مخطوطة من دمشق، معاصرة للوأواء الدمشقي، من عام 336 هـ.
يروي الثعالبي في اليتيمة نقلاً عن أبي بكر الخوارزمي أن لقب (الوأواء) لحقه لأنه كان منادياً في دار البطيخ بدمشق ينادي على الفواكه. والوأواة صياح ابن آوى أو صياح الكلب (تاج العروس: المحمدون من الشعراء). وتلقيبه بالدمشقي أما لأنه ولد في دمشق أو نشأ فيها أو سكنها فترة طويلة. وقد ترجم له ابن عساكر في جملة الدمشقيين، وقال الذهبي عنه: هو من حسنات الشام ليس للشاميين في وقته مثله.
و(الغساني) نسبة إلى الغساسنة ولعله يرتبط بهم بالنسب، وقد كانوا أمراء العرب في الشام قبل الإسلام.
نشأته
يقول القفطي نقلاً عن ابن عبد الرحيم في طبقات الشعراء أن الوأواء كان في أول أمره أحد العامة، وكان جابياً في فندق يتولى بيع الفاكهة ويجتني أثمانها ولم يكن من أهل الأدب ولا ممن يعرف قول الشعر.
وقال الباخرزي في دمية القصر: وأما أبو الفرج فقد كان يسعى بالفواكه رائحاً وغادياً ويتغنى عليها منادياً.
أول ما عرف بالشعر
أول ما نعرف له من الشعر قصيدته الميمية التي يمدح بها الشريف العقيقي والتي يقول في مطلعها:
تظلم الورد من خديه إذ ظلما
وعلم السقم من أجفانه السقما
وقد أجازه العقيقي عليها بعشرين ديناراً ويقول القفطي: إن هذه القصيدة كانت أول شيء عمله وإن الناس تسامعوا بها فاشتهر بينهم ذكره. وقد جعلته هذه العشرون ديناراً يتوفر على الشعر بفارق ما كان فيه.
ويبدو أن هذه البداية الحسنة قد وطدت صلته بالشريف العقيقي فنظم في مدحه قصيدة ثانية بدأ فيها تأثير الفقر واضحاً فيه إذ هو يطلب منه ثياباً. ثم أردفها بثالثة يستنجد فيها به من عوادي الزمان.
العقيقي
(العقيقي): نسبة إلى وادي العقيق في المدينة. ويقول الدهان: (الشريف ممدوح الوأواء – كما يبدو من هذه القصائد – شجاع كريم. وهو علوي من أهل بيت تعالوا على الأقدار، والتاريخ يذكر العقيقي هذا كسيد من أسياد دمشق ووجوه الأشراف بها وأولي المراتب العالية والممدحين فيها وأنه عالم من علمائها، وقد شارك العلماء في علمهم والشعراء في شعرهم. وقد عرفت له دمشق هذا الفضل فلما توفي أغلقت المدينة وسار في جنازته نائب البلد. والعقيقي كان بمرتبة الأمراء يسكن قصراً واسعاً بباب البريد كان يسمى دار العقيقي وكان له حمام إلى جانبه. وقد ظلت الدار زماناً أحسن ما في دمشق من دور عظيمة فقد سكنها نجم الدين أيوب والد صلاح الدين الأيوبي ثم اشتراها الملك السعيد وهدمها وبنى مكانها مدرسة وضريحاً لوالده الملك الظاهر. وهي ما تزال حتى اليوم من الأبنية القديمة الجميلة وقد تحول البناء إلى مكتبة حافلة.
اتصال العقيقي بسيف الدولة الحمداني
يقول ابن العديم أن الشريف العقيقي كان على اتصال بسيف الدولة وأنه زاره في حلب فكان سيف الدولة حفياً به مجلاً له. وقد زار سيف الدولة دمشق سنة 334 وربما كان قد حل ضيفاً على صديقه العقيقي، ولا يمكن أن تفوت الوأواء هذه المناسبة فمدح سيف الدولة.
وزيارات سيف الدولة لدمشق تكررت وإن تكن قد وقعت جفوة باعدت بينه وبين صديقه العقيقي. ثم غدا الوأواء بعد ذلك من شعراء سيف الدولة.
ولا شك أن معظم حياة الوأواء مضت في دمشق، ولا ندري كم أمضى منها في حلب ومتردداً بينها وبين دمشق. ولدينا من مدائحه في العقيقي أربع قصائد لا تتجاوز الخمسين والمئة بيت، ومن مدائحه في سيف الدولة ثلاث قصائد تبلغ أبياتها المئة بيت، وبذلك عدوه من شعراء حلب كما عدوا المتنبي والنامي والسري الرفاه وكشاجم.
تشيعه
عصر الوأواء كان عصر التشيع فهذا سيف الدولة الحمداني ودولته الشيعية في حلب. وهذا الشريف العقيقي، السيد الشيعي الجليل في دمشق، وغيرهما في غير حلب وغير دمشق وتشيع الوأواء صريح في شعره فهو يقول مثلاً:
إني سألتك بالنبي محمد
ووصيه الهادي الأمين المهتدي
ويقول:
ولهي عليه أشهر من
وله البتول على الحسين
ويقول:
كأن خفيات الكواكب في الدجى
بياض ولاء لاح في قلب ناصبي
ويقول في مدح الشريف العقيقي:
علوي من أهل بيت تعالوا
دون أقدارهم على الأقدار
ويقول في مدح سيف الدولة:
قل لسمي الوصي يا ثاني
القطر ويا ثالث الربيعين
أغراض شعره
أكثر شعر الوأواء هو الغزل، وهو لا يطيل في قصائده الغزلية فأكبر قصيده له فيه لا تزيد عن العشرين بيتاً والباقي مقطعات بين الثلاثة والستة أبيات، والبقية بين الخمسة عشر والعشرين. وله شعر في باب الخمريات، وعدا المديح فقد أكثر في وصف الطبيعة: وصف الليل والبدر والثريا والنجوم والسماء كلها، كما وصف الورد والزهر والنرجس والشقائق. وكذلك وصف الأبل والشمعة.
أما المديح فلم يتعد فيه مدح سيف الدولة والشريف العقيقي. وأما الهجاء فلم نجد له فيه إلا قصيدة واحدة.
قال الثعالبي في اليتيمة: (أنشدني – أي أبو الحسن المصيصي) لمعا يسيرة من شعره وذكر أنه سمعها من أنشاده. وأول من حمل ديوانه إلى نيسابورأبو نصر سهل بن المرزبان فإنه استصحبه من بغداد في جملة ما حصله من اللطائف والبدائع التي عني بها وانفق الرغائب عليها، واتحفني بذلك في دفتر صغير الجرم خفيف الحجم ثم ألحق به ما استملاه من القوال المعروف بعين الزمان. وهو غير ثقة في الرواية والحكاية.
ويبدو أن الديوان نقل من الشام إلى بغداد أولاً، ثم منها إلى نيسابور بلد الثعالبي ووقع ابن عساكر منذ القرن السادس عشر على شعر الوأواء رآه منسوباً إليه بالاسناد الطويلة، فلما نظر في نسخة ديوانه لم يجد الشعر.
وفي العام 1369 (1950) طبع المجمع العلمي الدمشقي ديوان الوأواء بتحقيق الدكتور سامي الدهان.
قال الثعالبي: أنه من حسنات الشام وصاغة الكلام وما زال يشعر حتى جاد شعره وسار كلامه ووقع فيه ما يروق ويشوق ويفوق حتى يعلو العيوق.
وقال ابن عساكر: له شعر حسن مطبوع، وقال الكبتي: شاعر مطبوع منسجم الألفاظ عذب العبارة حسن الاستعارة جيد التشبيه. وقال القفطي: وتسامع الناس به فاشتهر بينهم ذكره فاستطابوا طريقة شعره.
وفي المعاصرين يقول الدكتور الدهان: هو رقيق عذب تأخذه الحضارة ولينها، فيسهل حتى لا غرابة في مفرداته ولا تعقيد في لفظه. وطوراً يسرف في اللين حتى يسقط أعياء فيستمد مفرداته من وسطه الذي يعيش فيه ويختار ألفاظه من حيه الذي يصبح عليه ويمسي. ويقول عنه أيضاً: إن الرجل عاش في الشام واشتهر في نيسابور أكثر ما اشتهر، وكل من نقل عنه وحفظ منه كان من نيسابور أو من بغداد.
ويقول أيضاً: لم يشتهر شعر الوأواء في عصور الأدب العربي كما اشتهر غيره من فحولة العصر الحمداني كالمتنبيوأبي فراس، ولكنه عرف المستحسنين والمحبين منذ القرن الرابع الهجري فعني به أبو بكر الخوارزمي وكان يحفظ كثيراً من الشعر العربي فحمله في صدره أو كتبه في دفتر وراح يرويه في نيسابور وعنه نقل الثعالبي إلى كتابه اليتيمة وغيره من كتبه.
وأعجب به في العصر نفسه أبو الحسن المصيصي وأما أبو نصر سهل بن المرزبان وهو من معاصريه – فقد سافر إلى بغداد واشترى ديوانه ونقله إلى نيسابور.
وقال أيضاً: ربما استخلص من ديوانه تشيع الناس في زمنه وسير الوأواء في جملتهم.
الهامش
^لم يشر أحد من المؤرخين إلى سنة ولادته، أما وفاته فإن الثعالبي لم يشر إليها ايضاً فظل من أخذوا عنه يهملون ذكرها، حتى جاء ابن خلكان في (وفيات الأعيان) ففعل فعلهم، ولما استدرك عليه ابن شاكر في (فوات الوفيات) جعل سنة 390 تاريخاً تقريبياً لوفاته على أن الدهان يرجح أنها سنة 370.