أنا كارنينا
د. أيمن أبو الحسن ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
|
غلاف أول نسخة من آنا كارنينا. موسكو، 1878. | |
المؤلف | ليو تولستوي |
---|---|
البلد | روسيا |
اللغة | روسي |
الموضوع | رواية |
الناشر | |
الإصدار | 1877 |
عدد الصفحات | 846 |
أنّا كارنينا (بالروسي:Анна Каренина) أثر أدبي عالمي وإنساني خالد، ترجم إلى معظم لغات العالم، وأعيد طبعه مئات المرات. وقد تباينت أراء النقاد في هذه الرواية، فوضعت فيها دراسات كثيرة راوحت بين الإعجاب التام والرفض النسبي، إن لم نقل الرفض التام. فمن أعجب بها قد أعجب لأنه رأى فيها عصارة فن تولستوي وخاتمة أعماله الكبرى، ومن انتقدها فحمل عليها قد حمل لأنه رأى فيها خللاً فنياً، ورأى أحداثاً ثانوية كبيرة تواكب الحدث الرئيسي وتكاد تطغى عليها.
تطفو على سطح الحدث في الرواية نماذج بشرية متنوعة، معظمها مريض مرض الطبقية، مرض النبل، مرض الإرث الثقيل، والنماذج البشرية، هذه هي غالباً نماذج مهتزة غير سوية، تتفاعل في داخلها صراعات كثيرة، أبرزها ما بين القلب والعقل أو بين الحب والواجب، وما بين القشور واللباب، وما بين تخلف الإكليروس وحركة التنوير في أوساط المثقفين الروس.
والفريد في كتابات تولستوي هو أنك كقارئ لن تتأثر بكتابة تولستوي المحايدة تماماً في رأيه بكل شخصية، إنما يترك الكاتب لك المجال لتحدد رأيك وموقفك وذلك إثارة للنقاش بين كل من يقرأ الرواية. فـ (أنّا كارنينا) ليست ككل الروايات، حيث في الغالب يتأثر القارئ برأي المؤلف بالشخصية على عكس كتابات ليون تولستوي. كما أن عقلية تولستوي العقلانية أدركت أنه لا توجد أي شخصية لا تنطق إلا بالخير ، وأخرى تسخر الشر في كل ما تفعله في الرواية، إنما آمن تولستوي أن لكل شخص قلباً وعقلاً ومصلحة عليا؛ فلا أحد يقوم بأمر ما إلا وله مبرره الخاص الذي قد يكون، وقد لا يكون مطابقاً للمُثُل العليا التي يسعى الروائييون عادة إلى تعزيزها في المجتمعات، حيث كل من في الرواية مثير للشفقة وكلهم أنانيون، وكلهم كان لهم المبرر المقنع والمنطقي لما قام به.كما أن تولستوي وكروائي لم يعتد في كتاباته عن الإبتعاد عن أهمية التمسك بالتعاليم الدينية كمَخرج هو الأفضل،لكل ما يواجهه الفرد من أحداث، فربما يكون ذلك نتيجة إيمانه بأن الحكمة الإلهية والتعاليم الدينية تعلو على كل الحلول والحكمة الإنسانية الوضعية، وهذا ما يلمسه القارئ في الرواية.
تعد هذه الرواية من أكثر الروايات إثارة للجدل حتى اليوم، ولأن تولستوي يناقش فيها إحدى أهم القضايا الإجتماعية التي واجهت كافة المجتمعات الإنسانية، خاصة الأوروبية بُعَيْدَ الثورة الصناعية، وما نتج عنها من اهتمام بالمادة، وما ظهر من أمراض تتعلق بالمال لدى الطبقات الأرستقراطية آنذاك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أحداث الرواية
" يقولون إن النساء يحببن في الرجال حتى رذائلهم.. و أنا أكره فيه فضائله!. لا أستطيع أن أعيش معه! لكن ماذا أفعل .. لقد كنت شقية.. و كنت أعتقد أن الإنسان لا يمكن أن يكون أكثر شقاء مما كنت ، لكن الحالة الفظيعة التى أجتازها الآن تفوق كل ما تصورت، أتصدق إنى أكرهه برغم علمى بأنه رجل طيب ! بل رجل رائع! و إنى لا أساوى أصبعا من أصابعه؟.. إنى أكرهه بسبب كرمه....
هذه هى اللحظة الحرجة في أهم رواية عرفتها البشرية ، آنا كارنيينا لتيليستوى، ربما أصبحت آنا أشهر إمرأة في التاريخ ، رغم إنها شخصية روائية .. و لكن لم يهتم العالم كله بإمرأة مثلما إهتم بآنا.. بل ربما دخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية بعدد الأفلام التى صورت هذه الرواية و تجاوزت 15 فيلما على مستوى العالم بمختلف ثقافاته و إختلاف مفهومه للشرف و الخيانة الزوجية و تباين الأديان و المعتقدات.. و في مصر لعبت الشهيرة " فاتن حمامة " دور آنا في فيلم " نهر الحب" أمام العالمى " عمر الشريف".
آنا كارنينا
آنا كارنينا هى طاغية الجمال، " ولا أغالي إن جهرت برأيى في سحرك وجاذبيتك.. فلسحرك سلطان عظيم.. ولقد ذهلت عن نفسي طيلة اجتماعي إليك. وكان شغفي بك كثيراً.. وإعجابى بمحاسنك ومناقبك أكثر وأشد.."؟" ليس فقط الجمال الظاهر رغم تمتعها بكل عناصره المبهره .. لكن ايضا سحر الحضور الذى يستحوذ على من يراها .. هى شخصية فاتنة ، ساحرة و جميلة بذلك الجمال الظالم ...كانت خارقة الجمال،"فى اللحظة التى إلتفت أليها ، إستراحت على وجهه عيناها الغبراوان، اللتان زادتها سوادا كثافة أهدابهما، و إبتسامة خفيفة ترف على شفتيها الحمراوين، إن طبيعتها تطفح بشئ يظهر –برغم إرادتها – في بريق عينيها و في إبتسامتها..." لقد أفاض و أسرف "تولتسوى" ربما إلى حد التبذير... في وصف جمال آنا و سحرها " حتى لتراها و تحسها إنسانة حقيقية تراها .. و تشم عطرها .. هى أجمل و أرق و ألطف نساء الدنيا.. و إلى ذلك فهى زوجة أهم رجل في الدولة ، و لها إبن آيه في الذكاء و الجمال... أين الصراع ؟؟ و أين الدراما؟؟؟ لب القضية أنها لا تطيق الكذب، هى إنسانة صادقة مع نفسها..مخلصة .. و لذلك عندما تقع في الحب.. لا تخفى حبها.. بل تطالب زوجها العظيم بالطلاق، لم تفعل ما تفعله معظم أو كل الزوجات الخائنات.. أن يمتلكن عشيق أو أكثر في الخفاء.. هى تحدت المجتمع؛ وستدفع الثمن.
تبدا القصة الأشهر في عالم الأدب ، بزيارة آنا لشقيقها، إثر خلاف كاد أن يعصف بأسرته ، حيث إكتشفت زوجته ، أنه يخونها مع المربية، و تنجح آنا في إنهاء تلك العاصفة بما لها من سحر لا يقاوم على كل من تقترب منه، ولكنها تقع للمرة الأولى في حياتها في حب الضابط الفارس " فرونسكي".
وفي أول تصريح من الفارس عندما تسأله لماذا هو على نفس القطار؟ يجيب" تعرفين جيدا إنى جئت لأكون حيث تكونين، إنه أمر لا حيلة لى فيه" و كانت العاصفة في المحطة ضارية و لكنها بدت لآنا ممتعة لأنها سمعت الكلمة التى تتوق إلى سماعها – و إن خشيتها بعقلها- فتجيب "إنه غير لائق هذا الذى تقول.. كفى .. كفى.. و لكنها بعد لحظات تقابل زوجها و تحدث نفسها: رباه لم تبدو أذناه بهذه الهيئة؟ و لأول مرة تنبهت إلى النفور الذى أحسته نحوه حين لقيته.. و هذه اللحظة هى بداية الصراع.. الذى سيصل إلى ذروته بإنتحار آنا تحت عجلات القطار في نفس المكان الذى بدات فيه طريقها القصير... بعد أن تستقر في طريق الحب الحرام تقول عن زوجها " أنت لا تعرفه كما أعرفه أنا، هل يستطيع شخص عنده ذرة من الإحساس أن يعيش في بيت واحد مع زوجته التى تخدعه؟ بل إنه يخاطبنى ب" عزيزتى" إنه فاقد الضمير و الشعور.. بل إنه ليس رجلا ، ليس إنسانا على الإطلاق..إنه دمية لا أكثر.. لو كنت مكانه-شخصية آنا- لقتلت و مزقت زوجة مثلى !!!إنه لا يستطيع أن يفهم إنى أصبحت زوجتك أنت؟و تزيد في أسباب مقتها له و تقول: إنه لا يعرف غير الطموح- و ليس في دنياه إلا المناصب، و ما آراؤه السامية و ولعه بالثقافة وتعلقه بالدين، غير بعض الوسائل إلى مطامعة
و برغم كل ما قالته عن زوجها .. و بعد ولادة إبنتها غير الشرعية ، و إصابتها بحمى النفاس التى أوشكت ان تودى بحياتها ... قالت بصدق من يغادر الحياة لنفس الزوج : هناك إمرأة أخرى بداخلى .. هى التى أحبت فرونسكى .. أنا خائفة منها.. لقد حاولت أن أكرهك.. انا الآن على حقيقتى..إنى أحتضر..و لا أريد سوى مغفرتك.. إنى مخطئة ..." وبعد أن تتعافى تماما من الحمى تعود لفرونسكى وتعود لكراهيتها لزوجها. ثم تتخلى عن ابنها الرائع في سبيل ذلك.
فرونسكى
الضابط و الفارس الممشوق الفاتن للنساء ، صاحب الإنتصارات المدوية في دنيا الغرام ، من أسرة نبيلة و منصب حربى مرموق يعد بأفضل مستقبل لفارس مشهور ، له دستوره الخاص في شأن النساء: -:المجتمع.. قد يسخر من العاشق الذى يفشل في حبه لفتاه، أو لإمرأة غير متزوجة! و لكنه لا يسخر مطلقا بل قد يصفق، للرجل الذى يطارد بحبه بكل إستهتار زوجة رجل آخر..و يجعل هدفه الأول في الحياة أن يغريها بالسقوط... - يحرم على الرجل أن يكذب على رجل مثله، لكنه يجيز له أن يكذب على إمرأة ، و يحرم على إمرأه أن تغش أحدا سوى زوجها ، و يحرم على الإنسان أن يغفر الإهانة لكنه يجيز أن يهين غيره -من حق كل فرد في المجتمع أن يعلم بأمر علاقته بمدام كارنينا ، و لكن ليس من حق أحد أن يتحدث عن ذلك علانية، و هو مستعد لإجبار من يتحدث على الصمت و على إحترام شرف المرأه التى يحبها..
الحدث الدرامى اليقينى هو أن " آنا " أحبت فرونسكى حبا جما.. و أنها مقتت زوجها لأبعد مدى .. و أنها صادقة مع نفسها ..و أنها بكل ما تملك من مشاعر تعشق إبنها أكثر من أى أم ، و هذا هو قمة الصراع في هذه الرواية الخالدة .. الأبن و الزوج في كفة.. و الحب و الحبيب في كفة أخرى .. و هى في المنتصف .. و قالت ذات يوم لزوجه شقيقها "أنا لا أذى أحدا غير نفسى ..فلست أملك حق إذاء الغير..ثم قالت .. إنى أحب إبنى و فرونسكى بالتساوى فيما اعتقد.. أحب كلاهما أكثر مما أحب نفسى .. هذان هما المخلوقان اللذان أحبهما.. لكن كل واحد يطرد الآخر من حياتى.. ليس في وسعى أن أحصل عليهما معا .. و قد كان..!!!
و إتخذت أخطر قرار ممكن إتخاذه من زوجة و أم ، أن تترك الزوج و الأبن و ترحل مع الحبيب.. و هذه هى لحظة إنتحار " آنا" لأنها الأن وقعت تحت رحمة – و لا رحمة – المجتمع.. فلقد نبذها المجتمع و عاشت في وحدة قاسية بعد أن كانت تتمتع بحب الجميع و إنبهارهم بها أينما حلت .. و حرمت من إبنها .. ثم الطامة الكبرى و هى بداية نهاية تعلق " فرونسكى " بها بل زهده فيها و ايضا بدايه إحساسه بأن علاقته بها تخنقه و تضيع عليه الفرص الثمينة في الترقى في الجيش و الحصول على أعلى المناصب و هو حلم عمره بل أنه بدأ يرى جمالها و " كأنه إكتسب طابع الاذى و الخطر!!"
و بداية شعور آنا بتغير مشاعر فرونسكى .. و برغم حسنها الباهر.. " كانت تعانى ما يعانيه مضارب في البورصة" !! يصف لنا تلستوى مراحل إنهيار آنا في إدمانها للمورفين الذى بدونه مستحيل أن تنام و لو للحظات..كانت الآن قد تيقنت من "برود" ما قد بدأ يظهر و يتفاقم ، و لم تكن تملك أن تفعل شيئا، لم يكن في وسعها أن تغير صلتها به .. بعد أن إستغنت عن كل الدنيا .. و كان المورفين هو الدواء لخاطر لعين يلح على ذهنها بإستمرار.. ما عساه أن يحدث لو كف عن حبها يوما؟؟ و هو ما حدث بالفعل بعد قليل .. و أصبحت آنا في تلك المرحلة التى تريد أن تختبر فيها سحرها على من تراه من الرجال .... كمضارب البورصة .... لترى هل خسرت قيمة أسهمها؟؟ و ها هى تقرأ في عينيى فرونسكى ، الفتور و البرود و التجاهل، و أدركت بشكل يقينى ، أنه إلى جانب الحب الذى يربطهما فقد نشب بينهما صراع شرير ، رهيب ، يتعذر عليها إقتلاعه من قبه و قلبها أيضا...و كل يوم يمر يزيد الشقة إتساعا.. و إستقر في وجدانها أن فرونسكى يستشعر الأسف بل و الندم بتورطه في مأزق إرتباطه بها ..و هكذا أضمر كلاهما لصاحبه الحقد و الضغينة .. إقتناعا من كل طرف أن الآخر هو المخطئ..فقد ظل فرونسكى كما بدا من البداية الفارس الوسيم المفتون بنفسه ، العاشق للنساء .. كل النساء.. و هى تجاهد أن يكون لها وحدها ..و كلما تناقص حبه لها .. أيقنت أن هذا النقص إنما يصب في حب إمرأة أخرى .... و بدأت الغيرة القاتلة بل الشك المدمر... و بدأت في كل لحظة تلقى عليه اللوم لفقدانها إبنها ، و لوضعها المخزى في المجتمع .. و للمنفى الإجتماعى الذى تعيش فيه بعيد عن أى صداقات .... حتى أن إحدى صديقاتها المقربات إعتذرت عن إستقبالها في بيتها ... لأن لها بنات على وشك الزواج .. و إستقبال آنا قد يعوق زواجهن ...
و يزيد إحساس آنا بالوحشة و التعاسة ، حتى إنتهت إلى قناعة لا ريب فيها .. أن الحب قد إنتهى ... و لأنها أعطت لذلك الحب كل حياتها .. فإن حياتها إنتهت معه ... و لمعت فكرة الموت كمرادف لإنتهاء الحياة ..هو وسيلتها الآن لتنتقم من فرونسكى بالإنتحار..و بدأت تصور لنفسها مدى لذة الألم الذى سوف يقاسيه بعد موتها ... و الندم الذى سيندمه .. و الحب الذى سيريقه على ذكراها... و لكن بعد فوات الأوانٍ.
ثم تأتى المشاهد التى تقترب من النهاية و تحدث آنا نفسها .. لقد ذهب... إنتهى كل شئ.. و تعاودها ذكرى الظلمة التى سادت مخدعها بالأمس.. حين إنطفئت الشمعة ، فملأ قلبها رعب بارد .. و شعرت بهلع من الوحدة .. ثم تكذب يقينها .. و تقول إنه سوف يعود .. و حتى لو لم يبرر موقفه .. سأصدقه.. لأنى لو لم أفعل فلن يبقى أمامى غير شيء واحد .. لست أجرؤ عليه... و لكنه لم يعد و أرسل برقية لها " لن أستطيع الحضور- فرونسكى" فأشلعت البرقية في صدرها رغبة الإنتقام و حدثت نفسها" إذن فأنا أعرف ما ينبغى أن افعل... سأصارحه بكل شيء قبل أن أختفى من حياته إلى الأبد .. ما كرهت في حياتى شخصا كراهيتى الآن لهذا الرجل- نلاحظ الآن أنها بدأت بكراهيه زوجها و إنتهت بكراهية حبيبها- و عادت إلى المحطة .. كما بدأت من المحطة ...
و اثارت ضحكات المسافرين سخطها و حنقها و حدثت نفسها " هل في الدنيا شيء يسر به الإنسان؟ بل يضحك له؟ إنها لتود أن تصم أذنيها كى لا تسمع الضحكات.. و دوت صفارة القطار و فحيح البخار المحبوس- في صدرها- و جلجلة السلاسل- قيدها و سجنها- و تحركت أحجار الرصيف!!!و تحرك القطر بمحاذتها و درجت على القضبان في نعومة ..و أطلت شمس الغروب – النهاية- من نافذة القطار.. و هزت نسمة خفيفة ستائرها... فقالت آنا" إلى أين كنت قد وصلت بتفكيرى؟؟؟ إلى أنى لست أجد لحياتى مخرجا.. ينتشلنى من تعاستى.. لقد خلقنا جميعا تعساء..و نحن نعرف ذلك و لكننا نتفنن في إختلاق الوسائل كى نخدع بعضنا البعض..و قالت لنفسها مرة أخرى – واضح أن تيلستوى يصر على انها وحيدة تماما لا تجد من تحدثه سوى نفسها – تخاطب القوة المجهولة التى نسجت عذابها .. كلا لن أدعك تستمرين في عذابى!!
ثم عادت إلى ذكرى أول لقاء في نفس المكان .. و أدركت ما ينبغى ان تفعله.. و رسمت علامة الصليب.. و أعادت تلك الحركة سلسلة كاملة من ذكريات الصبا و الطفولة ..و فجأة إنقشعت من امامها الظلمة التى كانت تكتنف كل شئ.. و لاحت لها الحياة بكل متعها الماضية المشرقة ثم القت بنفسها بين العجلات الثقيلة .. و اصابها رعب قاتل .. أين أنا؟ ماذا أصنع؟ و لماذا؟ و حاولت أن تنهض.. تتراجع.. و لكن شيئا هائلا قاسيا صدم رأسها فصاحت .. يا إلهى إغفر لى.. و احست ان المقاومة باتت عقيمة .. و النور الذى قرأت على هديه الكتاب الحافل بالمتاعب و الزيف و الأحزان و الشرور.. توهج لحظة .. أبهى مما كان.. فأضاء في وعيها كل ما كان غارقا في الظلام.. محجوبا عن بصيرتها .. ثم إختلج.. و بدأ يغيض و يتضاءل ... حتى إنطفأ إلى الأبد...ٍ
هكذا أنهى تيلستوى اهم رواية في تاريخ الأدب و يتركنا نبحث و ندرس و نتعلم ، و نستفيد من تجربة إنسانية عالمية ، كل العالم بكل ثقافاته و دياناته و معتقداته ، تأثر بها .
هى إذن ضحية نفسها ، ظروفها، جمالها الفاتن، زوجها ، حبيبها، صدقها، ميول إنتحارية اصيلة في نفسها ، بإعتبار أن الانتحار ليس الهرس تحت عجلات القطار فقط .. الأنتحار هو الإنخراط في علاقة غير مشروعة ، و غير مقبولة إجتماعيا، ، الأنتحار هو أن تتخلى أم عن إبنها مهما كان السبب، الأنتحار هو ترفض زوجا يكرس حياته لنجاحه الشخصى و أيضا لإسعادها و إحترامها لما يشبه التقديس؟
كان الفيلم المصرى حريصا على عدم الإصطدام بالتقاليد المصرية ، فلم يفصح و يكشف أن " نوال" إنفصلت عن زوجها و أقامت مع الضابط " خالد" .. ولكن في نهاية الفيلم يقولها العملاق " زكى رستم " بكل وضوح.. لو طلقتك يا نوال أبقى بأشجع الزنى"
نقد
يقول الأستاذ الدكتور حلمي مراد في مقدمة الطبعة العربية الصادرة عن المؤسسة العربية الحديثة ، يقول: إستغرقت كتابة الرواية من مؤلفها نحو خمس سنوات، بدأها في ربيع 1873 و أتمها في أكتوبر 1877، و الطريف أن أصل القصة كانت لفتاة حقيقية لجار حقيقى للمؤلف ، إستدعى قريبة له لترعى شئون منزله ، و حدث بينهما ما حدث، ثم أحضر فتاة ألمانية حسناء، لتكون معلمه لأولادة نظرا لوفاة زوجته، و أحب الفتاة فما كان من قريبته " و إسمها آنا ستيبانوفنا"، أن إدعت أنها ذاهبه لزيارة بعض الأقارب ، ثم توجهت لمحطة القطار و هناك ، ألقت بنفسها تحت عجلات قطار البضاعة. و لقد أتيح للمؤلف أن يراها عقب الحادث.
معرض الصور
المصادر
- دراسة تحليلة، د. أيمن أبو الحسن.