صعود محمد بن سلمان الى السلطة

صعود محمد بن سلمان الى السلطة كتاب من تأليف الصحفي الأمريكي بن هابرد (Ben Hubbard)، عمل المؤلف كصحفي في نيويورك تايمز، وهو رئيس مكتب النيويورك تايمز في بيروت، وكان مراسلاً لها في السعودية. يحكي الكتاب قصة نشأة ومحمد بن سلمان السياسية وآلية وصوله لمنصب ولي العهد في المملكة العربية السعودية، وصدر الكتاب في أغسطس 2022.

علاف كتاب صعود محمد بن سلمان للسلطة
علاف كتاب صعود محمد بن سلمان للسلطة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ملخص الكتاب

الفصل الأول: المملكة

في عام 1996، حصل رجل بريطاني من أصل جزائري يدرس في مدرسة النخبة في جدة على الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية على عرض عمل فريد. كان الأمير سلمان بن عبد العزيز قادمًا إلى المدينة لبضعة أشهر مع إحدى زوجاته وأولادها، وكانت العائلة تبحث عن مدرس للغة الإنجليزية. كان المعلم رشيد السكاي يعرف القليل عن الأمير سلمان الذي كان أمير منطقة الرياض، وهذا الامر جعل منه مسؤولاً عن العاصمة السعودية، وكان ابن الملك الذي أسس السعودية، ومنحه ذلك مكانة مرموقة بين آلاف الأمراء والأميرات الذين شكلوا العائلة المالكة. بدت الوظيفة مثيرة للاهتمام، وربما ستؤدي للحصول على اجور جيدة، لذلك وافق سكاي، وخلال الأشهر القليلة التالية، اصطحبه سائق من المدرسة بعد نهاية يوم العمل وقاده إلى المجمع الملكي حيث اقام سلمان وعائلته. عند دخولها لأول مرة، شاهد سكاي "سلسلة من الفيلات المذهلة مع حدائق نظيفة يشرف عليها عمال يرتدون الزي الرسمي الأبيض"، ومر بموقف سيارات مليء بالسيارات الفاخرة، بما في ذلك ما بدا أنه أول سيارة كاديلاك وردية يراها في حياته. في القصر، واجه تهمه: أبناء سلمان الأربعة من زوجته الثانية، وأكبرهم كان شابًا مؤذًا يبلغ من العمر أحد عشر عامًا يدعى محمد بن سلمان. من الواضح أن الأمراء الصغار كانوا مهتمين باللعب أكثر من اهتمامهم بالدراسة، لكن سكاي بذل قصارى جهده للحفاظ على تركيز الأولاد الصغار على دراستهم، لكن ذلك كان مصيره الفشل عندما يظهر محمد بن سلمان. يتذكر سكاي قائلاً: "بصفته أكبر إخوته، بدا أنه مسموح له أن يفعل ما يشاء". خلال الدروس، كان محمد بن سلمان يأخذ جهاز اتصال لاسلكي من أحد الحراس لإبداء "ملاحظات صفيقة" بشأن مدربه والمزاح مع الحرس على الطرف الآخر من الخط للترفيه مع إخوته. بعد بضعة دروس، أخبر محمد بن سلمان سكاي أن والدته تعتبره "رجلًا نبيلًا". تفاجأ سكاي، لأن الفصل بين الجنسين في المملكة منعه من مقابلة الأم، ناهيك عن إعطائها فرصة لتقييم شخصيته، ثم أدرك أنها كانت تراقبه من خلال كاميرات المراقبة المنصوبة على الجدران. جعله ذلك يشعر بالخجل، لكنه واصل العمل. لم يحرز الأولاد تقدمًا كبيرًا في اللغة الإنجليزية، وفي أواخر العشرينيات من عمره، تجنب محمد بن سلمان التحدث بالانجليزية في الأماكن العامة، كما أحرزوا تقدمًا أقل في اللغة الفرنسية، وهي المادة التي طلبت والدة الأمراء من سكاي إضافته إلى المنهج الدراسي. ولكن بنهاية فترة عمله، كان سكاي قد أصبح مولعًا بمحمد بن سلمان الشاب المليء بالحيوية، وأصبح بعد سنوات يتذكر "شخصيته المهيبة". افترض سكاي أنه شخصيته هذه كانت نتيجة وضعه باعتباره الأكبر بين أبناء والدته والاهتمام الذي تلقاه من عائلته المباشرة. قال سكاي: "لقد كان الشخصية المحببة، مما منحه هذا الإحساس بانه المسؤول عن الجميع، وفي ذلك القصر، كان هو الشخص الذي يعتني به الجميع وقد جذب انتباههم". كان سلمان بن عبد العزيز، أميرًا وسيمًا مجتهدًا بشعر أسود نفاث ولحية صغيرة، ويشتهر بالاستقامة والصلابة. عندما سافر إلى الخارج، كان يرتدي بدلات ذات طيات صدر عريضة وربطات عنق مخططة تدعو إلى مقارنته مع مصرفيي وول ستريت أو شخصيات من أفلام جيمس بوند. في السعودية، كان يرتدي الزي التقليدي والأميري وأشرف على العاصمة السعودية والمناطق المحيطة بها باعتباره حاكما على الرياض، وقال السكان مازحين إنهم يستطيعون ضبط ساعاتهم وهم يشاهدون موكبه المتجه إلى عمله في الصباح، قبل ساعات من نهوض أمراء آخرين من فراشهم. لإدارة العاصمة، احتفظ بعلامات تبويب على القبائل ورجال الدين والعشائر الكبيرة في المنطقة - بما في ذلك عائلته. لسنوات، كان يعمل على ضبط العائلة المالكة، فإذا خرج شجار بين أبناء عمومته من العائلة المالكة على قطعة من العقارات عن السيطرة، وإذا خرجت أميرة بكفالة بسبب فاتورة فلكية جراء اقامتها في احد الفنادق في باريس، وإذا ثمل أمير وتسبب في فضيحة، فإن سلمان هو الذي سيتولى الأمر وقد يؤدي ذلك الى وضع الجناة في سجنه الخاص. تفاخر أمام الكاتب البريطاني روبرت لاسي قائلًا "لدي العديد من الأمراء في سجني في هذه اللحظة" وكتب دبلوماسي أمريكي أن سلمان منع أحد إخوته من الشكوى من لائحة جديدة من خلال إخباره "أن يصمت ويعود إلى عمله". سلمان سيلعب دورًا حاسمًا في صعود ابنه محمد بن سلمان. اجتاز سلمان التغييرات العملاقة التي أحدثت ثورة في الحياة في المملكة خلال القرن العشرين. لقد كان سليل سلالة فشلت مرتين في إنشاء مملكة في وسط الجزيرة العربية قبل أن تنجح بشكل هائل لدرجة أن سكان الصحراء الذين كانوا رواد الفكرة سيجدون صعوبة في تصديق كيف انتهى مغامرة ال سعود للصعود الى الحكم. في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، في واحة مشمسة من بيوت الطين ونخيل التمر، قام أسلاف سلمان بالمحاولة الأولى، عندما أنشأ زعيم قبلي يدعى محمد بن سعود أول دولة سعودية حول قريته الدرعية. لم يكن محمد من إحدى القبائل الرئيسية التي شكلت البنية الاجتماعية الأساسية لشبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت. لقد كان آل سعود مزارعين مستقرين قاموا بزراعة التمور واستثمروا في القوافل التجارية. كانت المعارك بين القبائل والعشائر شائعة، لكن محمد حصل على ميزة من خلال تشكيل تحالف مع رجل دين أصولي عزز كيفية حكم الجزيرة العربية لأجيال قادمة.

كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب يرى أن الإسلام في الجزيرة قد أفسدته الممارسات العربية التقليدية مثل تبجيل الأصنام والأشجار ودعا إلى تطهير الدين من خلال اجتثاث "البدع" والعودة إلى ممارسات النبي محمد وصحبه قبل قرون. هذه الآراء تسببت في طرد الشيخ بن عبد الوهاب من مسقط رأسه، ليلجأ إلى الدرعية، وهناك ربط آل سعود رسالته الدينية بمشروعهم السياسي. لقد أفاد التحالف كلا الطرفين وبدعم من ابن عبد الوهاب، لم يعد آل سعود مجرد عائلة عربية أخرى خارجة عن السلطة، بل كانوا يقودون حملة من أجل نشر الدين الحقيقي الصحيح، في المقابل، منحوا الشيخ وذريته السيطرة على الشؤون الدينية والاجتماعية. أثبت التحالف فعاليته، ومع نمو الدولة السعودية الأولى، تم وصف المجتمعات التي رفضت رسالة الشيخ ابن عبد الوهاب بالكفار الذين يستحقون السيف. عندما توسعت أراضي الدولة السعودية الاولى لتشمل الأماكن الإسلامية المقدسة في مكة والمدينة، رد العثمانيون بإرسال القوات التي أطاحت بالدولة، وحولت الدرعية إلى ركام، ليتشتت الناجون من آل سعود. حاول أحفادهم إعادة تأسيس الدولة في القرن التاسع عشر في مدينة الرياض القريبة، لكن جهودهم انهارت في الخلاف الداخلي بشأن من يجب أن يكون قائد الدولة الثانية. في أوائل القرن العشرين، أعاد سليل آل سعود المسمى عبد العزيز - جد محمد بن سلمان - إحياء الحملة لغزو أرض أجداده. قاد القوات على ظهور الجمال وأعاد التحالف مع أحفاد ابن عبد الوهاب، الذين قدموا التبرير الديني لحكمه. على مدى ثلاثة عقود، وضع عبد العزيز جزءًا كبيرًا من شبه الجزيرة العربية تحت سيطرته، وحكمها من العاصمة الجديدة، الرياض، لكن صعود هذا النظام السياسي الأصولي الجديد أزعج القوى الغربية التي كانت تؤسس لنفسها موقعًا حول الخليج العربي، وواجه الملك عبد العزيز خيارين: اما مواصلة الجهاد التوسعي، الذي كان من شأنه أن يدفعه إلى الصراع مع البريطانيين، أو إنشاء دولة حديثة. اختار الخيار الثاني وأعلن المملكة العربية السعودية عام 1932. كان من المتوقع أن تظل المملكة منطقة منعزلة صحراوية ذات أهمية طفيفة لبقية العالم لولا اكتشاف النفط في عام 1938، وقد جذب ذلك المتاجرين والفنيين وشركات النفط وممثلي الحكومات الغربية الذين سعوا للوصول إلى الذهب السعودي الاسود بما في ذلك الولايات المتحدة. في اجتماع سري في عام 1945 بين الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز على متن سفينة حربية أمريكية في قناة السويس، كون الزعيمان صداقة وضعت حجر الأساس لاتفاقية دائمة تضمن وصول أمريكا إلى النفط السعودي مقابل الحماية الأمريكية من الهجمات الخارجية. أصبح هذا الترتيب أحد أعمدة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في القرن القادم. أدى تدفق الثروة النفطية إلى قيام المملكة بدفع ارثها الديني الى العالمية، فمول السعوديون الانتشار الدولي لتعاليم ابن عبد الوهاب، جاعلين الوهابية قوة دينية عالمية، كما أصبحت أرامكو السعودية، التي احتكرت النفط في المملكة، الشركة الأكثر قيمة في العالم إلى حد بعيد، وأصبح آل سعود من أغنى العائلات في العالم. بحلول وقت وفاته في عام 1953، كان الملك عبد العزيز قد تزوج ما لا يقل عن ثمانية عشر امرأة وأنجب ستة وثلاثين ابنا وسبع وعشرين ابنة، ولم يبخل نسله في الإنجاب أيضًا، بل توسع إلى عشيرة مترامية الأطراف حمل بلدها اسمها وتمتعت بثروات وامتيازات هائلة. كان هناك الآلاف من افراد ال سعود، وكلهم مدعومون من الدولة السعودية. في عام 1996، زار دبلوماسي أمريكي المكتب الذي وزع رواتبهم الشهرية ووجد مجموعة من الخدم يحصلون على مخصصات أسيادهم، والتي تختلف باختلاف وضعهم. تلقى أبناء وبنات الملك عبد العزيز ما يصل إلى 270 ألف دولار، وأحفاده 27 ألف دولار، وأحفاده 13 ألف دولار وحصل الأقارب الاخرين على 800 دولار. حصل الأمراء أيضًا على مكافآت بملايين الدولارات لبناء القصور عندما يتزوجون، بالإضافة إلى امتيازات عند إنجاب الأطفال، وقدر الدبلوماسي أن الرواتب تكلف الدولة أكثر من ملياري دولار في السنة، لكن ذلك كان مجرد تخمين. تدفقت الكثير من هذه الأموال في المجتمع لكسب ولاء أفراد العائلة المالكة، وقال أحد أبناء سلمان إنه أنفق أكثر من مليون دولار من ماله الخاص خلال شهر رمضان المبارك، في إقامة الولائم لرعاياه، لكن أفراد العائلة المالكة الاخرين ما زالوا يعيشون ببذخ على نطاق واسع، ويقودون أساطيل اليخوت، ويبنون القصور في مدن تمتد من لوس أنجلوس إلى موناكو، ويقضون اجازاتهم في المنتجعات الغربية الفخمة لدرجة أنهم تسببوا في ازدهار اقتصادي في المجتمعات التي حلوا فيها ضيوفًا. كان أفراد العائلة المالكة كثيرين لدرجة أنهم شكلوا مجتمعًا صغيرًا يعمل وفقًا لقواعده الخاصة، بما في ذلك التقدير العميق واحترام الأقدمية الراسخ لدرجة أنهم حفظوا أعياد ميلاد بعضهم البعض، وهذا ما سمح لهم بالانتقال من الأقدم إلى الأصغر في الوظائف بسهولة. لا تزال الجدران الطينية والأسوار في الدرعية، الواحة التي بدأ فيها فصول حكاية ال سعود، تقف على مسافة قصيرة بالسيارة من الرياض، العاصمة الحديثة التي يبلغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة، وهي مليئة بالمراكز التجارية وناطحات السحاب والطرق السريعة الواسعة هناك قضى سلمان حياته - وأعد ابنه للمستقبل.

في عام 2001، توفي فهد، ابن سلمان الأكبر، الذي ساعد الصحفيين خلال حرب الخليج، فجأة عن عمر يناهز 46 عاما وبعد عام، توفي شقيقه أحمد، الفائز في كنتاكي ديربي، أيضا عن عمر يناهز 44 عاما. كان السبب المعلن في كلتا الحالتين هو نوبة قلبية، ولكن الأسباب الكامنة لم يتم توضيحها أبدا. ألقت الوفاتان المفاجئتان سلمان في حداد عميق، وبينما كان أطفاله الأكبر سنا يتابعون حياتهم ويعتنون بعائلاتهم، تمسك محمد بن سلمان، البالغ من العمر 16 عاما، بالبقاء بالقرب من والده في وقت الألم، مما أدى إلى تعميق الرابطة بينهما. ضغطت والدة محمد بن سلمان على والده ليقضي المزيد من الوقت مع ابنه، وغالبا ما ظل الأمير الشاب والده أثناء ادارته للعاصمة السعودية كحاكم. لقد كانت تجربة تعليمية غامرة في ادارة الدولة، حيث تعرف محمد بن سلمان على المترددين على والده، وعرف الوجوه الهامة في كل القبائل، ومناصب رجال الدين، ورجال الأعمال الذين تولوا مسؤولية أجزاء من الاقتصاد، والامراء الذين وجدوا طرقا مبتكرة لتمزيق الدولة. أشار أحد أفراد الوفد المرافق للعائلة خلال ذلك الوقت إلى أن الحياة الاجتماعية لـ MBS بشأن حول استخدام امتيازه الملكي لبناء روابط مع الناس. في الصيف، ستغادر عائلته مخيما إلى ساحل البحر الأحمر، حيث سيستأجر MBS أسطولا من الدراجات المائية (الجت سكي) للشباب، اما في فصل الشتاء، فأنهم سيقيمون مخيما في الصحراء، حيث سيكون لدى MBS أكبر مخيم، ويقدمون الحملان المشوية على أطباق ضخمة من الأرز، ويحتفظون بأساطيل من العربات للبدو الذين قدموا لتحية العائلة المالكة. كان عالم محمد بن سلمان هو السعودية، ويبدو أنه يحبها بقدر ما أحب أبناء عمومته لندن أو جنيف أو موناكو. أعرب والده عن تقديره لولع ابنه بالمملكة، ونما رباطهما أقوى، حيث رافقه محمد بن سلمان في حفلات الزفاف والجنازات وصلى بالقرب منه في المسجد. انتقلت والدة محمد بن سلمان وأطفالها في نهاية المطاف إلى قصرهم الخاص، وفي بعض فصول الصيف، كان سلمان يقضي عطلة في قصر بناه شقيقه، الملك الراحل فهد، في ماربيا مع زوجته الأولى وأطفالها، ثم يدخل لرؤية عائلة زوجته الثانية في برشلونة. في وقت لاحق، ستشغل والدة MBS جزءا من فندق بلازا اتنييه في باريس، وتشغل مطبخه الخاص بالاكلات الفرنسية لاعداد الطعام السعودي من الطهاة الذين أحضرتهم من المملكة. في سن المراهقة، اكتسب MBS سمعة سيئة لسوء السلوك. يقول زملاؤه الملكيون وغيرهم ممن عرفوه إنه بدا محبطا وغاضبا، وانفجر في بعض الأحيان في نوبات غضب. في احدى المرات، ارتدى زي ضابط شرطة وذهب إلى محيط مركز تجاري ليتباهى هناك، ولم يستطع ضباط الشرطة الفعليون فعل الكثير لأنهم كانوا يعرفون أنه ابن الحاكم. رافق محمد بن سلمان والده الذي انتمى الى الجزيرة العربية في القرن العشرين، لكنه كان أيضا ابنا للقرن الحادي والعشرين، فقد تم تشكيل إحساسه ببقية العالم من خلال أفلام هوليوود وقصص الرسوم الأمريكية واليابانية ووسائل التواصل الاجتماعي كما هو الحال مع العديد من السعوديين من جيله. قال الأصدقاء القدامى إنه كان ينسى نفسه أحيانا في ألعاب الفيديو وكان أول من أصبح مدمنا على فيسبوك في دائرته. كان عمر MBS ستة عشر عاما عندما هاجم الخاطفون الذين أرسلهم أسامة بن لادن الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001. أخبر وفدا من الأمريكيين بعد سنوات أن والدته اتصلت به وطلبت منه مشاهدة الأخبار وأنه وصل إلى التلفزيون في الوقت الذي صادف تحطم الطائرة الثانية في البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي. قال جويل. ج. روزنبرغ الذي ترأس الوفد إن انطباعه هو أن محمد بن سلمان يتذكر الشعور بالرعب لأنه اعتقد ان العالم سيكره الإسلام بسبب هذه الهجمات وأنه سيكون من الصعب على السعوديين الشعور بالراحة في الخارج وربما أثر هذا الشعور على كيفية حكمه لاحقا. قال لي روزنبرغ: "أعتقد أنه ترعرع وهو يفكر في انه لا يريد العيش في بلد يفكر فيه العالم بهذه الطريقة، وانه كان يفكر بطريقة معينة وسأطارد أي شخص يمكن أن يفكر في شيء من هذا القبيل أو يمكن أن يقودنا إلى أن ينظر إلينا على أننا بلد متخلف ومجنون". بدلا من الذهاب إلى الخارج للدراسة الجامعية، بقي MBS في الرياض ودرس القانون في جامعة الملك سعود. قال أحد زملائه في الفصل إنه كان من الواضح أنه يريد أن يكون قائدا، وغالبًا ما ادار المناقشات بين الأصدقاء وأخبر مجموعة ذات مرة أنه يريد أن يكون الإسكندر الأكبر التالي. كان أمير آخر من نفس الجيل يرى محمد بن سلمان في العشاء الأسبوعي الذي يستضيفه عمه، الأمير سلطان، لأبناء أخيه. يتذكر الأمير: "لقد تحدث دائما عن الحكومة وكيف أراد المشاركة وما يريد تغييره، لكنني اعتقدت أنه كان يقول ذلك فقط لأنه كان ابن حاكم الرياض" مضيفًا "لطالما أراد أن يكون الشخص الذي يتحدث وأن يكون في الصدارة". لقد كان مهتمًا كذلك بمارغريت تاتشر. قال الأمير انه كان يستمتع دائمًا بالحديث عن السيدة الحديدية وكيف عززت النظام الاقتصادي لبريطانيا العظمى، لكن محمد بن سلمان ظل بعيدًا عن اهتمامات الدبلوماسيين والخبراء الأجانب الذين درسوا الديناميكيات الملكية لتوقع من قد يصل إلى السلطة في المستقبل. في عام 2007، زار السفير الأمريكي في السعودية الامير سلمان، الذي كان قد طلب المساعدة في الحصول على تأشيرات الولايات المتحدة لعائلته. لقد واجهت زوجته الأولى صعوبة في السفر لرؤية طبيبها، وعلى الرغم من أن أطفال سلمان الآخرين تحملوا إجراءات التقديم الصارمة، إلا أن محمد بن سلمان "رفض الذهاب إلى السفارة الأمريكية لأخذ بصمات أصابعه "مثل بعض المجرمين". تخرج محمد بن سلمان من الجامعة وكان الرابع على اقرانه في عام 2007 وأمضى عامين في العمل في هيئة الخبراء، وهي هيئة بحثية تابعة لمجلس الوزراء السعودي. بعد عامين، كان من المقرر أن يحصل على ترقية لكن الملك عبد الله منعها عنه، فعاد للعمل لدى والده. تزوج من ابنة عمه، أميرة صغيرة اسمها سارة بنت مشهور، واحتفل بزواجه في قاعة فخمة بالرياض. بالنسبة للغرباء، يبدو أن جميع أفراد العائلة المالكة السعوديين أثرياء، ولكن داخل الأسرة، كانت هناك تدرجات كبيرة، وكان محمد بن سلمان، مرة أخرى، بعيدًا عن القمة. كان والده معروفًا بصورة جيدة على المستوى الداخلي، لكن محمد بن سلمان أدرك خلال فترة المراهقة أنه بالمقارنة مع كبار أفراد العائلة المالكة الآخرين، فإن والده لا يملك ثروة كافية. مع انتقاله إلى مرحلة البلوغ، كانت الفروق في الثروة واضحة، حيث ذهب أبناء عمومته إلى العواصم الأوروبية بأساطيل من السيارات الفاخرة وبصحبة حاشية استحوذت على فنادق بأكملها. كان المال الذي كان يمتلكه بعض أفراد العائلة المالكة مذهلاً، مما مكنهم من تفريغ المنازل الفاخرة ومكالمات المنازل الميدانية من بائعي هارودز مع صناديق من المجوهرات لزوجاتهم وبناتهم. لقد قدموا إكراميات بألف دولار، ووزعوا 100 ألف دولار من النقود على حاشيتهم إذا كانت الاقامة بالقرب من كازينو ما، ويمكن أن يشتروا ساعات بقيمة تصل الى 400 ألف دولار خلال زيارة متجر واحد. كان جزء مما دفعه أفراد العائلة المالكة من اموال هو بهدف الحماية من التدقيق العام في أنماط حياتهم وعادات الإنفاق، لكن التفاصيل غالبًا ما كانت تتسرب في النهاية للصحافة. كانت ماربيا، الواقعة في كوستا ديل سول بإسبانيا، وجهة مفضلة في الصيف، وأدت الأموال النقدية الملكية الى قيام اقتصاد للبضائع الراقية هناك، وتفاقمت فواتير الفنادق المتضخمة أصلًا بسبب تأجير اليخوت والمروحيات والطائرات الخاصة. كان سلوك معظم أفراد العائلة المالكة جيدًا في الأماكن العامة، لكن عمال الضيافة لاحظوا بان الامراء والاميرات اجبروا على التخلي عن الملذات مثل الكحول ولحم الخنزير والحفلات طوال الليل حال عودتهم الى المملكة. كتب صحفي محلي: "في الساعات الأولى من الصباح، يبدو أن أروقة بعض الفنادق تبدو أشبه بممرات عرض لعارضات الأزياء". في بعض الأحيان، لفتت الفضائح الانتباه إلى التجاوزات الملكية. تركت إحدى الأميرات، مها السديري، ورائها ما يقرب من 20 مليون دولار من الفواتير غير المسددة في باريس، بما في ذلك ما يقرب من 400 ألف دولار لخدمة السيارات الفاخرة و 100 ألف دولار لمتجر للملابس الداخلية. بعد ثلاث سنوات، عادت وحاولت الهرب دون دفع فاتورة بقيمة 7 ملايين دولار في فندق شنغريلا، حيث احتلت هي والوفد المرافق لها 41 غرفة لمدة خمسة أشهر. في العام التالي، احتفل ابنها بتخرجه من خلال حجز أقسام كاملة من ديزني لاند باريس، حيث استمتع العشرات من ضيوفه بشخصيات ديزني النادرة ووصلت فاتورة الحدث الذي استمر ثلاثة أيام إلى 19.5 مليون دولار. لم يكن لدى محمد بن سلمان هذا النوع من المال، لكنه بدأ يقوم ببعض المغامرات في سوق الأسهم السعودية وهو مراهق. بمجرد أن دخل العشرينات من عمره، انخرط في الأعمال التجارية لبناء ثروته. القليل من أنشطته في هذه المرحلة واضحة، لكن مديري الأموال في الرياض اشتبهوا في أنه يتلاعب ببورصة الأوراق المالية، ويشترى أسهمًا في شركات لا قيمة لها، ويزيد أسعارها، ويبيعها لجني الأرباح قبل أن تنهار قيمتها مرة أخرى. قال العاملون المصرفيون والدبلوماسيون الذين راقبوا الأسواق بعد ذلك إن التكتيك المعروف بما يسمى بـ "الضخ والإغراق" كان شائعًا وأن محمد بن سلمان لم يكن على الأرجح من بين أسوأ المخالفين. لطالما كانت العقارات وسيلة سهلة لتوليد الثروة الأميرية، وقد حاول محمد بن سلمان دخول ذلك القطاع أيضًا. في وقت من الأوقات، أراد قطعة أرض من رجل أعمال لم يرغب في البيع، لذلك ضغط محمد بن سلمان على رجل الدين الذي يدير مكتب تسجيل الأراضي لتحويل ملكية العقار له لكن رجل الدين رفض تنفيذ ما كان يمكن أن يكون صفقة غير قانونية، لذلك أرسل إليه محمد بن سلمان مظروفًا به رصاصة. نبه رجل الدين رئيسه في العمل عما جرى، وأبلغ الامير الملك عبد الله، الذي طلب من سلمان أن يضبط ابنه. لقد ترك الحادث طعمًا سيئًا في فم الملك وأكسب محمد بن سلمان لقب أبو رصاصة. من الواضح أن محمد بن سلمان نجح في جني بعض المال في هذه الفترة حيثُ يتذكر دبلوماسي متقاعد أنه سأل تاجر سيارات فاخرة حوالي عام 2011 عن سوق السيارات الفاخرة. وضح التاجر البناء الطبقي لسوق تأجير السيارات. فقد اشترى الأمراء الأدنى سيارات بورش أو بي إم دبليو. اما المستوى التالي فقد حصل على مازراتي والفيراري واشترى المنفقون الكبار البوغاتي، والتي تكلف كل منها بضعة ملايين من الدولارات. “ سأل الدبلوماسي "من اشترى هذه السيارات؟" قال التاجر: "لقد بعت للتو واحدة لهذا الرجل الذي يدعى محمد بن سلمان". لم يكن الدبلوماسي قد سمع هذا الاسم من قبل. قال التاجر "انه ابن الحاكم". خلال منتصف العشرينيات من عمره، كان لا يزال هناك سبب وجيه لتوقع أنه سيصبح أكثر من مجرد أمير متوسط الحال انخرط في الأعمال التجارية ويذهب الى الخارج بين الحين والآخر لقضاء إجازة فاخرة. ثم جاءت سلسلة ثانية من الوفيات في الأسرة المالكة دفعت والده إلى أعلى سلم الحكم، ومحمد بن سلمان معه.

في يوليو 2011، خسرت زوجة سلمان الأولى معركتها الطويلة مع مرض الكلى وتوفيت وأصيب أخوه الشقيق الأمير سلطان، الذي كان يليه في ترتيب ولاية العرش، بمرض السرطان وبقي سلمان معه في نيويورك حتى وفاته في وقت لاحق من ذلك العام. أصبح شقيق آخر، هو الأمير نايف، وليًا للعهد، لكنه أصيب بمرض القلب التاجي وتوفي في عام 2012 ثم عين الملك عبد الله سلمان وليًا جديدًا للعهد، وفجأة كان والد محمد بن سلمان هو التالي في ترتيب العرش وتمكنه من تمكين ابنه مفضله. لم يتحدث محمد بن سلمان علنًا أبدًا عن التاريخ الذي بدأ فيه التخطيط لمسيرته السياسية، لكنه تحدث عن رغبته في أن يكون نوعًا جديدًا من الحكام، شخص يعطل النظام القديم مثل عمالقة وادي السيليكون، بدلاً من الشخص الذي يتبع الطرق التقليدية. قال: "هناك فرق كبير، الأول، يمكنه إنشاء شركة آبل والثاني يمكن أن يصبح موظفًا ناجحًا. كان لدي عناصر أكثر بكثير مما كان لدى ستيف جوبز أو مارك زوكربيرج أو بيل جيتس وإذا كنت أعمل وفق أساليبهم، فماذا سأبتكر؟ كان كل هذا في رأسي عندما كنت صغيرًا. ومع ذلك، رأى الملك عبد الله محمد بن سلمان على أنه مغرور لا ترقى تجربته إلى مستوى الطموحات. لقد عين سلمان وزيرا للدفاع، لكنه منع محمد بن سلمان من الالتحاق بوالده في الوزارة. رضخ الملك في وقت لاحق لطلب سلمان وعين محمد بن سلمان رئيسًا لديوان ولي العهد ومدير مكتب والده في الوزارة، وهو منصب وزاري. لا يزال هناك الكثير من الغموض بشأن الكيفية التي قضى بها محمد بن سلمان العشرينات من عمره، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنه فعل القليل جدًا للفت الانتباه في ذلك الوقت (بخلاف المظروف الذي يحمل الرصاصة) ولأن الكثير من الجهد سيُبذل لاحقًا في صقل سمعته بأثر رجعي، لكن الواضح هو أن كل ما لم يفعله محمد بن سلمان قبل ظهوره على الساحة في عام 2015. لم يدير أبدًا شركة تركت بصمة ولم يكتسب خبرة عسكرية ولم يدرس قط في جامعة أجنبية ولم يتقن أبدًا لغة أجنبية أو حتى أصبح يعمل بها ولم يقض وقتًا طويلاً في الولايات المتحدة أو أوروبا أو أي مكان آخر في الغرب، وهذه الخلفية ستشكل كيفية استخدامه للسلطة لاحقًا. إن فهمه العميق للمملكة ومجتمعها سيمكنه من تنفيذ خطوات ناجحة لم يظن القليل أنها ممكنة قبل أن تخرج الى النور، لكن افتقاره إلى الخبرة مع الغرب أعطاه غرائز ضعيفة لكيفية عمل الحلفاء، ولا سيما الولايات المتحدة، وفكرهم - وهي حقيقة من شأنها أن تدفعه في كثير من الأحيان إلى إساءة تقدير الكيفية التي سينظرون بها إلى مناوراته الأكثر خطورة. تطرح الخلفيات المختلفة جذريًا لمحمد بن سلمان وأخوته الأكبر سنًا والأكثر خبرة سؤالًا عن سبب اختيار والده لمحمد بن سلمان ليحذو حذوه. لم يشرح سلمان أبدًا اختياره علنًا، وبصفته ملكًا مطلقًا، فلن يضطر إلى ذلك أبدًا، لذلك لم يتبق لنا سوى الخوض في عدد من التكهنات المبنية على بعض المعلومات. ربما شارك سلمان آراء والده، مؤسس المملكة، الذي رفض اقتراح رجل أعمال أمريكي بأن يعلم أبنائه في الخارج. قال الملك عبد العزيز: "لكي يكون الرجل قائداً للرجل، يجب أن يتلقى التعليم في بلده، بين شعبه، وأن ينشأ في محيط غارق في تقاليد ونفسية أبناء وطنه". كان هذا المبدأ يتماشى مع نظريات اثنين من المقربين من عائلة سلمان الذين تحدثوا إلي بشرط عدم الكشف عن هوياتهم. شعر أحدهم أن الإخوة الأكبر سناً، بتعليمهم الأجنبي واللهجات البريطانية وولعهم بتربية الخيول، قد فقدوا الاتصال بوالدهم، الذي كان في النهاية سعوديًا تقليديًا يحب الصحراء ويأكل اللحم بيديه وهو الاخر الذي فعل محمد بن سلمان ايضا، وقد قدر والده ذلك. وقال الآخر إنه على الرغم من أن أسلوب محمد بن سلمان القاسي أثار حفيظة العديد من أقاربه، إلا أنه لم يزعج والده أبدًا، الذي ربما رأى في الأمير الشاب قسوة شعر أن المملكة بحاجة إليها للمضي قدمًا. لخص أحد الزملاء هذه الفكرة بهذه الطريقة: "للتعامل مع بدوي، انت بحاجة إلى بدوي".


في ربيع عام 2014، وصل جوزيف ويستفال إلى الرياض كسفير للرئيس أوباما في المملكة. سجل ويستفال العملي يتضمن العمل بين الأوساط الأكاديمية والحكومة، حيث عمل في عدد من الجامعات وعمل لفترة كسكرتير للجيش بالإنابة. لقد كان رجلاً طويل القامة، وكبيرًا، ولطيفًا، وأسلوبه في الصفع على الظهر أزعج أعضاء الإدارة الأكثر تشددًا لكنها نجحت بشكل جيد مع السعوديين، الذين قدروا أنه يحب الدردشة قبل الشروع في العمل. عندما استقر ويستفال في منصبه، أظهر له أحدهم مقطع فيديو قديمًا لسلمان وهو يقوم بجولة في بعض المرافق العامة - مصنع أو محطة لمعالجة المياه - في مكان آخر في الشرق الأوسط ويتذكر ويستفال أن سلمان كان يرتدي زي "مصرفي في وول ستريت"، وتأكد من أن أولئك الذين يقومون بالجولة شرحوا كل شيء لابنه، الذي قام بتدوين ملاحظات وفيرة على ورقة صغيرة.. كان هذا هو محمد بن سلمان، وكان ويستفال مفتونًا. كان يعتقد أن "هناك شيئًا مميزًا جدًا في هذا الشاب" حيثُ "لم يكن هناك شك في أنه كان قرة عين والده". كان الملك عبد الله مشغولًا وغالبًا ما كان مريضًا، لذلك كان ويستفال يزور سلمان كثيرًا ويلاحظ محمد بن سلمان في حضرته، وعادة ما كان يقف جانبًا ولكن لا يتحدث أبدًا لذلك طلب ويستفال لقاء الأمير الشاب وتوصل إلى انطباع بأن محمد بن سلمان كان متحمسًا، لأنه لم يطلب أي شخص بارز مثل سفير الولايات المتحدة مقابلته من قبل. كون الرجلان صداقة سريعًا، وتحدثا عن عائلاتهما وخلفياتهما، وأصبح السفير مقتنعًا أن الشاب كان في طريقه للقيام بأشياء كبيرة. يتذكر ويستفال في وقت لاحق: "لقد اعتقدت منذ البداية أن هذا كان شابًا طموحًا كان مقدرًا له أن يكون قائدًا، وكان لديه المنصة اللازمة للقيام بذلك".[1]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفصل الثاني: الواصلون الى المملكة

لم أكن أعرف شيئًا عن هذه المكائد الملكية عندما قمت بزيارتي الأولى إلى السعودية عام 2013.

كان تعيني كمراسل لنيويورك تايمز قد جرى للتو بعد أن عشت وعملت في المنطقة لمدة سبع سنوات.

كنت اتقن اللغة العربية تحدثًا وكتابة، وعشت في لبنان لفترة، وكتبت تقارير في مصر وسوريا والعراق وليبيا وأماكن أخرى، مما أتاح لي فهمًا واسعًا لديناميكيات المنطقة، لكن المملكة كانت عبارة عن ثقب أسود، حيث يهيمن على سياساتها الغامضة رجال يرتدون أردية بيضاء متطابقة بأسماء تبدو قابلة للتبديل، ومجتمعها مبهم، ومختزل في معظم الكتابات إلى العموميات بشأن مسقط رأس الإسلام والغضب تجاه معاملة النساء هناك.

لقد اعتدت سماع العرب يلومون المملكة على جميع أنواع العلل، من صعود أحزاب أو اتجاهات سياسية معينة، إلى تمويل أو إلهام الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية، إلى انتشار التيار المحافظ الاجتماعي، لكن آليات النفوذ السعودي بدت غير مرئية، كما لو أن قوة المملكة كانت تمر عبر الشرق الأوسط بصوت لا تسمعه الاذن البشرية حيث اثرت على كل شيء لكن دون ان يشعر أحد.

على مدى السنوات الخمس التالية، كانت مهمتي اكتشاف المكان من خلال عشرات الزيارات إلى المملكة والرحلات إلى العديد من محافظاتها، حيثُ التقيت وتعرفت على مئات السعوديين من مختلف شرائح المجتمع كرجال الدين الذين اعتقدوا أن المملكة هي أفضل مكان على وجه الأرض، والشباب الذين يتوقون إلى الهروب؛ والأمراء والأميرات الذين كانوا غافلين عن امتيازهم؛ والنساء اللواتي يرغبن في القيادة؛ والنساء اللواتي لا يهتمن بالقيادة؛ وغيرهم ممن يفخرون بكونهم سعوديين حتى لو تمنوا أن يتحسن المكان قليلًا.

خلال ذلك الوقت، كتبت مئات المقالات التي تستكشف السياسة السعودية والسياسة الخارجية والثقافة والدين حيث زرت مواقع تاريخية نائية وشاهدت سباقات الخيول على حلبة الملك والتقيت المفتي الأكبر، وهو أعلى سلطة دينية في البلاد، والذي دعاني لكي اكون مسلماً، وكونت صداقات مع مجموعة من السعوديين الذين ساعدوني في فهم كيف يرون وطنهم وإلى أين يريدون أن يذهب مستقبلًا.

زياراتي المبكرة لمناطق المملكة هي التي أظهرت لي المملكة القديمة، حيث أعطتني معايير سأتمكن من استخدامها عند ظهور محمد بن سلمان وعندما بدأ يحاول تغيير كل شيء. في عام 2013، قمت بتسجيل الوصول إلى فندق قديم الطراز في وسط المدينة به صور كبيرة مؤطرة للملك وولي العهد والملك المؤسس عبد العزيز في بهو الفندق.

كان جميع العاملين في الفندق رجال من الهند وباكستان ودول عربية أخرى، وكان السعوديون الوحيدون الذين يمكن ان تراهم رجالٌ يرتدون أثوابا بيضاء وكانوا يقرأون الصحف دائما في بهو الفندق.

لماذا كانوا هناك؟ وهل كانوا من الشرطة السرية يراقبون من يلتقي بمن؟ أم أنهم أحبوا التواجد في هذه الأجواء فقط؟ لم أكن أعرف الإجابة على هذه الاسئلة.

بدت غرفتي كما لو أن ورق الحائط فيها قد تم تثبيته في السبعينيات اما السجادة فقد تكون وضعت هناك قبل هذا الوقت.

كان هناك مكبر صوت بجوار سريري يمكنني تشغيله للاستماع لأذان الصلاة خمس مرات في اليوم، وفي الحقيقة لم أكن بحاجة الى ذلك فقد كان هناك العديد من المساجد حولي لدرجة أنني سمعت النداء بوضوح، حتى مع إغلاق النافذة.

بعد ظهر يوم الجمعة، أغلقت المدينة أبوابها للصلاة الجماعية وكانت الخطب صاخبة للغاية لدرجة أنني أستطيع متابعتها كلمة بكلمة داخل غرفتي.

لم أكن أعرف أحداً، لذلك تحدثت مع مسؤول في وزارة الثقافة والإعلام كان يتعامل مع الصحافة الأجنبية وبدأت أخبره عن المقالات التي كنت آمل أن أوردها، لكنه قاطعني، قائلاً إنه كان يجب أن أرسل له فاكسًا مع "برنامجي" قبل شهر. بما أنني لم أفعل، فهو لا يستطع المساعدة الان.

قال: "أنا آسف جدًا" لكنه لم يبدو اسفًا حقًا، ثم قدم لي الشاي في كوب بلاستيكي وأضاف "استمتع بوقتك في المملكة".

كان لدي قائمة بأرقام الهواتف التي ورثتها من زملائي الذين غطوا المملكة من قبل، لذلك ذهبت إلى العمل، واتصلت بالسعوديين لطلب الاجتماعات.

كان معظمهم يرحبون بي، وهو امر شكل امرًا مفاجئًا بالنسبة لي، ويعرضون مقابلتي في الفندق الذي أعمل فيه وعرض بعضهم ارسال السائق لنقلي الى منزلهم او مكتبهم لأجراء اللقاء.

لم يكن هناك أي شيء سري يخاف المرء بشأنه، ولا يبدو الرجال السعوديون الذين يقرأون الصحف في لوبي الفندق يهتمون بذلك ايضًا.

في ذلك الوقت، لم يكن لدى السعوديين أي سبب يدعو للقلق بشأن التحدث إلى صحفي أجنبي. من الواضح أن المملكة كانت ثرية، ويبدو أن العديد من السعوديين الذين التقيت بهم يمتلكون الكثير من المال دون القيام بالكثير من العمل، لكنها كانت أيضًا أكثر رطوبة مما كنت أتوقع، مع استمرار أعمال الطرق السريعة المزدحمة والإضاءة السيئة بمجرد أن يغادر المرء الشارع الرئيسي.

في ذلك الوقت ايضًا، كانت المملكة في نهاية فترة استحقاق استمرت عشر سنوات، ظلت خلالها أسعار النفط مرتفعة، مما أدى إلى ضخ الأموال إلى الحكومة، والتي بدورها مررت الأموال الى الجميع في المملكة. لو لم يكن هناك نفط، لما كان هناك تقريبا أي نشاط اقتصادي على الإطلاق.

قام غير السعوديين بأكثر الوظائف ظهوراً. يشكل الأجانب حوالي ثلث سكان المملكة، وقد قاموا بأغلب النشاطات الاقتصادية ثقيلاً. عند تسجيل الوصول إلى أحد الفنادق، من المحتمل أن يقابل المرء مصريًا أو هنديًا. وحينما تستقل سيارة أجرة فأن السائق في الغالب أفغاني. امتلأت مواقع البناء بالعمال من بنغلاديش والباكستان، وكانت الطبقة المهنية اغلبها من العرب، مع مهندسين ومديرين ومحاسبين وأطباء من العراق ومصر وسوريا ولبنان.

عمل عدد أقل من الغربيين في البنوك والشركات الكبيرة وصناعة النفط أو كمستشارين للعائلة المالكة الأثرياء.

لقد أدهشتني التقاليد المحافظة في المملكة وكيف شكلت الوهابية كل جانب من جوانب الحياة.

في الأماكن العامة، ارتدت جميع النساء تقريبًا عباءات سوداء فضفاضة تسمى "العبايات" التي تخفي أشكالها، وتحولها إلى أشكال سوداء متضخمة، لا يمكن تمييزها ولكن فقط من خلال الكعب العالي أو أحذية التنس التي تظهر في الأسفل.

جميع الناس تقريبًا قمن بتغطية شعرهن، وعطى معظمهن وجوههن، ولم يتبق سوى خط رفيع لأعينهن.

كان الاختلاط بين الرجال والنساء غير المرتبطين ممنوعا، ولتطبيق ذلك، تم تقسيم المطاعم إلى أقسام "للعائلات"، حيث يمكن للرجال والنساء ذوي الصلة الجلوس معًا، و "العزاب" الذين كانوا جميعًا رجالًا.

كنت أتعلم أن العديد من السعوديين يختلطون على انفراد، والرجال والنساء عادة ما يجتمعون في ردهات الفنادق دون مشاكل تذكر، فيما لم يرغب آخرون في الاختلاط ورأوا الفصل بين الجنسين كجزء من ثقافتهم.

في بعض الدوائر المحافظة، قضى الرجال حياتهم كلها دون أن يروا وجوه النساء غير أقاربهم المباشرين - حتى زوجات إخوانهم.

تغلق المتاجر والمطاعم أبوابها عند سماع الأذان، حتى لو كان أصحابها يتسكعون في الخلف ويقضون الوقت على هواتفهم بدلاً من الذهاب إلى المسجد. لم يكن لديهم خيار سوى إغلاق أبوابهم لتجنب غضب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو ما يسمى بـ "الشرطة الدينية".

وقام أعضاء الهيئة الملتحون بدوريات في الأماكن العامة لمضايقة النساء اللواتي اعتُبر أن ملابسهن لا تخفي ما يكفي من اجسادهن، وللبحث عن أولئك الذين يشربون أو يتعاطون المخدرات أو ينخرطون في اختلاط غير مصرح به أو "الاختلاط" مع الجنس الآخر.

كانت مواقع الاخبار المحلية تتحدث عن نشاطات الهيئة خصوصًا عندما يقتحمون قبوًا كان المسيحيون الهنود يقيمون فيه خدمة كنسية سرية حيثُ حظرت المملكة ممارسة أي دين آخر غير الإسلام، أو عندما فضوا حفلة عيد ميلاد شارك فيها شباب سعوديون في "رقص غير لائق" حيثُ اعتبرت احتفالات عيد الميلاد غير إسلامية. هذا يعني أنه لم يكن هناك الكثير للقيام به.

في الواقع، كانت المملكة مملة للغاية حيثُ لا توجد أفلام ولا موسيقى، وكان هناك عدد قليل من المتنزهات.

شعرت بأنني محاصر في غرفتي، فذهبت إلى المركز التجاري كنوع من تغيير الجو، لكن لم يُسمح لي بالدخول لأنه كان مخصصًا في هذا اليوم للعائلات وكنت رجلاً أعزب، لذلك جلست في الخارج وشاهدت شبابًا سعوديًا يحاولون للتسلل إلى الداخل، حيث قد يرون بعض الفتيات.

حاولت العمل في المقهى، لكنني طردت عندما حان وقت الصلاة، وذات مرة جلست في الخارج وحاول شرطي دفعي للذهاب إلى المسجد.

نظرًا لوجود عدد قليل جدًا من الأماكن العامة للشباب للتسكع، قام هؤلاء الشباب بتجميع أموالهم لاستئجار مجالس بسيطة حيث يمكنهم التجمع للتحدث وشرب الشاي ومشاهدة التلفزيون.

قبل وصولي إلى هناك، كان النشاط الاكثر جرأة هو اخذ السيارة دون علم أولياء الأمور والانخراط في نوع فريد من قيادة السيارات يسمى (التفحيط) وما يرافقها من نشاطات "تخريبية".

استمتع السائقون بعرض قدراتهم من خلال حيل السيارات الخطرة امام الحشود، فيما أشاد الشعراء بسائقيهم المفضلين الذين تنافسوا من اجل توسيع اثار اطاراتهم على الشارع. كان الأمر خطيرًا وغير قانوني، ولكنه ممتع، مثل سباقات الدراج في عهد الممثل جيمس دين، وأعطى الطبقة الدنيا في المدينة، الذين لم يستفيدوا كثيرًا من ثروة المملكة، وسيلة لأبداء سخطهم على القيود القائمة.

لكن بحلول الوقت الذي وصلت فيه إلى الرياض، كانت الحكومة قد ملئت المدينة بكاميرات المراقبة حتى تتمكن الشرطة من اغلاق الطريق على المتسابقين قبل أن يتجمعوا في أماكنهم المعروفة.

كان لدى الشابات خيارات أقل، لذلك التقين في الغالب في المنازل أو خرجن في مجموعات لتناول الطعام.

كان هناك الكثير من مطاعم الوجبات السريعة، والكثير من الأكل ولكن إذا كانت سائقي السيدات مشغولين ولم يتمكن أي من الأقارب الذكور من توصليهن، فإنهن سيبقين في المنزل.

بعد أيام قليلة من وصولي، كان هناك احتجاج على منع السيدات من القيادة، على الرغم من إصرار المنظمين على أنه ليس احتجاجًا، لأن الحكومة كانت تكره كلمة الاحتجاج، والاحتجاجات.

كانت مجموعات صغيرة من النساء تتحدى حظر القيادة بين الحين والآخر لعقود، واختارت مجموعة من النشطاء السادس والعشرين من أكتوبر 2013 موعدًا لحملتهن القادمة. كانت الفكرة بسيطة: النساء اللائي لديهن تراخيص أجنبية قانونية سيقمن بقيادة سياراتهن وينشرن مقاطع فيديو لأنفسهن عبر الإنترنت لإثبات ان الامر لم يكن مشكلة كبيرة، لكن أنباء الاحتجاج تسربت للرأي العام وحشدت القوى المحافظة التي بدأت حملة لتذكير سكان المملكة بمخاطر وجود النساء خلف عجلة القيادة.

انتقد عالم دين عبر التلفزيون النشطاء ووصفهم بأنهم "ذو خطر عظيم" وان أهدافهم "مريبة وتهدد الوطن"، وقال إن رجال الدين منعوا النساء من قيادة السيارات "بسبب العوامل السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية التي ستجلبها قيادة المرأة للسيارة" والتي يمكن ان "تفتح باب الشر" وقاد رجل دين اخر أكثر من مائة رجل دين اخر من جميع انحاء المملكة للكتابة وتحذير الملك عبد الله من "مؤامرة قيادة المرأة للسيارة".

مع اقتراب اليوم الموعود، قام المتسللون بتشويه موقع الويب الخاص بالنساء، وملئه بالإهانات ونشر مقطع فيديو لناشط أمريكي إسرائيلي يدعو النساء للقيادة وقالوا إن "الصهاينة" يستخدمون هذه القضية لإضعاف المملكة، كما حذرت الحكومة من أنها ستمنع كل ما "يزعج السلم الاجتماعي، ويفتح باب الفتنة، ويستجيب لأوهام أولئك الذين لديهم أحلام مريضة من المتحيزين والمتطفلين والمفترسين" وأضافت أن القوات الأمنية سترد "بكل قوة وتصميم" من اجل معاقبة كل من يسعى إلى "تقسيم المجتمع وتقسيمه".

اتصل مسؤولو الأمن بالنشطاء ليطلبوا منهم البقاء في منازلهم، لكن كان هناك من النساء من الأردن قيادة سيارتهن.

قال المنظمون إنهم تلقوا مقاطع فيديو من عشرات النساء، لكن كان من الصعب معرفة عددهن، وعلى أي حال، كان العدد ضئيلًا في بلد يبلغ عدد سكانه اثنين وعشرين مليون مواطن.

شعرت في ذلك اليوم أن هناك عددًا أكبر من الصحفيين الأجانب الذين يبحثون عن سائقات أكثر من عدد السائقين، لكن مقاطع الفيديو كانت ساحرة حيثُ أظهر أحدها امرأة شابة تبتسم وهي تسرع بسيارتها عبر الرياض، وهي تضحك بينما كان والدها يصورها من مقعد الراكب الجانبي.

كانت هذه لجين الهذلول التي وصلت لتوها إلى الرياض وهي في طريقها إلى المنزل. قالت "إنها تقود السيارة وسعيدة" وأضافت "إن شاء الله بعد عشر سنوات سنضحك على هذه الصورة".

لقد تحدثت عبر الفيديو إلى عدد من المشاركين، وكانت احداهن مصورة ومحللة نفسية تبلغ من العمر ستين عامًا تدعى مديحة العجروش، وقد أخبرتني أن طلب النساء مقابلة الملك عبد الله قد تم رفضه.

لقد أزعجها ذلك، لأنه بدا وكأن رجال الدين يقابلون الملك متى أرادوا وكل ما أرادته هو أن تقود بنفسها إلى المقهى.

قالت لي: "نحن نبحث عن طريقة حياة طبيعية، لكي أركب سيارتي وأفعل شيئًا صغيرًا مثل أن أحضر لنفسي كوبًا من الكابتشينو أو شيئًا عظيمًا مثل اصطحاب طفلي إلى غرفة الطوارئ".

في صباح يوم، اصطحبها سائقها إلى مقهى كوستا، حيث كان من المقرر أن تقابل صديقًا لتقود السيارة معه، لكن كان هناك رجلان يتابعانها فاجهضوا المهمة ولجأت الى مركز تجاري، لتشتري هناك لعبة هي عبارة عن سيارة صفراء قدمتها للرجال اللذين راقباها كهدية.

كما تحدثت مع أستاذة اللسانيات في جامعة الرياض، تدعى إيمان النفجان، التي كتبت مدونة عن المرأة السعودية. لم تحمل ايمان إجازة سياقة، لذلك صورت نساء أخريات أثناء القيادة، لكنها كانت تمتلك سيارة، فورد بيج، وقد شرحت لي كيف كانت تنتقل بدون قيادة السيارة قالت: "توجد غرفة صغيرة خارج منزلي، وفي تلك الغرفة الصغيرة شاب بنغلادشي صغير يقوم بنقلي"، ضحكت وضحكت أيضا قالت: "هذا امر سعودي بالنسبة لك".

في السنوات المقبلة، سيصطدم سعي هؤلاء النساء الثلاث وسعيهن للقيادة بصعود محمد بن سلمان بطرق لم يتوقعها أحد.

بحلول نهاية اليوم، لم يتم سجن أي امرأة، ولم ينهار المجتمع، وانتهى الأمر بفيديو لأغنية انتجها فنان سعودي على موقع يوتيوب، فعلى أنغام أغنية (نو ومان نو كراي) لبوب مارلي، غنى أغنية غير عنوانها الى "نو ومان نو درايف" أي "لا امرأة، ولا قيادة".

تذكر كلمات الاغنية كيف كانت المرأة السعودية تجلس في سيارة العائلة وفي المقعد الخلفي، كما سخرت من رجل دين قال بان القيادة تضر الأعضاء التناسلية للمرأة. كان اختيارًا ذكيًا ولم يغضب احدًا.

كانت تلك واحدة من العديد من الحوادث خلال زياراتي المبكرة التي أوضحت أن المملكة كانت مليئة بالشباب الذين وصلوا إلى العالم الخارجي من خلال وسائل الترفيه ووسائل التواصل الاجتماعي والذين رأوا المملكة بطرق مختلفة تمامًا عن كيف كان كبار السن ينظرون اليها.

واصلت اللقاء بالشباب السعوديين الذين تحدوا افتراضاتي بشأن ما يعنيه أن تكون "ليبراليًا" أو "محافظًا"، وتعرفت على رجل متدين، كان لديه لحية طويلة وبدون شارع، وهي علامات الرجل السلفي شديد المحافظة، قلد ممارسات النبي محمد وأصحابه من قرون سابقة.

لقد رأيته ذات مرة يقرأ السيرة الذاتية لهيلاري كلينتون، فقلت له "أنت لا تؤمن أن المرأة يجب أن تكون في السياسة، أليس كذلك؟"

قال هذا صحيح، لكن هذا لا صلة له بالموضوع "إنها شخصية مهمة وأريد أن أعرف كيف تفكر".

في المرة التالية التي رأيته فيها، كان يقرأ شفرة دافنشي، فسألته عن رأيه، قال إن تاريخها كان زائفًا، لكنه لم يهتم "قصة عظيمة!"

لقد كونت صداقات مع قاض كانت وظيفته اليومية هي تطبيق الشريعة. التقينا لمناقشة مقال كنت اكتبه، ولكن عندما توقفنا لتناول الشاي، انحنى وسأل، "هل تشاهد مسلسل Breaking Bad؟"

عندما تعرفت عليه، أخبرني أنه في إجازة، وكان يحب أن يأخذ زوجته وابنته إلى كاليفورنيا، حيث يستأجرون سيارة ويتجولون في هوليوود.

تم تجنيده فعليًا في القضاء بعد الجامعة وكان يحاول الخروج، وهذا لم يكن سهلاً.

تساءلت عن الحياة التي كان سيختارها لو كان قادرًا على ذلك. كان الشعار في المملكة العربية السعودية للملك عبد الله، والذي كرره المسؤولون الحكوميون والأكاديميون السعوديون، هو "التطوير، وليس الثورة".

كانت المملكة مستقرة سياسياً، على حد علم الجميع، وكان الملك العجوز مصلحاً على طريقته.

كان قد سمح للمرأة بالعمل، وعين مجموعة من النساء في مجلس الشورى وهي هيئة ملكية استشارية، وتعهد بالسماح للمرأة بالتصويت والترشح في الانتخابات البلدية.

رحب معظم السعوديين بهذه التغييرات، لكنهم كانوا مدركين تمامًا للفوضى التي أحدثتها انتفاضات الربيع العربي في البلدان المجاورة، وهذا ما جعلهم سعداء بتباطؤ الأمور وترك الحكم لأفراد العائلة المالكة طالما استمروا في دفع الفواتير عنهم.

لكن البناء بهدوء كان تحديا يلوح في الأفق للنظام الملكي.

مع تقدم الأبناء الأصغر للملك المؤسس في السن وموتهم، لم يكن من الواضح من الذي سيتولى السلطة بمجرد رحيلهم. يجب أن ينتقل العرش في النهاية إلى الجيل القادم، لكن كيف؟

الجيل الثالث احتوى على آلاف الأمراء فمن سيختار من بينهم؟

في عام 2009، عرض صحفي سعودي معروف قضى عقودًا مع الملوك والأمراء وكان لديه شعور جيد بالديناميكيات الملكية القضية على دبلوماسي أمريكي.

قال الصحفي إن المملكة كانت "دولة تمر بمرحلة انتقالية"، وتواجه أسئلة صعبة بشأن مستقبلها، وتوقع انه خلال عشر سنوات، سيكون هناك حاكم شاب من الجيل الجديد.

كانت المشكلة ان "لا احد يعرف من سيكون هذا الأمير".

كان هذا الصحفي يدعى.. جمال خاشقجي![2]

الفصل الثالث: التتويج

في الثالث والعشرين من يناير 2015، استسلم الملك عبد الله لنوبة طويلة من سرطان الرئة وتوفي في مستشفى الحرس الوطني بالرياض. خرج أحد أبنائه من غرفة الطوارئ لإبلاغ الأقارب ورجال الحاشية بأن الملك قد مات، وانخرط الكثيرون في البكاء.

مع انتشار الخبر في جميع أنحاء المملكة، مر أمراء من الفروع الأخرى للعائلة لتقديم التعازي، وكان من بينهم سلمان الذي وصل مع محمد بن سلمان. في مرحلة ما من هذه الزيارة، أخذ الأمير الشاب الختم المستخدم على وثائق الديوان الملكي من الرجل القوي الذي كان يحمله في عهد الملك عبد الله، في إشارة مبكرة لمن سيكون المسؤول في المستقبل وغادر الحراس الملكيون الذين أحضروا عبد الله إلى المستشفى مع سلمان.

تم دفن عبد الله في قبر بسيط وأصبح سلمان الملك.

بلغ الملك الجديد من العمر تسعة وسبعين عامًا، وهو أحد آخر الباقين على قيد الحياة من أبناء الملك عبد العزيز، وآخر أبناء جيله الذين حكموا المملكة.

لقد جاء صعوده في وقت مزعج بالنسبة للملكة، على الرغم من الابتهاج بصعود العاهل الجديد، وتوالي البرامج الاحتفالية على محطات التلفزيون وتفجير الألعاب النارية الخضراء فوق الرياض.

لقد هزت الانتفاضات الشعبية المعروفة باسم الربيع العربي النظام الإقليمي الذي استخدمه السعوديون لعقود من خلال الإطاحة بالحكام المستبدين في تونس واليمن وليبيا ومصر، وقد تركوا ورائهم بعد مغادرتهم صورة غامضة لمن سيمارس السلطة وأين وكيف سيتواصلون مع المملكة.

تولى ديكتاتور جديد مدعوم من السعودية زمام الأمور في مصر، لكن الدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان واجهت ازمة اقتصادية خانقة، وكانت ليبيا في حالة من الفوضى، حيثُ سعت قوتان متنافستان لفرض حكمهما على بلد اصابت القذائف كل جزء فيه، وسيطر المتمردون المتشائمون المعروفون باسم الحوثيين على شمال غرب اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء والأراضي الواقعة على طول الحدود السعودية، كما اندلعت حرب أهلية وحشية في سوريا، حيثُ فشل الدعم السعودي في مساعدة المتمردين على الإطاحة بخصم السعودية، الرئيس بشار الأسد.

في غضون ذلك، انتشر جهاديو تنظيم الدولة عبر شرق سوريا وغرب العراق، واستولوا على أراض بحجم بريطانيا، مستخدمين العنف الهائل لترويع الأعداء، وأعلنوا إقامة خلافة (حكومة إسلامية) على امل توحيد مسلمي العالم.

في الواقع، معظم مسلمي العالم، بما في ذلك القيادة السعودية، يكرهون الجهاديين، لكن صعودهم شكل تحديًا للمملكة، والامر الذي زاد الطين بلة، هو ان صعود هذه الحركات لفت الانتباه بشكل غير مريح، الى التفسير السعودي غير المتسامح للسلام والذي تجنب الاختلاط بمن اسماهم "الكفار" ومارس قطع الرؤوس علنًا.

كانت هناك بعضُ الاختلافات الكبيرة فالوهابية لم تدعو إلى إقامة الخلافة، وشجعت على طاعة الحكام، ولم تعارض التعامل مع الغرب، لكن أوجه التشابه في معظم الأمور الدينية كانت كبيرة لدرجة أن الجهاديين استخدموا الكتب المدرسية السعودية في مدارسهم.

برغم هذا التقارب العقائدي، انتقد الجهاديون العائلة السعودية المالكة ووصفوها بأنها منافقة وخائنة، بينما قاموا بتجنيد آلاف السعوديين في صفوفهم، وشن بعضهم هجمات مميتة داخل المملكة.

في الوقت نفسه، كانت إيران تستغل الفوضى في المنطقة لزيادة نفوذها من خلال الدعم السري للميليشيات في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

كانت المملكة وإيران بمثابة نجمان هائلان يدوران حول بعضهما البعض في رقصة الموت باعتبارهما الممثلين لأكبر طائفتين في الإسلام.

اعتبرت المملكة السنية نفسها فاتيكان من نوع ما لمسلمي العالم واعتبرت العقيدة الشيعية في إيران انحرافًا. من جهتها، رأت إيران، التي تحكمها حكومة شيعية ثورية، المملكة خصمًا رئيسيًا في سعيها لتصدير ثورتها ومحاولتها تقويض المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

ما أعاق قدرة المملكة على مواجهة هذه التهديدات، هو بداية انخفاض أسعار النفط الحادة التي جعلت من سعر برميل النفط تحت حاجز المائة دولار لسنوات مقبلة، وأدى ذلك إلى استنزاف ميزانية المملكة، ولم يمنحها فقط أموالًا أقل لرمي مشاكلها، ولكن أيضًا الإضرار باقتصادها.

كانت البلاد تعج بالشباب الذين نشأوا خلال طفرة النفط وكان لديهم توقعات كبيرة بشأن المستقبل، لكن الحكومة لم تعد قادرة على توظيفهم بالطريقة التي كان يجري بها الامر مع ابائهم واجدادهم.

والامر الذي زاد من تفاقم مخاوف المملكة الشعور بأن الولايات المتحدة، التي كانت تعتمد عليها في أمنها منذ أن التقى الرئيس روزفلت بالملك عبد العزيز خلال الحرب العالمية الثانية، لم تكن ملتزمة بتعهداتها الامنية كما كان يأمل السعوديون.

لم تكن القيادة السعودية معجبة بالرئيس باراك أوباما أو تثق به، ولم يكن لديها سبب وجيه للاعتقاد بأنه كان يحبهم كثيرًا أيضًا، لقد غضبوا منه في عام 2011 لقوله إن الرئيس المصري حسني مبارك يجب أن يترك السلطة حينما واجه احتجاجات حاشدة ضد حكمه، ونما إحباطهم تجاهه عندما لم يقدم المزيد من الدعم للمتمردين في سوريا ورفض قصف دمشق بعد ان استخدم الرئيس الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه في عام 2013 وهو تكتيك كان أوباما قد أعلنه سابقًا بأنه "خط أحمر".

ثم علموا أن إدارة أوباما انخرطت في مفاوضات مكثفة مع إيران بشأن برنامجها النووي. تم إخفاء المحادثات عن السعوديين، مما عزز الشعور بأنهم قد تعرضوا للخيانة من قبل حليفهم الأكثر أهمية.

مع تزايد هذه التحديات، صعد سلمان إلى العرش مع محمد بن سلمان.

قلة من مراقبي الشأن السعودي كانوا يعرفون الكثير عن الأمير الشاب محمد بن سلمان في ذلك الوقت.

وضع سلمان خطًا جديدًا للخلافة، من خلال ترقية مقرن بن عبد العزيز، الأخ غير الشقيق الأصغر الذي وضعه الملك عبد الله في خط الخلافة الى ولاية العهد.

يتمتع مقرن بخلفية مهنية رائعة، حيث تدرب في أكاديمية جوية بريطانية وادار عدد من الامارات قبل أن يشغل منصب رئيس المخابرات السعودية.

المسؤولون الأجانب الذين عملوا معه يعتقدون أنه مدين بأهميته اللاحقة داخل الدولة السعودية لولع الملك عبد الله به.

كان مقرن راويًا جيدًا للنكات، وكان الملك عبد الله يحب وجوده بالقرب منه. كان أصغر أبناء الملك عبد العزيز الباقين على قيد الحياة، لكن والدته كانت محظية يمنية، الأمر الذي كان من شأنه في الأحوال العادية أن يحرمه من أن يصبح ملكًا.

كما قرر سلمان تعيين الأمير محمد بن نايف في المرتبة الثانية في ترتيب ولاية العرش. بن نايف هو ابن شقيق الملك والمسؤول عن وزارة الداخلية، واشتهر بقيادة حملة المملكة ضد تنظيم القاعدة.

جعل هذا الترتيب محمد بن نايف أول أحفاد الملك عبد العزيز على خط الخلافة المباشرة.

في نفس الوقت خرج محمد بن سلمان البالغ من العمر 29 عامًا من الظل، حيثُ عيّنه سلمان وزيراً للدفاع، وأعطاه الإشراف على الجيش، وجعله مسؤولاً عن الديوان الملكي، مما منحه السيطرة على قدرة الوصول إلى والده وسلاسل التمويل الملكية.

سوف يستفيد محمد بن سلمان من هاتين الميزتين لزيادة قوته.

وصف محمد بن سلمان ومساعديه لاحقًا كيف بدأوا العمل فورًا لمواجهة ما اعترفوا أنه أزمة تلوح في الأفق بسبب انخفاض أسعار النفط وتفاقمت بسبب سوء الإدارة في ظل حكم الملك السابق.

من عام 2010 إلى عام 2014، عندما كانت أسعار النفط مرتفعة ومع تدهور صحة الملك عبد الله، تراجعت القيود المفروضة على الإنفاق الحكومي، مع تزايد العقود الكبيرة التي كانت تُمنح دون تمحيص أو عبر تدقيق ضئيل.

بعد وفاة الملك عبد الله، جمع محمد بن سلمان أربعة مستشارين عملوا طوال الليل للتوصل إلى خطة لإعادة هيكلة الحكومة - والبدء في جمع السلطة بيد الديوان في ظل محمد بن سلمان.

في اليوم التالي، أمر محمد بن سلمان بإصدار مرسوم ملكي ألغى مجموعة من الهيئات الحكومية واستبدلها بمجلسين، أحدهما للتنمية الاقتصادية والآخر للأمن، وتولى محمد بن سلمان المسؤولية الأولى، ومنحه ذلك سلطات واسعة على اقتصاد المملكة، وسوف يتولى في وقت لاحق الثانية.

قال محمد بن سلمان في وقت لاحق: "منذ الاثني عشر ساعة الأولى صدرت القرارات" مضيفًا "في الأيام العشرة الأولى، تمت إعادة هيكلة الحكومة بأكملها".

قدر أحد المستشارين الاقتصاديين لمحمد بن سلمان لاحقًا أن ما بين 80 مليار دولار و100 مليار دولار، أو ربع الميزانية السعودية، قد ضاعت كل عام بسبب الإنفاق غير الفعال.

في الأشهر القليلة الأولى من حكم سلمان، عندما أجبر انخفاض أسعار النفط المملكة على البحث في احتياطياتها لدفع الأموال المترتبة عليها، اكتشف فريق محمد بن سلمان أن هذا المسار سيتركها "مفلسة تمامًا" في غضون عامين.

إن خطورة الأزمة التي كانت تلوح في الأفق وضعت أحد المستشارين الاقتصاديين "على وشك التعرض لانهيار عصبي".

على مدار العام الأول، كان محمد بن سلمان يخفض ميزانية الحكومة، ويعيد فرض ضوابط الإنفاق، ويتخذ تدابير أخرى لإبطاء سباق المملكة نحو الإفلاس، لكن انهاء العادات القديمة امر صعب.

بعد مرور أقل من شهر في الحكم، أصدر الملك سلمان مرسومًا بدفع مكافأة قيمتها راتب شهرين لكل موظف حكومي وجندي وطالب جامعي في الداخل والخارج كجزء من حزمة إنفاق ضخمة تقدر بنحو اثنين وثلاثين مليار دولار - أي أكثر من المبلغ السنوي، وتساوي ميزانية نيجيريا، أكبر اقتصاد في افريقيا.

بالنسبة لقيادة من شأنها أن تجعل المسؤولية المالية نقطة نقاش مركزية في اجندتها السياسية، كان هذا محاولة استخدام صعبة لتكتيك الحصول على الشعبية من خلال السخاء الملكي.

لم يلفت تسمية محمد بن سلمان منصب وزير الدفاع الكثير من الاهتمام على الفور، لأن الجيش السعودي ليس لديه تاريخ يذكر في خوض الحروب، بل كان الهدف منه توظيف أعداد كبيرة من الرجال السعوديين ومكن الأمراء من توقيع عقود أسلحة ضخمة مع الولايات المتحدة وغيرها ودول غربية أخرى لدعم التحالفات وإثراء شبكات الوسطاء.

في 26 مارس أمر محمد بن سلمان، الذي لم ير سببًا وجيهًا لعدم تفعيل الجيش السعودي بعد كل هذا الانفاق العسكري الضخم، القوات الجوية السعودية بالبدء في قصف اليمن، الجار الجنوبي الفقير والمعطل حكوميًا، في محاولة لطرد المتمردين الحوثيين الذين استولوا على العاصمة وإعادة تنصيب الحكومة التي أطاحوا بها.

تلقى كبار المسؤولين الأمريكيين إشعارًا قبل وقت قصير بأن التدخل قادم قبل أن يسأل المسؤولون السعوديون عما إذا كان بإمكانهم الاعتماد على الدعم الأمريكي، وتوجه دبلوماسيون سعوديون، بمن فيهم (السفير السعودي في واشنطن في ذلك الوقت) عادل الجبير، إلى عواصم أجنبية لإقناع حلفاء المملكة بأن الحرب ستنتهي في غضون أسابيع.

تبين أن هذا التوقع كان غير منطقي بشكل مؤسف، وكانت الحرب في اليمن علامة مبكرة على أن محمد بن سلمان سيتخذ نهجًا عمليًا جديدًا في المنطقة.

وتبع ذلك المزيد من المراسيم الملكية، غيّر أحدها اسم عملية اليمن من "عاصفة الحزم" إلى "استعادة الأمل"، وهو تحول لغوي يشير إلى أن المرحلة الصعبة من الحرب قد انتهت وحان الوقت لترتيب الأشياء.

كما أقال الملك مقرن، الراهب المعروف، من منصب ولي العهد، قائلاً إن ذلك كان بناءً على طلبه، واستبدله بمحمد بن نايف، مسؤول الأمن الموقر.

لقيت هذه الخطوة استحسانًا في واشنطن لأن محمد بن نايف قد نسق الملفات الامنية مع الولايات المتحدة وكان قريبًا من وكالة المخابرات المركزية.

وصعد محمد بن سلمان أيضًا حيثُ عينه والده نائبًا لولي العهد، مما جعله في المرتبة الثانية في ترتيب العرش، وجعله رئيسًا لمجلس إدارة شركة أرامكو السعودية، جوهرة التاج الاقتصادي للمملكة.

لو تولى شخصية غير معروفة مثل محمد بن سلمان السلطة بسرعة كبيرة في الولايات المتحدة وأعاد هيكلة الحكومة على الفور وشن حربًا جديدة، لكان هناك تدافع للحصول على معلومات عنه. كان من الممكن أن تتعمق الصحف في رواية خلفياته العملية والأكاديمية والدبلوماسية والعسكرية، وتقوم بتعقب الأصدقاء والمعارف والرؤساء القدامى أثناء البحث عن تفاصيل حياته الشخصية ومعاملاته المالية، لكن لم يحدث شيء من هذا في المملكة. لقد اختار الملك ابنه، وكان من واجب المواطنين الثناء عليه، وليس التشكيك في مؤهلاته.

نشرت وسائل الإعلام السعودية ملفات تعريف بها تفاصيل قليلة عن ماضي محمد بن سلمان: الفترة التي قضاها كباحث حكومي، ووظائفه في عهد والده، ومناصبه مع المنظمات الشبابية والتراثية، ولم يشكك أحد علانية في مؤهلاته في الاشراف على صناعة النفط أو الجيش.

وظل عمره مبهمًا لأشهر، حيث قالت الصحف، ومن بينها نيويورك تايمز مرارًا وتكرارًا انها تعتقد انه كان في الثلاثينيات من العمر، وأشارت بوليتيكو إلى أنه كان "لغزًا بالنسبة لقادة الولايات المتحدة، لكنه يشغل منصب وزير الدفاع السعودي ويتمتع بسمعة بأنه متشدد، ويُعتقد أنه الابن المفضل للملك سلمان وغالبًا ما يشار إليه باسم MBS".


لم يمض وقت طويل على ترقيته إلى منصب نائب ولي العهد حتى تلقت واشنطن أول لمحة عن محمد بن سلمان.

في مايو 2015، جاء قادة دول الخليج العربية إلى واشنطن لحضور قمة في كامب ديفيد مع الرئيس أوباما. كانت الزيارة محرجة، لأسباب ليس أقلها انها تمت في بيئة ريفية.

كان الرؤساء الأمريكيون منذ فرانكلين دي روزفلت قد تسللوا بعيدًا إلى ملاذ ميريلاند الريفي لاستضافة شخصيات بارزة بعيدًا عن صخب العاصمة. هذا التاريخ لا يعني الكثير بالنسبة لأفراد العائلة المالكة في الخليج، الذين اعتادوا على القصور والفنادق الفخمة.

لم يكن النوم في كبائن ريفية، والمشي في مسارات ترابية، وركوب عربات الجولف عبر الغابات فكرة جيدة عن قضاء وقت ممتع لهؤلاء القادة، وكانت العلاقات متوترة بالفعل بسبب سعي أوباما للاتفاق النووي مع إيران.

لقد كان الأمريكيون مدركين جيدًا لمستوى الغرور الذي يشعر به القادة الخليجيون، لذلك تم تصميم اللقاء لطمأنتهم بأن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بأمنهم.

على الرغم من التوقعات بحضوره، بقي الملك سلمان في السعودية، لكنه أرسل محمد بن نايف ومحمد بن سلمان الى الولايات المتحدة، ورحب بهما أوباما في المكتب البيضاوي قبل القمة.

كانت هذه هي المرة الأولى التي التقى فيها كبار أعضاء إدارة أوباما بمحمد بن سلمان، وتذكر عدد منهم أنه بدا غير مرتاح وفي غير مكانه. كان يتكلم قليلاً، مذعناً لابن عمه الأكبر، الذي كان يتحدث اللغة الإنجليزية بارتياح واضح وكان معتادًا على مثل هذه المواقف.

عندما خاطب أوباما محمد بن سلمان باللغة الإنجليزية لإشراكه في المحادثة، رد الأمير الشاب بتوتر من خلال مترجم. لكن بعد الاجتماع مباشرة، طلب عادل الجبير، الذي تمت ترقيته إلى منصب وزير الخارجية، من سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي، مقابلة خاصة مع محمد بن سلمان.

وافقت رايس على العرض، واجتمعا في مكتبها، حيث استعد محمد بن سلمان، وتحدث بإسهاب عن زوجته وعائلته وقال إنه يخطط لتعزيز حقوق المرأة في المملكة، في خطوة كان من الواضح أنها محاولة لجذبها.

كانت خطوة موجهة إلى امرأة قوية كان بإمكانها الاستمرار في أدوارها المحورية في إدارة كلينتون المستقبلية.

صُدم مسؤولو البيت الأبيض بخطوة محمد بن سلمان الاستراتيجية، لكنهم كانوا في حيرة من أمرهم أيضًا.

بمجرد ظهوره على الساحة، قام الجواسيس الأمريكيون بجمع معلومات عنه لوضع ملف شخصي، كما فعلوا مع جميع القادة الأجانب.

لقد أدى ذلك إلى موقف محير: لقد حبس محمد بن سلمان والدته في قصر مع اثنتين من شقيقاتها، والأمر الأكثر إثارة للحيرة هو أنه كان يخفي مكان والدته عن والده الملك.

في ذلك الوقت، كانت والدة محمد بن سلمان هي الزوجة الوحيدة المتبقية للملك وكان مولعًا بها، ولكن عندما كان يسأل عن مكانها، كان محمد بن سلمان ومساعديه يقدمون الأعذار، وعادة ما يقولون إنها كانت بالخارج لتلقي العلاج الطبي.

كما لاحظ أفراد آخرون من العائلة المالكة الاختفاء الواضح لوالدة محمد بن سلمان، ففي الوقت الذي أصبح فيه سلمان ملكًا، كانت قد توقفت عن الظهور في حفلات الزفاف والجنازات والاحتفالات العائلية، مما دفعهم إلى استنتاج أن ابنها قد حبسها في مكان ما، لكن، حالهم حال الأمريكيين، لم يعرفوا السبب.

وضعت العديد من النظريات لتفسير هذه الحركة، فقد اعتقد المسؤولون الاميركيون وبعض السعوديين الذين لديهم اتصالات بالغرب أن محمد بن سلمان يخشى أن تتدخل والدته في صعوده لأنها كانت تخشى أن يؤدي طموحه إلى تقسيم العائلة المالكة، واقترح آخرون سيناريوهات أكثر وحشية، مثل اشتباه محمد بن سلمان في أن والدته تستخدم السحر الأسود على الملك للترويج لصعود افراد آخرين من عائلتها.

من جانبهم اعتبر المسؤولون السعوديون أن أي تحقيق في مكان وجود زوجة الملك مسيء للغاية ولم يقدموا أي معلومات للرد على التسريبات الصحفية، ورأى أفراد من العائلة المالكة أنه من غير المناسب الاستفسار عنها، كما فعل المسؤولون الأمريكيون، لأنها غير مؤثرة على شؤون الدولة، لكن الكثيرين تساءلوا عما كانت تحمل قدرة محمد بن سلمان على حبس والدته وإخفائها عن والده من مؤشرات بشأن شخصيته.[3]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

المصادر

  1. ^ "زيد بنيامين". تويتر.
  2. ^ "زيد بنيامين". تويتر.
  3. ^ "زيد بنيامين". تويتر.