أبو يعقوب الخريمي
إسحاق بن حسان بن قوهي، أبو يعقوب الخريمي نزل في بغداد(231- 276 هـ) هو شاعر مطبوع، وصفه أبو حاتِم السجستاني بأشعر المولدين. خراساني الأصل من أبناء السغد. ولد في الجزيرة الفراتية، وسكن بغداد، واتصل بخريم (الناعم) فنسب إليه، أو كان اتصاله بابنه عثمان بن خريم. ثم اتصل بمحمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة، ومدحه، ورثاه بعد موته. وأدركه الجاحظ وسمع منه. وعمي قبل وفاته. وهو صاحب (الرائية) في وصف الفتنة بين الأمين والمأمون، يقول فيها: (يا بؤس بغداد دار مملكة ... دارت على أهلها دوائرها) وهي في 135 بيتا أوردها الطبري في تاريخه، كلها. وجمع معاصرانا علي جواد الطاهر ومحمد جبار المعيبد، ما ظفرا به من الشعر الخريمي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثقافتة
الخريمي واحد من أعذب شعراء المرحلة العباسية قولا وأرقهم طبعا وأقربهم الي سماحة الشعر ويسره
شعرة
في هجاء المدن
يا بؤس بغداد دار مملكة دارت على أهلها دوائرها
ا بـــــــــؤس بغــــداد دار مملكة دارت عـــــــلى أهلــــها دوائرها
أمهــــــــــــلها الله ثــــــــم عاقبها لــــــــما أحـــــــاطت بها كبائرها
بالخـسف و القذف والحريق و بالـحــــــرب التي أصبحت تساورها
كم قد رأيـــنا من المعاصي ببغدا د فهـــــــــل ذو الجـــالل غافرها
رق بها الدين و استخف بذي الـفضـــــل و عز النساك فاجـــرها
و حــــــطم العــــــــبد أنف سيده بـــــــالرغم و استعبدت حرائرها
مــــــــن ير بغداد و الجــنود بها قـــــــــد ربقت حولها عــساكرها
كـــــــــتائب الموت تحت ألـــوية أبــــــــرح منصورها و ناصـرها
فتـــــــــلك بغداد ما يبني من الـذ لــــــــة في دورها عـــــصافرها
محـــــــــفوفة بالـــــــردى منطقة بالصــــــغر محــصورة جبابرها
مـــــــــا بين شط الفرات منه إلى دجــــــلة حيث انتهت معـــابـرها
يحـــــــــرقها ذا و ذاك يــــهدمها و يــــــــشتهي بالنهاب شاطــرها
نكبة بغداد ومصرع الخليفة الأمين
لعل أبدع وأحفل قصيدة قرأناها في وصف هذه النكبة المروعة التي حلت ببغداد هي قصيدة «الخزيمي» التي نختتم بها هذا الفصل وهي — على طولها — آية من آيات البلاغة وصدق الشاعرية ودقة الوصف، ونحن نختار منها ما يلي:
جنة دنيا، ودار مغبطة
قل من النائبات واترها
درت خلوف الدنيا لساكنها
وقل معسورها وعاسرها
فانفرجت بالنعيم وانتجعت
فيها بلذاتها حواضرها
فالقوم منها في روضة أنف
أشرق — غب القطان — زائرها
من غرة العيش في بلهنية
لو أن دنيا يدوم عامرها
•••
دار ملوك رست قواعدها
فيها، وقرت بها منابرها
أهل العلى والثرى وأندية الفخـ
ر، إذا عددت مفاخرها
أفراخ نعمى في إرث مملكة
شد عراها لها أكابره
فلم يزل — والزمان ذو غير —
يقدح في ملكها أصاغرها
حتى تساقت كأسًا مثملة
من فتنة، لا يقال عاثرها
وافترقت — بعد ألفة — شيعًا
مقطوعة بينها أواصرها
يا هل رأيت الأملاك ما صنعت
إذ لم يزعها بالنصح زاجرها
أو رد أملاكنا نفوسهم
هوة غي أعيت مصادرها
ما ضرها لو وفت بموثقها
واستحكمت — في التقى — بصائرها
ولم تسافك دماء شيعتها
وتبتعل فتنة تكابرها
وأقنعتها الدنيا التي جمعت
لها ورغب النفوس ضائرها
إلى أن يقول:
يا هل رأيت الجنان زاهرة
يروق عين البصير زاهرها؟
وهل رأيت القصور شارعة
تكن مثل الدمى مقاصرها؟
وهل رأيت القرى التي غرس الأم
لاك مخضرة دساكرها؟
فإنها أصبحت خلايا من الإنـ
سان، قد ميت محاجرها
ففرا خلا تعوي الكلاب بها
ينكر منها الرسوم داثرها
وأصبح البؤس ما يفارقها
إلفًا لها والسرور هاجرها
ثم يقول بعد أبيات:
فأين حراسها وحارسها؟
وأين مجبورها وجابرها؟
وأين خصيانها وحشوتها؟
وأين سكانها وعامرها؟
أين الجرادية الصقالب والأحـ
ـبش تعدو هدلًا مشافرها
ينصدع الجند عن مواكبها
تعدو بها سربًا ضوامرها
بالسند والهند والصقالب والنو
بة، شيبت بها برابرها
طيرًا أبابيل أرسلت عبثًا
يقدم سودانها أحامرها؟
•••
أين الظباء الأبكار في روضة المل
ـك تهادي بها غرائرها
أين غضاراتها ولذتها؟
وأين محبورها وحابرها؟
المسك والعنبر اليماني والأذ
جوج مشبوبة مجامرها؟
يرفلن في الخز والمجاسد والمو
شى مخطومة مزامرها
فأين رقاصها وزامرها
يجبن حيث انتهت حناجرها
تكاد أسماعهم تسل إذا عا
رض عيدانها مزامرها؟
أمست «كجوف الحمار» خالية
يسعرها بالجحيم ساعرها
كأنما أصبحت بساحتهم
عاد ومستهم صراصرها؟
لا تعلم النفس ما يبايتها
من حادث الدهر أو يباكرها
إلى أن يقول:
يا بؤس بغداد دار مملكة
دارت على أهلها دوائرها
أمهلها الدهر، ثم عاقبها
لما أحاطت بها كبائرها
بالخسف والقذف والحريق وبالحر
ب التي أصبحت تساورها
حلت ببغداد — وهي آمنة —
داهية لم تكن تحاذرها
طالعها السوء من مطالعه
وأدركت أهلها جرائرها
رق بها الدين واستخف بذي
الفضل وعز النساك فاجرها
وخطم العبد أنف سيده
بالرغم واستعبدت مخادرها
وصار رب الجيران فاسقهم
وابتز أمر الدروب ذاعرها
من ير بغداد والجنود بها
قد ربقت حولها عساكرها
ثم يقول بعد أبيات:
بحرقها ذا، وذاك يهدمها
ويشتفي بالنهاب شاطرها
والكرخ أسواقها معطلة
يستن عيارها وعائرها
أخرجت الحرب من سواقطها
آساد غيل غلبًا تساورها
•••
لا الرزق تبغي ولا العطاء، ولا
يحشرها للقاء حاشرها
ثم يقول بعد أبيات:
والنهب تعدو به الرجال، وقد
أبدت خلاخيلها حرائرها
معصوصبات وسط الأزقة، قد
أبرزها للعيون ساترها
كل رقود الضحى مخبأة
لم تبد في أهلها محاجرها
بيضة خدر مكنونة برزت
للناس منشورة غدائرها
تعثر في ثوبها، وتعجلها
كبة خيل زيعت حوافرها
تسأل: «أين الطريق؟» والهة
والنار من خلفها تبادرها
لم تجتل الشمس حسن بهجتها
حتى اجتلتها حرب تباشرها
•••
يا هل رأيت الثكلى مولولة
في الطرق تسعى، والجهد باهرها؟
في إثر نعش عليه واحدها
في صدره طعنة يساورها
تنظر في وجهه، وتهتف بالثكـ
ل، وعز الدموع خامرها
غرغر بالنفس، ثم أسلمها
مطلولة، لا يخاف ثائرها
•••
وهل رأيت الفتيان في عرصة
المعـرك معقورة مناخرها؟
كل فتى مانع حقيقته
تشقى بها في الوغى مساعرها
باتت عليه الكلاب تنهشه
مخضوبة من دم أظافرها
أما رأيت الخيول جائلة
بالقوم منكوبة دوائرها
تعثر بالأوجه الحسان من القتـ
لى، وغلت دمًا أشاعرها
يطأن أكباد فتية نجد
تفلق هاماتهم حوافرها
•••
أما رأيت النساء تحت المجانيـ
ق تعادي شعثًا ضفائرها
يحملن قوتًا من الطحين على الأ
كتاف معصوبة معاجرها
وذات عيش ضنك ومقعسة
تشدخها صخرة تعاورها
تسأل عن أهلها، وقد سلبت
وابتز عن رأسها غفائرها
إلى أن يقول:
هل ترجعن أرضنا كما غنيت
وقد تناهت بنا مصائرها