فجر الضمير (كتاب)
هو كتاب من تأليف جيمس هنري برستدوترجمة سليم حسن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نبذة عن الكاتب
- مقالة مفصلة: جيمس هنري برستد
جيمس هنري برستد احتل مكانة كبيرة بين المشتغلين بعلم المصريات؛ فقد كان أول متخصص فيه بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث استطاع أن يجذب الغرب للاهتمام بهذه الحقبة من تاريخ مصر.
وُلد برستيد عام ١٨٦٥م في مدينة «روكفورد، إلينوي» الأمريكية، كان أبوه تاجر خردوات صغيرًا بالمدينة. تزوَّج من «فرنسيس هارت» عام ١٨٩٤م في ألمانيا، وقضى شهر العسل في مصر، حيث ازداد ولعه بتاريخ مصر القديم، ونبت في قلبه نحو هذا التاريخ حبٌّ لم يمت.
أتمَّ برستيد دراسته الجامعية في جامعة نورث سنترال بالولايات المتحدة الأمريكية، وتخرج فيها عام ١٨٨٨م. اهتم بعد ذلك بعلم اللاهوت؛ حيث كان يحضر سمينار اللاهوت بشيكاغو. غَيَّرَ برستيد اتجاه دراسته، حيث انتقل من أجل دراسة العبرية إلى جامعة يل، وحصل منها على الماجستير عام ١٨٩١م، ثم حصل على الدكتوراه في علم المصريات من «جامعة برلين» بألمانيا عام ١٨٩٤م، وعيِّن بعد ذلك بجامعة شيكاغو. رقِّي برستيد أستاذًا بالجامعة، وكان أول من شغل كرسي المصريات والتاريخ الشرقي بالولايات المتحدة الأمريكية. بعد ذلك أسس برستيد المعهد الشرقي بشيكاغو عام ١٩١٩م.
يمتاز برستيد بالدقة المتناهية في دراسة التاريخ المصري؛ الأمر الذى جعله يعكف على دراسة البردي لمدة ٢٢ عامًا ليُخرج إلينا تُحفته «فجر الضمير». ولبرستيد العديد من الأعمال؛ منها: «تاريخ مصر منذ أقدم العصور إلى العصر الفارسي» و«تطور الفكر والدين في مصر القديمة» و«تاريخ المصريين القدماء».
لا يقل ما قدَّمه برستيد عمَّا قدَّمه شامبليون؛ فإذا كان الأخير قد فكَّ رموز اللغة المصرية القديمة، فإن برستد هو من أزاح الغبار من فوق الأحجار والمقابر والجماجم والبرديات لينهل من تاريخ وحضارة مصر. إن الجهود المضنية التى قام بها برستد هي التي وسعت مفهوم الشرق لدى الغرب. وقد رحل برستد عن عالمنا في الثاني من ديسمبر عام ١٩٣٥ لكنه بقي خالداً بأعماله، تاركًا المجال من خلفه لمن أراد السير على دربه.
مقتطفات من تمهيد المؤلف
إن أعظم ظاهرة أساسية في تقدم حياة الإنسان هو نشوء المبادئ الخلقية وظهور عنصر الأخلاق وهو تحول في حياة الإنسان، يدلنا التاريخ على أنه وليد الأمس فقط وقد يكون من الخير أن نعيد الإشادة بتلك القيم القديمة التي أصبحت في زوايا الإهمال لاستخفافنا بها، وبخاصة في هذا الوقت الذي أصبح فيه الجيل الحديث ينبذ الأخلاق الموروثة ظهريٍّا. ولكي نتمثل صورة حقة لقيمة الأخلاق الفاضلة وتأثيرها في الحياة
الإنسانية يجب أن نجتهد في الكشف عن الطريقة التي وصل بها الإنسان للمرة الأولى إلى إدراك الأخلاق وتقدير قيمتها
الفصل الأول الأساس والماضي الجديد
--أن الجفاف الذي حدث في شمال أفريقيا قد جعل وادي النيل في معزل، وكوَّن منه ذلك الممر الضيق المحمي الذي لا مثيل له على
سطح عالمنا، وهو يمتد شمالًا وجنوبًا، فأحد طرفيه في المناطق الحارة، والطرف الآخر يشرف على بحر داخلي عظيم في المنطقة المعتدلة، وكان يتمتع بميزات طبيعية فريدة في نوعها، فقد كان منعزلًا ومحميٍّا بشكل جعل التطور البشري فيه سهلًا؛ ذلك التطور الذي رغم بعضالغزوات الأجنبية ظل مستمرٍّا آلافًا من السنين دون أي عائق جدي. وفي أيامنا
هذه تتكشف التربة المصرية على حدود الصحراء عن قبور أقدم الجبانات المعروفة في العالم كله، ونجد في هذه القبور خلفصيادي العصرالحجري في وادي النيل عندما كانوا في بداية الانتقال إلى عصرالمعادن، وذلك قبل ٤٠٠٠ سنة ق.م بزمن يذكر، ومن الجائز
أن يكون قبل هذا العهد بكثير، وكانوا قد استأنسوا أهم الحيوانات المنزلية، وانتقلوا إلى دور حياة الفلاح. والدلائل تؤيد رأي من قال إن هؤلاء المصريين الذين عاشوا في عصرما قبل التاريخ المدفونين في أقدم الجبانات، هم وأجدادهم كانوا أقدم مجتمع عظيم على الأرض استطاع
أن يضمن لنفسه غذاء ثابتًا باستئناس الموارد البرية من نبات وحيوان، على حين أن تغلُّبهم على المعادن فيما بعد وتقدُّمهم في اختراع أقدم نظام كتابي، قد جعل في أيديهم
السيطرة على طريق التقدم الطويل نحو الحضارة.....
-- وليست أهمية ظهور المدنية في وادي النيل منحصرة في بهاء مبانيها فحسب، بل لأنه كان أيضًا تطورًا اجتماعيٍّا مستمرٍّا دون
أي عائق أكثر من ألف سنة، أشرق لأول مرة على كرتنا الأرضية، مقدمًا لنا أول برهان على أن الإنسان الذي هو أرقى المخلوقات الفقرية التي ظهرت على وجه البسيطة أمكنه
أن يخرج من الوحشية إلى المثل الاجتماعي الأعلى، ويظهر الحياة الإنسانية بمظهر لم يَر الكون كله — على ما نعلم — أرقى منه.
الفصل الثاني آلهة الطبيعة والمجتمع الإنساني
-- إله الشمس
والواقع أنه لا توجد قوة أثرت في حياة الإنسان القديم مثل قوة الدين لأن تأثيرها يشاهد واضحًا في كل نواحي نشاطه، ولم يكن أثر هذه القوة في أقدم مراحلها الأولى إلا محاولة بسيطة ساذجة يتعرف بها الإنسان ما حوله في العالم بنا؛
-- الحقيقة المتفق عليها الآن وهي: أن الدين في طوره الأول لم تكن له علاقة بالأخلاق كما نفهمها الآن، كما أن المبادئ الأخلاقية الأولى لم تكن سوى عادات شعبية قد لا تكون لها علاقة بالشعور بالآلهة أو الدين. وقد كانت مظاهر الطبيعة أول ما أشعر المصري بوجود الآلهة
-- مصرنفسها أخذت هذه الحال التي تعتبر أقدم ما عُرف عن الزهد والورع الشخصيفي معناه الروحي العميق تنحط بالتدريج بتأثير رجال الكهانة الذين تطرفوا بتغاليهم في دينهم في أيام الحكم الإغريقي الروماني في مصر
-- أما الخطوات التي نتج عنها الاتحاد الأول للبلاد 4000 ق.م. هليوبوليس
-- وهذا الانتقال الأساسي الذي يعد أول ما عرف في التاريخ من نوعه قد نقل بذلك نشاط إله الشمس الذي كان منحصرًا في دنيا المادة وحدها إلى مملكة الشئون البشرية. ولدينا أنشودة للشمس في متون الأهرام
الفصل الثالث إله الشمسوفجر المبادئ الأخلاقية
-- من البدهي أن هذه الفكرة الهائلة التي ظهرت في عصرمبكر كهذا في تاريخ البشر أو بتعبير أحسن في عصرما قبل التاريخ — هي في حد ذاتها برهان على تقدم ناضج
بدرجة مدهشة للعقل الإنساني في مثل هذا التاريخ البعيد؛ إذ ننتقل فجأة وبدون وجود مراحل انتقال تدريجية من عالم آلهة الطبيعة إلى عهد حضارة ناضجة نامية ينتج فيها
منظمو الديانة والحكومة تفكيرًا معنويٍّا ناضجًا. وقد رأوا أن العالم الذي يحيط بهم يعمل بعقل، فاستخلصوا من ذلك أنه مخلوق ومحمي الآن بعقل عظيم محيط بكل
شيء، وأنه قد صبغ بالعقيدة القائلة بحلول الإله في كل شيء؛ ولذلك كانوا يعتقدون أن هذا الإله لا يزال يعمل عمله في كل صدر وفي كل فم في جميع الكائنات الحية.
وقد استمرت هذه الفكرة موجودة مدة طويلة، ولذلك نجد أن المصري الذي عاش بعد ذلك أو يشير مخاطبًا غيره ،« وحي الإله الذي في كل الناس » العهد بألفي سنة كان يعتقد
الفصل الرابع العقيدة الشمسية ومكافحة الموت
ولما بدأت عظمة الحكومة تظهر في أشكال العمارة ذات الأبهة والبهاء كان معظم تلك الأشكال دينية، وإن المظهر الفخم للديانة المنظمة يعتبر مقياسًا للأثر البالغ الذي
أحدثته الحكومة الجديدة في الديانة، وإن تنظيم الديانة رسميٍّا بتلك الكيفية الطريفة جعل المؤثرات الاجتماعية بطيئة الأثر في الديانة، ولكن تلك المظاهر الدينية الحكومية
كانت صالحة لتبادل التأثيرات بين رجال جماعة من الكهنة أو رجال طوائف المعابد وجماعة أخرى. وعلى ذلك نجد أن الاعتقادات المحلية أخذ بعضها يندمج في البعض، وقد
تبينت لنا هذه الظاهرة في حالة إله الشمس ببلدة عين شمس، والإله الصانع « بتاح » ببلدة ،« منف » غير أن حقيقة هذا الان دماج تظهر بشكل أوضح في حالة نور الشمس والخضرة؛ أي حالة إله الشمس أوزير
--وإن حقيقة الموت قد تركت تأثيرًا عظيمًا في الديانة المصرية، كما أنها أثرت تأثيرًا عميقًا في كلٍّ من اللاهوت الشمسي، واللاهوت الأوزيري
الفصل الخامس متون الأهرام وصعود فرعون إلى السماء
تمدنا متون الأهرام والمسرحية المنفية بأقدم مصدر وصل إلينا عن التفكير البشري عند الأقدمين، فلدينا في هذين المصدرين أقدم مدى يمكن لنا الآن إدراكه عن تاريخ الإنسان العقلي،
وتوجد هذه المتون منقوشة في خمسة من أهرام سقارة التي كانت تعد جبانة « منف » قديمة، وقد قام بوضعها هنالك طائفة من الفراعنة وهم: الملك الأخير في الأسرة الخامسة، ثم الملوك الأربعة الأول الذين خلفوه في الأسرة السادسة. وقد حكموا حسب ترتيبهم المذكور مدة تقرب من قرن ونصف قرن تبتدئ حوالي ٢٦٢٥ ق.م وتنتهي حوالي
سنة ٢٤٧٥ ق.م؛ أي إنهم حكموا طوال القرن السادس والعشرين، وعلى الأرجح ربع قرن قبل هذا التاريخ أيضًا، وربع قرن آخر بعده.
الفصل التاسع السلوك، والمسئولية، وظهور النظام الخلقي
--وأهم ما تكشفه لنا هذه اللمحات التطورات الظاهرية؛ وذلك لأن الحياة المصرية القديمة كانت تشغلها في ذاك الوقت تلك الانتصارات المادية التي لم يسبق لها مثيل؛
إذ لم يوجد شعب آخر في بقاع العالم القديم نال من السيطرة على عالم المادة بحالة واضحة للعيان تنطق بها آثاره الباقية للآن مثل ما ناله المصريون الأقدمون في وادي النيل، فقد بنى المصريون القدماء بنشاطهم الجم صرحًا من المدنية المادية يظهر أن الزمن يعجز عن محوه محوًا تامٍّا. وأما الأخلاق فهي اتجاه جوهر الحياة المنوع، الذي لا يدرك باللمس واللون، من العادات والتقاليد والصفات الشخصية المشكلة بتأثير القوى الاجتماعية والاقتصادية والحكومية التي تعمل باستمرار في مناهج الحياة اليومية.
--وكان البر بالوالدين من أهم الفضائل البارزة في عصر الأهرام ص125
-- أن القيم الأخلاقية كان لها تقديرها في نظر الآلهة مما يجوز أن يؤثر ماديٍّا على سعادة المتوفى في الحياة الآخرة.
--فقد وجدنا في عصر مبكر مثل عصر الأهرام أن الوزير العادل خيتي » قد صار مضرب الأمثال بسبب الحكم الذي أصدره ضد أقاربه عندما كان يرأس جلسة للتقاضيكانوا فيها أحد الطرفين المتخاصمين؛ إذ أصدر حكمه ضد قريبه دون أن يفحصوقائع الحال، وكان ذلك منه تورعًا عن أن يُتهم بمحاباة أسرته أو ممالأتها ضد خصومها
-- وإن حِكم « بتاح حتب » تمدنا بأقدم نصوص موجودة في أدب العالم كله للتعبير عن السلوك المستقيم
-- قال الوزير المسن بتاح حتب » لا تكونن شرهًا في القسمة، وانبذ الطمع حتى في حقك، ولا تطمعنَّ في مال أقاربك؛ فإن الالتماس اللين يجدي أكثر من القوة …
الفصل العاشر انهيار المذهب المادي وأقدم عهد للتخلص من الأوهام
ويرى ذلك الملك المسن بتاح حتب أن الحياة الصالحة فوق الأرض هي العماد الأعظم الذي ترتكز عليه الحياة الآخرة؛ إذ يقول في ذلك إن الروح تذهب إلى المكان الذي تعرفه، ولا تحيد في سيرها عن طريق أمسها
ولا شك أنه يقصد بذلك طريقها المعتاد للخلق القيم الكريم. على أن القبر كان في نظره في الوقت نفسه من الأشياء الهامة، حيث يقول زيِّن مثواك (يعني قبرك) الذي في الغرب، وجمِّل مكانك في الجبانة بصفتك رجلًا مستقيمًا«. مقيمًا للعدالة (يعني ماعت)؛ لأن ذلك هو الشيء الذي تركن إليه قلوب أهل الاستقامة ولما كان أهم أمر في حياة الإنسان هو علاقته بربه، سواء أكان ذلك في هذا العالم أم الحياة الآخرة، فإنه يقول في ذلك أيضًا يمر الجيل إثر الجيل الآخر بين الناس ولله العليم بالأخلاق، قد أخفى نفسه … وهو الذي لا يعبأ بما تراه الأعين، فاجعل الإله يُخدم بالصورة التي سوي فيها سواء أكانت من الأحجار الكريمة أم من النحاس، كالماء الذي يحل محله الماء؛ إذ لا يوجد مجرى ماء يرضىلنفسه أن يبقى مختفيًا بل يكتسح السد «. الذي يخفيه
وهذا التصريح الهام الذي جاء على لسان رجل من رجال الفكر في مصر منذ أكثر من أربعة آلاف سنة مضت ليس إلا محاولة منه للتمييز بين الإله وبين صنم المعبد التقليدي الذي كان يظهر في احتفالات المعبد
وتهتف له الجماهير
الفصل الثاني عشر أقدم جهاد في سبيل العدالة الاجتماعية وتعميم المسئولية الخلقية
النظام الذي ألقي على كاهل الوزير الأعظم .. الوزير والملك ليس معروف
اجتمع أعضاء المجلسفي قاعة مجلسالفرعون (له الحياة! والفلاح! والعافية!) وقد أمر الواحد (يعني الملك) بإحضار الوزير الأعظم « س» الذي نصب حديثًا
(إلى قاعة المجلس)، وقال له جلالته: تبصَّر في وظيفة الوزير الأعظم، وكن يقظًا لمهامها كلها، انظر إنها الركن الركين لكل البلاد. واعلم أن الوزارة ليست حلوة المذاق، بل إنها مرة … فالوزير الأعظم هو النحاس الذي يحيط بذهب بيت [سيده] … واعلم أنها (يعني الوزارة) لا تعني إظهار احترام أشخاص الأمراء والمستشارين، وليس الغرض منها أن يتخذ بها الوزير لنفسه عبيدًا من الشعب … واعلم أنه عندما يأتي إليك شاكٍ من الوجه القبلي أو من الوجه البحري أو من أي بقعة في البلاد، فعليك أن تطمئن إلى أن كل شيء يجري وفق القانون، وأن كل شيء قد تم حسب العرف الجاري، فتعطي كل ذي حق حقه، واعلم أن الأمير يحتل مكانه بارزة، وأن الماء والهواء يخبران بكل ما يفعله، واعلم أن كل ما يفعله لا يبقى مجهولًا أبدًا …
-- فإن المصري كان يفكر دائمًا في الأشياء المعينة والصور المجسمة؛ فهو مثلًا لا يفكر في السرقة بل يفكر في السارق نفسه، ولا يفكر في الحب بل في المحب، ولا يفكر في الفقر بل في الرجل الفقير وهلم جرٍّا؛ ولذلك لم يرَ الفساد الاجتماعي بل شاهد المجتمع الفاسد. ولهذا كان الوزير بتاح حتب وهو رجل يقوم بأعباء الوظيفة بإيمان سليم في قيمة السلوك الحق والإدارة الحقة ليخلق بذلك السعادة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفصل الثالث عشر إقبال عامة الشعب على اعتناق مثُل الآخرة الملكية وانتشار السحر
-- هذا الفصل يتحدث عن الامور الجنائزية والاعياد
-- والواقع أن الكهنة قد رسموا للمتوفى مصوَّرًا للرحلة التي تنتظره، ليكون مرشدًا له عند باب النار العظيم في المدخل، وليريه الطريقين اللذين يمكنه أن يسلكهما، وكان
أحد ذينك الطريقين بريٍّا والآخر مائيٍّا، وبينهما بحيرة من نار، وكان ذلك المصوَّر ملونًا بالألوان المختلفة على صفحة قاع التابوت من الداخل حيث يكون جثمان المتوفى فوقها؛ إذ إن ذلك المكان هو الملائم لرسم مصوَّر العالم السفلي
الفصل الرابع عشر الحساب في الآخرة والسحر
--لقد تتبعنا ذلك التطور الطويل الذي مر فيه الاعتقاد بالمسئولية الخلقية في الحياة الآخرة، وهو اعتقاد — كما نذكر — كان حاضرًا في أذهان بناة الأهرام، غير أنه كان
منحصرًا في ذاك الوقت في تعرُّض المتوفى للمثول أمام إله الشمس، بصفة كونه قاضيًا، وذلك استجابة لطلب إنسان قد أخطأ الميت في حقه، لا ليحاسب حسابًا شاملًا، فكان
الاعتقاد القائم إذ ذاك أنه إذا لم يُطلب الإنسان للمحاكمة بتلك الصفة فإنه من المحتمل ألا يتعرض في الآخرة لأي حساب آخر. وبعد عصرالأهرام ببضعة قرون — أي في وقت ظهور النصائح الموجهة إلى الملك مريكارع جد أن ذلك الاعتقاد قد أخذ يحدَّد ويعيَّن بحالة أوضح مما كان عليه من قبل.
فإن ذلك الملك المسن(خيتي) الذي ألقى بتلك الكلمات الحكيمة إلى ابنه مريكارع كان متأثرًا تأثيرًا عميقًا بالحقيقة القائلة إنه كان حقٍّا حتى على الملك نفسه أن لا يغفل
عن تبعته في عالم الآخرة عن حياته في هذه الدنيا من الناحية الأخلاقية، ولعلنا نذكر إنك تعلم أن محكمة القضاة الذين يحاسبون المخطئ » : نصيحته الهامة التي يقول فيها
لا يتسامحون في ذلك اليوم الذي يحاسبون فيه الشرير وقت تنفيذ الحكم … ولا تركنن إلى طول الأيام؛ لأنهم ينظرون (يعني القضاة) إلى مدى حياة الإنسان كأنها ساعة واحدة. 1 والإنسان يعيش بعد الموت وأعماله تكوَّم بجانبه كالجبال؛ لأن الحياة الأخرى
--وتبيِّن لنا متون التوابيت بجلاء أن الشعور بالمسئولية الخلقية في عالم الآخرة قد تعمق تعمقًا عظيمًا في نفوس القوم منذ عصر الأهرام إلى ذلك الزمن
الفصل الخامس عشر السيادة العالمية وأقدم عقيدة للتوحيد
--لقد ترك النفوذ الاجتماعي مدة العهد الإقطاعي في مصرأعظم أثر له في الدين والأخلاق، كما فعل ذلك من قبل النفوذ السياسي؛ أي الحكومة المصرية في عصر الأهرام.
وكلا الأثرين كانا منحصرين في القطر المصري
-- وإن توسع مصرالإمبراطوري شمالًا وجنوبًا، إلى أن شمل سلطان الفرعون الأقطار الآسيوية والأفريقية المجاورة، وكوَّن منها أول إمبراطورية ثابتة الأركان في التاريخ، لهو أبرز حقيقة في تاريخ الشرق في القرن السادس عشر قبل الميلاد على يد تحتمس الثالث
-- ولما لم يكن في مقدور البلاد أن تقاوم تلك القوة السياسية الكهنية، التي كانت بمثابة دولة داخل الدولة، وكانت البلاد دائمًا فريسة لتعديها الاقتصادي، فإن مصر
هوت بذلك إلى الانحطاط بسرعة، إلى أن صارت حكومة كهانة فقط، حتى إنه حوالي سنة ١١٠٠ ق.م سلم الفرعون صولجانه إلى رئيس القوة الحاكمة التي صارت وقتئذ
هي حكومة المعبد. وفي خلال التطور الطويل، الذي كان من جرائه استيلاء طائفة الكهنة على إدارة شئون العرش، لبست المظاهر الخارجية والرسمية للتدين من حلل الفخامة والأبهة ما
لم تصل إليه من قبل أي قوة دينية في تاريخ التدين القديم؛ ولذلك فإن معابد ذلك العصر ستبقى دائمًا من أروع الآثار الباقية من العالم القديم
سقوط أخناتون
أما سقوط ذلك الثوري العظيم فيحوطه الغموض التام، وكانت النتيجة المباشرة لسقوطه هي إعادة عبادة أمون والآلهة القدامى، فرضها كهنة آمون علي توت عنخ أمون ذلك الشاب الضعيف زوج ابنة أخناتون ثم أعادوا النظام القديم إلى ما كان عليه. ونجد في بيان توت عنخ آمون عن إعادة عبادة الآلهة إيضاحًا شائقًا للحالة العقلية والدينية لقادة رجال الحكم بعدما اختفى إخناتون وقد أشار الملك
الجديد إلى نفسه في هذا البيان بقوله إنه الحاكم الطيب الذي قام بأعمال عظيمة لوالد كل الآلهة يعني آمون والذي أصلح له كل ما كان مخربًا حتى صار آثارًا خالدة.
ومحيت من أجله الخطيئة في الأرضين (مصر) وبذلك دامت العدالة (يعني ماعت) … وجعل الظلم شيئًا تمقته البلاد كما كان الحال في البداية.
الفصل السابع عشر مصادر إرثنا الخلقي
-- لم يوجد شعب آخر كان منصرفًا على الدوام » : في التاريخ الآشوري 1 عن ذلك الشعب إلى طلب المال والحصول عليه ومنهمكًا بكلياته في البحث وراء النجاح في هذه الحياة (أكثر من البابليين و البابليون الأوائل آلهتهم ممثلة في القوى الطبيعية، وهم في ذلك مثل المصريين القدماء، فكانت أقدم معبوداتهم من آلهة الطبيعة؛
-- وقد رأينا فيما سبق أن الحكماء المصريين الأقدمين ووجهاء القوم كانوا دائمًا يكررون ذكر عدم اكتراثهم للفوارق الاجتماعية بين طبقات الناس؛ فقد جاء في قول : أحدهم إني لم أرفع من شأن العظيم على الوضيع
وهو تعبير يدل على الرجل صاحب المكانة العظيمة ومقارنته بمواطنه المعتاد » وبالنص الحرفي الرجل الصغير والواقع أن المنزلة الاجتماعية أو المرتبة العالية لم تعطِ المصري القديم أية ميزة في نظر
القانون. ونذكر بهذه المناسبة ما أوردناه فيما سبق من أن الفرعون قد نبَّه وزيره الأكبر إلى أن واجبه يقضي عليه بألا يُظهر احترامه للأفراد بصفة كونهم أمراء أو » مستشارين أي إن هذا المبدأ كان من صلب دستور الدولة المصرية قديمًا، أما عند البابليين فكانت العدالة الاجتماعية التي هي بعينها الأساس الذي يقوم عليه الرقي الخلقي، ناقصة جدٍّا، بل معدومة بالمرة، وعلى ذلك لم تساهم مدنيتهم مساهمة جوهرية
في تاريخ آسيا الغربية الخلقي.
— — ومن المهم أن نلاحظ أن « موسى » وهو اسم ذلك القائد كان اسمًا مصريٍّا، بل هو نفس الكلمة المصرية القديمة ( مس ) ومعناها طفل وهي مختصرة من اسم مركب كامل كالأسماء (أمن مس) ومعناه آمون الطفل أو (بتاح مس) ومعناها (بتاح طفل) وهذه الأسماء المركبة نفسها هي الأخرى مختصرات للتركيب الكامل (امون أعطي طفلا) أو بتاح (أعطى) طفلًا » وقد لقي اختصار الاسم إلى كلمة طفل
قبولًا منذ زمن مبكر؛ إذ كان سريع التداول والتناول بدلًا من الاسم الكامل الثقيل على أن الاسم مس (طفل) نجده كثير الانتشار على الآثار المصرية القديمة، ولا شك في أن والد موسي كان قد وضع قبل اسم ابنه اسم إله مصري مثل(امون) أو (بتاح) ثم زال ذلك الاسم الإلهي تدريجًا بكثرة التداول حتى صار الولد يسمى موسي
--- إذ لم يكن في الشرق القديم إلا عقيدة دينية واحدة تقول بأن الإله يزن القلب الإنساني، وهي الديانة المصرية القديمة بما تشتمل عليه من المحاكمة الأوزورية، وقد
رأينا فيما تقدم أن ذلك التمييز بين قيمة الخلق ومجرد الشعائر الدينية الظاهرية كان من غير شك نتيجة للخبرة الاجتماعية في مصر، فهذه الخبرة الاجتماعية نفسها كانت
سائرة في تكونها بين الإسرائيليين بخطى سريعة، ويرجع ذلك إلى الإرث الأدبي والخلقي الذي ورثه العبرانيون؛ إذ قد وجدوا تلك الحقائق الأساسية في كتابات وتجاريب جارتهم
الأفريقية العظيمة، وأخذوا يعملون بسرعة أيضًا على تهيئة هذه الخبرة لتكون ملكًا لهم؛ إذ من الواجب أن يكون إدراك الشعب نفسه للقيم الخلقية الإنسانية الثابتة هو حجر الزاوية لبناء أي تقدم خلقي ثابت مضمون، ومن المعلوم بطبيعة الحال أن دائرة القيم الخلقية السامية فقط هي التي توجد البواعث وتهيئ الأحوال لظهور أدب ذي قوة حقيقية، ولذلك لم يكن من باب الصدفة أن نرى القرون الثلاثة الأولى من حياة
الشعب العبراني بعد تأسيس الملكية قد أنتجت أرقى فن أدبي عرفه العالم القديم إلى ذلك الوقت.
.--