كانت مجلة العروة الوثقى -التي أصدرها في باريس جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده- لسان حال جمعية سرية عرفت أيضاً بهذا الاسم (جمعية العروة الوثقى) ولم يكن يتاح لأعضاء الجمعية البوح بواحد من أسرارها حسب المادة 26 من دستور الجمعية: (لا يباح لأحد من رجال العقد أن يذكروا شيئاً من أحوالهم ومقاصدهم ومذاكراتهم عند من ليس من مقصده في شيء، بل لا يباح التصريح باسم العقد وأهله إلا لمن حصلت له الثقة بحاله عند رجال العقد). ولم يُقدم محمد رشيد رضا على فتح ملف هذه الجمعية حتى أصبحت كما يقول من الحوادث التاريخية. حيث نشر دستور هذه الجمعية عام 1931 وذيله بذكر اليمين الذي كان يحلفه المنتسب إليها. وهو من وضع الأستاذ الإمام محمد عبده، ونصه:
(أقسم بالله العالم بالكلي والجزئي، والجلي والخفي، القائم على كل نفس بما كسبت، الآخذ لكل جارحة بما اجترحت، لأحكمنَّ كتابَ الله تعالى في أعمالي وأخلاقي، بلا تأويلٍ ولا تضليلٍ. ولأجيبنَّ داعيه فيما دعا إليه، ولا أتقاعد عن تلبيته في أمر ولا في نهي، ولأدعون لنصرته، ولأقومنَّ بها ما دمت حياً، لا أفضِّل على الفوز بها مالاً ولا ولداً. أقسم بالله مالك روحي ومالي، القابض على ناصيتي، المصرف لإحساسي ووجداني، الناصر لمن نصره، الخاذل لمن خذله، لأبذلن ما في وسعي لإحياء الأخوة الإسلامية، ولأنزلنها منزلة الأبوة والبنوة الصحيحتين، ولأعرفنها كذلك لكل من ارتبط برابطة العروة الوثقى، وانتظم في عقد من عقودها، ولأراعينها في غيرهم من المسلمين، إلا أن يصدر عن أحد ما يضر بشوكة الإسلام، فإني أبذل جهدي في إبطال عمله المضر بالدين، وآخذ على نفسي في أثره مثل ما آخذ عليها في المدافعة عن شخصي. أقسم بهيبة الله وجبروته الأعلى أن لا أقدّم إلا ما قدّمه الدين، ولا أؤخر إلا ما أخّره الدين، ولا أسعى قدماً واحدة أتوهم فيها ضرراً يعود على الدين، جزئياً كان أو كلياً، وأن لا أخالف أهل العقد الذين ارتبطت معهم بهذا اليمين في شيء يتفق رأي أكثرهم عليه. وعليَّ عهد الله وميثاقه أن أطلب الوسائل لتقوية الإسلام والمسلمين، عقلاً وقدرةً بكل وجه أعرفه، وما جهلته أطلب علمه من العارفين، لا أدع وسيلة حتى أحيط به بقدر ما يسعه إمكاني الوجودي. وأسأل الله نجاح العمل، وتقريب الأمل، وتأييد القائم بأمره والناشر لواء دينه. آمين)