سان سيمونية
السان سيمونية Saint-Simonianism كانت حركة سياسية واجتماعية فرنسية في النصف الأول من القرن 19، ملهَمة بأفكار كلود هنري ده روڤروا، كونت سان-سيمون (1760–1825). والسان سيمونيون هم أتباع سان سيمون الفيلسوف والإقتصادي الفرنسي (1760-1825) الذي كان يدعو إلى أن السلطة يجب أن تسلم إلى الصناعيين لا للعلماء، لأنهم هم الرؤساء الحقيقيون للشعب، فهم الذين يقودونه في أعماله اليومية. فالأمة هي ورشة صناعية واسعة، تزول فيها فروق المولدوالنسب، وتبقى اختلافات القدرات. وقد كانت آراؤه وراء بدايات "العلم الوضعي" و الإشتراكية.
رأى السان سيمونيون في مصر محمد علي فرصة لتطبيق أفكارهم، لذا فقد سافر الكثير منهم إلى مصر للمساهمة في نهضتها.
تضمنت السان سيمونية أفكاراً اشتراكية كثيرة حتى عدها بعضهم المقدمة الطبيعية للبيان الشيوعي. فقد كتب شڤالييه Chevalier أحد أتباع سان سيمون يقول: «مازال الإنسان حتى الآن يستغل الإنسان: الأسياد يستغلون العبيد، النبلاء يستغلون العامة، والعاطلون يستغلون المشتغلين، وكذلك السادة يستغلون الخدم. هذا هو تاريخ الإنسانية حتى يومنا هذا». وتوقع شوفالييه أيضاً دوراً كبيراً للدولة في الحياة الاقتصادية إذ يقول: «هناك اتجاه لأن تصبح الدولة موزعاً عاماً للعمل والأجور وكذلك تتجه لتؤمن معاشاً تقاعدياً لكل المواطنين». «ستكون الدولة وليس الأسرة الوريث الشرعي لكل الثروات التي تؤلف ما يسميه الاقتصاديون أرصدة الإنتاج». حتى إن تلامذة سان سيمون قالوا بضرورة إلغاء الملكية الخاصة وليس إلغاء حق الإرث فقط كما كان يقول سان سيمون نفسه.
ومن الآراء التي كان يبشر بها دعوته إلى تكافؤ الفرص لا التجانس الكامل.
واشترك سان سايمون في الثورة الأمريكية مدفوعا بحماسه وأخلاصه، وأيد الثوار الفرنسيين في فرنسا. وتعرض في حياته إلى الجوع والتشرد، وتحمل الكثير من الصعاب في صراعه الطويل من أجل صياغة أفكاره ونظرياته التي كان يرمي منها قيام مجتمع عادل، ومن أشهر مؤلفاته (المسيحية الجديدة). ولقد توفي في عام 1825.
وكان من أتباع سان سايمون الفيلسوف أوگست كومت، والمهندس فرديناند دي لسبس الذي قام بحفر قناة السويس في مصر.
ولكن يلاحظ أن مذهب سان سيمون الذي حمله أتباعه (سان سيمونيون) فيما بعد كان مذهبا أشتراكيا ويدعو إلى ألغاء الميراث. وكان من رأيهم أن أنتقال الثروة يجب عدم تقييدها بالعائلة وإنما يجب أن تؤول هذه الثروة بعد وفاة صاحبها إلى الدولة.
ويدعو انصار هذا المذهب إلى أن تتولى الدولة تنظيم الأنتاج وتعهد به إلى المقتدرين لمصلحة المجموع العام. وأن تعهد إلى كل شخص من العمل ما يتناسب ودرجة كفاءته وتقيم هذه الكفاءة بالقدر المنتج من العمل. ويجب على السلطة أن تسلم إلى الصناعيين لا للعلماء، لأنهم هم الرؤساء الحقيقيون للشعب، فهم الذين يقودونه في أعماله اليومية. فالأمة هي ورشة صناعية واسعة، تزول فيها فروق المولد والنسب، وتبقى اختلافات القدرات. وقد كانت آراؤه وراء بدايات "العلم الوضعي" و الإشتراكية.
ورأى أنصار سان سيمون في دولة مصر، وحكم محمد علي فرصة لتطبيق أفكارهم، لذا فقد سافر الكثير منهم إلى مصر للمساهمة في نهضتها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
استعراض
عاش سان سيمون في زمن كان مملوءاً بأصحاب الأفكار اليوتوبية، أي الباحثة عما اصطلح على تسميته بـ «المدن الفاضلة». فالزمن كان زمناً انتقالياً، مثل زمن النهضة قبله بنصف ألفية تقريباً. وفي الأزمان الانتقالية يكثر عادة أصحاب «البدع» وأصحاب الخيال ولكن كذلك أصحاب المشاريع الممكنة التحقق، في الوقت نفسه. ولئن كان زمن سان سيمون قد شهد كل أنواع الحالمين المتكاثرين، فإن هذا «النبيل المفلس» كما كان البعض يدعوه، كان صاحب فكر خيالي ولكنه كان أيضاً صاحب إرادة عملية. ومن هنا يكاد يكون الوحيد من بين أبناء طينته المفكرين الباحثين عن مستقبل، الذي وضع مشروعه الخيالي حقاً قيد التطبيق ونشر تلامذته وتابعيه في كل أصقاع الأرض يستنهضون الهمم وينفذون المشاريع او على الأقل يشرعون في ذلك. ونعرف طبعاً ان السان سيمونيين وصلوا الى مصر، حيث فتنوا محمد علي باشا وابنه ابراهيم باشا. ولربما كانوا هم من فكر، أولاً، بشق قناة السويس، ناهيك بأنهم أثّروا في مصريين كبار، منهم محمد مظهر وربما علي مبارك أيضاً. صحيح أن سيمون فُهم في شكل سيء في زمنه، لكن أفكاره نفسها عرفت كيف تنتشر، وتصل حتى الى كارل ماركس وغيره من مؤسسي ما كان يسمى في المصطلحات التي تبدو عتيقة بعض الشيء اليوم، بـ «الاشتراكية العلمية». وما هذا إلا لأن أفكار سان سيمون، إذا كانت قد اعتادت ان تبدو خيالية في أيامه، تلقفتها الأجيال التالية له، لتدرك مقدار ما كان فيها من تزاوج بين الخيال والواقع وبين الفكر وإمكان تطبيقه، اي من نزعة علمية. كانت أفكار سان سيمون أفكاراً للأزمان المقبلة، ولكن بالمعنى الحقيقي للكلمة، لا بالمعنى الوهمي. ومن هنا نكاد نلمس آثاره عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتكاد أفكاره تكون حية بيننا.[1]
لقد كتب سان سيمون كثيراً، وسبق لهذه الزاوية ان قدمت بعض أفكاره. وهو تناول في كتابته، سواء أتت في كتب، أو في مقالات صحافية أو مناشير، الكثير من الشؤون، ودائماً من منظور يدعو الى مجتمع الصناعة الذي كان يسميه «مجتمع المسيحية الجديدة»، كما انه لم يتوقف عن الدعوة الى ما كان يعتبره «تسخين» الصراع الطبقي، والى حكم للدولة يمارسه أصحاب المصالح الحقيقيون من العمال، بدلاً من حكم المستغلين وأهل البلاط وما شابه.
- وإذا كان سان سيمون قد عرّف نفسه وأفكاره منذ البداية، عبر نصه الأشهر «رسائل من قاطن جنيف الى معاصريه» (1802) الذي حلم فيه بدين «جديد قائم على العلم»، فإنه في نصّ آخر له، لا يقل أهمية وشهرة، نشره في العام 1814 بعنوان «نهضة المجتمع الأوروبي»، دعا الى وحدة أوروبا في دولة متعددة الأمم... وحين أطلق دعوته هذه، خائب المسعى إزاء أزمة العمل الثوري التي تلت ثورة 1889 التي كان شديد الاهتمام بها، وإزاء تحول الثورة الى امبراطورية استعمارية (نابوليون بونابرت).
غير أن الأطرف والأكثر قوة بين نصوص سان سيمون، هو ذلك النص الذي نشره عام 1819 وعرف باسم «أمثولة سان سيمون»، وفيه برهن على أن فرنسا لن تعاني من فقدان ملوكها ونبلائها وكل أنواع سياسييها، بمقدار ما سيكون من شأنها أن تعاني إذا ما فقدت علماءها وصناعييها وأفضل حرفييها، مؤكداً هنا نظريته التي كثيراً ما عبّر عنها في كتابات اخرى له وتتعلق بمن يمكن اعتبارهم النخبة الحقيقية في فرنسا، وبالتالي في أي مجتمع.
يقول سان سيمون في هذا النص الذي تتنافس قوته مع طرافته، والذي نشره في مجلته «المنظّم»:
لنفترض أن فرنسا قد فقدت، في شكل مفاجئ، أهم خمسين فيزيائياً لديها، وأهم خمسين كيميائياً، وأهم خمسين طبيباً وعالماً رياضياً وشاعراً ورساماً ومثّالاً وموسيقياً وأديباً. ولنفترض أنها فقدت كذلك أهم خمسين ميكانيكياً ومهندساً مدنياً وعسكرياً، وأول خمسين مدفعياً ومهندساً معمارياً وجراحاً وصيدلياً وبحّاراً وساعاتياً، وأول خمسين مصرفياً و/أو أهم مئتي بائع وأهم ستمئة مزارع، وأهم خمسين حداداً وصانع سلاح ودهاناً وعامل منجم وصانع أغطية ونساجاً وزجاجاً وصانع دروع وطباعاً وحفاراً وجوهرجياً وعاملاً في الصناعات الأخرى. وأول خمسين بنّاءً وفحاماً ونجاراً وبيطرياً وقفّالاً وصانع سكاكين وسباكاً ومئة شخص آخرين غير محددي المهنة هم الأفضل في العلوم والفنون والحرف... أي ما يجعل عدد المفقودين فجأة ثلاثة آلاف. وبما أن هؤلاء هم الفرنسيون الأكثر انتاجاً(...) ويوفرون الأشغال الأكثر منعة للأمة جاعلينها من بين الأمم المنتجة(...)، فإن الأمة إذ تفقدهم ستصبح جسداً لا روح فيه. وهي على الفور ستسقط في وضع متدنٍ بين الأمم التي تعاملها اليوم معاملة الند للند(...) عند هذا ستحتاج فرنسا الى ما لا يقل عن جيل بكامله لكي تعوّض على هذه الكارثة التي حلت بها(...)
والآن، يتابع سان سيمون في النص نفسه، لنعبر الى افتراض آخر:
لنفترض أن فرنسا قد احتفظت بكل العباقرة في العلم والفن والحرف، لكنها فقدت في اليوم نفسه وفي المقابل السيد شقيق الملك، ومولانا دوق أورليان ومولانا دوق دي بوربون، وسيدتنا دوقة آنغوليم، وسيدتنا دوقة دي باري، والدوقة اورليان(...). ولنفترض انها فقدت في الوقت نفسه جميع ضباط العرش ووزراء الدولة (أكانوا بحقائب أو من دون حقائب) والمستشارين والمفتشين والمارشالات والكاردينالات والأساقفة والخوارنة والكهنة والمحافظين ومساعدي المحافظين ومستخدمي الوزارات والقضاة، إضافة الى عشرة آلاف مالك هم الأكثر ثراء من بين الذين يعيشون حياة النبلاء. ما لا شك فيه ان هذا الحادث سيؤلم الفرنسيين، لأنهم طيّبون، ولأنهم ليس في وسعهم أن ينظروا بلا مبالاة الى اختفاء كل هذا العدد من مواطنيهم في شكل مفاجئ. غير أن خسارة هؤلاء الثلاثة آلاف فرد، المنظور إليهم بوصفهم الأكثر أهمية للدولة، لن تُسبّب للفرنسيين من الشجن إلا ذلك الشجن العاطفي. ذلك أن الآثار السيئة المترتبة على الأمة ستكون صفراً. أولاً بسبب المنطق الذي يقول لنا ان ملء هذا النوع من المراكز الشاغرة سيكون سهلاً جداً. فثمة في الحقيقة عدد كبير من الفرنسيين القادرين على ممارسة وظائف شقيق الملك أو السيد الأمير أو مولانا دوق انغوليم(...) الى آخره. وأفناء القصر مملوءة بالسادة من أفراد الحاشية المستعدين للحلول مكان ضباط العرش. ثم ان لدى الجيش أعداداً كبيرة من العسكريين الذين يفوقون مارشالاتنا الحاليين، قدرة وكفاية... ثم كم من بائع يا ترى يمكنه أن يوازي في الكفاءة والمقدرة وزراء الدولة! وكم من مدير قادر على تسيير شؤون المحافظات(...). أما العشرة آلاف مالك الذين يعيشون حياة النبلاء، فإن ورثتهم لن يكونوا في حاجة الى أي تدريب خاص لكي يكونوا قادرين على تشريف صالوناتهم، بمقدار ما شرفها أسلافهم.
ويخلص سان سيمون من هذا العرض الى القول أن
«ازدهار فرنسا لن تقوم له قائمة إلا بفعل تقدم العلوم والفنون والحرف». أما «الآخرون من كبار ضباط العرش والأساقفة ومارشالات فرنسا وغيرهم فلا يقدمون أية مساهمة مباشرة في التقدم»، بل انهم، بدلاً من ذلك نراهم «يبذلون جل جهودهم لتطويل أمد الهيمنة(...) وهم، بالضرورة، انطلاقاً من هذا، يسيئون الى تقدم الأمة، إذ يحرمونها، كما يفعلون حالياً، من العلماء والفنانين والحرفيين...» و «يسيئون لأنهم ينتزعون سنوياً، من أصول الضرائب المدفوعة الى الدولة، مبالغ طائلة، على شكل هبات ومكافآت وتعويضات».
والحال ان فكر سان سيمون كان هكذا على الدوام، بسيطاً وتبسيطياً يحفل بالغضب، وهذا ما جعله يتعرض في شكل متواصل للمشكلات مع السلطة. وجعل كتبه تمنع، ما أورده موارد اليأس وجعله يحاول الانتحار غير مرة... ليموت أخيراً عام 1825 وسط بؤس مدقع، عن عمر يناهز الخامسة والستين، على رغم كل العون الذي قدمه له مفكرون وسياسيون آمنوا بأفكاره، ولا سيما الأب إنفانتان الذي كان الرجل الثاني في الحركة السان سيمونية، كما كان وريث سان سيمون الأول وناشر أفكاره وصولاً إلى مصر.
أشخاص اقترنوا بالحركة
|
|
سان سيمونيون مميزون آخرون
- الجنرال لاموريسيير، عسكري.
- فردينان ده لسپس، رجل أعمال.
- Frères Pereire، مصرفي.
- Ismaël Urbain، مترجم.
- جوزيف-فردينان توسان, سياسي بلجيكي.
الهامش
- ^ ابراهيم العريس (2013-03-18). "«أمثولة سان سيمون»: بناء المستقبل مشروط بازدهار الفنون والحرف". صحيفة الحياة اللبنانية. Retrieved 2013-05-23.
ببليوجرافيا
- Goyau, G. Saint-Simon and Saint-Simonism in the Catholic Encyclopedia, New York, 1912
- Hewett, Caspar, Henri de Saint-Simon, the Great Synthesizer, 2008
- Leopold, David Saint-Simon, Claude-Henri de Rouvroy in E. Craig (ed.). Routledge Encyclopaedia of Philosophy, London, 1998.