ربيعة بن عامر الدارمي

(تم التحويل من مسكين الدارمي)

ربيعة بن عامر الدارمي أو مسكين الدارمي، هو ربيعة بن عامر ابن أنيف بن شريح بن عمرو بن عمرو بن عدس زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميمٍ، الملقب بمسكينٍ، وهو شاعر عربي من العصر الأموي.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

صباح فخري يغني قصيدة قُل للمليحة لمسكين الدارمي.


عاش في صدر الدولة الأموية، [2] وقرَّبه يزيد وأدناه، وكان صوته إلى أبيه، وذكره الفرَزْدق، وبيَّن مكانته كما جاء في "الأغاني" - (20 / 226):

كان الفرَزْدقُ يقول: نَجَوْت من ثلاث أرجو ألاَّ يُصيبني بعدهنَّ شَرٌّ: نجوتُ من زياد حين طلَبَنِي وما فاته مطلوب قطُّ، ونجوت من ضربةِ رئاب بن رميلة أبي البذال، فلم يقع في رأسي، ونجوت من مُهاجاة مسكينٍ الدَّارمي، ولو هاجيتُه لَحال بيني وبين بيت بني عمِّي، وقطع لساني عن الشُّعراء.[3]

قال أبو عمرٍ الشيباني: وإنما لقب مسكيناً لقوله:

أنا مسكين لمن أنكرنى ولمن يعرفني جد نطق
لا أبيع الناس عرضي إننى لو أبيع الناس عرضي لنفق


وقال بعد ان مضت عليه الكلمة ..

وسميت مسكيناً وكانت لجاجةً وإني لمسكين إلى الله راغب


المسكين والفرزدق

كان مسكين شاعراً مجيداً سيداً شريفاً، وكان بينه وبين الفرزدق مهاجاةٌ، وذلك أنه لما هلك زياد رثاه مسكين فقال:

رأيت زيادة الإسلام ولّت جهاراً حين فارقها زياد


فبلغ ذلك الفرزدق، فقال:

أمسكين أبكى الله عينيك إنما جرى في ضلال دمعها فتحدرا
أتبكي أمراً من آل ميسان كافراً ككسرى على عداته أو كقيصرا
أقول له لما أتاني نعيه به لا بظبي بالصريمة أعفرا


فقال مسكين:

ألا أيها المرء الذي لست قائماً ولا قاعداً في القوم إلا انبرى ليا
فجئني بعم مثل عمي أو أب كمثل أبي أو خال صدق كخاليا
بعمرو بن عمرو أو زرارة ذي الندى سموت به حتى فرعت الروابيا


فدخل بينهما شيوخ بني عبد الله وبني مجاشع فتكافا. وقال الفرزدق: نجوت من ثلاثة أشياء لا أخاف بعدها شيئاً: نجوت من زيادٍ حين طلبنى، ونجوت من ابني رميلة وقد نذرا دمى، وما فاتهما أحد طلباه ، ونجوت من مهاجاة مسكينٍ الدارمى، لأنه لو هجاني اضطرني أن أهدم شطر حسبى، لأنه من بحبوحة نسبي وأشراف عشيرتى، فكان جرير حينئذٍ ينتصف مني بيدي ولسانى.

توفي ربيعة بن عامر في سنة 90 هـ، وذلك في خلافة الوليد بن عبد الملك.

ربيعة وبن معاوية

كان مسكين الدارمي كأسلافه، صاحب مكانة لدى الخلفاء، وكان ممن يؤخذ برأيه، وهذه أحد القصص النفيسة، فقد طلب منه يزيد بن معاوية أن يرشحه للخلافة في أبيات وينشدها في مجلس أبيه.[4]


أخبرني محمد بن مزيد قال: حدثني حماد بن إسحاق الموصلي قال: حدثني أبي عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش قال: كان يزيد بن معاوية يؤثر مسكيناً الدارمي، ويصله ويقوم بحوائجه عند أبيه، فلما أراد معاوية البيعة ليزيد تهيب ذلك وخاف ألا يمالئه عليه الناس، لحسن البقية فيهم، وكثرة من يرشح للخلافة، وبلغه في ذلك ذرء وكلام كرهه من سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر، فأمر يزيد مسكيناً أن يقول أبياتاً وينشدها معاوية في مجلسه إذا كان حافلاً وحضره وجوه بني أمية، فلما اتفق ذلك دخل مسكين إليه، وهو جالس وابنه يزيد عن يمينه وبنو أمية حواليه وأشراف الناس في مجلسه، فمثل بين يديه وأنشأ يقول:

إن أدع مسكيناً فإني ابن معشر من الناس أحمي عنهم وأذود
إليك أمير المؤمنين رحلتـهـا تثير القطا ليلاً وهن هجـود
وهاجرة ظلت كأن ظباءهـا إذا ما اتقتها بالقرون سجـود
ألا ليت شعري ما يقول ابن عامر ومروان أم ماذا يقول سـعـيد؟
بني خلفاء الله مهـلاً فـإنـمـا يبوئها الـرحـمـن حـيث يريد
إذا المنبر الغربـي خـلاه ربـه فإن أمير الـمـؤمـنـين يزيد

عن عمرو بن بانة:

على الطائر الميمون والجد صاعد لكـل أنـاس طـائر وجــدود
فلا زلت أعلى الناس كعباً ولا تزل وفود تسـامـيهـا إلـيك وفـود
ولا زال بيت الملك فوقك عـالـياً تشـيد أطـنـاب لـه وعمـود
قدور ابن حرب كالجوابي وتحتهـا أثاف كأمـثـال الـرئال ركـود

فقال له معاوية: ننظر فيما قلت يا مسكين، ونستخير الله. قال: ولم يتكلم أحد من بني أمية في ذلك إلا بالإقرار والموافقة، وذلك الذي أراده يزيد ليعلم ما عندهم، ثم وصله يزيد ووصله معاوية فأجزلا صلته.

من أشعاره

من مختارات شعر مسكينٍ الدارمي قوله:

ولست إذا ما سرني الدهر ضاحكاً ولا خاشعاً ما عشت من حادث الدهرِ
ولا جاعلاً عرضي لمالي وقايةً ولكن أقي عرضي فيحرزه وفري
أعف لدي عسري وأبدي تجملاً ولا خر في من لا يعف لدى العسرِ
وإني لأستحي إذا كنت معسراً صديقي وإخواني بأن يعلموا فقري
وأقطع إخواني وما حال عهدهم حياءً وإعراضاً وما بي من كبرِ
ومن يفتقر يعلم مكان صديقه ومن يحيى لا يعدم بلاء من الدهرِ


ومن مستحسن شعره:

إتق الأحمق أن تصحبه إنما الأحمق كالثوب الخلق
كلما رقعت منه جانباً حركته الريح وهناً فانخرق
أو كصدعٍ في زجاج بينٍ أو كفتقٍ وهو يعيى من رتق
وإذا جالسته في مجلسٍ أفسد المجلس منه بالخرق
وإذا نهنهته كي يرعوى زاد جهلاً وتمادى في الحمق
وإذا الفاحش لاقى فاحشاً فهناكم وافق الشن الطبق
إنما الفحش ومن يعتاده كغراب السوء ما شاء نعق
أو حمار السوء إن اشبعته رمح الناس وإن جاع نهق
أو كعبد السوء إن جوعته سرق الجار وإن يشبع فسق
أو كغيرى رفعت من ذيلها ثم أرخته ضراراً فانخرق
أيها السائل عما قد مضى هل جديد مثل ملبوسٍ خلق

في معاوية

وقدم على معاوية فسأله أن يفرض له فأبى، فخرج من عنده وهو يقول:

أخاك أخاك إن من لا أخا له كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحٍ
وإن ابن عم المر فاعلم جناحه وهل ينهض البازي بغير جناح


وقال في معاوية:

إِلَيْكَ أَميرَ المُؤْمنينَ رَحَلْتُها تُثيرُ القَطَا لَيْلاً وهُنَّ هُجُودُ
على الطائرِ المَيْمُون والجَدُّ صاعدٌ لكُلِّ أُناسٍ طائرٌ وجُدُودُ
إِذَا المِنْبَرُ الغَرْبُّى خَلَّى مكانهَ فإِنَّ أَميرَ المُؤْمنينَ يَزيدُ


في الكرم

ولمسكين في الكرم:

طَعَامي طَعَام الضَيفِ والرَّحْلُ رَحْلُهُ ولم يُلْهِني عنه الغزالُ المُقَنَّعُ


في حسن الجوار

وله في حسن الجوار:

ناري ونار الجار واحدة وإليه قبلي تنزل القدر
ماضر جاراً لي أجاوره ألا يكون لبيته ستر
أعمى إذا ما جارتي برزت حتى يواري جارتي الخدر
ويصم عما كان بينهما سمعي وما بي غيره وقر

الناسك المتعبد

ومن قصصه اللطيفة أن بعض التجار قدم المدينة المنورة، ومعه حمل من الخُمُر السود، فلم يجد لها طالبا، فكسدت عليه وضاق صدره، فقيل له: ما ينفقها لك إلا مسكين الدارمي، وهو من مجيدي الشعراء الموصوفين بالظرف والخلاعة.

فقصده فوجده قد تزهد وانقطع في المسجد، فأتاه وقص عليه القصة، فقال: وكيف أعمل وأنا قد تركت الشعر وعكفت على هذه الحال؟

فقال له التاجر: أنا رجل غريب، وليس لي بضاعة سوى هذا الحمل، وتضرع إليه، فخرج من المسجد وأعاد لباسه الأول وعمل هذين البيتين وشهرهما وهما:

قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه حتى قعدت له بباب المسجد

ثم استرسل قائلاً[5]:

قل للمليحة بالقميصِ الأبيضِ مطرٌ وبردٌ حلوتي لا تمرضي
هل تسمحي لي أن أعيركِ معطفي؟ والرأيُ رأيُكِ.. إنما لا ترفُضي
قل للمليحـة بالقميصِ الأسودِ ماذا فعلتِ بعاشقٍ متمردِ
أدى التحية في مقامكِ هاتفاَ لا سيد لي أنت وحدك سيدي
قل للمليحة بالقميصِ الأصفرِ كم سعرهُ حتى قميصاً أشتري
هي نزوهٌُ مني لأكتب فوقهُ تلك التي هزت جميع مشاعري
قل للمليحـة بالقميصِ الفستقي لا حُسن في الدُنيا كحُسنُ المشرقِ
إني يزلزلُني سمادٌ ساخنٌ ويريحُ أعصابي مذاقُ الفستُقِ
قل للمليحة بالقميصِ الأخضرِ الناسُ للناسِ فلا تتكبري
إن كُنتِ قد أطلقتِ حسرة معجبِ عيناكِ إغراءُ وجوك شاعري
قل للمليحـة بالقميص البني من كان أخرس لو رآك يغني
أنا كنتُ طيراً كاسراً قبل اللقا فكي قيودي ها أنا في السجنِ
قل للمليحة بالقميصِ الأحمرِ أزرارُهُ أنيابُ ذئبٍ كاسرِ
وأنا جريءٌ والتحدي لُعبتي إن عدتُ مهزوماُ فلستُ بخاسرِ
قل للمليحة ما لعطركِ ثاني نعم.. أستفز رجولتي وكياني
هل منهُ نوعٌ للرجالِ أُريدُهُ فتكرمي بالإسمِ والعنوانِ


فشاع بين الناس أن مسكينا الدارمي قد رجع إلى ما كان عليه، وأحب واحدة ذات خمار أسود، فلم يبق بالمدينة ظريفة إلا وطلبت خمارا أسود، فباع التاجر الحمل الذي كان معه بأضعاف ثمنه، لكثرة رغباتهم فيه، فلما فرغ منه عاد مسكين إلى تعبده وانقطاعه. ويعتبر هذا أول إعلان في التاريخ.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

في الحماسة

وقال في عظم هامات بنو تميم:

وإنا أناسٌ تملأ البيض هامنا ونحن حواريون حين نزاحف

وله في الحماسة:

إنَّ أبانا بِكْرُ آدم فاعلموا وحَواء قَرْمٌ ذو عِثانين شارف
كأنّ على خُرطومه متهافِتاً من القُطن هاجته الأكفُّ النوادفُ
وللَصَّدَأ المُسْوَدُّ أطيبُ عندَنا من المِسك دافته الأكْفُّ الدوائفُ
ويصبْح عِرفان الدُّرُوعِ جلودَنا إذا جاءَ يومٌ مُظلمُ اللّونِ كاسفُ
تعلق في مثل السّواري سُيوفنا وما بينها والكعب مِنَّا تنائفُ
وكلُّ رُدَيْنيٍّ كأنَّ كُعوبَه قطاً سابقٌ مستوردُ الماء صائفُ
كأنّ هِلالاً لاحَ فوقَ قَنَاتِهِ جلا الغَيْمَ عنه والقتامَ الحَراجِفُ
له مثلُ حُلقومِ النَّعامة حلة ومثل القدامى ساقها متناصفُ


وصف الهاجرة

وله في وصف الهاجرة (وقت شدة الشمس):

وهاجرةٍ ظلت كأن ظباءها إذا ما اتقتها بالقون سجودُ
تلوذ بشؤبوبٍ من الشمس فوقها كما لاذ من وخز السنان طريد

في الهوى

وله في كتمان الهوى:

أواخي رجلا لست أطلع بعضهم على سر بعض غير أني جماعهم
يظلّون شتّى في البلاد وسرّهم إلى صخرة أعيا الرّجال انصداعهم

المصادر