تحول شكلي
في علم الأحياء، التحول الشكلي Metamorphosis، هو وصف التغيُّرات التي تحدث للحيوانات الدنيا في الشكل والمظهر من طور النمو إلى طور النضج والبلوغ. والحيوانات العليا، مثل القطط والكلاب والخيول، تمر بما يمر به الإنسان من أطوار النمو المختلفة. فهي عند ولادتها تلد صغارًا تشبهها في الشكل، ولكنها لاتشبهها في الحجم. وتمثل مايعرف بالنمو المباشر. ولكن عندما تفقس الحيوانات الدنيا مثل النمل والفراش والقنفد البحري، فإنها تبدو غير شبيهة بوالديها. وتحدث في العديد من هذه الحيوانات المكتملة النمو تغيرات جذرية في الشكل والحجم، قبل أن تصبح مكتملة النمو.
والتغيرات التي تحدث في دورة حياة الفراشة أو العثة، تُعدُّ من أكثر أمثلة التحوُّل إثارة للدهشة، وذلك لأن العثة والفراشات، تمر بأربع مراحل متباعدة. ويعتبرها العلماء أمثلة على التحوُّل الكامل. فالمرحلة الأولى هي البيضة التي يتشكل فيها الجنين. ويتم وضع بيض الفراشات والعديد من العثات، على النباتات التي توفر الطعام للمرحلة التالية من مراحل النمو، والتي تدعى اليرقة.[1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التحول الشكلي في الحشرات
تنقف بيضة الجراد عادة لتخرج حورية تشبه الحيوان الأم، لكنها ذات رأس كبير مقارنة مع بقية الجسم، وبدون أجنحة. وكلما تقدم العمر بالحورية، بعد عدة انسلاخات، يكبر الجسم فتطرح القشيرة القديمة عن جسمها، وتظهر أجنحة صغيرة من براعم جناحية صغيرة، تكبر بالتدريج. وهكذا تنسلخ الحورية الأولى أربع مرات تنسلخ بعدها الحورية الخامسة متحولة إلى طور البلوغ. يطلق على أمثال الجراد اسم الحشرات نصفية التحول الشكلي.
أما فراشة الحرير فتنقف بيضتها عن يرقة دودية الشكل تسمى الأسروع يتألف جسمها من قطع متتالية تتغذى بأوراق التوت، تنسلخ أربع مرات طارحة قشيرتها التي تغطي جسمها. أما اليرقة الخامسة فتنسج حول نفسها شبكة من الخيوط الحريرية مشكلة شرنقة تحيط نفسها بها، كما تفرز اليرقة حول نفسها قشيرة شمعية تتحول بداخلها إلى مرحلة يرقية أخرى تختلف عن الأولى تسمى العذراء، ينخفض فيها النشاط الاستقلابي (الأيض) إلى حده الأدنى، فتبقى العذراء ساكنة شبه ميتة. حتى إذا ما ارتفعت الحرارة تدب الحياة فيها وتنشط ثانية وتتحول إلى حشرة بالغة تشق طريقها إلى حياتها الجديدة بتمزيق قشيرتها الشمعية والشرنقة الحريرية. ويطلق على أمثال فراشة الحرير اسم الحشرات كاملة التحول الشكلي.
درست أسباب هذه التغيرات فوجد تدخل بعض الهرمونات فيها. ففي الجراد مثلاً يفرز نصفا الكرتين المخيتين هرموناً يسمى هرمون عقدة الصدر الأمامي المغذي الذي يخزَن ضمن شفع من الغدد تسميان غدتي الجسم القلبي تتوضعان خلف الدماغ مباشرة. وإذا مر هذا الهرمون إلى غدة توجد في القطعة الصدرية الأولى تسمى غدة الصدر الأمامي فإنها تحرر هرمون الإكدايسون الذي ينبه خلايا البشرة لإنتاج قشيرة جديدة.
تبين أيضاً وجود منطقة في الرأس تسمى الجسم المجهول تفرز هرموناً آخر يسمى هرمون الفتوة يحض على إبقاء مرحلة الحورية، مانعاً بذلك التحول إلى طور البلوغ ومحافظاً على شكل الحورية.
وهكذا يستنتج أن في كثير من الحشرات هرمونين هما هرمون الانسلاخ وهرمون الفتوة. ويُرى الآن أن النمو والتحول الشكلي محكومين بالتفاعل المتبادل بين هذين الهرمونين. ففي غياب هرمون الفتوة يثير هرمون الانسلاخ التحول إلى شكل الحشرة البالغة، وبوجود هذا الهرمون يُثَبَّطُ تأثير هرمون الانسلاخ وتبقى المتعضية في مرحلة ما دون النضج. أما لدى الحشرات كاملة التحول الشكلي فتبلغ الحشرة مرحلة العذراء بسبب وجود مستويات منخفضة جداً من هرمون الفتوة، في حين يؤدي غياب هذا الهرمون إلى تحول شكلي مباشرة إلى الشكل البالغ. فإذا استأصلنا الجسم المجهول من الحوريات في المرحلة الثانية أو الثالثة أو الرابعة لحشرة نصفية التحول الشكلي فإنها تنسلخ متحولة إلى شكل بالغ مصغر.
وحالما يتحقق الوصول إلى الشكل البالغ لدى الحشرات المجنحة يتراجع نمو غدد الصدر الأمامـي وتختفي، مانعة بذلك حدوث انسلاخات لاحقة. ولا يحدث هذا التراجـع لدى الحشرات عديمات الجناح، إذ يعود الجسم المجهول لدى الحشرات البالغة فعالاً مرة ثانية ويفرز هرمون الفتوة. ويعد هذا الأمر ضرورياً من أجل تراكم المح في الخلايا البيضية عند الإناث ومن أجل الوظيفة الطبيعية للغدد الملحقة التي تُكَوِّن حاملات النطاف عند الذكور.
اليرقة
تعرف يرقة الفراشة أو العثة، أيضًا باليسروع. وقد تكون اليرقة مكسوّة بالشعر، أو شائكة أو ذات جلد ناعم؛ وقد تكون ذات لون واحد أو بعدة أنماط ذات ألوان فاقعة. ويختلف اليُسروع عن الحشرة البالغة في أن له أرجلاً بطنية تشبه الماصّة وأجزاء فمويّة ماضغة. أما الفراشة البالغة فليس لها أرجل بطنية ولها أجزاء فمويّة ماصّة. وإضافة إلى ذلك، فإن اليُسروع ليس له أجنحة.
ينمو اليُسروع بسرعة، ويُسقِط جلده الخارجي عدة مرات. وبعد مايقارب الشهر، في طور اليرقة، يضع يسروع الفراشة لِبادة من الحرير على غُصين أو أي دعامة أخرى، ويلصق نفسه بها. ثم يُسقِط جلده مرة أخرى، ليدخل المرحلة الثالثة، من عملية التحوُّل وتسمى الخادرة. ويُشكل العديد من العُثَّات شرنقات حريرية، قبل أن يطرح جلدها وتنتقل إلى مرحلة الخادرة، وهناك عثة أخرى تقضي مرحلة الخادرة تحت الأرض في خلايا جذور النبات.
مرحلة الخادرة
تكون الفراشة أو العثة المتطورة أثناء مرحلة الخادرة غير نشطة. وتكون خادرة الفراشة محمية بوساطة الجزء البطني فقط. وفي داخل غلاف الخادرة يتم استبدال الهياكل اليرقية بهياكل الفراشة البالغة. وتُعدُّ مرحلة الخادرة مثالية لتمضية الفترات التي تكون فيها الظروف البيئية قاسية، كالشتاء أو القحط. وقد تدوم مرحلة الخادرة أيامًا قليلة أو قد تستمر عدة أشهر. ويتوقف ذلك على المناخ والنوع.
مرحلة البلوغ
تخرج الحشرة البالغة التي تسمّى أيضًا اليافعة عن طريق الضغط على غلاف الخادرة، التي تنشطر لتتفتح. ومن ثم يزحف الكائن البالغ ليستقر على غصين أو أية دعامة أخرى، ثم يضخ الدم على أجنحته المتقلصة لكي تصبح قوية وتتخذ حجمها الكامل، ثم تطير بعيدًا لتتغذى بغذاء سائل، كرحيق الزهور أو نُسغ الشمبر (عصارة في النباتات)، ثم تقوم بنشاطاتها التكاثرية.
التحول الشكلي في البرمئيات
يتضمن التحول الشكلي لدى البرمائيات تحول يرقاتها المائية (شراغيف الضفادع) إلى متعضيات بالغة نصف أرضية المعيشة.
ويعكس هذا التحول لدى البرمائيات عدم تأقلم هذه الحيوانات تماماً مع الحياة على اليابسة. فالبالغة منها تستطيع الحياة على اليابسة وتستمد غذاءها بتناولها الحشرات الطائرة. أما الجنينية فعليها أن تعيش في الماء أو في أماكن خاصة مثل جيوبٍ على ظهور أمَّهاتها، لأن البيوض لا تتحمل التعرض للهواء الجوي. لذلك فإن كل البرمائيات تقريباً التي تبيض في الماء لها مراحل يرقية تبقى بعد الفقس في الماء متغذية بالطحالب المائية. ويتضمن نمو هذه الحيوانات تحولها من التغذي العشبي في الماء إلى التغذي اللحمي على اليابسة، الأمر الذي يقتضي حدوث تغيرات جذرية في تشريح الحيوان ووظائف أعضائه. من هذه التغيرات اختفاء الذيل من اليرقات وتَكَوُّن الأطراف بدلاً منها، واختفاء الغلاصم (الخياشيم) الخارجية وتَكَوُّن الرئتين للتنفس (مع مساعدة من الجلد في ذلك)، واختفاء الفم الماص، وتَكَوُّن الفكوك واللسان اللاصق، وقصر أنبوب الهضم الطويل الملائم للغذاء النباتي، إلى أنبوب قصير يلائم الغذاء اللحمي، وتغير مادة الإطراح البولية النتروجينية من النشادر (الأمونيا) إلى البولة.
وكما في الحشرات، تضبط آليات التحول الشكلي لدى البرمائيات إفرازات غدد صم أيضاً. فقد أكدت تجارب كثيرة أن وجود هرمون الدرقين (التيروكسين)، الذي تفرزه الغدة الدرقية للحيوان، يسبب التحول الشكلي وتحول النسج ليتلاءم الحيوان مع الحالة الجديدة، في حين يُبقي غيابه الحيوان على شكله السابق.
ويعتقد أن المنبه الأساسي اللازم للتحول الشكلي هو تبدل ظروف الوسط المحيط، مثل ارتفاع الحرارة أو استطالة النهار. فتنتقل هذه المنبهات الخارجية إلى الدماغ، فتتفَعَّل منطقة الوطاء التي تفرز الهرمون المحَرِّر للمغذي الدرقي الذي يمر، عبر الأوعية الدموية، إلى الغدة النخامية التي تفرز الهرمون منبه الدرق الذي يحض الغدة الدرقية لتحرير الدرقين، وهذان الهرمونان يعملان مباشرة في النسج المتحولة فتَحدث الاستجابات المتنوعة مثل تراجع ذيل اليرقة وغلاصمها وتَسَرُّع نمو الأطراف واللسان وتمايز الجلد لتكوين الخلايا الغدية وحاملات الصبغ.
سمندل الماء
التحول الشكلي لدى الأسماك
تبدي الأسماك المنبسطة والحنكليس تحولاً شكلياً حقيقياً. فبيوض الأسماك المنبسطة تنقف لتخرج منها يرقات سابحة متناسقة، تنضغط جانبياً بالتدريج، ويطرأ على رأسها تغير واضح يتجلى في هجرة إحدى العينين إلى الجانب الآخر من جسم الحيوان الذي يواجـه الضوء في حالة البلوغ. وفي الوقت نفسه يصير الحيوان «قاعياً benthic» ويحط على قاع البحر بحيث ينطبق سطحه المجرد من العيون على قاع البحر، الذي يمثل، مثلاً، الجانب الأيسر من سمك موسى sole، والجانب الأيمن من سمك الترس (التربوت) turbot.
وفي أثناء هجرة اليرقات، التي تستغرق سنتين ونصف تقريباً من بحر السرغس إلى شواطئ أوربة، يبقى الحنكليس الفتي على شكله اليرقي الذي يسمى «اليرقة رفيعة الرأس leptocephalus» المسطحة ذات الشكل الورقي، التي تكبر بالتدريج مندفعة مع تيار الخليج. وعندما تصل اليرقة إلى الرصيف القاري لأوربة يبدأ تحولها الشكلي فتصير أسطوانية الشكل وتفقد نحو 20٪ من طولها و80٪ من وزنها. وهكذا تصير ما يسـمى «فرخ الحنكليس» الذي يدخل مصبات الأنهار والنطاقات الساحلية. ويطابق الانخفاض الكبير في وزن اليرقة تجفاف حقيقي سببه دون شك الغدة الدرقية. ويعد دخول المياه العذبة ضرورياً لإزالة التجفاف عن نسج «الفرخ».
التحول الشكلي لدى مفصليات الأرجل
تبدي القراديات تحولاً شكلياً معقداً، إذ تمر في مراحل مختلفة شكلياً وحياتياً. فتخرج من البيضة يرقة لها ثلاثة أشفاع من الأرجل، تنسلخ لتصبح حورية ذات أربعة أشفاع من الأرجل ولكنها تبقى دون فوهة تناسلية. وتنسلخ هذه الحورية ليظهر الحيوان البالغ بأربعة أشفاع من الأرجل مجهزاً بفوهة تناسلية.
أما بقية العنكبيات، العقارب والعناكب، فإنها لا تمر في تحول شكلي، فاليرقات والأشكال البالغة لا يختلف بعضها عن بعضها الآخر من الناحية الشكلية، والتغيرات التي تطرأ على بعض الأعضاء أو البنى فيها يمثل تغيرات فيزيولوجية فحسب. ومن القشريات مجموعات تنقف بيوضها لتظهر أفراد تشبه الأفراد البالغـة، ويبدو أنها لا تمر في تحول شكلي، وبعضها الآخر يخرج من البيضة يرقات أهمها النوبليوس التي يتقطع جسمها عند كل انسلاخ لتصل بالتدريج إلى مرحلـة البلوغ، ويبدي بعضها أنواعاً مختلفة من التحول الشكلي إذ يمر بمراحل يرقية مختلفة. فالقريديس (الأربيان، الجمبري) يمر في مراحل النوبليوس، ثم النوبليوس التالية، ثم الزوئية، ثم المايسيس، قبل أن يصل إلى الحيوان البالغ. أما السرطان فله يرقة تشبه السرطان لكن بطنها كبير وممتد. والجدير بالذكر أن هذه التحولات تتحكم فيها هرمونات تشبه إلى حد كبير هرمونات الحشرات.
أمثلة أخرى
يقوم كلٌ من الخنافس والذباب والنمل، واليسروع والنحل والكثير من الحشرات الأخرى بعملية التحوُّل الكامل. أما الحشرات الأكثر بدائية، مثل الجندب أو الصرصور، فإن لها ثلاث مراحل فقط هي: البيضة والطور الانتقالي واليرقة (الحشرة المكتملة النمو). ويُسمى هذا النوع من التحوُّل الذي لايشمل طور الخادرة التحول غير الكامل.[2]
ويحدث التحوُّل ـ أيضًا ـ في معظم مجموعات الحيوانات الرئيسية الأخرى كالفقاريات (الحيوانات التي لها عمود فقري)، حيث الضفادع والعُلجوم من أفضل الأمثلة المعروفة. فهي تضع بيضها في الماء، ثم تفقس البيضة ليخرج منها شُرغوف (فرخ الضفدع)، ليس له أرجل وله ذيول وخياشيم، وينمو العُلجوم تدريجيًا ليصبح ضفدعًا، حيث تحل الرئتان محل الخياشيم وتختفي الذيول. وتستطيع الشراغيف، العيش داخل الماء وخارجه، على عكس العلاجيم التي يجب أن تعيش في الماء.
انظر أيضاً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الهامش
- ^ حسن حلمي خاروف. "التحول الشكلي". الموسوعة العربية. Retrieved 2014-06-27.
- ^ التحول، الموسوعة المعرفية الشاملة
- Davies, R.G., "Outlines of Entomology", Chapman and Hall: chapter 3
- Williamson D I (2003). "The Origins of Larvae", xviii + 261 pp, ISBN 1-4020-1514-3. Kluwer. Dordrecht.
المراجع
- دياب أبو خرمة وآخرون (ترجمة)، علم البيولوجيا (منشورات المكتب العربي للتعريب2 والترجمة والتأليف والنشر، دمشق 1997).
وصلات خارجية
- Description of metamorphosis and its different forms
- Info on butterflies and butterfly metamorphosis
- Info on insect hormones
- Butterfly Metamorphosis
-