفلسفة التقليدية في حياة المسلمين، ولكن هدفي كان في تجاوز الفئات التقليدية للعمارة التاريخية, لدراسة الجوانب المتعلقة بأساليب العمارة وبإشكال المدن ، كنت أريد أن أبحث عن الدوافع الروحية وراء الهياكل البصرية كمصادر رئيسية في المراحل التي سبقت التشكيلية , أي المورفولوجيا (مبادئ الهيكلية).
ولقد طبقت هذا النهج على نطاق واسع في بعض الدراسات السابقة ، معظمها باللغة الألمانية ، وجميعها تتعلق بالفن وبشكل العمارة في الحضارة الإسلامية. ما يميز هذا الكتاب هو الاهتمام بالحالة المعاصرة ، فضلا عن محاولة سد الفجوة بين الماضي والحاضر ، والتي هي أيضا الفجوة بين النظرية والتطبيق. رأيي هو أنه ، من خلال البحث في الجذور ألعميقة للعوامل البشرية التي أدت إلى تميزالشكل و التعبير الفني في نوع معين من البيئة العمرانية ، وينبغي أن يكون من الممكن الكشف عن بعض الأنماط غير الرسمية والتي تحتوي على بذور الاستمرارية الثقافية التي يمكن أن تطور—حتى في أوقات الاضطرابات الخارجية. إذا كان هذا الكتاب يمكن أن يساهم في استكشاف مثل هذه العناصر وتنفيذها في المستقبل من حيث كيفية العمارة والتصميم الحضري ، أو إذا كان يمكن أن تحفز الآخرين على مواصلة استكشاف هذه المسارات ، فإنه يكون قد حقق هدفه.
أطروحة استفزازية: لا يوجد عمارة إسلامية
ظهارات العمارة الإسلامية لا تعتمد على وصفات واضحة بل تختلف حسب الزمان والمكان ، مما أدى إلى أطروحة استفزازية قالت أنة لا يوجد أي شيء اسمه "العمارة الإسلامية".
مع ذلك في نقطة مبكّرة من التاريخ , حول القرن التاسع فصاعدا, كان هناك نوعية إسلامية خاصّة التي ظهرت من خلال تخصيص وتكييف ميراث العمارة والفن الذي سبقها مثل الرومانيّة, الهلّينيّة,بزنتية أو سسّنية. كل أنماط العمارة الإقليمية الإسلامية لم تكن بالضرورة مرتبطة بالتشابه الشكلي ، بل بصلات اجتماعيه داخلية تستند إلى الأعراف والتقاليد. القاسم المشترك يعتمد على مصادر مختلفة : فهناك ، على سبيل المثال ، بعض الظروف المناخية ، العوامل الاجتماعية والاقتصادية وتقنيات البناء الدارجة, تتشاطرها مناطق كثيرة من العالم الإسلامي.
هناك ، على الأقل في بعض المناطق ، الاعتماد في البداية على القواعد العامة للعمارة الإغريقية الرومانية التقلدية ، و متأثرة أيضاً بالسياق البيزنطي ، وبالثقافة السسنية, حتى الوصول إلى مهارة الحرفيين والمعماريين المسلمين, كل هذا أعطى طابع إسلامي مرجعيته الهوية الروحية السائدة ، التي تتحقق من خلال الممارسة اليومية للبيئة المبنية.
مراجع دينية في كل الأنشطة اليومية
مثل التقاليد القديمة الأخرى, ألإسلام طوّر وحافظ على مجموعة من التصرفات الإنسانيّة التي اعتنقت في كل مظاهر الحياة اليومية, الفردية والجماعيّة على حد سواء , وهذا لأن الأنشطة اليومية لها مراجع دينية ثابتة. وهذا لا يتوافق مع اعتقادات الحضارة الغربيّة, التي تميل ألى الفردانية وإلى تجاهل التدرج الروحانيّ ولذلك يرفض فكرة المعياريّة في تصرّف ألإنسان, من دون أن يعترف دائما ، من خلال استبعاد الحقائق العليا ، أن العقل البشري يمكن أن يخضع لمحدوديات وقيود من صنع الإنسان مثل الأيديولوجيات . في السياق التقليدي ، النظم الإسلامية كانت واقع مقبول بشكل عام وتبعا لذلك ، نظام الطقوس اليومية كان قادر على غرس معنى واتساق في كل نشاط. كما العمارة الدارجة هي أنعكاس مباشر لبلورة التفكير والسلوك ، فشكل البنايات لا يمكن أن يظل غير متأثر بهذا التماسك الثقافي.
نمط الحياة الإسلامي لم يتغير مع مرور الزمن
من الملاحظات الغربية, الأكثر نقداً, هي أن العوامل الأساسية لنمط الحياة الإسلامية لم تتغير طوال الفترات التاريخية المختلفة. على الرغم من نمو الحضارة خلال الفترة الأولى بعد قرنين من وفاة الرسول, الإسلام, كدين ونظام اجتماعي , داوم على الحفاظ على نوع معين من البساطة القديمة. هي طريقه الحياة التي ظلت وفية للسلوك الذي حُدد من أول نواة للمجتمع ألإسلامي في المدينة المنورة والذي استوعب من تعاليم النبي محمد. في القرون ألأخيرة ، حتى القرن 19، هذا النموذج الثقافي استمر من جيل إلى جيل ، واتبع في كثير من المجتمعات في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي.
متباعدات تاريخية بين الشرق والغرب
من المؤكد أن الظروف الخارجية تغيرت بشكل ملحوظ خلال تاريخ الإسلام , في كثير من الأحيان أقل من المثل الأعلى. ومع ذلك فإن معظم المجتمعات الإسلامية لم تعتقد أبدأ في التقدم بالطريقة الغربية الحديثة. المفهوم السائد كان ينص أن مسار التاريخ انخفض تدريجياً في بعض الأحيان انحرف عن مسارة الأصلي. الانحرافات المحتملة نُسبت إلى ضعف الإنسان وليس في الشك من صحة النظام اللاهوتي. أستنساخ صورة المسلم المثالي كان الهدف على الرغم من أنه لم يعد من الممكن الوفاء به بالكامل ، فإنه لا يزال يسقي الثقافة الإسلامية باستمرارية نادرة وبمختلف أشكالها التعبيرية.
كنتيجة ظهرت تباعدات تاريخية في وجهة النظر بين الشرق والغرب: بعضهم يمكن أن يقول أن تطور الثقافة ألإسلامية باشر بشكل دائريّ أو لولبي محافظه دائماً على ألعلاقة مع مركز روحاني ثابت. وفي المقابل ، فإن الحضارة الأوروبية منذ عصر النهضة "(وخاصة منذ القرن19 ) اعتمدت خط مستقيم في التنمية ، تحدده العقيدة أن الرجل يعمل التقدم نحو عالم أفضل. ومن الواضح أن كلا وجهات النظر ضمنت افتراضات أساسية مختلفة ، وبالتالي فإنها أثارت تناقضات في فلسفات الحياة وكذلك اختلاف في لتعبير المعماري.
ولئن كان من المستحيل تقييم الإنجازات التكنولوجية من جهة والفوائد المحرزة في ضوء الاستحقاقات الروحية من جهة أخرى ، التي هي أكثر شمولا (وربما أكثر واقعية) من ناحية التقاليد ، ينبغي التأكيد أن كلا من المواقف بُنيت على مجموعة من المعايير المختلفة.
حُكم مُخيب للأمل من قيل بعض المؤرخين الغربيين للفن
عدد من مؤرخين الفن الغربي الحديث لم يستطيعون العثور على التقدم الحقيقي للفن الإسلامي في نقطة معينة من التاريخ ، عندما أصبحت معظم الأدوات الفنية أكثر تعقيداً. ذلك لأنهم قالوا أن الفن الإسلامي في أخر فترة فقد القوة والمضمون وأصبح مجرد "ميكانيكية" وتكرار للنماذج السابقة. ولا شيء يمكن أن يكون مضللا أكثر من عدم فهم الأهداف الحقيقية للفنون والحرف الإسلامية ، في الواقع ، أعلى فخر للحرفي في أي ثقافة تقليدية ، هو أن يظل وفيا إلى النماذج أو الأمثلة المعبرة لأنها تنقل معنى متميزا للروحانية. بالنسبة له ، فكرة التعبير الفردية بحد ذاتها لا تبدو كقيمة مرغوب فيها ، بل عملية إبداع فني تقليدي لتفسير الحقيقة الخالدة. التركيز الواضح على التعبير الذاتي يُعتبر تشويه للرسالة الروحانية الحقيقية.
نموذج السلوك ولد أمثلة محددة في العمارة والتخطيط الحضري
نظراً إلى الطبيعة الخاصة للهندسة والفن الإسلامي ، فيبدو أن جودته لا تُفهم عن طريق التفسير التي تستخدمه الاتفاقيات التاريخية للفن الغربي الذي لها توجهات أخرى في التعبير ، وغالبا ما يكونون مهوسين بتحليل وتطور الأساليب الخارجية. هذا النهج يؤكد ان الأيديولوجية الوضعية كانت مهمة في العديد من جوانب العلم الغربي في السنوات 1300 و 1400 ، ولكن لا صلة لها في تعريف أساسيات الدوافع التقليدية في الفن والعمارة. فهم هذه الدوافع يتطلب ; نهجا مختلفا ، مستند إلى تحديد وتفسير الأمثلة الثقافية بمعناها واختلافاتها الشكلية بالنسبة للزمان وللمكان. وبطبيعة الحال ، هذه الطريقة التي يمكن أن توصف ; "أفلاطونية" بدلا من "أرسطوتية" ، قد يكون لها فائدة كبيرة في دراسة الفن والعمارة في مرحلة ما بعد القرون الوسطى في أوروبا الغربية ، ولكن لها ما يبررها عندما يتعلق الأمر بالعمارة الإسلامية ، والتي أبرزت أمثلة محددة في العمارة والتخطيط الحضري التي تم توليدها من خلال نموذج السلوك.
تحليل النماذج المعمارية الجديدة كما يراها مستخدموها
الاعتراف بأن هيكل الشكل الإسلامي التقليدي في الفن والعمارة في المدن , يمثل بلورة هامة كأساس في التحليل المورفولوجي للمباني التاريخية والتي بحثها هذا الكتاب. ومفيد أيضاً في تحليل المشاكل الناجمة في المدينة الإسلامية في مواجهة مفاهيم الحياة الغربية.
انه من الخطأ تقليل هذا الصراع لحصرة فقط على الجمالية أو على وظيفية مساحات التخطيط الحضري, لأن إدراج نماذج معمارية جديدة في سياق ثقافي مختلف, له تأثير بعيد المدى ولا يقتصر فقط على أشكال بعض المناطق أو على مشاكل فنية ، ولكن يجب أن يعالج العادات المحلية ، وسلوك الإنسان ، وخاصة معنى الأشكال المعمارية كما يراها مستخدميها.
هياكل المدن هي إسقاطات ثلاثية الأبعاد لمعتقدات ألإنسان
في أحسن الأحوال, هياكل المدن يمكن أن تقدم مرآة لكون روحي يدمج ألإنسان بشكل هام ويقدم له أساسيات التحقيق الداخلي, لأن شخصيته الصغيرة يجب أن تكون في وئام مع عالم أكبر بكثير. في أسوأ الحالات ، هي تعبير لإيديولوجيات قليلة تحد الإنسان في قفص (cage) من ألعقلانية (rationality) ، وتحرمه من الاتصال الحيوي مع مستوى أعلى من الوجود (higher levels of existence).
الاشتباك بين الثقافة الإسلامية التقليدية ونظم الفكر الغربية الحديثة , يجب أن ينظر إليه في سياق فلسفي أوسع ، المثير للجدل في تفسير 'التنمية' وما ينبغي أن يترتب عليها : التنمية يجب أن تسمح بتوازن كامل للتحقيقات والقدرات البشرية ; أو أن تحد من جوانب الحياة المادية على حساب الصفات الأخرى؟. ينبغي أن تؤدي إلى زيادة الإنتاج الممكن ، أو أن تدعم نوع مختلف من الإبداع ، والذي يضم أكثر قوى أساسية وخبرات؟ كما من المرجح أن هذه الأسئلة ; يمكن أن تبدو كمحدد للاستجابات الثقافية التي تولد البيئة المبنية وتعبيراتها المادية.
الاستعمار والنماذج الغربية
نماذج غربية للحياة الحضرية ، وبدأت في ممارسة نفوذها على العالم الإسلامي خلال الفترة الاستعمارية ، وخاصة في النصف الثاني من القرن 19، عندما دخلت أوروبا عصر العلوم التطبيقية والتكنولوجيا الحديثة ، والتي أصبحت أساسا للتوسع الصناعي الضخم. الطموح هو خلق الحرف اليدوية من خلال الطرق الميكانيكية ، ممهدة للعصر الصناعي ذو التقدم التقني غير المحدود. على الرغم من (أو ربما بسبب) هذا الفكر كان له عقيدة علمانية , أنتج قناعات متعصبة (أو دوغماتية) لحماية أسطورته : ضمنا أو صراحة ، الوعد هو الحصول على "الجنة على الأرض" من قبل الجهود المشتركة للتكنولوجيا والتنمية الاقتصادية. المصالح التجارية والسياسية الواضحة دفعت الحضارة الأوروبية إلى استكشاف وغزو كوكب الأرض حتى آخر حدود مادية يمكن أن يصل إليها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فشل التكنولوجيا
فشل التكنولوجيا اليوم ، في تحقيق وعدها, أصبح متزايد بشكل واضح ، كما هي الطبيعة المدمرة لهذه الحضارة التي ما زالت تستهلك طاقة من الموارد الطبيعية المحدودة بشكل كثيف ويفكك النظم الاجتماعية والثقافية المستقلة—والتي أدلت إلى تدمير البيئة العمرانية التاريخية. يبدو أن الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على عملية التنمية تولد مشاكل جديدة أكثر من التي حلتها.
"الابتكارات" غالبا ما تؤدي إلى إنهارات في وقت لاحق ، التي إما أن تأجلت إلى مستوى أعلى من التكنولوجيا (والمخاطرة) ، التي هي مسؤولية الأجيال المقبلة, أو إما أن نقلت المشاكل إلى مناطق أخرى من العالم . الحضارة الغربية في شكلها الحالي وجد أنه لا يمكن تحملها ، وتصديرها إلى العالم الثالث ، على الرغم من النجاح النسبي لمدة قصيرة ، فإنها تُعرض البشرية إلى مخاطر غير متوقّعة طويلة الأجل .
أن تزايد الوعي بحدود التقدم التكنولوجي والتعبير المعماري المسموح وبتقدير الثقافة والجمال والقيم الاجتماعية, القيم البيئة العمرانية في عصر ما قبل الصناعة والشروط التي سمحت لها بالنمو. يُرفض هذا الاهتمام بالماضي ويعتبر مجرد حنين أو علامة تجارية . المشكلة الحقيقية هي في تلبية الاحتياجات العاطفية والروحية من أجل تحقيق إمكانياتها الكاملة. هذه الإجابات هي جزء لا يتجزأ من السياق الثقافي للبيئة التقليدية ، في حين يميل إلى أن تكون مقموعه من قبل تكنولوجيا مهيمنه والتي تمارس المنومة على الأنسان ، لأنها بدلت عملياته الطبيعية بتقنيات ; وجعلته معتمداً عليها.
الحالات المتطرفة تنتج اتجاهات معاكسة وفرص جديدة ; في الوقت الذي فيه تدمير التكنولوجيا للموارد الطبيعية والثقافية وصل إلى ذروته ، نشأت علوم بيئية جديدة التي هي محاولة لإعادة العلاقة بين الإنسان والعالم من خلال نظرة شمولية للكون. ظاهرة مماثلة يمكن ملاحظتها في المجال الروحي : في حين أن الحضارة الغربية الحديثة تهدد بالقضاء على هوية الثقافات القديمة في جميع أنحاء العالم ، الغرب نفسه أنتج مفكرين لهم استيعاب عميق بقيم وبمبادئ الثقافات التقليدية ، والذين قدروا أن يبثوا المعنى الروحي لهذه الثقافات. هذه المعرفة أصبحت فجأة أكثر وضوحا مما كانت عليه من قبل ، حتى في داخل نفس الثقافات التقليدية. اليوم تغير الوضع جذريا : الوعي ودعم القيم الأساسية أمر ضروري لتحقيق التوازن في التنمية ، وهذا لأن الحضارة الصناعية الحديثة ، غير قادرة على غرس معنى في المنتجات التي تولدها.
التسمم بأسطورة التنمية الغربية
في مثل هذه الظروف ، المأساة هي أن العديد من دول العالم الثالث يأمل في أن الاعتماد على الأيديولوجيات الغربية هو الحل لكل مشاكله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. في اللحظة التي فيها العالم الغربي بدأ بإعادة النظر إلى مفاهيمه السابقة ، أخذاً بعين الاعتبار الأهداف والأساليب والآثار السلبية للتكنولوجيا غير الملائمة.
التسمم بأسطورة التنمية الغربية لم يتم التغلب عليه بحلول نهاية الفترة الاستعمارية ، ولكنة تزايد أكثر بعد أن حققت بلدان العالم الثالث استقلالها السياسي. أحد الأسباب قد يكون أن النخبة السياسية المحلية غالبا ما تعلمت في الغرب وما زالوا يعتقدون في مفاهيم التنمية والتي لا علاقة لها بواقع العالم الثالث وأصبحت الآن عتيقة في مكانها الأصلي. استنساخ نوع من التنمية الغربية أنتج التمزق المعروف في البيئة المبنية في كثير من المدن العربية ، ولكن آثاره كانت أكثر كارثيه بالنسبة إلى التفرق الاجتماعي الذي أدى إلى إدخال فئات جديدة من "الأغنياء" و "الفقراء" ، وفقا لنظام قيم غريبة عن المجتمعات التقليدية. بالإضافة إلى ذلك ، فإن الضغوط ألناتجة من تنمية غير مهضومه تميل إلى إثارة انقسام حاد بين حركات "المعتدلين" و "الأصوليين" الذي يعتبر انقسام آخر في كثير من المجتمعات الإسلامية المعاصرة. ونتيجة التناقضات بين "الخبراء" و "التقليديين" هي في غاية ألصعوبة للتوفيق ، بعد انهيار الاستراتيجية الثقافية المتكاملة، لا يوجد هناك أرضية مشتركة للحوار. المعركة بين النماذج المتنافسة يزداد تعقيدا ومربك أحيانا ، حيث أن كلا من الأطراف، بوعي أو بغير وعي، يريد تشويه رسالة الأخر. قد يبدو من غرور ألتدخل في سياسية وأيديولوجية هذا الصراع ، وهذا الكتاب ليس لديه مثل هذه النية. كل ما يمكن القيام به هو محاولة اقتفاء الأثر الثقافي وتكييفه لتجديد المدينة التقليدية في العالم الإسلامي. هذا التخطيط المدني التقليدي لا ينبغي أعتباره كتراث متحفي فقط ، ولكن كموارد ثقافية قادرة على عمليات ألإنعاش والتجديد. لقول مثال ذو مبدأ بيئي ، لا ينبغي لنا ، لمجرد الاستفادة القصوى في أجل قصير ، الحد من التنوع الوراثي للنباتات موجودة منذ آلاف السنين ، حيث أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى نقص خطير في الموارد المخصصة للجيل الجديد. بطريقة مماثلة ، المدينة الأثرية يمكن اعتبارها محتوى لبذور التحول الثقافي المستقبلي . ويمكن أن تكون موردا أساسيا لإظهار حالات غريبة من أنماط التنمية الحضرية.
ولذلك ، فإن دراسة المورفولوجية التقليدية للمدينة الإسلامية ليست فقط تاريخية وأكاديمية ، ولكنها تؤدي إلى نتائج عملية للمعماريين ومصممين التخطيط الحضري. ويمكن أن تكشف الكثير من أنماط ثقافية، والتي تجلب معها عناصر من الهوية الثقافية ويمكن إعادة إدماجها في الظروف الجديدة. ولكنها لا يجب أن تكون عملية تكرار ، أو استنساخ أو تجميد لخصائص أسلوبية محددة ، بل تتطلب حساسية واستمرارية ثقافية وإبداع وخيال وكفاءة عالية . كل من يريد المتابعة ينبغي أن يكون قادر على التعبير عن القوة الداخلية للأمثلة المعمارية وتقطير المضمون والمعنى الروحي للتعبير عنها مجدداً للتكيف مع الظروف الجديدة بتواصل طبيعي مع سلسلة التقاليد الحية.
هيكلية الكتاب
أما بالنسبة لهذا الكتاب فهو محاولة لتقديم مساهمة—مهما كانت متواضعة—من أجل العثور على استمرارية ، في تحليل وتفسير نماذج وأمثلة معمارية وحضرية وإعادة تفسير بعضها في السياق المعاصر, مع الأخذ في الاعتبار التعطيل الثقافي الذي وقع أثناء وبعد فترة الاستعمار.
الكتاب مقسم إلى في ثلاثة أجزاء : الجزء الأول يتخصص في تحاليل رمزية ومورفولوجية للبنية التقليدية وفقا لمبادئ وضحت في بداية هذه المقدمة. القسم الثاني يتناول سواء مشاكل عدم التوافق والتأثير الناجم عن التأثير الغربي الحديث في تخطيط وتصميم النماذج ومن ناحية فلسفية أيضاً. القسم الثالث هو محاولة لاستكشاف مناهج بديلة يمكن أن توافق بين المبادئ التقليدية والاحتياجات المعاصرة ، مستندة إلى سلسلة من حالات دراسية .
المشاريع الجيدة تعتمد على مبادئ عملية
نظراً إلى المشكلة الاجتماعية المعقدة ولأبعادها السياسية والاقتصادية ، لا أحد يتوقع ان المؤلف ، أو أي شخص آخر ، يقدم حلول عالمية جاهزة للتطبيق . من خبرتي ومن الإيمان الراسخ بأن المشاريع الجيدة لا يمكن أن تكون مستمدة من مبادئ نظرية فقط ، ولكن لا بد من دراسة متأنية واقعية ومحددة للظروف المحلية وللموارد المتاحة. في الكتاب هناك الاهتمام لعرض ومناقشة مجموعة من الحالات ودراستها في نفس السياق ، والإشارة إلى المشاكل التي تواجه التنفيذ.
حالات الدراسة يمكن أن توضح النهج والمبادئ ولكنها لا ترمي إلى تقديم وصفات جاهزة للتنفيذ. ، ينبغي أن يمتنع المعماريين عن التعميمات المتسرعة واستنساخ التصميم التخطيطي ، والتي قد تكون صارمة جدا لملائمة الواقع المعقد. الحلول الفردية لكل حالة ولكل موقع يجب أن تكون نتيجة تفسير دقيق للظروف وللمعوقات , لتلبية احتياجات المستخدمين ولدعم نمو بيئة بشرية نشطة .
المجتمع والموارد الاقتصادية المحتملة والآليات المؤسسية يجب ان تستغل لإعادة تأهيل المناطق الحضرية. المشاريع يجب أن لا تكون مصممة بطريقة مجردة أو أن تفرض "بموجب مرسوم رئاسي" ، وربما هذا هو السبب الذي أفشل الكثير من تخطيطات المدن الحديثة.
ختام
بعد أن شرحت طويلاً طريقة معالجتي للموضوع ، اسمحوا لي أن أختتم ببعض الملاحظات الشخصية. الأولى تتعلق بكوني شخص غربي قد كتب كتابا يهدف إلى تعزيز الاستمرارية الثقافية في المناطق الحضرية والمعمارية التقليدية في العالم الإسلامي. الحجة الوحيدة في مصلحتي هي أنني محب ومعجب بالعمارة الإسلامية التقليدية من أكثر من ثلاثين عاما ، والآن لدي العديد من الخبرات والمكافئات في مجال الحياة والعمل والدراسة للشعراء المسلمين وللمؤرخين وللفلاسفة ، وليس أقلها, معرفتي لعدد من الأصدقاء والزملاء المسلمين الذين ساهموا في تطوير أفكاري ودراسات الحالات الواردة في هذا الكتاب.
وأود أن أضيف أن اليوم هناك تقليل سريع للحواجز الجغرافية ، والحفاظ على التراث المعماري الإسلامي أصبح اهتمام عالمي والذي ينبغي أن يشارك به الغرب إذا كان هناك شيء من قبيل التضامن الثقافي والاعتراف بالقيم الخالدة. بالتأكيد أن المراقب الخارجي يتعرض لخطر المبالغة في التبسيط ، ولكن نظراً إلى وجود نوع عدواني من التحديث ، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار التجارب والنتائج العملية الموجودة في العالم الإسلامي
الأمل في جيل الشباب من المسلمين والمفكرين وصناع القرار سيكون حاسما في أن يميز بما فيه الكفاية القضايا الرئيسية للتحول والتطور الثقافي. ومن المؤكد أن رسالة هذا الكتاب لا تعني أن ترفض جميع الأدوات والأساليب الغربية، ولكن عملية انتقائية في التكيف والاندماج التدريجي , بقيادة وعي قوي للقيم المحلية لتقييم نجاح وفشل أتجاهات التنمية الحديثة. هذه هي مهمة ضخمة ، بل وربما يمكن مقارنتها مع أول تحليل توصل إليه العالم الإسلامي بشأن تأثير الثقافة اليونانية والرومانية والبيزنطية. شكل مستقبل المدينة في العالم الإسلامي ، سوف يقول لنا مدى تأثير مثل هذا التحليل في اتجاهات التحديث ويسمح بتعزيز وتطوير الهويات المحلية.
الحفاظ على التراث وتخطيط المدن ،بشكل عام لا يمكن أن يتحقق من دون جهد جماعي يجمع بين القرارات المؤسسية والمنظمات الدولية ووكالات التمويل ، والمهندسين المعماريين والمؤرخين والباحثين والفنيين من مختلف التخصصات ، والمواطنين وقادة الرأي ، وأخيرا وليس آخرا، المجتمعات المحلية المعنية وممثليها.