المدونة الكبرى
المدونة الكبرى هي مجموعة من الأسئلة والأجوبة عن مسائل الفقه وردت للإمام مالك، ورواها عبد السلام بن سعيد التنوخي الملقب بسحنون (240هـ / 854م) الذي جمعها وصنفها، ورواها عن عبد الرحمن بن القاسم العتقي (191هـ / 806م) عن الإمام مالك بن أنس، وتنسب أحيانا إلى سحنون، لأنه رواها، فيقال مدونة سحنون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الاسم والنسبة
المدونة هو الاسم الذي رافق العمل الذي قام به الإمام سُحنون منذ البداية، ثم اصطلح المالكية على تسميتها بـالمدونة الكبرى والكتاب والأم فإذا وجدت هذه الأسماء في كتب المالكية؛ فهم يعنون بها المدونة لصيرورتها علما بالغلبة عليها، وربما كانت التسمية تمييزا لها عن تهذيب المدونة للبراذعي الذي أطلق عليه البعض: اسم المدونة.
وتنسب المدونة للإمام مالك – – بالنظر إلى أن أغلب الأقوال والاجتهادات التي تضمنتها هي له. وإلى هذا ذهب بعض القدماء، وألفرد بل، وشفيق شحاته من المعاصرين.
وتنسب لأبي عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جُنَادة العُتَقي، أشهر تلاميذ الإمام مالك، وذلك لأنه الراوي لتلك السماعات والأجوبة عن الإمام مالك، ثم لتضمنها لكثير من آرائه واجتهاداته الخاصة، وممن ذهب لهذه النسبة ابن خلكان، والشيخ محمد أبو زهرة، والأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الحفيظ بن منصور، وجلدزيهر... في آخرين. وتنسب – وهذه أصح – لأبي سعيد سُحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي، واسمه عبد السلام، وسُحنون لقب له، وسمي سحنون باسم طائر حديد النظر، لحدته في المسائل، المدارك، وإنما نسبت إليه لأنه من صحح مسائلها عن ابن القاسم، ثم قام بتهذيبها، وترتيبها، وتذييلها بالآثار... وعلى نسبتها للإمام سحنون جماعة كبيرة من الباحثين المعاصرين، منهم : محمد الطالبي، والأهواني، ومحمود علي مكي، وعبد المجيد التركي، وخليفة با بكر حسن... وجوزيف شاخت، ولافي بروفنسال إفاريست، وموراني... وعدة. بقيت نسبة رابعة : لأبي عبد الله أسد بن الفرات بن سنان، توفي بصقلية مجاهدا (213 هـ) وهذه نسبة قد اندثرت، ولا تذكر إلا عند الحديث عن أصل المدونة،
أصل المدونة
يرجع الشيخ محمد الشاذلي النيفر في مقدمته لموطأ ابن زياد صـ 24 بأصل فكرة المدونة جمعا وتأليفا إلى الأسئلة التي توجه بها خالد بن أبي عمران التُجيبي قاضي تونس - تـوفي في 127 هـ - من طرف أهل أفريقية إلى فقهاء المدينة، وبالفعل تمت الإجابة – بعد جهد - على تلك الأسئلة من طرف بعض فقهاء المدينة آنذاك، ورجع بها خالد بن أبي عمران لأهله بأفريقية ليعلموا بعض أمر دينهم. ويبدو أن تلك الأسئلة وأجوبتها قد بقيت متداولة بين أهل أفريقية يتدارسها الطلبة عن شيوخهم... ومن بين هؤلاء كان علي بن زياد – – تلميذ خالد بن أبي عمران، والذي اشتهر بعد ذلك بالعلم والفضل بين أهل أفريقية، وله الكتاب المعروف " خير من زنته" الذي تقدم ذكره، وهو في أصله سماعه من الإمام مالك لأجوبته المختلفة، فقام علي بن زياد بتصنيف تلك الأجوبة على حسب أبواب الفقه، ودونها في ذلك الكتاب المذكور، ثم لمّا رحل أسد بن الفرات التلميذ النجيب لعلي بن زياد على المشرق يبدو أنه رغب أن يصنع مثلما صنع شيخه وشيخ شيخه خالد بن أبي عمران مع شيء من التوسع في ذلك، فكانت الأسدية التي هي أصل المدونة السُحنونية.
قيمتها الفقهية
وأصبحت المدونة أصل الفقه المالكي، وما عداها لا يعتمد عليه، وهي مقدمة غيرها، وتأتي في الدرجة الثانية بعد الموطأ، وأكثر علماء المالكية يتلقون ما جاء في المدونة بالقبول، وهي أصدق رواية، وأعلى درجة من حيث سماعها وروايتها، وعليها الاعتماد في الفتوى عند علماء القيروان.
مضمونها
وتتألف المدونة من أسئلة وأجوبة عن مسائل الفقه التي بلغت 6200 مسألة، ومرتبة على أبواب الفقه، وضمنها رواية الإمام مالك عن الصحابة والتابعين، لذلك تعتبر أصح كتب الفروع في الفقه المالكي رواية. وكتب أبي الوليد محمد بن أحمد ابن رشد الجد (520هـ) لها المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته المدونة من أحكام.