الأزمة الأردنية 1957
الأزمة الأردنية ( أبريل 1957 )
على الرغم من تردد الأردن حول مشروع أيزنهاور، إلا أن هذا لم يمنع الملك حسين من الإعلان عن أن الأردن قد يجد نفسه مضطراً لقبول المساعدات والمعونات الاقتصادية والعسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية ، مؤكداً على أن الدول العربية (مصر وسوريا والسعودية) التي تعهدت بتقديم معونات اقتصادية لبلاده عقب قطع علاقته الدبلوماسية مع إنجلترا في نهاية عام 1956م لم تلتزم بتعهداتها باستثناء المملكة العربية السعودية ( 141 )، وبالفعل تم في 27 مارس 1957م الاتفاق بين المسئولين الأمريكيين والأردنيين على إنفاق عشرة ملايين دولار في الأردن على أعمال وخدمات حكومية كالصحة والتعليم والزراعة والشئون الاجتماعية، شريطة أن توافق الحكومة الأردنية على إنفاق هذه الأموال في المصالح المعنية عالية ، وأن لا تنفقها في قضاء دين لدولة أخرى أو لتأمين الحصول على سلع من دول أخرى ( 142 ) .
ومع ذلك فإن هذا لم يكن ليعنى قبول الأردن بالمشروع، لذا مارست الولايات المتحدة في ربيع عام 1957م ضغوطًا متزايدة على الأردن لحمله على قبول مشروع أيزنهاور، وقد تصور البعض في الأردن أن هذه الضغوط تصعب مقاومتها، وساعد على ذلك التصور أن كل عناصر وكالة الاستخبارات الأمريكية التي كانت تعمل بالقاهرة كانت قد انتقلت إلى عمان (143)، إلا أن هذه الضغوط تسببت في إثارة الشعور القومي داخل الأردن الأمر الذي حمل رئيس الوزراء سليمان النابلسي على التنديد بالضغوط الأمريكية حيث أعلن في 6 أبريل 1957م: " إننا كعرب لنا مبادئنا القومية المستمدة من طبيعتنا وتقاليدنا، ولسنا في حاجة إلى من يقودنا "، ثم علق على المشروع بقوله: " إنهم يتحدثون عن الفراغ، ولكن هذا الفراغ لا يوجد إلا في عقول الذين يتحدثون عنه والدفاع عن الأمة العربية لا يمكن أن يقوم به غير أبناء الأمة العربية " ( 144) .
وعلى أثر تصاعد قوة التيار القومي الثوري الذي حصل على تأييد حكومة النابلسى ذات التوجهات القومية، وعلى تأييد قطاعات واسعة من الشعب الأردني ولا سيما هؤلاء الذين ينحدرون من أصول فلسطينية بالأردن ( 145 )، فضلا عن توجيهات رئيس الحكومة الأردنية سليمان النابلسي لعقد علاقات مع الاتحاد السوفيتي ( 146)، كل هذا زاد من شكوك الملك حسين ودفعه إلى الإعلان عن مؤامرة للإطاحة بنظام حكمه واغتياله خططت لها القوى الموالية للتيار الناصري والتيار الشيوعي (147)، لذلك أقال الملك في 11 أبريل 1957 وزارة النابلسي وعهد إلى حسين الخالدي بتأليف وزارة جديدة وقد رفضت الأحزاب التعاون معه واعتبرت ذلك عملية تمهيد لقبول مشروع أيزونهاور، غير أن فشل عبد الحليم النمر وسعيد المفتي في تشكيلها أعاد الخالدى مرة ثانية وتمكن من تشكيل الوزارة في 15 أبريل 1957 (148).
ومن جانب آخر، أقدم الملك حسين على عزل بعض الضباط ذوى التوجهات الناصرية والشيوعية، الأمر الذي دفع اللواء علي أبو نوار قائد الجيش إلى الهرب لسوريا، وعندما عين اللواء علي الحياري مكانه لم يظل طويلا، وهرب لسوريا أيضا، ومن هناك تقدما باستقالتهما (149) ، ثم أن الملك حسين أعلن الأحكام العرفية في 25 أبريل 1957م، وأمر بإغلاق السفارة الأردنية بالقاهرة (150). كل هذه التطوارات اعتبرت بمثابة تمهيد لإعلان الأردن عن قبول مشروع أيزنهاور، فتزايدت حدة التذمر الشعبي، وهددت سوريا بالتدخل في الأردن (151)، وطار بعدها الملك حسين إلى الرياض لمقابلة الملك سعود، ثم عاد ليعلن في مؤتمر صحفي: " إن الأردن لن ينفرد وحده باتخاذ أي سياسة وأنه لا تسوية للنزاع مع إسرائيل إلا بعد حل مشكلة اللاجئين ". وبالطبع كان يقصد من قوله اتخاذه سياسة منفردة تحديد موقف الأردن من مشروع أيزنهاور (152).
على أية حال فإن الأزمة الأردنية أثارت النقاش حول تطبيق مشروع أيزنهاور من عدمه على الأزمة، غير أن الرئيس أيزنهاور ووزير خارجيته دالاس لم ينتظرا نهاية هذا النقاش، إذ أعلنا بأن استقلال وأمن الأردن حيويان بالنسبة للأمن الأمريكي، وأعربت الولايات المتحدة عن رغبتها في تقديم الدعم الكامل للملك حسين، وفى 25 أبريل 1957م أصدر أيزنهاور أمراً إلى الأسطول الأمريكي بالتوجه إلى شرق البحر المتوسط، وأشار دالاس إلى أن عملا قد اتخذ لصالح الأردن للتصدى لخطر الشيوعية الدولية ولدعم نظام حكم الملك حسين (153). وأرسلت مساعدات مادية ضخمة بلغت 10 ملايين دولار للأردن، حيث وضعت نهاية للأزمة الأردنية (154).
وبذلك أثبتت الأزمة أن مشروع أيزنهاور لم يكن مجرد إعلان رسمي أصدرته الحكومة الأمريكية بشأن الشرق الأوسط، ذلك أنها أقدمت على تطبيقه فعلياً أثناء هذه الأزمة، وهو ما أكــــد على حقيقة مبــــدأ أيزنهاور كمشروع دفاعي عن الشرق الأوسط (155). فقد أرسل الرئيس أيزنهاور إلى الملك سعود بن عبد العزيز عقب الأزمة يقول: " إن أحداث الأردن تبين لكل من يريد أن يعرف مدى الأخطار التى قد يتعرض لها بلد مستقل بسبب عملاء الشيوعية الدولية ، وقد أوضحنا عزم الولايات المتحدة الراسخ على دعم استقلال البلدان الحرة في الشرق الأوسط وسلامة أراضيها " (156).
ورغم هذا لم يكن للسوفيت موقف تجاه ما مرت به الأزمة من أحداث، وقد يرجع ذلك إلى تقديرهم للأزمة على اعتبار أنها أزمة داخلية، وأن التدخل الأمريكي اقتصر على أمور شكلية كتحريك الأسطول إلى شرق البحر المتوسط دون أن يكون تدخلاً فعلياً، هذا بجانب أن السوفيت حينئذ كانوا ماضين في أمر اعتراضهم على المشروع، ومذكرتهم المرسلة للدول الكبرى بالغرب ومنهم الولايات المتحدة في 19 أبريل 1957 كانت تطالب بضرورة البعد عن استخدام القوة كوسيلة لحل المشكلات القائمة بالمنطقة وهو ما يمكن أن يطبق على الأزمة بالأردن ساعتها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .