حنبعل

حنبعل
هانيبال كالحجر.

حنبعل برقا Hannibal، الشهير هانيبال أو هانيبعل أو حنا بعل هو من أعظم القادة العسكريين في التاريخ. اكتسح شمال أفريقيا وإسبانيا وفرنسا وسويسرا وإيطاليا وحاصر روما 15 عاما وكادت تسقط لولا أن قامت عليه ثورة في قرطاج في القرن الأول قبل الميلاد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

حنبعل العظيم.

ولد بقرطاج سنة 247 قبل الميلاد، ورافق وهو في التاسعة من عمره والده أميلكار برقا في اسبانيا. وفي سنة 221 اختاره الجنود قائدا بعد اغتيال صدربعل زوج أخته صلامبو، فتمكن من بسط نفوذ قرطاج على كامل شبه الجزيرة الإيبيرية بما في ذلك إحدى المحميات الرومانية. وقد رأت روما في ذلك خرقا للمعاهدة التي عقدت إثر الحرب البونيقية الأولى، وطالبت بتسليمها حنبعل، وقد كان رفض هذا الطلب سببا في اندلاع الحرب البونيقية الثانية (الحرب الفينيقية الثانية) بين سنتي 218 و201 قبل الميلاد. و ذلك لكون قرطاج (أو قرطاجنة) تعد امتداد للمدن الفينيقية (لبنان ألأن) فمؤسسي مدينة قرطاجنة مهاجرون فينيقيون من مدينة (صور) اللبنانية.


الحرب البونيقية الثانية في إيطاليا (218–203 ق.م)

ترى لـمَ سكتت رومه حتى عادت قرطاجنة إلى فتح أسبانيا؟ لقد أرغمها على هذا السكوت أن النزاع بين الطبقات كان يمزق أحشاءها، وأنها كانت تمد سلطانها على شواطئ البحر الأدرياوي، وكانت مشتبكة في حرب من الغالبين. ذلك أن أحد التربيونين وهو كيوس فلامينيوس Caius Flaminius قد سبق ابني جراكس Gracchii فأقنع الجمعية في عام 232 بالموافقة على اقتراح يقضي بتوزيع أراضي غنمتها رومه من الغالبين على فقراء المواطنين، وذلك بالرغم من معارضة مجلس الشيوخ الشديدة لهذا الاقتراح. وفي عام 230 خطت رومه الخطوة الأولى لفتح بلاد اليونان، وذلك بتطهير البحر الأدرياوي من القراصنة وباستيلائها على جزء من سواحل ألبرياlilyria لتحمي بذلك التجارة الإيطالية من العدوان. ولما أن اطمأنت على سلامتها من ناحيتي الجنوب والشرق اعتزمت أن تطرد الغاليين إلى ما وراء جبال الألب، وتجعل من لإيطاليا بأكملها دولة متحدة كل الاتحاد. وأرادت أن تضمن سلامتها من ناحية الغرب فعقدت معاهدة مع هزدروبال تعهد فيها القرطاجنيون بأن يبقوا جنوب نهر الإبرة Ebro، وعقدت في الوقت نفسه حلفًا مع مدينتي سجنتم Saguntum وامبورياس Ampurias الأسبانيتين الإغريقيتي الصبغة. ولكن جيشاً غالياً مؤلفاً من خمسين ألفاً من المشاة وعشرين ألفاً من الفرسان إنقض على شبه الجزيرة من الشمال. وارتاع سكان العاصمة أشد الارتياع، ولجأ مجلس الشيوخ إلى العادة البدائية عادة التضحية البشرية، ودفن اثنين من الغالة حيين في السوق العامة مرضاة للآلهة(20). والتقت الفيالق الرومانية بالغزاة قرب تلامون Telamon وقتلت منهم أربعين ألفاً وأسرت عشرة آلاف، وزحفت نحو الشمال لتخضع جميع بلاد الغاليين الواقعة في جنوب جبال الألب، وأنمت هذا العمل في ثلاث سنين وأنشأت مستعمرات رومانية عند بلاسنتيا Placentia، وكرمونا Cremona لحماية البلاد من الغاليين وبذلك أصبحت إيطاليا دولة واحدة تمتد من جبال الألب في الشمال إلى صقلية في الجنوب.

ولكن هذا النصر قد جاء في غير أوانه؛ فلو أن الغاليين قد تركوا في أماكنهم بضع سنين أخرى لكان في وسعهم أن يقفوا في وجه هنيبال؛ أما والحال كما هي فإن بلاد الغالة كلها كانت تضطرم بنار الثورة على رومه. ورأى هنيبال أن هذه هي الفرصة التي طالما تاقت نفسه إليها- فرصة اجتياز بلاد الغاليين دون أن يلقي مقاومة تستحق الذكر، وغزو إيطاليا ومعه القبائل الغالية تحالفه وتشد أزره. [6]

وكان القائد البوني يومئذ في الثامنة والعشرين من عمره، وفي عنفوان شبابه، وثيق الأركان ثبت الجنان. وكان قد جمع إلى ثقافة السادة القرطاجنيين، وتمكنهم من لغتي فينيقية وآدابهما وتاريخهما(21)، جمع إلى هذه الثقافة تدريباً عسكرياً دام عشر عاماً في المعسكر الحربي، أدب في خلالها نفسه أحسن تأديب، فعود جسمه شظف العيش ومغالبة الصعاب، وأخضع شهواته لعقله، وعود لسانه السكوت، كما عود أفكاره أن تركز فيما يهدف إليه من الأغراض. ولم يكن يضارعه أحد في الجري أو في سباق الخيل، وكان في مقدوره أن يخرج إلى الصيد أو القتال مع أشجع الشجعان؛ ويصفه ليفي وهو من أعدائه بأنه: "كان أول من يدخل المعمعة، وآخر من يخرج من الميدان(22)". وكان محببًا إلى القواد والجنود الذين ضرستهم الحروب، لأنهم إذا كانوا في حضرته تمتلكهم هيبته وثاقب نظراته فخالفوا أن هملكار قائدهم الأكبر قد عاد إليهم في عنفوان الشباب. وأحبه المجندون الجدد لأنه لم يكن يرتدي ثياباً يميز بها نفسه منهم ولا يستريح حتى يكفل للجيش كل حاجاته، وكان يقسمهم كل ما يصيبهم من شر وخير. أما الرومان فكانوا يتهمونه بالبخل والقسوة والغدر، لأنه لم يكن يتقيد بمبدأ من المبادئ يحول بينه وبين الاستيلاء على المؤن لجنده، وكان يجازي على الخيانة وعدم الولاء أشد الجزاء، وكان ينصب لأعدائه كثيرًا من الشراك. ولكننا كثيراً ما نجده مشفقاً رحيماً، ونراه على الدوام شهماً ذا مروءة. ويقول عنه ممسن Mommsen ذلك القول الحكيم وهو "أنه ليس فيما يروى عنه شيء لا يمكن أن تبرره ظروف وقته والقوانين الدولية التي كانت سائدة في أيامه(23)". ولم يكن في وسع الرومان أن يرضوا عنه لأنه كان يكسب الوقائع الحربية بعقله لا بدماء رجاله، ذلك أن الحيل التي كان يحتال بها عليهم، ومهارته في التجسس عليهم ومعرفة أسرارهم، وعلمه بفنون الحرب والحركات العسكرية، وقدرته على مباغتة أعدائه، كل هذا ظل فوق إدراكهم وتقديرهم حتى دمرت قرطاجنة.

وحدث في عام 219 ق.م أن دبر عمال رومه في سجنتم انقلاباً سياسياً أقام في المدينة حكومة وطنية معادية لقرطاجنة. ولما أساء أهل المدينة معاملة بعض القبائل الموالية لهنيبال، وأمرهم بالكف عن هذه المعاملة السيئة، فلما رفضوا طلبه حاصر المدينة، فاحتجت رومه على قرطاجنة وأنذرتها بالحرب؛ فكان رد قرطاجنة أن سجنتم تبعد عن نهر إبره Ebro مائة ميل نحو الجنوب، وأن ليس من حق رومه أن تتدخل في هذا النزاع، وأنها إذ وقعت معاهدة مع تلك المدينة أخلت بشروط معاهدتها مع هزدروبال. وواصل هنيبال الحصار، وامتشقت رومه الحسام مرة أخرى، وهي لا تدري أن هذه الحرب البونية الثانية ستكون أشد هولاً من جميع الحروب التي خاضت غمارها في تاريخها كله.

وقضي هنيبال في إخضاع أهل سجنتم ثمانية أشهر كاملة، وذلك لأنه لم يكن يجرؤ على التقدم لغزو إيطاليا ويترك لرومه من ورائه ثغرًا هاماً تستطيع أن تنزل جنودها فيه. فلما تم له الاستيلاء عليها عبر نهر الإبرة في عام 218 وتحدى الأقدار كما تحداها قيصر من بعده حين تخطى الروبيكون Rubicon. وكان تحت قيادته جيش يتألف من خمسين ألفاً من المشاة وتسعة آلاف من الفرسان، ليس فيهم أحد من الجنود المرتزقين، ومعظمهم من الأسبان واللوبيين. ولكن ثلاثة آلاف من جنوده الأسبان نكصوا على أعقابهم حين علموا أنه ينتوي عبور جبال الألب، وسرح هو نفسه سبعة آلاف غيرهم لأنهم احتجوا على هذه المغامرة، وقالوا إنها مستحلية التحقيق(24). وكان اختراق جبال البرانس نفسها من أشق الأعمال؛ ولم يكن يتوقع قط أن يلقي ما يلقيه من المقاومة الشديدة من بعض قبائل الغاليين أحلاف مرسيلية؛ واقتضاه الوصول إلى نهر الرون حروباً دامت ثمانية أشهر، فلما وصله كان لابد له من معركة عنيفة ليتمكن من اجتيازه. وما كاد يبتعد عن شاطئيه حتى وصل جيش روماني عند مصبه.

واتجه هنيبال بجيشه شمالاً نحو ڤيينه Vienne ثم اتجه به شرقًا نحو جبال الألب. وكانت جموع من الكلت قد عبرت هذه السلاسل الجبلية من قبله، وكان في مقدوره هو أن يعبرها دون أن يلقى في سبيل ذلك صعابًا غير عادية لو لا عداء القبائل الألبية وما عاناه من الصعاب في تسيير فيلته في الممرات الضيقة أو الشديدة الانحدار. وقضى هنيبال في تسلق الجبال تسعة أيام وصل بعدها في أوائل شهر سبتمبر إلى قممها فوجدها مغطاة بالثلوج؛ وبعد أن استراح هو ورجاله ودوابه يومين شرع في النزول في ممرات أشد وعورة من التي سلكها في الصعود، وطرق مغطاة في بعض الأحيان بجلاميد من الصخر ومرصوفة في أحيان أخرى بالجليد. وكثيرًا ما كانت أقدام الجنود والدواب فتتردى في هاويات سحيقة تلقى فيها حتفها. وكان هنيبال يستحث جنوده اليائسين بأن يشير إلى الحقول الناضرة والمجاري المتلألئة التي تنتشر من بعيد جنوب الجبال، ويقول إن هذه الجنة التي وعدهم بها سوف تكون لهم بعد قليل. وبعد أن قضوا سبعة عشر يومًا في الصعود والهبوط وصلوا إلى السهول، وألقوا عصا التسيار ليستريحوا، وقد خسر الجيش في هذه المجازفة الخطيرة كثيرًا من الرجال والجياد حتى لم يبق من الجنود إلا ستة وعشرون ألفًا أي أقل من نصف القوة التي غادر بها قرطاجنة الجديدة منذ أربعة شهور. ولو أن هنيبال لقي من الغاليين في جنوب الألب مثل ما لقيه من مقاومة الغاليين في غربها لكان الأرجح أن تنتهي حملته قبل أن يتقدم جنوبًا في إيطاليا؛ ولكن البوئي Boii وغيرهم من القبائل رحبوا به ورأوا فيه منقذًا لهم، فتحالفوا معه وانضووا تحت لوائه، وأما المستعمرون الرومان المحدثون الذين أسكنتهم رومه في تلك البلاد فقد فروا أمامه نحو الجنوب، ولم يقفوا حتى عبروا البو Po.

وهكذا واجه مجلس الشيوخ هذا الخطر الثاني يهدد رومه بالدمار والفناء ولما يمض على الخطر الأول إلا نحو سبع سنين، فاستعان بموارد البلاد كلها، وأهاب بالولايات الإيطالية أن توحد جهودها للدفاع عن بلادها. وبفضل ما لقيته من معونتها جندت رومه جيوشاً بلغت ثلاثمائة ألف من المشاة، وأربعة عشر ألفًا من الفرسان، وستة وخمسين ألفًا وأربعمائة ألف من الجنود الاحتياطيين. والتقى أحد الجيوش الرومانية بقيادة سبيو Scipio- وهو واحد من كثير من مشهوري القواد المسمين بهذا الاسم- على شاطئ نهر تسينو Ticino، وهو رافد صغير من روافد نهر البو يلتقي به عند بافيا Pavia. وهاجم فرسان هنيبال النوميديون Numidian جنود سبيو وولوهم الأدبار، وجرح سبيو جرحًا خطيرًا، وكاد أعداؤه يجهزون عليه لولا شجاعة ولده الذي شاءت الأقدار أن يلقي هنيبال مرة أخرى عند زاما Zama بعد ستة أشهر من ذلك الوقت. والتقى هنيبال بجيش روماني آخر عند بحيرة ترزميني Trasimene تبلغ عدته ثلاثين ألف مقاتل يقوده التربيون كيوس فلامينيوس Caius Flamimius، ويتبعه عدد من النخاسين يحملون الأغلال ليسلكوا فيها الأسرى الذين يأملون أن يبيعوهم في الأسواق بيع العبيد. واستطاع هنيبال ومعه جزء من جيشه أن يخدع جيش فلامينيوس فيستدرجه إلى سهل تكتنفه التلال والغابات اختبأ فيها معظم جنوده؛ فلما ضمه هذا السهل أشار إلى طوابيره المختبئة فانقضت على الرومان من كل الجهات وأفنتهم عن آخرهم تقريباً؛ وقتل فلامينيوس نفسه (217).

وبذلك سيطر هنيبال على شمالي إيطاليا كله، ولكنه كان يعرف أن أمامه عدوًا عنيدًا يبلغ عدده عشرة أضعاف عدد رجاله، وكان أمله الوحيد في التغلب على هذا العدو هو أن يقنع بعض الولايات الإيطالية بالخروج على رومه. وكانت وسيلته إلى هذا أن أطلق سراح كل من وقع في أسره من أحلاف رومه، وقال إنه لم يأت ليحارب إيطاليا بل جاء ليحررها من الاستعمار. ثم خاض إتروريا التي كانت تغمرها المياه، وظل أربعة أيام كاملة لا يجد أرضًا جافة يقيم فيها معسكره، فعبر جبال الأبنين إلى شاطئ البحر الأدرياوي، حيث سمح لجنوده أن يقضوا فترة طويلة يستعيدون فيها نشاطهم، ويداوون فيها جراحهم، وكان هو نفسه مصابًا برمد خطير في عينيه، ولكنه لم يعالجه فانتهى بفقد إحداهما. وبعد أن استراح جيشه اتجه به نحو الجنوب بمحاذاة ساحل إيطاليا الشرقي، وأخذ يعرض على القبائل الإيطالية أن تنضوي تحت لوائه، ولكن واحدة منها لم تستجب لدعوته، بل فعلت عكس هذا فكانت كل مدينة تغلق أبوابها دونه وتتأهب للقتال. وحينما اتجه إلى الجنوب أخذ حلفاؤه الغاليون يتخلون عنه لأنهم لم يكن يعنيهم إلا مصير موطنهم في الشمال. وبلغ من كثرة المؤامرات التي دبرت لاغتياله أن صار يتخفى في كل يوم بشكل جديد. وأخذ يتوسل إلى حكومته أن ترسل إليه المدد والعتاد والزاد عن طريق الثغور الواقعة على البحر الأدرياوي، ولكن حكومته خيبت رجاءه، فطلب إلى هزدروبال أخيه الأصغر- وكان قد تركه في أسبانيا- أن يعد فيها جيشًا يعبر به بلاد غالة وجبال الألب وينضم إليه؛ ولكن الرومان كانوا قد غزوا أسبانيا، فلم يجرؤ هزدروبال على مغادرتها؛ ومضت عشر سنين قبل أن يخف إلى نجدته.

واستعانت رومه على عدوها الأكبر بخطته هو نفسه، خطة المراوغة والحيطة والإفناء البطيء. واختير كونتس فابيوس مكسموس Quintus Fabius Makimus دكتاتورًا لعلاج الموقف في عام 217، فاتبع خطة تقضي بأن يؤخر ما استطاع الالتحام في واقعة فاصلة مع هنيبال، ونجح في هذا نجاحًا اشتق معه من اسمه وصف لهذا النوع من القتال. وكان فابيوس يرى أن الغزاة سيتناقص عددهم على مر الأيام بفعل الجوع والمرض والشقاق، ولكن الشعب الروماني لم يطق صبرًا على خطة "السكون السديدة" أكثر من عام؛ وتغلبت الجمعية المئوية على مجلس الشيوخ وعلى منطق الحوادث والسوابق جميعها، واختارت منوسيوس روفوس Minucius Rufus دكتاتورًا مع فابيوس. وسار منوسيوس لملاقاة العدو على الرغم من نصيحة فابيوس، فوقع في كمين وهزم هزيمة منكرة أدرك بعدها لم قال هنيبال إنه يخشى فابيوس الذي لم يحاربه أشد مما يخشى مرسلس Marcellus الذي يبغى حربه(25). وبعد عام واحد أسقط الرومان فابيوس وعهدوا إلى لوسيوس إيمليوس بولوس Lucius Aemilius Paulus، وكيوس ترتنيوس فارو Caius Terentius Varro قيادة الجيوش الرومانية. وأشار بولوس الأرستقراطي بالحيطة والتريث، أما فارو مختار العامة فكان شديد الرغبة في العمل العاجل، وحدث ما يحدث عادة في مثل هذه الأحوال فتغلب الرأي الأخير، وأخذ فارو يبحث عن القرطاجنيين حتى وجدهم عند كاني Cannae من أعمال أبوليا Apulia على بعد عشرة أميال أو نحوها من شاطئ البحر الأدرياوي. وكان قوام الجيش الروماني ثمانين ألف راجل وستة آلاف فارس؛ أما هنيبال فكان لديه تسعة عشر ألف جندي ممن ضرستهم الحروب، وستة عشر ألفًا من الغاليين الذين لا يوثق بهم، وعشرة آلاف من الفرسان؛ وكان قد خدع فارو حتى جعله يحاربه في سهل متسع هو أحسن المواضع لحرب الفرسان، وكان قد وضع الغاليين في القلب لظنه أنهم سيتخلون عن مواقعهم، وقد صدق ظنه فتراجعوا واقتفى الرومان أثرهم في الثغرة التي حدثت بانسحابهم، فأمر القائد القرطاجني الماكر مضرسة جنده بالإطباق على جناحي الجيش الروماني، وخاض بنفسه غمار المعمعة في أشد أماكنها هولاً، كما أمر فرسانه باختراق صفوف فرسان العدو ومهاجمة الفيالق الروماني من خلفها. وبذلك أحاط القرطاجنيون بالجيش الروماني، ولم يجد له فرصة للتحرك، وكاد يفنى عن آخره؛ فقد قتل من رجاله أربعة وأربعون ألفًا، من بينهم بولوس Paulus وثمانون من الشيوخ الذين تطوعوا في الجيش، وفر عشرة آلاف إلى كنوزيوم Canusium ومن بينهم فارو وسبيو الذي لقب فيما بعد بالإفريقي الأكبر Africanus Major (216). أما هنيبال فقد خسر من رجاله ستة آلاف ثلثاهم من الغاليين. وكان نصره هذا شاهداً فذاً على براعته في القيادة التي لم يتفوق عليه أحد فيها في التاريخ كله. ولم يعد الرومان بعد هذا النصر يعتمدون قط على الجنود المشاة، كما أن هذا النصر وجه الحركات العسكرية الفنية وجهة لم تتحول عنها مدى ألفي عام.

زحفه على روما

مسار حنبعل أثناء زحفه على روما، قسم التاريخ، الأكاديمية العسكرية الأمريكية.

بدأ حنبعل زحفه على روما سنة 218 قبل الميلاد حين غادر مدينة قرطاجنة بإسبانيا بجيش قوامه 40.000 جندي، فعبر جبال البيريني وجبال الألب خلال 15 يوما رغم صعوبة الطريق وهجومات القبائل المعادية، استطاع إلحاق هزائم كبيرة بالقوات الرومانية في العديد من المعارك، أشهرها معركة كاناي والتي مني الروم فيها بخسائر بشرية كبيرة لتتواصل سيطرته بعد ذلك على العديد من المقاطعات الرومانية حتى سنة 211 قبل الميلاد، حين حاصر عاصمة الامبراطورية دون أن يستطيع اختراق تحصيناتها، بعد أن رفض حلفاؤه مده بالتعزيزات اللازمة.

وفي سنة 202 قبل الميلاد، شنت روما بقيادة شيبون الإفريقي هجوما على قرطاج، فلاقاه حنبعل في منطقة زامة، إلا أن جنوده حديثي العهد بالقتال فروا من ساحة المعركة تاركين الجنود المتمرسين يواجهون الرومان بمفردهم، فأبيد عدد كبير منهم، واستسلمت قرطاج لتنتهي بذلك الحرب البونيقية الثانية.

القديس برنارد الصغير: احدى النقاط المتحملة لدخول إيطاليا.

كان حنبعل أسطورة حيث جمع جيشا جرارا لمواجهة الإمبراطورية الرومانية الطاغية أنذاك فقطع جبال الألب في الشتاء القارس مما أدى إلى موت نصف جيشه بكثرة الثلوج والإنزلاقات والجوع مستعينا في زحفه بجمع بعض الأفراد من القبائل المعادية وقد استعمل الفيلة في نقل المؤونة حيث كان حنبعل مثالا للقائد العظيم والمتواضع في آن واحد، لم تكن له خيمة تميزه عن باقي الأفراد.

حنبعل وجنود يعبرون الألپ.

عندما وصل إلى روما لم يبق من جيشه سوى مايقارب العشرين ألف جنديا مما إستصغر شأنه في أعين الرومان فجمعوا له مايفوق 80000 جندي لستئصاله فلما ألتقى الجمعان قرب نهر عمل حنبعل إلى خطة حربية تمكن من خلالها من إغراق الجيش بأكمله بعد أن هزمهم مرة ثانية بإسلوب مغاير.

بادر حنبعل بعد انتهاء الحرب إلى العمل على تطويرقرطاج، فعدل الدستور وقاوم الفساد وسعى إلى تعزيز موارد الدولة، إلا أن روما رأت في ذلك إعدادا لحرب أخرى، فعملت على إبعاده، وهو ما كان لها إذ لجأ القائد العظيم إلى ملك سوريا الذي كان بدوره في حرب مع روما إلا أن هزيمة الأخير سنة 190 ق.م. جعلت حنبعل ينتقل نحو شمالي البلاد بلاد الأناضول وهناك وضع عبقريته في خدمة ملكها إلا أن هذا الأخير رضخ لضغوطات روما التي لم تكف عن ملاحقة غريمها القديم وأرسلت في طلبه، وحين أيقن حنبعل بحتمية وقوعه أسيرا، آثر الانتحار مقدما آخر درس له في رفض الإهانة والتعلق بالحرية. ولم يدخل روما.

معركة تربيا

مخطط للتكتيكات المستخدمة في معركة رتبيا.

ووجهت روما جيشا ثانيا ضخما بقيادة قنصل جديد هو طيباريوس سمبرونيوس لمسح هزيمة معركة تسينو، وأعد حنا بعل له فخا علي ضفاف نهر تريبيا حيث دارت معركة تريبيا حسمها حنا بعل باختيار مكان المعركة وهو سهل غمره الفيضان فأوحلت تربته ولم يره خصمه، اختاره وهو يردد قول أبيه هملقار برقة: دع الأرض تقاتل عنك.

أمر حنا بعل خمسمئة من خيرة الفرسان النوميديين الأمازيغ ـ البربر وأصدر توجيهاته لقائدهم فقال له: توجهوا في بداية الليل الي معسكر العدو، اقتربوا من خنادقهم راكضين، وعندما يتصدي لكم فرسانه، التحموا معهم في معركة، ثم ولوا هاربين ممثلين اندحارا، فسيتبعكم العدو، وجهوه عند ذلك السهل الضحل حيث الكمين . ووقع القائد الروماني في الفخ. وانطلقت المعركة فأعطي القنصل الأمر ببدء المعركة بتعقب النوميديين الأمازيغ المراوغين. وهُزم الرومان شر هزيمة.

وأهم ما أسفرت عنه هذه المعركة تحالف حنا بعل مع شعب غال سيسالبين وانضم له في الشهرين التاليين 14000 من مقاتليهم الأشداء، فاستقبلهم وهو يردد قولته المشهورة: اذا أحرزت نصرا انضم اليك الجميع حتي خصومك، أما اذا حاقت بك الهزيمة تخلي عنك حتي محبوك.

وبعد انقضاء شهري الشتاء قرر التوجه جنوبا نحو روما، ووقع في مستنقعات، وانتشرت الحمي بين جيشه وفقد نتيجة لاصابته بها احدي عينيه.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معركة بحيرة ترازايمين

شقل مزدوج فضي، ح. 230 ق.م.، عليه الإله ملقرت، the النظير القرطاجي لهراكليس/ هرقل، وفيل حرب. It has been suggested that the image portrays Hannibal as Melqart, however there are no known authentic images of Hannibal and there is no proof that even Carthaginian coins such as this one show his likeness.[7][8]

في اليوم 21 يونيو 217 ق. م. تقدم جيش روماني ضخم تعداده أربعون ألفا بقيادة جايوس فلامنيوس نحو بحيرة ترازايمين تحت رقابة الفرسان البربر الأمازيغ، كان يلفه ضباب كثيف، وكان حنا بعل قد رصده بواسطة جواسيسه من بعيد، وترصد للمكان الذي سيخرج منه وهو يسيطر علي المرتفعات التي تشرف علي مكان مروره. وفجأة ومن خلال الضباب هاجم القرطاجيون من مواقع مثالية، فكانت الصاعقة المفاجئة تحل علي رؤوس الرومان.

وأرسل حنا بعل بسائر فرقه لتهاجم في وقت واحد، وكان يراقب من موقع عال فوق الطرف الأقصي من طريق البحيرة، وسد فرسان مهر بعل النوميديون الأمازيغ ـ البربر، مصحوبين بمشاة الأفارقة، مدخلَ شاطئ البحيرة الهلالي الشكل. وهكذا وقع القنصل في نفس المصيدة الذي كان ينوي ايقاع حنا بعل فيها. وأطبقت كماشة الجيش القرطاجي من كل ناحية، بحيث لم تجد كتائب الرومان مجالا للمناورة ولا حتي للهروب. وما كادت تحل الساعة العاشرة صباحا حتي كانت موقعة بحيرة ترازايمين قد انتهت. وصار بذلك ستة آلاف من الجنود الأشداء أسري حنا بعل. وهكذا تمكن الجيش القرطاجي الذي أنهكته الحمي قبل أيام، بجياد هزيلة من ابادة جيش قوي خارج للتو من معسكراته ينعم بالصحة والعافية، تمكن من هزمه وأسر خمسة عشر ألفا من خيرة جنوده. وأطلق سراح الأسري من الشعوب الأخري وهو يقول لهم: ما جئت لأشن الحرب علي الشعوب المستعمََـرة، بل ولا حتي علي الايطاليين، وانما جئت لأساعد الجميع ضد حكام روما الظالمين.

تجمعت جماهير روما بساحة الفوروم، بعد أن وصلت أنباء كوارث الهزائم. وبقيت أبواب مجلس الشيوخ مغلقة أمام الجماهير، وبعد طول الحاح خرج اليهم القنصل بومبونيوس ماثو بمفرده واعتلي درج مدخل المجلس، وألقي عليهم خطابا يتكون من اثنتي عشرة كلمة: لقد قهر العدو جيوش روما في موقعة عظيمة مات فيها أحد القنصلين.

موقعة كناي العظمى

تدمير الجيش الروماني، قسم التاريخ، الأكاديمية العسكرية الأمريكية.

واستمرت القوات الرومانية في تكتيك العرقلة، لكن حنا بعل بمجرد أن تأكد أن جنوده أخذوا ما ينبغي أخذه من الراحة، واستوعبوا تدريبات عالية، قرر المرور الي الاستدراج، وخلق سائر الظروف علي مدي أشهر لموقعة كناي العظمي التي بدأت في فجر اليوم الثالث من شهر آب ـ أغسطس سنة 216 ق.م. قام حنا بعل بمناورات علي مدي أشهر جعلت العدو يحرك قوات جبارة الي كناي.

كان منيوسياس روفوس صغير السن، وقام حنا بعل بمناورة فهم منها الضابط الروماني أنه صار يخاف المواجهة ويهرب . وهكذا انطلت عليه مناورة حنا بعل الذي أظهر تقهقرا منهزما زيادة في اتقان حبكة الاستدراج الكبير الذي يعده لخصمه المغرور. كان حنا بعل يقود جيشا من أربعين الفا، بينما كان جيش عدوه يتجاوز المائة ألف، نصفهم من المجندين حديثا، واعتبر أنه أقوي جيش علي الاطلاق جمعته روما في تاريخها. وزيادة في الخديعة قام الفرسان النوميديون (البربر) في خفة الأشباح بغارة صدتها القوات الرومانية بنجاح، وتقهقر الفرسان البربر مظهرين انهزامهم، فقرر عند ذاك القنصلان فارو وأميليوس مطاردة العدو المنهزم، وتقهقر القائد الأمازيغي مهر بعل عبر نهر أوفيدوس هاربا وجيشا القنصلين بتعقبانه، وضيق عليهما الخناق شيئا فشيئا فوق سهل كناي المكشوف، وذلك في اليوم الثالث من شهر آب ـ أغسطس.

عندما التقي الجيشان أعطي حنا بعل إشارة البدء... ووجد الرومانيون أنفسهم يقاتلون في ظروف مزدوجة السوء، كانوا منكفئين بعضهم علي بعض، محصورين الكتف الي الكتف، بينما كان أعداؤهم يحومون حولهم بكامل حريتهم، كانوا منهوكي القوي، يواجهون عدوا متجدد القوة شديد البأس. كان حنا بعل يستعمل من بعيد اشارات معينة بدخان منطلق من حزم أعشاب خاصة تطلق دخانا عاليا، وكل عدد من هذه المشاعل الدخانية يعني أمرا معينا. ولم تكد تحل الظهيرة حتي اختفي الفرسان، فلم يبق فارس واحد بين مرتفعات كناي والمقر الصخري المرتفع لقيادة حنا بعل، وبقيت في هذا الامتداد كتائب مشاة الرومانيين مكدس بعضها علي بعض، في كتلة بشرية هائلة صماء. وانطلق الفرسان النوميديون الخفاف كالبرق وعلي رأسهم قائدهم مهر بعل فسدوا ثغرة فرار العدو المنهزم الهارب الي النهر. وكانت الأرض في سائر الاتجاهات ضد الرومان، وتمعن حنا بعل في هذا الموج البشري، وردد، في نشوة، وصية والده هملقار برقة: دع الأرض تقاتل عنك.. . وترك قادة وحداته ينفذون حرفيا خطته. وأبيد هذا الجيش الضخم. وعندما طلب منه رجاله أن يستريح أجابهم: ينبغي علي الطهاة أن يعدوا وجبة شهية، ويسخروا لها كل فنونهم، وتقدم مصحوبة بالخمر الي الجنود من سائر الرتب، فقد آن للجيش أن يستريح .

وهنا صاح العجوز مهر بعل الأمازيغي ـ البربري في غضب: حنا بعل.. اسمع لي جيدا، في خمسة أيام يستطيع الجيش أن يتناول هذه الوجبة في روما نفسها، سيسبقك فرساني كالبرق اليها، فيكتشف الرومانيون بحلولك بينهم من خلال هؤلاء الفرسان المردة قبل أن يعلموا بخروجك اليهم.. . وتطلع حنا بعل مليا في وجه مساعده العجوز، ثم أجابه: هذا مما يسهل قوله، ويبهج القلب سماعه، يا عمنا البطل، لكن امعان التفكير في الأمر وتقليبه علي عدة وجوه، يحتاج الي وقت طويل . وهنا لم يتمالك مهر بعل نفسه فصاح فيه في غضب، وقال له قولته الخالدة: حنا بعل.. لقد حبتك الآلهة بنعم كثيرة، فأنت تعرف كيف تحرز النصر، ولكنك لا تعرف كيف تستخدمه وتستغله.. . واستمع حنا بعل لمساعده الأمازيغي العجوز رفيق وصديق والده، ومعلمه سائر أنواع القتال والفروسية والرياضة، تمعن مليا فيه ثم أمر باطعام الرجال. وعند انتهاء جولته التفتيشية عاد الي مقر قيادته لينام نوما عميقا بين حراسه.

ويعقب مؤرخو سيرة حنا بعل فيجمعون علي أنه لو عمل برأي القائد الفارس الأمازيغي مهر بعل لتمكن من احتلال روما وتغيير مجري التاريخ.. بدون حسم سريع ـ مثلما يراه مهر بعل ـ لا أمل في أن يكسب القرطاجيون الحرب في النهاية، لأنهم يقاتلون عدوا في بلاده، يملك تحت يده الشعب والغذاء والمال، بينما هو بعيد عن قرطاج، قطعت عنه الامدادات من اسبانيا التي تمكن سيبيو من السيطرة عليها، وعبر البحر المتوسط الذي تسيطر عليه الأساطيل الرومانية سيطرة مطلقة، ولا أمل في أن ترسل قرطاج نجدات عبره لحنا بعل.


معركة تسينو

وخاض حنبعل أول معركة وهي معركة تسينو التي دارت علي شواطئ نهر تسينو. حسمها حنا بعل لصالحه بخطة سريعة لعب فيها الفرسان الأمازيغ ـ البربر دورا حاسما عندما طوقوا من الخلف كتائب الرومان الثقيلة بحيث لم تصمد برماحهم الطويلة أمام حراب الأمازيغ القصيرة والخفيفة والنافذة، وما هي الا لحظات حتي سقط القنصل ببليوس قائد الجيش تحت سنابك خيل هؤلاء الفرسان المردة. عاد هذا القنصل لروما جريحا وهو يردد لخاصته كيف وقع من صهوة جواده وسط فرسان غرباء لم ير مثلهم في حياته من قبل في سرعة الكر والفر ، ويقصد الفرسان النوميديين الأمازيغ ـ البربر.


المأزق

انسحابه في إيطاليا

نهاية الحرب البونيقية الثانية (203–201 ق.م.)

عودته إلى قرطاج

انتهت هذه الملحمة البطولية ملحمة الدفاع عن قرطاج. واذا كانت هذه الحرب أسفرت عن وفاة مدينة، فقد أكدت أن الانسان أقوي من القهر، وأن ارادته لا تردع بسهولة. ولقد تأثر لهذه المأساة حتي بعض المؤرخين الأوروبيين، يقول وارمنغتون: ألقي سيبيو أميليانوس نظرة علي المدينة التي ازدهرت أكثر من سبعمائة سنة منذ انشائها، والتي حكمت مناطق كثيرة، جزرا وبحارا، وكانت ثرية في السلاح والأساطيل والفيلة والمال، مثل الامبراطوريات العظمي، بل والتي فاقتها في الإقدام والشجاعة الفائقة. فبالرغم من أنها جردت من كافة أسلحتها وسفنها، فقد صمدت أمام حصار شديد، ومجاعة دامت ثلاث سنوات، ووصلت الي نهايتها بالتدمير الكلي .

ويروي المؤرخ اليوناني بوليبيوس الذي رافق القائد الروماني في عملية التدمير، فيقول: أن سيبيو أمليانوس بكي تأثرا بما آل له عدوه، فاستعرض أمامه الحقيقة المتمثلة في أن الأفراد والأمم والامبراطوريات نهايتها محتومة، وكذلك نصيب مدينة طروادة العظيمة، ونهاية الامبراطوريات الأشورية، والميدية، والفارسية، والتدمير الأخير لامبراطورية مقدونية الكبيرة. تمعن في هذا كله ثم ردد بقصد أو بدون قصد، كلمات هكتور في إلياذة هوميروس: (سيأتي اليوم الذي تسقط فيه طروادة المقدسة، وكذلك الملك بريام وجميع رجاله المسلحين معه) ، وعندما سأل المؤرخ بوليبيوس، سيبيو، ماذا تقصد بهذا؟ ، التفت اليه القائد الروماني وقال بتأثر: هذه لحظة عظيمة يا بوليبيوس .. إن الخوف يتملكني من أن نفس المصير سيكون لوطني في يوم من الأيام.

معركة زاما

Engraving of the معركة زاما بريشة كورنليوس كورت, 1567.
Note that the elephants shown are Asian ones rather than the very small North African ones used by Carthage.

وزعزعت هذه الكارثة هيبة رومه في جنوبي إيطاليا وضعضعت سلطانها، فانضم السمنيون والبروتيون واللوكانيون وأهل متابنتم، وثوراي، وكروتونا، ولوكري، وكاپوا إلى الغاليين الجنوبيين في حلفهم مع هنيبال، ولم يلبث على الولاء لرومه إلا أمبريا، ولاتيوم، وإتروريا. وظل هرو صاحب سرقوسة وفياً حتى مماته، ولكن خلفه جهر بانضمامه إلى قرطاجنة. وتحالف فليب الخامس ملك مقدونية مع هنيبال لأنه كان يخشى أن تبسط رومه سلطانها على البلاد الواقعة في شرق أوربا عن طريق إليريا Illyria، وأعلن الحرب على رومه. وأظهرت قرطاجنة نفسها شيئًا من الاهتمام بالأمر فبعثت إلى هنيبال بقليل من الزاد والعتاد؛ وظن بعض الشبان من النبلاء الذين نجوا من كارثة كنوزيوم أن لا أمل لرومه في النجاة، وفكروا في الهرب إلى بلاد اليونان، ولكن سبيو ظل يندد بموقفهم حتى استحوا ودبت فيهم روح الشجاعة. وقضت رومه شهراً كاملاً وهي في أشد حالات الروع؛ ولم يكن فيها إلا حامية قليلة تدفع عنها هنيبال إذا ما هاجمها. وهرعت كرائم العقائل إلى الهياكل يبكين وينظفن بشعورهن تماثيل الآلهة، وعاشرت بعض النساء اللائي قتل أزواجهن وأبناؤهن في الحروب الأجانب والرقيق خشية أن ينقطع نسلهن. وظن مجلس الشيوخ أن الآلهة غضبى فأحل مرة أخرى التضحية بالآدميين مرضاة لها، وأمر بدفن اثنين من الغاليين واثنين من اليونان أحياء(26).

ولكن الرومان على حد قول بولبيوس إنما "يُخشون أشد الخشية في ساعة المحنة.... وشاهد ذلك أنهم وإن منوا بأشد الهزائم، وخسروا سمعتهم الحربية، استطاعوا، بفضل ما كان لدستورهم من المزايا التي لا يشاركه فيها دستور غيره، وبالاستماع إلى حسن المشورة، أن يستردوا سيادتهم على إيطاليا... وأن يصبحوا بعد قليل من السنين سادة العالم(27)". وفي هذه الساعة الرهيبة سكنت حرب الطبقات، وتدافعت كل الطوائف للعمل على إنقاذ الدولة. وكانت الضرائب قبل ذلك الوقت قد ارتفعت حتى ظن أنهم لن يطيقوها، ولكن السكان، ومنهم الأرامل والأطفال، تقدموا راضين لخزانة الدولة بما كانوا قد ادخروه لأيام الشدة. وجند كل رجل قادر على حمل السلاح، وحتى الأرقاء قد قبلوا في الفيالق ووعدهم أسيادهم بأن يهبوهم حريتهم إذا كتب النصر لرومه، ولم يرض جندي واحد أن يتناول عن عمله أجراً، واستعدت رومه لتنازع أسد قرطاجنة الجديد كل شبر من أرضها.

وانتظرت رومه مجيء هنيبال، ولكن هنيبال لم يأت إليها، فقد ظن أن قوته المؤلفة من أربعين ألف مقاتل أقل من أن تحاصر مدينة تتجمع للدفاع عنها جيوش من جميع الولايات التي لا تزال موالية لها، ولا يستطيع الاحتفاظ بها لو أنه استولى عليها. هذا إلى أن أحلافه من الإيطاليين لم يكونوا مصدر قوة له بل كانوا مصدر ضعف، فقد كانت رومه وأصدقاؤها يعدان العدة لمهاجمة أولئك الأحلاف، وإذا لم يخف هو لنجدتهم فسيقضي عليهم. وقد لامه رجاله على حذره وبطئه، وقال له واحد منهم والأسف يحز في نفسه: "إن الآلهة لم تمنح كل مواهبها لرجل واحد؛ أنك يا هنيبال تعرف كيف تنال النصر، ولكنك لا تعرف كيف تنتفع به(28)". لكن هنيبال استقر رأيه على أن ينتظر حتى تنضم إليه قرطاجنة، ومقدونية، وسرقوسة فيؤلف منها حلفاً ثلاثياً يستعيد به صقلية وسردانية، وقورسقة، وإليريا فلا يكون لرومه قوة إلا في إيطاليا. وبدأ بإطلاق الأسرى جميعهم عدا الرومان، وحتى هؤلاء عرضهم على رومه نظير فدية قليلة، فلما رفض مجلس الشيوخ أن يفتديهم أرسل معظمهم عبيدًا إلى قرطاجنة، وأرغم الباقين على أن يسلوا رجاله بأن يصارع بعضهم بعضاً في حلبة الجلاد حتى الممات كما يفعل الرومان. ثم أحاط بعدة مدن واستولى عليها وسار بجيوشه ليقضي الشتاء في كبوا Capua.

وكانت كبوا أجمل المدن التي كان في مقدوره أن يختارها لهذه الغاية وأشدها خطرًا عليه. ذلك أن هذه المدينة، وهي ثانية المدن الإيطالية، والتي تبعد عن نابلي نحو إثنى عشر ميلاً إلى الشمال، قد أخذت عن التسكانيين واليونان رذائل الحضارة كما أخذت عنهم فضائلها؛ وأحس جنود هنيبال أن من حقهم أن يستمتعوا في ذلك الفصل بالملاذ الجسمية بعد ما قاسوا من الصعاب وما أثخنوا من الجراح؛ ولم يعودوا كما كانوا من قبل أولئك الجند الشداد الذين لا يقهرون، والذين احتفظوا طوال ما خاضوه من الحروب بالصورة الإسبارطية التي كانت في اعتقاد قائدهم هي وحدها صورة الجندي الحق. وقادهم هنيبال في خلال الخمس السنين التالية وانتصر بهم في بعض الوقائع الصغيرة، وفي هذه الأثناء ضرب الرومان الحصار على كبوا. وأراد هنيبال أن يرفع عنها الحصار فتقدم إلى رومه حتى لم يبق بينه وبينها إلا بضعة أميال؛ وجند الرومان خمسًا وعشرون فرقة جديدة- أي مائتي ألف رجل، ولم تكن قوة هنيبال قد زادت على أربعين ألفًا، فاضطر إلى الانسحاب نحو الجنوب، وسقطت كبوا في أيدي الرومان عام 211، وقطعت رؤوس زعمائها الذين أباحوا قتل من كان من الرومان في المدينة؛ ومن لم يقتل منهم انتحر؛ وشتت أهلها الذين ناصروا هنيبال في جميع أنحاء إيطاليا، وكان مرسلس Marcellus قبل عام واحد من ذلك الوقت قد استولى على سرقوسة وبعد عام منه استسلمت أرجنتم لرومه.

وأرسل إلى أسبانيا في هذه الأثناء جيش روماني بقيادة سبيو وأخيه الكبيرين ليناوشا صدربعل ويشغلاه، فهزماه عند نهر إبره (215)، ولكن القائدين قتلا في الميدان بعد قليل، وكادت تضيع ثمار ما كسباه من النصر لولا أن أرسل إلى أسبانيا سبيو الإفريقي Scipio Africanus، ابن أحد القائدين وابن أخ الثاني، ليتولى قيادة الجيوش الرومانية فيها، ولم يكن سبيو هذا قد تجاوز الرابعة والعشرين من عمره في ذلك الوقت، ولم تكن هذه السن تجيز له من الوجهة القانونية أن يشغل هذا المنصب الخطير؛ ولكن مجلس الشيوخ كان في ذلك الوقت لا يرى ضيرًا في أن يتجاوز عن حرفية الدستور إذا كان في ذلك التجاوز نجاة الدولة، وكانت الجمعية قد رضيت مختارة أن تخضع لإرادة الشيوخ، ولم يكن الشعب يعجب به لبهاء طلعته وفصاحة لسانه وذكائه وشجاعته فحسب، بل كان يعجب به كذلك لتقواه، وعدالته، وبشاشته. وكان من عادته قبل أن يقدم على أمر خطير أن يناجي الآلهة في الهياكل المقامة على الكبتول، كما كان من عادته بعد أن ينال النصر أن يكافئها بذبح مئات من الثيران قرباناً لها. وكان يعتقد، أو لعله كان يتظاهر بالاعتقاد، أنه محبوب الآلهة؛ وكانت انتصاراته سبباً في انتشار هذه العقيدة بين أتباعه فملأت قلوبهم ثقة به. وما لبث أن أعاد النظام إلى الجيش، واستولى على نوفا كرتاجو (قرطاجنة الجديدة) بعد حصار طويل، وحرص على أن يبعث إلى خزانة الدولة بما وقع في يديه بعد سقوطها من المعادن الثمينة والحجارة الكريمة، واستسلمت له بعدئذ معظم المدن الأسبانية، ولم يحل عام 205 حتى كانت أسبانيا ولاية رومانية.

ولكن قوة صدربعل الرئيسية كانت قد أفلتت من يد سبيو واجتازت بلاد غالة وعبرت جبال الألب إلى إيطاليا. ووقعت الرسالة التي بعث بها القائد الشاب لهنيبال في يد الرومان، وعرفت رومه خططه الحربية. والتقى جيش روماني بقوته الصغيرة عند نهر متورس Metaurus (207) وهزمته رغم مهارته في القيادة. ولما رأى هزدروبال أن قد حاقت به الهزيمة وأن لا أمل له في الوصول إلى أخيه، قفز في وسط الفيالق الرومانية حيث لقي حتفه. ويقول القائد المنتصر قطع رأس القائد الشاب، وبعث بها بطريق أبوليا ليقذف بها من فوق الأسوار في معسكر هنيبال. ولما علم ذلك القائد بما حل بأخيه، وكان يحبه أشد الحب، فت في عضده، وطفئت جمرته، فسحب قواته، وكانت قد قل عديدها، إلى برتيوم Bruttium. ويقول ليفي إن "الرومان لم يشتبكوا معه في حرب في ذلك العام، وإنهم لم يجرؤا على مناوشته، وذلك لما عرف عن قواته من البسالة وإن كان ركنه قد تضعضع وأخذت الأقدار تعاكسه، وبدأ نجمه في الأفول(29)". وأرسلت إليه قرطاجنة مائة سفينة محملة بالزاد والرجال، ولكن عاصفة هوجاء ساقتها إلى سردانية فالتقت فيها بعمارة بحرية رومانية أغرقت وأسرت منها ثمانين، وانطلقت السفن الباقية عائدة إلى بلادها.

واختير سبيو الأصغر قنصلاً في عام 205 ولما يمض على انتصاره في أسبانيا إلا وقت قصير، فجند جيشاً جديداً وأبحر به إلى إفريقية. وطلبت الحكومة القرطاجنية إلى هنيبال أن يعود إلى بلاده ليدافع عن المدينة التي ظلت زمنًا طويلاً ترفض معاونته. ترى ماذا كان شعور هذا الجندي الأعور وقد تألب عليه أعداء لا حصر لهم فساقوه إلى ركن قصي في إيطاليا، وشاهد بعينيه ما بذله من الجهد وما عاناه من المشاق خلال خمسة عشر عاماً كاملة ينتهي إلى لا شيء، وكل ما ظفر به من نصر حربي يقضي عليه فلا تكون له نتيجة إلا الفرار من الميدان؟ لقد أبى نصف جنوده أن يعودوا معه إلى قرطاجنة، ويقول بعض من يعادونه من المؤرخين إنه أمر بقتل عشرين ألفًا منهم عقاباً لهم لأنهم خالفوا أمره، ولأنه كان يخشى أن تضمهم رومه إلى فيالقها(30). فلما أن وطئت قدماه أرض بلاده، بعد أن غاب عنها ستة وثلاثين عاماً بادر إلى حشد جيش جديد وسار على رأسه لملاقاة سبيو عند زاما Zama على بعد خمسين ميلاً جنوبي قرطاجنة (202). وتقابل القائدان في بداية المعركة مقابلة ودية، فلما وجدا أن لا سبيل إلى الاتفاق بينهما أصدرا أمرهما ببدء القتال.

وهـُزم هنيبال للمرة الأولى في حياته، فقد تضعضع القرطاجنيون، وكان معظم من الجند المرتزقة، أمام مشاة الرومان وفرسان مسينسا Massinissa ملك نوميديا المجازفين الأبطال. وقاتل هنيبال وهو في سن الخامسة والأربعين كما كان يقاتل وهو في نضرة الشباب، فهجم على سبيو بنفسه وجرحه، ثم ثنى بمسينسا، وأعاد تنظيم قواه بعد أن اختل نظامها أكثر من مرة، وقادها في هجمات مضادة شديدة على الأعداء. فلما لم يبق له أمل في النصر أفلت من الأسر وسار على ظهر جواده إلى قرطاجنة، وأعلن أنه لم يخسر الموقعة فحسب بل خسر الحرب كلها معها، وأشار على مجلس الشيوخ بأن يطلب الصلح. وعامل سبيو القرطاجنيين معاملة الكرام فرضى أن تحتفظ قرطاجنة بأملاكها في إفريقية، ولكنه طلب إليها أن تسلم لرومه جميع سفنها الحربية عدا عشر من ذات الثلاثة الصفوف من المجدفين، وألا تشتبك في حرب خارج إفريقية أو داخلها إلا بعد موافقة رومه، وأن تؤدي إليها غرامة حربية سنوية مقدارها مائتا تالنت أي ما يقرب من 720.000 ريال أمريكي مدى خمسين عامًا. وأعلن هنيبال أن هذه الشروط عادلة وأشار على مجلس الشيوخ بقبولها.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته الأخيرة

السلام في قرطاج (200–196 ق.م)

وغيرت الحرب البونية الثانية وجه البحر الأبيض المتوسط من ناحيته الغربية، فقد سيطرت رومه بعدها على أسبانيا كلها وما فيها من ثروة فأمدتها بما يلزمها من المال لفتح بلاد اليونان، وأعادت إلى إيطاليا وحدتها تحت سيادة رومه لا ينازعها فيها منازع، وفتحت جميع الطرق والأسواق للسفن والبضائع الرومانية؛ ولكنها كانت أكثر الحروب القديمة جميعها نفقة، فقد خربت مزارع إيطاليا الجنوبية أو ألحقت بها أشد الأضرار، وهدمت أربعمائة من مدنها، وأهلكت ثلاثمائة ألف من رجالها(31)؛ ولم تفق إيطاليا الجنوبية حتى اليوم من جميع ما أصابها من هذا الدمار. يضاف إلى هذا أن هذه الحرب قد أضعفت الديمقراطية إذ أظهرت أن الجمعيات الشعبية عاجزة عن أن تحسن اختيار القواد أو إدارة دفة الحروب؛ وكانت سببًا فيما طرأ على حياة الرومان وأخلاقهم من انقلاب، فقد أضرت بالزراعة وشجعت التجارة، وانتزعت الرجال من الريف، وعلمتهم عنف الحروب ومفاسد حياة المعسكرات، وجاءت بمعادن أسبانيا النفيسة لتنفق على ملاذ الحياة وعلى التوسع الاستعماري، وأمكنت إيطاليا من أن تعيش على ما اغتصبته من قمح أسبانيا وصقلية وإفريقية، وقصارى القول أن هذه الحرب كانت المحور الذي يدور حوله تاريخ رومه من جميع نواحيه.

هذه آثار الحرب في رومه، أما في قرطاجنة فقد كانت بداية نهايتها. لقد كان في وسعها، وقد احتفظت بجزء كبير من تجارتها وإمبراطوريتها، أن تحل ما يواجهها من مشاكل الإنعاش؛ ولكن حكومتها الألجراكية قد بلغت من الفساد مبلغًا جعلها تلقي على كاهل الطبقات الدنيا عبء الغرامة الحربية، وأن تختلس جزءاً من هذه الغرامة. وطلبت طوائف الشعب إلى هنيبال أن يخرج من عزلته وينقذ الأمة من محنتها، واختير في عام 196 حاكماً عاماً لها. فلما تولى منصبه روع سراة المدينة إذ اقترح ألا يبقى قضاة المحكمة البالغ عددهم 104 في مناصبهم أكثر من سنة واحدة، وألا يعاد انتخابهم إلى هذه المناصب إلا بعد عام من خروجهم منها. فلما رفض مجلس الشيوخ هذا الاقتراح عرضه على الجمعية الشعبية فأجازته، وكانت نتيجة هذا القانون وما اتبع فيه من إجراء أن أنشأ من أقصر طريق نوعاً من الديمقراطية لا يقل عن مثيله في رومه. ثم حارب الرشوة واجتثها من أصولها، وأنزل بالمرتشين أشد العقاب، ورفع عن الأهلين ما فرض عليهم من الضرائب الإضافية، ودبر موارد الدولة تدبيرًا استطاعت به قرطاجنة قبل أن يحل عام 188 أن تؤدي جميع ما فرضته عليها رومه من غرامة حربية.


نفيه (195–183/181 ق.م)

لكن أرباب الأموال أرادوا أن يتخلصوا منه فبعثوا في السر إلى رومة يقولون إن هنيبال يعد العدة لاستئناف القتال. وبذل سبيو كل ماله من نفوذ ليحمي عدوه القديم، ولكنه غلب على أمره. واستجاب مجلس الشيوخ إلى رغبة أغنياء القرطاجنيين، بأن طلب تسليم هنيبال إلى رومة، ولكن الجندي القديم فر من بلاده ليلاً، واجتاز على ظهر جواده مائة وخمسين ميلاً حتى وصل إلى ثاپسوس Thapsus وركب منها سفينة إلى أنطاكية (195) حيث وجد أنتيوخوس الثالث Antiochus متردداً بين حرب رومه ومسالمتها، فأشار عليه بحربها وأصبح فيها من قواد الملك.

وفاته (183/181 ق.م)

فلما هزم الرومان أنتيوخوس في مجنيزيا (189) اشترطوا لعقد الصلح معه أن يسلم هنيبال، فما كان من هذا القائد إلا أن فر أولاً إلى كريت، ثم إلى بيثونيا Bithynia. فأخذ الرومان يطاردونه في كل مكان يلجأ إليه حتى أحاطوه في مكمنه بالجند. وآثر هنيبال الموت على الأسر، وقال في هذا: "دعوني أخفف عن الرومان ما يشغل بالهم من زمن طويل؛ فهم يظنون أنهم لا يطيقون الصبر حتى يلاقي شيخ مثلي منيته"(32). وتجرع السم الذي كان يحمله معه ومات في عام 184 ق.م. في السابعة والستين من عمره، وما هي إلا بضعة أشهر حتى تبعه إلى الراحة الأبدية سكيبون قاهره الذي كان شديد الإعجاب به.

من أفكار حنبعل

عندما حاول حنبعل قطعجبال الآلب عمد إلى دهن أجسام جيوشه الزيت كي تبقى أجسادهم دافئة .

هيئة أركان جيشه

كانت هيئة أركان جيشه تتكون من: هانو بن هاملقار ، و مهر بعل (مار بال)لأمازيغي (البربري) قائد سلاح الفرسان النوميديين المسن، الذي تقلد هذه القيادة منذ عهد والد حنا بعل هملقار برقه، ويكن له حنا بعل حبا فائقا، و هيرت ، و سينهالوس المصري كبير الأطباء، والاغريقيين سوسيلوس ، و وسلينوس ، و بوح الهندي منجم الحملة، والاسبرطي سوسيليوس الذي علم حنا بعل اليونانية.

إرثه في العالم القديم

إرثه

تاريخ عسكري

مضرب الأساطير: في "عاصفة ثلجية: حنبعل وجيشه يعبرون جبال الألپ"، ج.م.و. ترنر يحيط عبور حنبعل لجبال الألپ بجو من الرومانسية.
انجاز حنبعل العظيم في عبور جبال الألپ ومعه فيلة الحرب أصبحوا مضرب القصص الأوروبية: تفصيل جصية، ح. 1510، متاحف الكاپيتولين، روما.

حنبعل في الأدب

ساعة رف مدفأة من الامبراطورية الفرنسية، من حوالي 1817، تصور حنبعل، من صنع دنيير وماتلان. معروضة حالياً في الغرفة الزرقاء في البيت الأبيض.
  • written 1308-21, دانته: الكوميديا الإلهية, poem, Inferno XXXI.97-132, 115-124 (Battle of Zama) and Paradiso VI
  • 1726, Gulliver's Travels, satirical work
  • 1862, گوستاڤ فلوبير's Salammbô, set in Carthage at the time of هميلكار باركا. Hannibal appears as a child.
  • 1996, Elisabeth Craft, A Spy for Hannibal: A Novel of Carthage, 091015533X
  • 1996-2000, Ross Leckie, Carthage trilogy, source of the 2008 film (1996, Hannibal: A Novel, ISBN 0-89526-443-9 ; 1999, Scipio, a Novel, ISBN 0-349-11238-X ; Carthage, 2000, ISBN 0-86241-944-1)
  • 2002, جون مادوكس روبرتس, Hannibal's Children, ISBN 0441009336, an alternate history. In the opening, Hannibal conquers Rome in 215 BCE and exiles the Romans from Italy. In 100 BCE, Romans visit Carthage where the descendants of Hannibal are hereditary rulers using the title shofet.
  • 2005, Terry McCarthy, The Sword of Hannibal, ISBN 0-446-61517-X
  • 2006, ديڤد أنتوني درم, Pride of Carthage: A Novel of Hannibal, ISBN 0-385-72249-4
  • 2006, Angela Render, Forged By Lightning: A Novel of Hannibal and Scipio, ISBN 1-4116-8002-2
  • 2008, Bill Mahaney, 'The Warmaker—Hannibal's Invasion of Italia and the Aftermath' ISBN 978-0-595-48101-9

حنبعل في المسرح والأوبرا

حنبعل في السينما والتليفزيون

السنة الفلم ملاحظات
1914 Cabiria فيلم صامت، إيطالي
1939 Scipio Africanus - the Defeat of Hannibal (Scipione l'africano) صور متحركة، إيطالي
1955 Jupiter's Darling MGM musical picture starring Howard Keel and Esther Williams
1960 Annibale Italian Motion Picture starring Victor Mature
1997 The Great Battles of Hannibal British documentary
2001 Hannibal: The Man Who Hated Rome British documentary
2005 The True Story of Hannibal British documentary
2005 Hannibal vs. Rome in National Geographic Channel
2006 Hannibal - Rome's Worst Nightmare TV film starring Alexander Siddig in the title role
2008 Battles BC History Channel TV film
2010 On Hannibal's Trail BBC TV Documentary
2011 (not confirmed) Hannibal the Conqueror Mainstream movie, starring Vin Diesel as Hannibal

معرض الصور

خط زمني


انظر أيضا

هوامش

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  1. ^ Lancel, Serge (1995) Hannibal cover: "Roman bust of Hannibal. Museo Archeologico Nazionale. Naples"
  2. ^ Goldsworthy, Adrian (2000) The Fall of Carthage cover: "Hannibal in later life"
  3. ^ Goldsworthy, Adrian (2001) Cannae p.24: "a bust, which may be a representation of Hannibal in later life, although there are no definite images of him"
  4. ^ Goldsworthy, Adrian (2003) The Complete Roman Army p.41: "a bust that purports to show Hannibal in later life"
  5. ^ Matyszak, Philip (2003) Chronicle of the Roman Republic p.95: "bust, thought to be of Hannibal, found in Capua"
  6. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  7. ^ De Beer, Sir G. (1974) Hannibal: the Struggle for Power in the Mediterranean p.91. Thames and Hudson, London.
  8. ^ Hannibal ad Portas. Konrad Theiss Verlag, Stuttgart, 2004.


قراءات اضافية في الحروب البونيقية

  • Bickerman, Elias J. "Hannibal’s Covenant", American Journal of Philology, Vol. 73, No. 1. (1952), pp. 1–23.
  • Bradford, E, Hannibal, London, Macmillan London Ltd., 1981
  • Caven, B., Punic Wars, London, George Werdenfeld and Nicholson Ltd., 1980
  • Cottrell, Leonard, Hannibal: Enemy of Rome, Da Capo Press, 1992, ISBN 0-306-80498-0
  • Daly, Gregory, Cannae: The Experience of Battle in the Second Punic War, London/New York, Routledge, 2002, ISBN 0-415-32743-1.
  • Garland, Robert, Hannibal. London: Bristol Classical Press, 2010. Pp. 168 (Ancients in Action)q ISBN 9781853997259.
  • Delbrück, Hans, Warfare in Antiquity, 1920, ISBN 0-8032-9199-X
  • Hoyos, Dexter: Hannibal's Dynasty: Power and Politics in the Western Mediterranean, 247–183 B.C. (Routledge: London & New York, 2003; paperback edition with maps, 2005) - has much discussion of strategy and warfare.
  • Hoyos, Dexter, Hannibal: Rome's Greatest Enemy, Bristol Phoenix Press, 2005, ISBN 1-904675-46-8 (hbk) ISBN 1-904675-47-6 (pbk)
  • Lamb, Harold, Hannibal: One Man Against Rome, 1959.
  • Lancel, Serge, Hannibal, Blackwell Publishing, 1999, ISBN 0-631-21848-3
  • Livy, and De Selincourt, Aubery, The War with Hannibal: Books XXI-XXX of the History of Rome from its Foundation, Penguin Classics, Reprint edition, July 30, 1965, ISBN 0-14-044145-X (pbk)(also [1])
  • Mahaney, W.C., Hannibal's Odyssey: Environmental Background to the Alpine Invasion of Italia, Piscataway, NJ., Gorgias Press, 2008, 222p. ISBN 978-1-59333-951-7
  • Prevas, John, Hannibal Crosses the Alps: The Invasion of Italy and the Second Punic War, 2001, ISBN 0-306-81070-0, questions which route he took
  • Talbert, Richard J.A., ed., Atlas of Classical History, Routledge, London/New York, 1985, ISBN 0-415-03463-9
  • Yardley, J.C. (translator) & Hoyos, D. (introduction, notes, maps and appendix on Hannibal's march over the Alps): Livy: Hannibal's War: Books 21 to 30 (Oxford World's Classics: Oxford Univ. Press, UK & USA, 2006).
  • Dodge, Theodore. "Hannibal", Hannibal During the Second Punic War. New York: Barnes and Noble

تحوي هذه المقالة معلومات مترجمة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية لسنة 1911 وهي الآن من ضمن الملكية العامة.


وصلات خارجية

Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة بحنبعل، في معرفة الاقتباس.

خطأ لوا في وحدة:Navbox على السطر 580: bad argument #1 to 'inArray' (table expected, got nil).

[[تصنيف::قدماء انتحرو]]