اتجاهات الشعر العربي المعاصر (كتاب)
المؤلف | د. إحسان عباس |
---|---|
الموضوع | آداب وشعر |
الناشر | سلسلة عالم المعرفة |
الإصدار | مايو 1978 |
عدد الصفحات | 249 |
اتجاهات الشعر العربي المعاصر ، هو كتاب من تأليف د. إحسان عباس ، وهو الإصدار الثانى لكتب سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، 1978.
محتويات الكتاب
تمهيد ٥
كانت النية تتجه-حين أخذت في رسم حدود هذا البحث-أن يكون دراسة مبسطة موجزة, ولكن المطلبين التبسيط والإيجاز قد يقعان في تعارض أحيانا فالتبسيط مثلا يتطلب القدر اليسير من الأحكام النظرية والقواعد الفكرية , والإكثار من الأمثلة والمقارنات ,والإيجاز يعني الاكتفاء بأمثلة قليلة. ثم أن التبسيط في ميدان مثل ميدان الشعر المعاصر ناشب-طواعية-في أنواع مختلفة من الصعوبات , قد يكون غاية في ذاته, حين يراد تقريب هذا الشعر للقراء, ولكن هذا لا يعني أن »عملية « التبسيط سهلة, أو أنها ممكنة في بعض المواقف. ثم أن من يريد أن يكتب بحثا في »اتجاهات « الشعر المعاصر , يحتاج إلى أن يكون بين يديه دراسات عن أفراد الشعراء, وآلا ذهب-كما ذهبت-يدرس كل شاعر على حدة , ليستخلص من تلك الدراسة المطولة بعض الظواهر التي يدرجها تحت عنوان »الاتجاهات ,« وهذا يعني أن البحث المبسط قد استغرق جميع الجهد المبذول-والوقت الطويل-في عدد كبير من دراسات غير مبسطة. ثم أن تقريب بحث ما إلى اكبر عددممكن من القراء يعتمد على المنهج نفسه الذي اختاره المؤلف , وقد اخترت منهجا لا يعد في نظري أبسط المناهج في العرض والتوضيح , وان حاولت أن أجعل المحتوى واضحا بقدر الإمكان . ذلك أني وجدتني أقف بين
أمرين: بين أن اختار طريقة مألوفة في دراسة الشعر: من خلال الاتجاه السياسي, أو الاتجاه القومي ,أو الاتجاه.. الخ , وبين أن أكون أقرب .. المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبّر عن رأي كاتبها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي اﻟﻤﺠلس. إلى روح الشعر الحديث من حيث اعتماده العمق النفسي والفكري ,فاخترت الثاني , لان النوع الأول من الدراسة يحيل الشعر إلى وثائق , دون أن يركز البحث حول فكرة-أو أفكار-معينة , فيغدو أشبه شيء بالعرض التاريخي والوصف السطحي لمظاهر , لا يعد الشعر أهم شواهدها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفصل الاول
نظرة تاريخية موجزة ١١
كان ذلك في سنوات الحرب , وكنا يومئذ ما نزال نستقبل أنباء المعارك الأدبية بشيء من المتعة التي تستقبل بها أفلام العنف في هذه الأيام, وقد استوقف انتباهنا خبر نشرته مجلة الرسالة المصرية في عددها ( ٥٦٨ ) , توقعناه بداية معركة تستشري , ويملأ الآفاق غبارها , وكان عنصر التحدي يلتمع في هذه الكلمات القليلة: »وأتعهد بجائزة مالية قدرها خمسة جنيهات مصرية أدفعها إلى من يستطيع فهم معاني تلك القصيدة وشرحها ,« وأعجبنا التحدي , دون أن يكون لنا مطمع في الجائزة, وكانت يومئذ مغرية , وأغرق كثيرون منا في الضحك , وهم يقرؤون القصيدة التي يدور حولها التحدي , بعنوان »إلى زائرة:
لو كنت ناصعة الجبين هيهات تنفضني الزيارة
ما روعة اللفظ المبين السحر من وحي العبارة
ظل على وهج الحنين رسمته معجزة الإشارة
خط تساقط كالحزين أرخى على العزم انكساره
ماذا بوجد المحصنين صوت شبح خلف الستار
غيبت في العجب الدفين معنى براعته البكارة
درا يقوت الناظمين ونهضت تهديني بحاره
خطوات وسواس حزين وهب تعميه الطهارة
وحين استحال رنين الضحكات إلى صدى باهت , بدا صوت النقد محتجا , مجلجلا , فتسمع واحدا يقول: مشكلتي في هذه الأبيات أنني لا أستطيع أن استكشف العلاقة بين واحدها والآخر, وثانيا يقول , ما العلاقة بين نصاعةالجبين والزيارة التي تنفض (وكيف تفعل الزيارة ذلك , أتراها تيارا كهربائيا?!) وثالثا يقول: كيف يكون الظل على الوهج , وكيف يتساقط الخط , ورابعا يقول:ربما كان في هذه الأبيات إشارات غريبة إلى البكارةالمطلقةفي الكون والأشياء, ومن ثم يكون وجد المحصننين: ويكون الدرالمغلق في بحار لا نهائية , وتكون الطهارة هي الهدية الكبرى من هذه البكارة الكلية , ولكن...لا أدري ثمة علاقات بين الألفاظ والجمل والصور لا أستطيع إقامتها على نحو مقنع. وخاب فالنا ,لا لان أحدا منا لم يستطع أن يحظى بالجائزة المرصودة, بل لان ذلك التحدي لم يجر إلى معركة, تتناثر فيها الأشلاءيمينا وشمالا, إلا أن ذلك التحدي , فتح الباب واسعا ,للتذمر مما كان يحاول الشعر أن يروضه. يروضه وأن يحققه , ذلك أن مجلة الرسالة نفسها نشرت-بعد عددين-تحديا آخر fهورا بإمضاء (أ.ع) حول قصيدة بعنوان »من خريف الربيع « لمحمود حسن إسماعيل , يقول كاتبه: »فليتفضل منهم متفضل فيشرح لي هذه القصيدة شرحا تلتئم به أجزاؤها وتجتمع أوصالها , وتتكشف به غرائب مجازاتها وعجائب استعاراتها وبدائع أسرارها ,« وكانت مجلة الرسالة قد نشرت هذه القصيدة نفسها في عدد سابق , وفي ما يلي مقطعان منها:
ذهبت للروض في صباح
مقيد اللحن والجناح
وفيه ما في من أغان
مطلولة الشدو بالجراح
أوتار أطياره سكارى
يعزفن وجد الخميل نارا
سعيرها خمرة الحيارى
حثت إليه الرؤى خطاها
وخلفها انسابت الدموع
سيان في قبضة الرياح
شوك الجلاميد والأقاحي
فكم رحيق بلا دنان
وكم دنان بغير راح
وكم ربيع لنا توارى
الفصل الثاني
دلالة البواكير الاولى ٢٩
القصيدتان اللتان وصفتا بأنهما بداية الانطلاقة
الجديدة في الشعر حر , وهما قصيدة »الكوليرا «
لنازك , وقصيدة »هل كان حبا « للسياب ( ١), لا يصلح
اتخاذهما مؤشرا قويا على شيء سوى تغيير جزئي
في النية , فأما الأولى فإنها خبب موسيقي لذلك
الموكب اﻟﻤﺨيف الذي يمثله الموت , ووصف خارجي
للوصول إلى إثارة الرعب-دون القدرة على إشارته-
باختيار مناظر يراد بها أن تصوّر هول الفجيعة ,
وأما الثانية فإنها تنطلق من محاولة لتحديد معنى
الحب هل هو نوح وابتسام أو خفوق الأضلع عند
اللقاء , ثم تتردد فيها المشاعر بين تصوير للغيرة
والشك والحسد للضوء الذي يقبل شعر المحبوبة ,
ولولا تفاوت ضئيل في بعض الأشطار دون بعض ,
لما ذكرت هذه القصيدة أبدا في تاريخ الشعر
الحديث.
إذن فان اختيار هات : القصيدتين لدراسة معالم
الاتجاهات لهذا الشعر في البداية لن يؤتي نتيجة
تلفت الأنظار, ولهذا كان لا بد من تجاوزهما, زمنيا, إلى نماذج مماجد بعدهما , وبين العمد والعفوية ,أراني أختار لهذه الغاية ثلاث قصائد للرواد الثلاثة الأوائل , وهي: قصيدة »الخيط المشدودفي شجرة
السرو لنازك ( ١٩٤٨ ) و » في السوق القديم للسياب (غير مؤرخة ولكنها
لم تتجاوز ١٩٤٨ ) و »سوق القرية « للبياتي (حوالي سنة ١٩٥٤ ) مع الاستعانة في تحليل القصيدة الثالثة, بقصيدة رابعة للبياتي عنوانها »مسافر بلا حقائب « وكلتاهما من ديوانه »أباريق مهشمة ٢).« )
ومن أجل أن أضع القارىء
في جو قصيدة نازك »الخيط المشدود« أقول
إنها قصة محب كان يظن واهما أن الحب في قلبه قد مات, ولكنه عاد إلى
المعاهدالأولى لذلك الحب , واقترب من »البيت « والهواجس تقول له أن
صاحبته ما تزال على عهده وأنه سيلقاها ولا بد , وبعد إحجام يدق الباب ,فلما لم يجبه صوت , يفتحه فيرى في ظلمة الدهليز وجها شاحبا,هو وجه الأخت (أخت المحبوبة) , ويقف السؤال في فمه وهو يحاول أن يقول: هل....
ويجيئه الجواب ,أنها »ماتت « وفيما هو يسمع هذه الكلمة الرهيبة وهي
تتردد في أذنيه كالمطرقة, يتعلق طرفه بخيط مشدود في شجرة سرو قائمة
في باحة البيت , بين رنين اللفظة الداوي يملأ الليل صراخا: »ماتت.ماتت «
وبين الخيط المشدود تتوزع نفسه نهبا متقسما, ويطول به الوقوف , وهو
غائب عما حوله , تتجاذبه القوتان الطاغيتان , ثم يعود-وهو ما يزال يسمع الصوت-والخيط في يده يبث به ويلفه حول إبهامه.
على هذا الوجه تبدو القصيدة تصورا ذاتيا لما سيحدث في المستقبل, فهي حلم أو نبوءة أو أمنية تصور العودة ومد العواطف المستشرفة للقاء حتى الذروة , ثم الصدمة النفسية ثم التمزق ثم العودة الثانية (عودة المحب أدراجه مضطربا آيسا) , فهي إذن قصيدة وجدانية ذاتية , ومن خلال هذاالتلخيص تبدو عادية في رومنطيقيتها. ولكنها ليست كذلك لاحتوائها على عناصر شعرية رفعتها فوق ذلك المستوى.
وقبل الحديث عن تلك العناصر لا بد من الإشارة إلى أن الشاعرة
اهتمت في فاتحتها بإبراز الجو المكانى والزماني »الشارع المظلم-الليل-
أشجار الدفلى « وهو جو ذو صلة بالذكريات , غير أن رسم مثل هذا الجو
وتحديد معالمه يعد متكأ أثيرا لدى الشاعرة في كثير من قصائدها السابقة
واللاحقة, كأن تقول: »في سكون المساء/ في ظلام الوجود « أو »كان المغرب
لون ذبيح/ والأفق كآبة مجروح « أو »في الكرّادة في ليلة أمطار ورياح ...« الخ , وغالبا ما تكون هذه التوطئة إيذانا بقص حكاية, وقد عمدت في هذهالقصيدة إلى هذا الشكل القصصي نفسه , لأنه شكل قابل للنمو الطبيعي بين طرفي »العقد والحل , « ولأنه يتلاءم بقوة وتلك الحرية التي اختارتها في سياق التفعيلات المتفاوتة, وقد مكنها المشكل المتحرر والقالب القصصى من إبراز أمر ثالث وهو: التعمق في تحليل نفسية المحب وربط تلك النفسية
بظاهر الطبيعة ,وإخراج بعض كوامن تلك النفس على شكل حديث ذاتي.
الفصل الثالث
العوامل التي تحدد الاتجاهات الشعرية ٤٧
كانت الغاية من التحرم بهيكل التاريخ-في الفصل
السابق-أن نستجلي »نقطة البداية « لا غير , دون أن
يكون ثمة إصرار على الاستمرار في هذا السياق
التاريخي , وهو سياق طبيعي ممكن , بل يكون أحيانا
ضروريا. ولكن الأخذ فيه هنا تحول دونه أسباب
كثيرة , ابسطها أن الدواوين الشعرية التي بين يدي
ليست جميعا تحمل تاريخ صدورها الأول أو تواريخ
القصائد , ولهذا كان لا بد لنا من العدول عن هذا
السياق , والانتقال إلى منطقة التساؤل عن العوامل
التي رسمت-وما تزال ترسم-المسالك والاتجاهات
التي سار فيها الشعر المعاصر, وما يزال يسير.
سؤال كبير متعدد الجوانب بسبب طبيعة العصر
الذي نعيش فيه عصر متفجر بشتى الأحداث
والمشكلات والمبتكرات والقضايا والنظريات والعلوم,
متميز بسرعة التحول والتطور في ما يتصل بهذه
الشؤون جميعا.
وأحسب أن كثيرين منا حين يلقون هذا السؤال
على أنفسهم تتجه بهم خواطرهم-أولا وقبل كل
شيء-إلى القضية الفلسطينية التي ارتبطت نشأة هذا الشعر زمنيا بها, والى ما تمخض عنها من آثار قريبة وبعيدة , من توزيع
لأهلها بين من يقطنون خارج الوطن وداخله, وما يواجهه كل فريق منهم من مشكلات, وإيجاد دولة دخيلة تقسم العالم العربي في شطرين , بل تقسم
الدول مرة أخرى إلى دول مواجهة ودول بعيدة عن المواجهة, والعواصف
الداخلية التي اجتاحت العالم العربي بعدها , من انقلابات وثورات ,
والعواصف الخارجية على شكل تدخلات وحروب, وشن الغارات على
اﻟﻤﺨيمات, ثم تجسد الأماني الفلسطينية في حركة فدائية, ومحاولة القضاء
على هذه الحركة في مراحل , إلى غير ذلك من شؤون, ولست اعني هنا
كيف أصبحت القضية والأحداث المتصلة موضوعا للشعر , وإنما أعني ما
الذي خلقته من مواقف وأساليب شعرية ووعي شعري , والى أي حد غيرت
العطاء الشعري , وبلورت المفهومات و المنطلقات الشعرية , وكيف كان من المحتوم أن تربط هذا الشعر بالحركات التحررية في أرجاء العالم: في
فيتنام وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها , وأن توحد رموز التضحية-توحد بين لوركا وغيفارا وغسان كنفاني وكمال ناصر و... , وحين فعلت ذلك لم يعد هذا الشعر يستطيع الانفصال عن الإحساس بأثر قضايا الحرب والسلام و والتمييز العنصري , والحرب الباردة بين المعسكرين الكبيرين ,وظهور المعسكر الثالث , والانقسام بين قوى اليسار , وانحسار الاستعمارالقديم وتوغل الاستعمار الجديد , و قضاياالبترول وأثرها في داخل البلاد العربية وخارجها, والتنكيل بالأحزاب اليسارية في البلاد العربية نفسها ,
وتعرض تلك الأحزاب للانقسامات , وظهور حركات »رد فعل « يمينية, وعلى
ضوء هذا كله تحددت على نحو حاسم معان كثيرة معنى الثورة , معنى الشعر الثوري , معنى الشاعر الثوري, مدى العلاقة بين الماضى والحاضر,
مدى »الرؤيا « المستقبلية, مدى إيمان الشاعر بوسائل النضال أو بمسارب الهرب ,وبرزت من خلال ذلك أسئلة قديمة , ما مهمة الشعر? ما وجه الصلة بين الشاعر والمفكر? ما اللغة وما اللغة الشعرية? وما العلاقة بين الشاعر والجمهور? وقد كانت الأجوبة على هذه الأسئلة أيضا محددة للاتجاهاتالتي سار فيها الشعر.
وح : يخرج المرءمن هذه الغابة من الأسئلة (وأنى له أن يخرج) تسلمه
قدماه إلى غابة أخرى: ولنسمها »غابة الحقوق (يقول مفكر ساخر: هذاعصر يتحدث الناس فيه عن الحقوق , ولم أسمع أحدا يتحدث فيه عن الواجبات
الفصل الرابع
الموقف من الزمن ٦٧
الفصل الخامس
الموقف من المدينة ٨٩
الفصل السادس
الموقف من التراث ١٠٩
الفصل السابع
الموقف من الحب ١٣٧
الفصل الثامن: الموقف من اﻟﻤﺠتمع
١٥٧
ملحق
١٦٩
الهوامش
٢٢٥
تحميل الكتاب
انظر أيضا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .