السيمفونية الثالثة (مالر)
حازم حسني ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
|
السيمفونية الثالثة لگوستاف مالر كتبها بين 1893 و 1896. هي أطول سيمفونياته، بل هي أطول ما هو معروف من سيمفونيات على وجه الإطلاق، إذ يستغرق عزفها بين 90 إلى 100 دقيقة.
تتكون السيمفونية من ست حركات غير متساوية المدة، وكان مالر يخطط لأن تكون من سبع حركات، وهو ما كان سيجعل مدة عزفها تناهز الساعتين الكاملتين، لكنه قرر - لأسباب ربما تستبين لكم لاحقاً - أن يبقيها عند ست حركات لا غير، واستعان بالحركة السابعة فى سيمفونية لاحقة!
الحركة الأولى سماها ماهلر
- "پان يستيقظ، والصيف يأتي"
- "بماذا تخبرني الزهور في الغدير"
- "بماذا تخبرني الحيوانات في الغابة"
- "بماذا يخبرني الإنسان"
- "بماذا تخبرني الملائكة"
- "بماذا يخبرني الحب"
قد يرى البعض فى أسماء هذه الحركات الأربع فكرة "الخلق" التى يستدعيها مالر من تراثه اليهودى الذى تعبر عنه نصوص العهد القديم فى سفر الكوين، بيد أن هذا "الانطباع" يبدو لي خاطئاً تماماً، فمالر كان يستدعى فكرة "التطور" - وإن لم تكن داروينية بالضرورة - لا فكرة "الخلق" اليهودية! يتضح هذا من الشخصية الأسطورية التى استدعاها ماهلر لتجسيد معانى الحركة الأولى "بماذا تخبرنى الصخور"، وهي شخصية "پان"، إحدى الشخصيات الأسطورية الإغريقية التى ارتبطت بالطييعة البكر، وبالجبال وبالصخور. فقد جسد مالر حركته الأولى بأنها تعبر عن "بان وهو يستيقظ"! استدعاء مالر لشخصية أسطورية إغريقية لتجسد معاني الحركة الأولى من سيمفونيته كان تحدياً سافراً للفكر اليهودى التقليدى الذى كان يعتبر أى استدعاء لمثل هذه الشخصيات الأسطورية الإغريقية "خطيئة وثنية".
قد تستبين لكم فكرة مالر من تأليفه سيمفونيته الثالثة تباعاً، لكن دعونا نتعرف أولاً على هذه السيمفونية التي هي واحدة من أروع السيمفونيات، إن لم تكن أروعها، على الأقل بسبب عمقها الفكرى الذى ضمنه مالر فى حركاتها الست، وربما أيضاً بسبب الحركة السابعة التى تحاشى مالر باستبعادها صداماً مفتوحاً مع الفكر اليهودي التقليدي.
اختار مالر للحركة الرابعة أن تكون غنائية أوبرالية، وليس فى هذا جديد منذ اختار لودفيج فان بيتهوفن لسيمفونيته التاسعة أن تستعين بالأصوات الإنسانية. الجديد، أو المثير للاهتمام، هو الكلمات التى اختارها "جوستاف مالر" لهذه الحركة الرابعة، إذ هى كلمات "أنشودة منتصف الليل" التى جاءت فى كتاب "هكذا تحدث زرادشت" للفيلسوف الألماني الأكثر إثارة للجدل فريدريك نيتشه صاحب قالة "موت الإله". ما قاله "نيتشه" عن "موت الإله" كان كفيلاً بتأليب العوام - بمن فيهم رجال الدين - عليه وعلى فلسفته، فمعظمهم - إن لم يكونوا جميعهم - يجهلون أسرار اللغة الفلسفية التى تتعرج فيها المعانى حتى لتتضافر مع بعضها البعض لتنتج فى كثير من الأحيان عكس المعنى الذى يلتقطه العوام ويلتقطه معهم رجال الدين من النصوص الفلسفية التى تبدو لهم صادمة، وهى صادمة بالفعل لأنها تهدد تراثهم النقلى كله، فضلاً عن امتيازاتهم المؤسسية. الفكر الفلسفي الديني - بعيداً عما يعتقده البعض من فهم سطحى للفلسفة الدينية - هو من أعقد وأعمق أنواع الفكر الفلسفى، وربما لو فهمنا النصوص الدينية بعقل فلسفي لما وجدنا أفكار "نيتشه" شاردة كل هذا الشرود الذى يعتقده البعض.
أياً ما كان الأمر، فإن كلمات نيتشه فى كتابه الأشهر كانت ما اختار مالر للحركة الرابعة لسيمفونيته الثالثة، وتحديداً "أنشودة منتصف الليل"، وهي تتحدث عن الرحلة التى يكابدها الإنسان بحثاً فى أسرار الوجود عن معانى الخلود. اختيار هذه الأنشودة يظهر شغف ماهلر بالفلسفة الألمانية عموماً، وبفلسفة نيتشه على وجه الخصوص، بما يجعله يبدأ عند هذه الحركة الرابعة افتراقه عن التراث الديني اليهودي بشكل صريح لا ضمني.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
صوتيات
هل لديك مشكلة في تشغيل هذا الملف؟ انظر مساعدة الوسائط.
الهامش
وصلات خارجية
- Symphony No.3: Free scores at the International Music Score Library Project