الحديث في العصر العباسي
الحديث في العصر العباسي
من أهم مصادر التشريع الإسلامى بعد القرآن هو الحديث ، وقد ظهر في العصر العباسى الأول في القرن الثانى للهجرة طائفة من أئمة الحديث من أشهرهم في المدينة الإمام مالك بن أنس ، وفى البصرة حماد بن سلمة ، وفى الكوفة سفيان الثورى ، وفى الشام الأوزاعى.
أما في العصر العباسى الثانى فاشتهر من كبار أئمة الحديث الإمام أحمد بن حنبل ، وقد خالف القائلين بخلق القرآن، وقد ترك كتاب "المسند" الذى يشتمل على (40.000) حديث، منها عشرة آلاف مكررة، ويتفق مذهبه مع الإمام مالك بن أنس من حيث اعتماده على الحديث . وقد أخذ عن ابن حنبل جماعة من المحدثين المسلمين من أمثال:- محمد بن اسماعيل البخارى ، وفى أيامه أخذت أساليب جمع الحديث وترتيبها مكانتها في الدقة وشدة التحرى. وكان البخارى محدثًا، وقد تفوق على من سبقه من المحدثين في جمع الحديث، فلم يكتف بجمع أحاديث البلاد التى نشأ فيها، بل تنقل في البلاد لجمع الحديث، حتى إن رحلاته استغرقت (16) سنة، ويعد كتابه "الجامع الصحيح" المصدر الأول للأحاديث الصحيحة وقد جمع البخارى(7275)حديثًا، فيها عدد من الأحاديث المكررة، فإذا حذفنا هذه الأحاديث المكررة وغير الموصولة السند أصبح عددها أقل من ثلاثة آلاف حديث اختارها البخارى من(300.000) حديث، أى بنسبة(1-2%)، وقد صنف البخارى صحيحه فى(97) كتابًا. والكتاب يدور حول معنى واحد مثل كتاب الوضوء، بدء الوحى.
-وجاء بعده تلميذه مسلم بن الحجاج القشيرى وكان من أهل نيسابور ، وامتاز كالبخارى بكثرة رحلاته في طلب الحديث وعرف مصنف مسلم "بصحيح مسلم" الذى يقول فيه ابن خلدون : "إنه حذا فيه حذو البخارى في نقل المجمع عليه وحذف المتكرر منها، وجمع الطرق والأسايند وبوبه على أبواب الفقه وتراجمه، ومع ذلك فلم يستوعبا الصحيح كله"، وقد صنف بعض أئمة الحديث كتبًا أخرى تعد في المرتبة الأولى من بين كتب الحديث، وأطلق عليها اسم الصحاح ، وهؤلاء المحدثون هم: أبو داود السجستانى صاحب السنن، و أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذى صاحب "الجامع"، وأبو عبد الله محمد بن يزيد القزوينى المعروف بابن ماجة، و أبو عبد الرحمن بن شعيب النسائى صاحب السنن، وممن نبغ في علم الحديث بالأندلس: ابن وضاح ، و ابن عبد البر ، والقاضىيحيى بن يحيى الليثى ، و أبو الوليد الباجى ، و أبو الوليد بن رشد ، و ابن عاصم مؤلف "التحفة". ومن أشهر المحدثين الذين ظهروا في القرن السادس الهجرى: أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة وهو من أهل أصفهان ، وقد وصفه ابن خلكان بقوله: "هو محدث ابن محدث ابن محدث ابن محدث ابن محدث، وكان جليل القدر، وافر الفضل، واسع الرواية، ثقة حافظًا فاضلاً مكثرًا صدوقًا، كثير التصانيف، حسن السيرة، بعيد التكلف، أوحد أهل بيته في عصره، خرج التخاريج لنفسه". ومن مشهورى علم الحديث بالمشرق في القرن السادس الهجرى: المحدث الفقيه أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفّراء البغوى. وقد صنف كثيرًا من الكتب في الحديث والتفسير و الفقه ومن مؤلفاته: كتاب "شرح السنة في الحديث"، وكتاب "الجمع بين الصحيحين".ومما يلفت النظر إسهام النساء في الاشتغال بالعلوم الدينيه لاسيما في علم الحديث ، ومن هؤلاء النساء: كريمة بنت أحمد المروزية التى اشتهرت برواية صحيح البخارى. ومن أشهر المحدثين في العصر الفاطمى : أبو طاهر أحمد بن محمد الحافظ السلفى، وكان من أهل أصفهان ، وقد رحل إلى البلاد طلبًا للحديث حتى وصل إلى الإسكندرية عام (511هـ)، ولما استقر استمع إلى دروسه كثير من الأهالى. وفى سنة (546هـ) أنشأ الوزير الفاطمى العادل بن السلار في الإسكندرية كلية عين السلفى عميدًا لها.
وقد اهتم الموحدون في المغرب بموطأ المهدى محمد بن تومرت باعتباره صورة مصغرة لموطأً الإمام مالك وذلك بعد حذف الأسانيد. واهتم الخليفة الموحدى الثالث يعقوب المنصور بعلم الحديث اهتمامًا خاصًا، حتى إنه قام بإصلاح فقهى أساسه اعتبار الحديث الشريف بالإضافة إلى القرآن مصدر التشريع في العبادات والمعمالات، وأمر بإحراق أهم الكتب التى تناولت الكلام على مذهب مالك مثل: مدونة سحنون، وكتاب ابن يونس، وكتاب "التهذيب" للبرادعى. كما أمر بوجوب أخذ الفقه من كتب عشرة عدها أمهات الحديث وهى: "الصحيحان" للبخارى ومسلم والترمذى، و"الموطأ" لمالك، و"أحاديث المهدى محمد بن تومرت في الطهارة"، و"سنن أبى داود"، و"سنن النسائى"، و"سنن البزار" و"مسند ابن أبى شيبة"، و"سنن الدارقطنى"، و"سنن البيهقى". وظهر في الأندلس الفقيه المحدث ابن حزم، والشيخ عبد الله بن ياسين زعيم دولة المرابطين ، والحافظ القرطبى أبو عمر يوسف بن عبد البر الذى يقول عنه أبو الوليد الباجى: "إنه لم يكن بالأندلس مثله في الحديث". ومن أشهر كتبه "الاستدراك لمذاهب الأعصار فيما تضمنه الموطأ من معانى الرأى والآثار".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .