الربداء الرشيقة

كشفت دراسة جديدة نشرتها مجلة "ساينس" (Science) عن مفاجأة؛ إذ أظهرت أن عملية الرؤية لا تحتاج إلى "عين" لنوع من الديدان الأسطوانية يُعرف باسم "الربداء الرشيقة" (Caenorhabditis elegans)، التي يمكنها استشعار لون الضوء في بيئتها على الرغم من افتقارها إلى العيون.

توجد "الربداء الرشيقة" في أكوام السماد، حيث تتغذى على الميكروبات الصغيرة، وبعض تلك الميكروبات مُلون أو يُفرز موادَّ وأصباغًا ملونة سامة، ولدى تلك الديدان "حساسية لونية" تساعد في إبعادها عن السموم المصطبغة التي تنتجها البكتيريا الملونة الضارة، وفق الورقة العلمية.

ولا تملك الديدان الأسطوانية بشكل عام أيّ عيون، ولا حتى الجزيئات الكيميائية (البروتينات) اللازمة للرؤية، ومع ذلك، أظهر البحث وجود نوعين مختلفين من الجينات يُسهمان في "الحساسية الطيفية للديدان"، ما يجعلها ترى طيف الألوان بسهولة، وتوجد تلك الجينات لدى العديد من الكائنات الحية، ومن ضمنها البشر.

يبلغ طول تلك الدودة حوالي ملليمتر واحد فقط، وعلى الرغم من تركيبها العصبي البسيط، فإن لدى "الربداء الرشيقة" مجموعة معقدة من السلوكيات البيولوجية؛ إذ يُمكنها الشم والتذوق والإحساس باللمس والتفاعل مع اختلاف درجات الحرارة وتغيير أنماط التغذية الخاصة بها، والآن كشف الباحثون أيضًا عن قدرتها على الاستجابة للضوء، وبخاصة في الطيف اللوني الأزرق.

على الرغم من أن الباحثين اعتقدوا ذات مرة أن هذه الديدان تدفن نفسها في أعماق التربة، إلا أن الأبحاث الحديثة أظهرت أن تلك الديدان تفضل أكوام السماد الموجودة فوق الأرض، والتي توفر بعض التعرض لأشعة الشمس.

وتعيش "الربداء الرشيقة" وسط مجموعة من الكائنات والميكروبات الدقيقة، وتتغذى تلك الديدان على بعضها، إلا أن بعض الميكروبات تملك سلاحًا فتاكًا: السم الأزرق المميز؛ إذ تقوم الميكروبات بإفراز ذلك السم للقضاء على المفترسات، إلا أن "الربداء الرشيقة" تتجنب تناول تلك السموم بشكل ما، وكان العلماء يتوقعون أن تلك الديدان ربما كان لديها خاصية تجعلها قادرة على "شم" السُّم، إلا أن الدراسة الحديثة كشفت قدرة خاصة جدًّا.

فحين أحل الفريق البحثي محل السم الأزرق صبغةً زرقاء غير سامة عزفت الديدان عن تناول الوجبة، وحين وضع العلماء سمًّا شفافًا –ذا تركيب كيميائي شبيه- تناولت الديدان الطعام،" إذن يبدو أن الأمر لا علاقة له بحاسة الشم.. لكن بالرؤية"، وفق تصريحات مصادر علمية في فريق الدراسة لموقع "للعلم".