الموارنة
الموارنة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
معنى كلمة مارون:
كلمة مارون معناها السيد الصغير، الآتية من كلمة مور أو موريو، كما نقول مار تقلا التي معناها السيدة. وهذا الإسم كان مألوفاً قبل مار مارون وليس بجديد إنما جديد علينا والبطريرك الدويهي يذكر أنّ إسم مارون كان مألوفاً. كما أنًّ إسم يسوع كان موجوداً بالعهد القديم كيشوع بن نون ومعنى الكلمة المخلص.
تسميات الموارنة:
للموارنة عدة تسميات وأهمها:
1- أبناء بيت مارون: وهم الذين عاشوا في أديرة وما جاورها في سوريا، وكانوا يبشرون بكلمة الله.
2- الموارنة: علمياً ليس هناك جواب علمي وهناك رأيان:
الرأي الأول: يقول سُمَوا موارنة نسبة لمار مارون.
الرأي الثاني: يقول سُمَوا موارنة نسبة إلى دير مار مارون الموجود بين حمص وحماه.
3- المارونية: وهذا الإسم ذكره المؤرخون العرب مثل "المسعودي"، هو أول مؤرخ عربي ذكر المارونية في الجيل العاشر.
4- المارونين: وهي تسمية غربية أتت على أثر دخول الصليبيين إلى الأراضي المقدسة ولحماية الحجاج المسيحيين في طريقهم إلى الأراضي المقدسة، وهذه التسمية كانت بين الجيل الحادي عشر والثاني عشر. كما أنّ هؤلاء الصليبيين أعطوا إسمين: المارونية والأمّة المارونيّة.
5- الطائفة المارونية: بدأ الكلام عنها ابتداءً من الجيل السادس عشر، لأن البطريرك الدويهي في الجيل السابع عشر يذكرها في كتاباته.
6- الكنيسة المارونية: وهي التسمية الأخيرة التي أتت على لسان البابا يوحنا بولس الثاني. لأن كلمة طائفة ممكن أن تمثّل تجمعات وتكون لغير المسيحييّن، بينما البابا حثَ على أن تكون التسمية الكنيسة المارونية. لأن كلمة طائفة هي مجموعة كيانات بشرية لها طابع سوسيولوجي إجتماعي أكثر ممّا هو ديني.
من هو مارون ؟
لم تصلنا معلومات عنه إلاّ نادراً كونه مثل كل الشخصيات المهمّة والفقيرة، وكونه ناسكاً، فلو كان ملكاً أو إمبراطوراً أو زعيماً لعمَت الدنيا أخباره، إنّما قصة الفقراء لا تُكتب على الأرض إنما تكتب في السماء، ولولا وجود شخصين لما كنا عرفنا شيئاً عن هذا القديس.
المصدرين هما:
- يوحنا فم الذهب، حيثُ وُجدت رسالة منه موجهة إلى القديس مارون يطلب منه الصلاة لأجله لأنه سمع عنه الكثير كونه رجل صلاة وتقوى. (عواطف روحية).
- عن الأسقف القورشي تيودوريطوس حيث كان يعيش مار مارون وله كتاب اسمه حسب الترجمة اليونانية "أصفياء الله" في هذا الكتاب في الفصل السادس عشر، يحكي إلى حدَ ما وبالتفصيل عن مار مارون ويقول: أنّ مارون فضَل العيشة التوحديَة، فذهب إلى قمة جبل قورش محَوّلاً هيكل الأصنام الذي كان يكرَمه الوثنيّون إلى مكان لعبادة الله. فنصب هناك كوخاً وقدّم كثيرين إلى الله بالنسك والعبادة.
ملاحظة:
إذا عدنا إلى العهد القديم نرى أن ربّنا في فترات وحقبات معينة يختار أشخاصاً، كإبراهيم، نوح، صموئيل، الأنبياء، الرسل، بولس، أنا، أنتم... إذاً، الرب يختار أشخاصاً معيّنين لأهداف معيّنة، لا أحد يعرف لماذا وكيف؟ هوَ يتدخّل ساعة يريد وعندما يريد وكيفما يريد ولمن يريد.
الفكرة الأساسية التي يجب أن نتعلمها هي أنّ ربّنا عندما يريد أن يتدخل في حياة شخص ما أو مجتمع، أو وطن يختار أشخاصاً كرفقا وشربل. المهم عند ربنا ليس أن نعمل العظائم المهم أن نعمل شيء، أن نقدم شيء أو أن نساهم بشيء.
ربنا لا ينظر إلى الفخامة إنّما إلى نوعيّة العمل، ففي كل مرّة أتوصَل أن أعطي قيمة للعمل الذي أعمله أكون أنا قديساً وربّنا هوَ مَن يكتب لنا أسماءنا في السماء.
كان مارون يجترح الآيات ويشفي من الأمراض والعاهات (النفسية والداخلية والجسدية)، وذلك بدواء واحد وهوَ الصلاة، حتى أنّ يوحنّا فم الذهب بطريرك أنطاكية وجَّه إليه رسالة من منفاه في أرمينيا يوصيه بالصلاة لأجله.
وعندما مات مارون تشاجر المؤمنون على جثمانه حتى فازت إحدى القرى بجثمانه فأخذته وشيدت كنيسة على إسمه وسُميَ ذلك المكان بدير مار مارون.
إن الأسقف تيودوريطوس القوروشي في كتابه أصفياء الله، تحدث عن سيرة حياته، ومن كتاباته نتوقف على تنسّكِه ورسالته. كان مارون ناسكاً على قمة قورش وفي الوقت ذاته كان مبشراً، لقد جمع بين الإستحباس والرسالة، جمع بين نقيضين، وما هو نقيض في نظر البشر ليس بنقيض عند الله.
لأن الهدف عند ربنا هو أن ننشر كلمته ونذيع إسمه. ونحن كعمال علينا أن نتعلَم: فكوننا مثل مرتا فعلينا أن نكون مثل مريم لأن من أعطي النور عليه أن ينشره. وكما يقول فؤاد افرام البستاني: مار مارون اعتزل الناس فلحقه الناس.
من هم تلاميذ مارون؟
هم الذين جاؤوا إلى لبنان يبشَرون بالمسيحيّة من لم يتخلى بعد عن الوثنية. نذكر منهم إبراهيم القورشي (وما زال نهر أدونيس يحمل إسم نهر إبراهيم تيمناً بإبراهيم القورشي).
تاريخياً إن الموارنة في بداية ظهور كنيستهم نزح قسم منهم من سوريا واعتصموا في الجبل اللبناني محافظة على إيمانهم. وكان أول بطريرك لهم مار يوحنا مارون الذي لم يستقر في جبل لبنان إلاَ ابتداءاً من القرن التاسع وقد تمَّ اللجوء إلى جبل لبنان بدفعات متتالية وفق المضايقات العقائدية والسياسية والإجتماعية والعرقية والدينية.
الروحانية المارونية
ما هي الروحانية المارونية؟
الروحانية هي صيغة العبادة التي ينتهجها الإنسان في حياته مثلاً نحن جماعة المرسلين اللبنانيين، روحانيتنا تعتمد على مريم العذراء ويوحنا الحبيب (الشخصين الأقرب إلى يسوع)، رهبان الكسليك يعتمدون روحانية مار أنطونيوس الكبير أب الرهبان، أنتم عائلة مار شربل تعتمدون روحانية مار شربل.
عندما أذكر الروحانية معناها كم أنّ الله حاضر في حياتي وكم حضور الروح قوي في حياتي انطلاقاً من وسيلة أنا أستعملها.
الروحانية هي صيغة العبادة، كيف أعيش حضور الله والروح في حياتي، هي صيغة الشهادة، مثلاً كيف تشهدون لروحانيّة العائلة المنتمين إليها (ممكن بالخلوات الروحية ، بالرسالة).
كلمتين: عبادة = كيف أصلي. شهادة = كيف أظهر مسلكي إنطلاقاً من عبادتي.
إن الروحانية المارونية مبنيّة على عيش الإيمان المسيحي إنطلاقاً من واقع الحياة الإنسانية أكنت مارونياً أم غير ماروني.
واليوم هناك ثلاث ركائز على كل ماروني أن يتحلى بها:
حُب الله، حُب العذراء وحُب الأرض.
حتى أنّ الليتورجيا المارونية تطورت في قرى زراعيّة بسيطة وفي أديار وصوامع منحوتة من سفوح الصخور أو مبنية في قعر الوديان.
إنّ روحانية الكنيسة المارونية المتأثرة بالتراث الأدبي والروحي للآباء السريان (مار افرام)، مطبوعة على التقشف وعلى سرَ الصليب (الألم) وتتميز بإكرامها للعذراء مريم التي رافقت البطاركة منذ النشأة الإولى ثم تطعمت هذه الروحانية بعبادات لاتينية تحت تأثير تلامذة المدرسة المارونية في روما وتأثير المرسلين اللاتين.
علاقة الموارنة بالغرب؟
ماذا قدمت الكنيسة الغربية للكنيسة المارونية وبالعكس؟
مع مجيء الصليبيين في نهاية القرن الحادي عشر خرج الموارنة من عزلتهم وعاودوا الإتصال بروما الذي بفضل انفتاحها عليهم اكتشفت طقساً جديداً سريانياً وكاثوليكياً.
ثم جاء تأسيس المدرسة المارونية في روما 1584 صار هناك تواصل وتبادل علاقات واتصالات وحصل ازدهار دام حتى القرن الثامن عشر.
ماذا قدمت كنيسة روما للكنيسة المارونية؟
1) تنشئة جديّة وجديدة للتقدم الثقافي (الموارنة قبل احتكاكهم بالغرب كانوا يعيشون قوقعة ثقافية قائمة على قليل من السرياني، فمع هذا الإتصال صار هناك معرفة وثقافة)
2 ) قدمت وسهلت تدريس اللغة اللاتينية التي هي أمَ اللغات.
3 ) تعلَُم اللغة الإيطالية، الفرنسية والإسبانية بالإضافة إلى فرعين مهمّين: الفلسفة واللاهوت
4 ) تقنية الطباعة
وماذا قدمت الكنيسة المارونية في المقابل؟
1 ) عرّفتهم وقدمت لهم الآباء السريان مثل مار افرام، والطقس الإنطاكي الكاثوليكي.
ملاحظة: الموارنة والروم الكاثوليك كانوا سوياً وكانوا يدعَوا ملكيّين، وانفصل الموارنة عن الملكيين في أوائل القرن السابع. ودعوا ملكيّين لأنهم ظلوا موالين للملك.
2 ) فرض الموارنة اللغة السريانية. وهذا الإختبار مع الموارنة شجَع روما على جذب طوائف مسيحية شرقية أخرى. وهكذا أصبح عندنا: روم كاثوليك، أرمن كاثوليك، سريان كاثوليك، أقباط كاثوليك.
3 ) تعرَف الغرب على اللغة السريانية والعربية.
4 ) تدفُق المخطوطات الشرقية إلى مكتبات الغرب. كل المخطوطات المهمة لا تزال هناك، ومن هنا بإمكاننا القول، إنطلاقاً من هذا التبادل بين الكنيستين، أنّ هناك إجماع على أهمية الدور الثقافي للموارنة.
الحياة الرهبانية عند الموارنة:
رافقت الحياة الرهبانية الكنيسة المارونية منذ نشأتها، عاشها القديس مارون وتلاميذه على جبل قورش وسار على خطاه رهبان ديره ثم تابعها النساك والرهبان والحبساء الموارنة في وديان لبنان وخاصة في وادي قاديشا وقنوبين: لقد عرف لبنان عدداً كبيراً من المحابس وجماعات صغيرة من النسّاك كانوا يعيشون مستقلين عن بعضهم إنّما تابعين القديس أنطونيوس. ومن بين هؤلاء الحبساء كان يتمّ اختيار البطاركة والأساقفة وكانوا يزاولون اعمالهم من مراكزهم مع الحفاظ على حياة النسك ويمارسون الأعمال اليدوية، فتحولت أديار عديدة إلى أسقفيّة أو بطريركيّة.
مع البطريرك الدويهي (1670 – 1704) حدث إصلاح بتأثير من الرهبانية اللاتينية ومن تلامذة المدرسة المارونية الرومانية.
في الكنيسة المارونية اليوم عشر مؤسسات رهبانية : 4 رجالية و6 نسائية
المؤسسات الرجالية:
الرهبنة اللبنانية المارونية (الكسليك) تأسست سنة 1695
الرهبنة المريمية تأسست سنة 1697
الرهبنة الأنطونية تأسسة سنة 1700
جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة تأسست سنة 1866
المؤسسات النسائية:
راهبات العائلة المقدسة
راهبات سانت تريز
راهبات الأنطونيات
الراهبات البلديات (راهبات القديسة رفقا)
راهبات البشارة
راهبات القربان
وهناك راهبات بيت الخازن – راهبات سيدة الحقلة – وراهبات حراش الذين ليس لهم أي صفة رسمية.
الإشعاع الماروني الثقافي.
1 - يُقال إن لبنان المسيحيّ هو مِنْ عَمَل الموارنة.
2 - إستقدام أول مطبعة عربيّة إلى دير مار أنطونيوس قزحيا 1610 .
3 - أول كتاب قواعد سريانيّة 1596 لجرجس عميرة الذي أصبح بطريركاً سنة 1633
4 - طبع أول كتاب عربي في روما سنة 1627
5 - الموارنة أول من حصلوا في هذا الشرق على إستعمال الأجراس على عهد السلطان المملوكي (1382 – 1398) وبفضل إنتشار شبكة المدارس والتعليم تصدّر الموارنة النهضة العربية في القرن التاسع عشر.
أمام هذه الحالة التي عرضتها، على كلّ إنسان مسيحيّ أن يشهد ليستشهد.
إنّ تاريخ الموارنة مليء بدم الإستشهاد. حيث كان على الكنيسة المارونية أن تُقدم الكثيرين على مذبح الإستشهاد حفاظاً على الحريّة ووفاء عن قيمتها. بدأ هذا التاريخ بإستشهاد 350 شهيد.
في 8 آذار 1514 كتب البطريرك سمعان بن داوود الحدثي إلى البابا لاوون العاشر: "إننا نصلي إلى الله في عهدك الميمون حتى تتحرر من سلطة غير المؤمنين الذين ينهشوننا ويضطهدوننا ويمارسون علينا ألوان الضرب واللكم" ...
ثم كتب البطريرك ميخائيل الرزي إلى البابا غريغوار الثالث عشر سنة 1578: لا تنسى شعبنا الرازح تحت نير العبوديّة ...
ومجازر أخرى وأخرى...
في النهاية تطلعات مستقبلية:
أخذ الأمور على واقعيتها، لا عواطف ولا رجوع إلى الماضي ولا بكاء على الأطلال. الكنيسة التي تحترم نفسها، أو أي جماعة تحترم نفسها، يجب أن تضطلَع على وضعها وحقيقة تاريخها؟
أن أقبل بوضعي والإعتراف به وأن آخذ بعين الإعتبار تطور العالم. المستجدات والقرارات الفكرية، التيّارات اللاهوتيّة والروحيّة، كل هذه الأمور أحدثت خللاً واهتزازاً في الحالة المارونية وعلى جميع الأصعدة.
المطلوب:
الحفاظ على الركائز الأساسيّة وتحصينها وتحسينها وتطويرها لغدِ أفضل.
الإلتزام الفردي بالقيم التي هيَ أساس الثوابت والشهادة لها، وإذا أردت أن آخذ زوادة مسيحيّة لا أجد أجمل من هذه الجملة الرائعة التي قالها النبي أشعيا الذي عاش قبل المسيح بحوالي 600 سنة:
"أنظروا إلى هذه الصخرة التي منها نُحتُّم، وإلى المقلَع الذي منهُ اقْتُلِعْتُم" (فصل 51)
هنا الحنين جميل إنما ليس للبكاء بل للمثابرة ولنقوى ولنسعى إلى عيش سليم.
ختاماً:
إذا استطعنا أخذ السلاح الأول من مار مارون (الصلاة والتبشير)، والسلاح الثاني من الموارنة (الإشعاع)، بإمكاننا أن نبني شعباً راقياً جداً لا يتلّهَى بالمصالح والمطامع السياسيّة.
يكفي عندما ننظر إلى الصخرة التي منها نُحِتْنا وإلى المقلع الذي منه اقتُلِعْنا. فلا نعود يهمّنا كل ما هوَ غريب عن العيش المسيحيّ.
فلنقل: نحن صخور وعلى صخرتنا سنبني كنيستنا، سنبني شعبنا وسنحَوله إلى مدارس وإلى مراكز للثقافة اللاهوتية ولنِشرِ كلمة المسيح.