إبراهيم بن محمد
هو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي (8هـ-10هـ)، والده محمد بن عبدالله (رسول الله)، ووالدته مارية القبطية. أهداها لرسول الله صلى الله عليه وسلم المقوقس صاحب الإسكندرية هي وأختها سيرين. فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرين لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان، فهو وإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ابنا خالة.
وكان مولده في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة؛ وسر النبي صلى الله عليه وسلم بولادته كثيراً وولد بالعالية، وكانت قابلته سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبي رافع، فبشر أبو رافع النبي صلى الله عليه وسلم فوهب له عبداً، وحلق شعر إبراهيم يوم سابعه، وسماه، وتصدق بزنته ورقاً، وأخذوا شعره فدفنوه؛ كذا قال الزبير، ثم دفعه إلى أم سيف: امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف، ترضعه.
أخبرنا أبو الفضل المنصور بن أبي الحسن عن عبد الله الطبري المخزومي المعروف بالديني بإسناده إلى أبي يعلى أحمد بن علي، حدثنا شيبان وهدبة بن خالد، قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، أخبرنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد لي الليلة ولد فسميته باسم أبي إبراهيم. ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة".
وفي حديث شيبان: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنه فاتبعته، فانتهى إلى أبي سيف، وهو ينفخ في كيره، وقد امتلأ البيت دخاناً، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهيت إلى أبي سيف، فقلت: يا أبا سيف، أمسك، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي، فضمه إليه، وقال: ما شاء الله أن يقول، قال: فلقد رأيته بعد ذلك وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث هدبة: "وعين رسول الله صلى الله عليه وسلم تدمع".
وفي حديث شيبان: فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا".
وفي حديث شيبان "والله، إنا بك يا إبراهيم لمحزونون".
وقال الزبير أيضاً: إن الأنصار تنافسوا فيمن يرضعه، وأحبوا أن يفرغوا مارية للنبي صلى الله عليه وسلم لميله إليها، فجاءت أم بردة، اسمها: خولة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار زوج البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ترضعه، فكانت ترضعه بلبن ابنها في بني مازن بن النجار، وترجع به إلى أمه، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة من نخل.
وتوفي وهو ابن ثمانية عشر شهراً؛ قاله الواقدي.
وقال محمد بن مؤمل المخزومي: كان ابن ستة عشر شهراً وثمانية أيام.
وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ندفنه عند فرطنا عثمان بن مظعون، ودفنه بالبقيع.
روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف، فأتى به النخل، فإذا ابنه إبراهيم في حجر أمه يجود بنفسه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره، ثم قال: "يا إبراهيم، إنا لا نغني عنك من الله شيئاً" ثم ذرفت عيناه، ثم قال: "يا إبراهيم، لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وأن آخرنا سيلحق أولنا، لحزنا عليك حزناً هو أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب".
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر الطوسي بإسناده عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات إبراهيم: "إن له مرضعاً في الجنة".
ولما توفي إبراهيم اتفق أن الشمس كسفت يومئذ؛ فقال قوم: إن الشمس انكسفت لموته، فخطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة".
وروى البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه، وكبر أربعاً. هذا قول جمهور العلماء وهو الصحيح.
أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي بن عبيد الله الأمين بإسناده إلى أبي داود السجستاني، حدثنا هناد بن السري، أخبرنا محمد بن عبيد، عن وائل بن داود قال: سمعت البهي قال: "لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقاعد".
وبالإسناد عن أبي داود قال: قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني، حدثكم ابن المبارك، عن يعقوب بن القعقاع عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على إبراهيم.
وروى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على إبراهيم. قال أبو عمر: وهذا غير صحيح، والله أعلم؛ لأن جمهور العلماء قد أجمعوا على الصلاة على الأطفال إذا استهلوا وراثة وعملاً مستفيضاً عن السلف والخلف.
قيل: إن الفضل بن العباس غسل إبراهيم، ونزل في قبره هو وأسامة بن زيد، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر.
قال الزبير: ورش على قبره ماء، وعلم قبره بعلامة، وهو أول قبر رش عليه الماء.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو عاش إبراهيم لأعتقت أخواله، ولوضعت الجزية عن كل نبطي".
وروي عن أنس بن مالك أنه قال: لو عاش إبراهيم لكان صديقاً نبياً.
قال أبو عمر: لا أدري ما هذا القول؟ فقد ولد نوح غير نبي، ولو لم يدل النبي إلا نبياً لكان كل واحد نبياً، لأنهم من ولد نوح عليه السلام.
أخرجه ثلاثتهم.