الاقباط والليبرالية
الأقباط والليبرالية هو كتاب من تأليف كمال غبريال صدر في 2009 عن الناشر هفن للترجمة والنشر والبرمجيات.
أصبح من النادر أن نجد الآن كتابا جديدا يتحدث عن شأن مصري بشكل موضوعي ومحايد من جانب، بالإضافة لكونه يحمل وجهة نظر من جانب آخر. وهو الأمر الذي نفتقده في الحديث عن الشأن المصري العام.. بما فيه الشأن القبطي الخاص.
إن العديد ممن يكتبون في هذا الأمر. يعيدون إنتاج ما كتبه غيرهم بدون أن يقدموا اجتهادا جديدا أو يطرحوا حلولا واقعية متعددة. وهو ما نجده الآن مع العديد من الكتاب والمثقفين. الذين يمثلون ظواهر صوتية وإعلامية لا تأثير لها بشكل حقيقي.
أقول هذا الكلام بمناسبة الكتاب الذي أرسله لي مؤخرا الصديق كمال غبريال بعنوان (الأقباط والليبرالية). وهو كتاب علي حد تعبيره مجموعة من الدراسات سبق نشرها.. في العديد من الدوريات والمواقع الإلكترونية. وإن كنت أميل إلي وصفها بأنها مقالات ذات طابع نقدي بقدر أكبر من كونها ذات طابع يميل إلي التأصيل النظري حسبما وصفها كاتبها.
وسوف أستعرض بعض القضايا الخلافية والجدلية في الكتاب بدون الدخول في بعض التفاصيل التي يمكن الاتفاق والاختلاف عليها.. لأن جوهر الأفكار ومضمونها هو ما يعنيني في المقام الأول. ومن الواضح أن الخلفية الفكرية لكمال غبريال الذي ينتمي لجماعة الليبراليين الجدد كان لها تأثير واضح في كلماته وأفكاره التي دافع عنها في مختلف صفحات الكتاب.
يدافع كمال غبريال عن إعمال العقل في شتي مناحي الحياة المصرية، كما يحدد شجرة الكراهية داخل المجتمع المصري في: الفقر والجهل والمرض. ومن خلال رصد ما يحدث في المجتمع. أكد علي أن حالة التسامح في مصر قد بدأت في التصدع. وربما هذا ما جعله يتحدث صراحة ومباشرة عن رؤية علمانية للقوانين خاصة فيما يتعلق بالزواج في المسيحية.
أختلف مع كمال غبريال في رؤيته لبعض القضايا علي غرار: ما طرحه من أن الأغلبية الصامتة في مصر (من المسيحيين والمسلمين) هي كتلة واحدة في فعاليات الحياة اليومية سواء كانت أفراحا أو أحزانا. وذلك لأن الشارع المصري قد تغيرت ملامحه تماما، وما وصفه غبريال هو ملامح تاريخية. قاربت علي الزوال لأن الواقع الآن يؤكد أن الشارع المصري قد أصبح هو المركز الرئيسي لصناعة التوترات الطائفية. والمتتبع لأي صدام طائفي. يستطيع أن يرصد دور الشارع والجماهير الغفيرة والأغلبية الصامتة في تأجيج ذلك المناخ سواء في الترويج للشائعات وتضخيمها، أو بسبب ردود الأفعال العشوائية تجاه أي فعل له طرف مصري مسيحي وطرف ثان مصري مسلم. وبالطبع، فإن ما وصلنا إليه هو مسئولية مشتركة بين الدولة والمؤسستين (المسيحية والإسلامية) قبل أي طرف آخر. ولذلك أتفق معه في أن الفترة الأخيرة قد شهدت تغلغلا للظلاميين والتكفيريين والإرهابيين في المجتمع.. خاصة داخل التنظيمات الشعبية أي في الشارع الذي يدافع عن الجهل والكراهية والقتل. في حين يرفض بشكل قاطع المراجعة والتغيير.
وأود أن أرصد هنا ملاحظة نقدية أخري، وهي ما كتبه عن أن (معاناة الأقباط توضع جانبا إلي جنب مع ما يكابده الأنبا مكسيموس من تضييق واضطهاد أو مع البهائيين وشهود يهوه والشيعة، وإنما أيضا مع الاضطهاد المزمن للمرأة). وأعتقد أن الليبرالية لا تعني بأي شكل من الأشكال خلط الأوراق والملفات لأن الحرية التامة تقوم علي أساس المسئولية بالدرجة الأولي، وليس علي أساس (الفوضي الخلاقة) بدون مراعاة بعض الثوابت المقبولة وبدون مراعاة الأبعاد السياسية والثقافية لما نريد علي غرار المساواة بين البطريرك الوهمي المزعوم مكس ميشيل الذي ترك الأرثوذكسية مؤخرا وتحول إلي جماعة كاثوليكية محرومة بعد أن تحول رئيسه الديني إلي البوذية وبين الكنيسة المصرية الوطنية، أو من خلال تعاطفه مع شهود يهوه رغم معرفتنا جيدا بتاريخهم وأهدافهم. كما أنني لا أعتقد أنه يمكن أن نضع كل تلك الأمثلة متضمنة الحديث عن اضطهاد المرأة، وكأنها في سياق واحد.. رغم التباين الشديد بينها. وهو السياق الذي ربط فيه أيضا بين الأقليات والأقباط حيث اختزل الفكرة في أن (أصوات الأقلية هي بمثابة رائد للتغيير والتحديث المجتمعي). وهو ما يعني تعامله مع الأقباط بمنطق الأقلية، وما يترتب علي ذلك من تداعيات تجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية أو تطالبهم بدفع الجزية كما طالب بذلك مرشد جماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانونا من قبل. والأهم هو تحديد مشاركة الأقباط كأقلية في التغيير وتحديث المجتمع، وقد كنت أفضل لو تعامل مع المصريين الأقباط من منطلق مصريتهم قبل (تغليب) منطق الأغلبية والأقلية. وبالتالي.. أختلف أيضا مع ما ترتب علي ما سبق في الكتاب من أن ربط تطور المصريين الأقباط واندماجهم بتطور الكنيسة وانفتاحها.. لأن تطور المصريين الأقباط هو شأن مصري خاص قبل أن يكون شأنا طائفيا يعتمد منطق الفرز علي أساس ديني.
أما عن قضية التدخل الخارجي التي يري الكتاب أن (الرافض لها لا يفعل ذلك من منطلق الحرص علي استقلالية وطنه، وإنما لمحاولة دفع رياح التغيير وتأييد الأوضاع المتخلفة القائمة) وهو أمر يحتاج إلي مراجعة لأن البعض ممن يرفضون التدخل الخارجي. يربطون ذلك بمطالبة واضحة في الوقت نفسه بأن يكون قرار الإصلاح والتغيير قرارا داخليا. نابعا من قناعة وطنية، وليس بفرض خارجي. يمكن أن يكون له انعكاساته السلبية الخطيرة. وهو أمر يتناقض مع وصف كمال غبريال بأن (ما يسمي بالإصلاح) هو (منهج الترقيع). لأن الإصلاح ببساطة شديدة. يجب أن يكون محسوبا بدقة ليتم بشكل تدريجي يحقق الغرض، وليس بشكل فوري وسريع. لأن التغيير السريع لا يمكن أن يستمر طويلا وسرعان ما سيتلاشي، أما التدرج الطبيعي. فهو أمر مطلوب ومرغوب علي المستوي السياسي.
بقي أن أقول إن ما يحسب لهذا الكتاب هو أنه رؤية جدلية جديدة مرتكزة علي أساس فكري، وليس انطباعيا. بغض النظر عن الاتفاق علي ما فيه أو الاختلاف حوله. فهو كتاب هام وجديد عن منطقة شائكة في العلاقات بين المصريين المسيحيين والمسلمين. ويبقي السؤال: تري، هل الليبرالية هي الحل أم أن الحل الحقيقي في العلمانية التي تعتمد العقلانية والدولة المدنية كركيزة رئيسية لتطور المجتمع المصري؟!
أعتقد أن العنوان الحقيقي لهذا الكتاب كان لابد أن يكون (المصريون والليبرالية: الأقباط نموذجا). لأن مصر هي محور أفكار هذا الكتاب، وليس أي شيء آخر.