Goethe's Faust

(تم التحويل من فاوست غوته)
نحت يصور مفيستوفلس يسحر الطلاب في مشهد Auerbachs Keller من فاوست عند مدخل Auerbachs Keller في لايپتسگ.

فاوست ليوهان ڤولڤگانگ فون گوته، هي مسرحية تراجيدية من جزئين: Faust. Der Tragödie erster Teil (translated as: فاوست: الجزء الأول من التراجيديا) وFaust. Der Tragödie zweiter Teil (فاوست: الجزء الثاني من التراجيديا). على الرغم من عرضها مرات قليلة، إلا أنها تمتعت بحضور كبير من الجماهير عند عرضها على المسارح الألمانية. وتعتبر مسرحية فاوست من أشهر أعماله گوته ويعتبرها الكثيرون من أعظم أعمال الأدب الألماني.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

فاوست گوته، ترجمة عبد الرحمن بدوي. لقراءة الرواية اضغط على الصورة.

تعتبر مسرحية فاوست ليوهان گوته العمل الأبرز بتقدير معظم النقاد الأدبيين والأكثر كمالا المستوحى من قصة فاوست الساحر الألماني في القصة الشعبية. ولعل هذا العمل هو أحد أهم أسباب شهرة وانتشار هذا العمل حتى أنها تعتبر من قبل البعض العمل الأبرز في الأدب الألماني. تتألف مسرحية فاوست لگوته من جزئين كتبهما گوته في 4612 سطر. لكن الجزئين لم يكتبا بشكل متعقب فبين ظهور الجزء الأول الذي انهاه گوته في عام 1806 و الجزء الثاني الذي أنهاه عام 1832 عام وفاته نفسه: فارق 26 عاما اختلفت بها النواحي التي كان يركز فيها گوته ففي حين كان الجزء الأول يركز على روح دكتور فاوست التي باعها للشيطان ميفيستوفيليس ، نجده في الجزء الثاني ينحو نحو معالجة الظاهرة الاجتماعية وأمور السياسة والاجتماع. لذلك يعتبر الجزء الثاني من اعقد الأعمال الأدبية المكتوبة بالألمانية وربما أحد أهم الأعمال التي يختلط بها الأدب بالفلسفة .


الجزء الأول

فاوست 1، نشرت عام 1808

تضمن الجزء الأول من المسرحية الشخصيات الرئيسية التالية:

  • هنريك فاوست، عالم، وأحياناً يمثل الحياة الحقيقية ليوهان جورج فاوست
  • مفيستوفلس، الشيطان
  • گرتشين، حبيبة فاوس (يتمثل أحياناً في شخصية مارگريت)
  • مارثه، جارة گرتشين
  • ڤالنتين، شقيق گرتشين
  • ڤانگر

لم يقبل جوته دعوة نابليون إياه للانتقال إلى باريس أو للكتابة عن قيصر، ذلك أنه طالما احتضن في ذهنه وفي مخطوطاته موضوعاً أثاره إثارة أعمق من حتى أعظم مستقبل سياسي: إلا وهو صراع النفس لبلوغ الفهم والجمال "وهزيمة النفس بسبب قصر عمر الجمال وروغان الحقيقة، والسلام المستطاع للنفس، بتضييق الهدف وتوسيع الذات. ولكن كيف السبيل إلى تخل هذا كله في قصة رمزية عصرية وشكل درامي؟ لقد ظل جوته يحاول تحقيق هذا الهدف ثمانية وأربعين عاماً.

وكان قد تعلم قصة فاوست(7) في طفولته من كتيبات القصص الشعبية ومسارح الدمى، ورأى صوراً لفاوست والشيطان على جدران حانة آورباخ في ليبزج. وتطفل هو نفسه في شبابه على السحر والخيمياء. وامتزج بحثه الدءوب عن الفهم بتصوره لفاوست، ودخلت قراءته لفولتير وإلمامه بتهكمات هردر في تصويره لفستوفيليس، وأعطت جريتشن التي أحبها في فرنكفورت، وفردريكه بريون التي هجرها في زيزنهايم، لمارجريت اسمها وصورتها.

ويتجلى عمق تأثر جوته بقصة فاوست، وتباين الأشكال التي اتخذتها في فكره، إذا علمنا أنه شرع في تأليف المسرحية في 1773 فلم يفرغ منها إلا في 1831. وحين التقى بهردر في 1771 كتب في ترجمته الذاتية:

"أخفيت عنه في تكتم شديد اهتمامي بشخوص معينة أصلت جذورها في كانت تشكل نفسها شيئاً فشيئاً في صورة شعرية. وتلك هي جوتزفون برليشنجن وفاوست... فمسرح عرائس فاوست ذو المغزى كان يجلجل ويتردد في باطني بأنغام كثيرة. كذلك كنت قد طوفت في شتى ضروب العلم، وانتهيت في فترة مبكرة من حياتي إلى تبين بطلانه، ثم إنني جربت كل أساليب العيش في الحياة الواقعية، وكنت دائماً أعود منها ضيق النفس غير راض عنها. هذه الأشياء وغيرها حملتها معي وسعدت بها في ساعات العزلة ولكن دون أن أكتب شيئاً"(8). وفي 17 سبتمبر 1775 كتب إلى مراسل يقول: "أحسست بانتعاش هذا الصباح وكتبت مشهداً في مسرحيتي فاوست"(9). وفي تاريخ لاحق من ذلك الشهر سأله. بوهان تسمرمان عن سير المسرحية. "فأتي بحقيبة مملوءة بمئات من قطع الورق وألقاها على المائدة. وقال: هاك فاوستي"(10). وحين ذهب إلى فايمار (نوفمبر 1775) كان أول شكل للدراما قد اكتمل(11). ولكنه نحاها لأنه لم يرض عنها، ولم تصل "فاوست الأصلية" هذه قط إلى المطبعة إلا في 1887 حين وجدت في فايمار(12) نسخة خطية نسختها الآنسة فون جوشهاوزن. وراح ينفخ ويوسع فيها طوال خمسة عشر عاماً أخرى. وأخيراً نشرها (1790) باسم "شذرة من فاوست" تبلغ الآن ثلاثاً وستين صفحة،(13) وكان هذا أول شكل مطبوع لأشهر مسرحية منذ هاملت.

على أن جوته ظل غير راض عنها، فأسقط الموضوع حتى 1797. وفي 22 يونيو كتب إلى شيلر يقول "اعتزمت أن أستأنف كتابة "فاوستي... مفككاً ما طبع منها، مرتباً إياه في كتل كبيرة... معداً تطور المسرحية إعداداً أو في..... كل ما أريده أن تتفضل بتقليب الأمر في فكرك في ليلة من لياليك النابغة-وتخبرني بما تتطلبه المسرحية بوصفها كلاً، وتفسر لي أحلامي تفسير نبي صادق. ورد عليه شيلر في الغد. "إن ازدواج الطبيعة البشرية، ومحاولة الإنسان الفاشلة للجمع بين العنصر الإلهي والعنصر الجسدي، لا تغيب عن البصر أبداً... إن طبيعة الموضوع ستكرهك على تناوله فلسفياً، وعلى الخيال أن يكيف نفسه لخدمة فكرة عقلية." أما خيال جوته فكان غاية في الخصوبة، وأما تجاربه الناصعة الذكرى فكثيرة جداً، لذلك أدخل الكثير منها في "شذرة من فاوست" فضاعف بذلك من حجمها. وفي 1808 أذاع على العالم ما نسميه الآن الجزء الأول من فاوست.

وقبل أن ينطق دميته بكلمة، صدر الدراما بإهداء رقيق إلى أصدقائه الموتى، وبفصل تمهيدي هزلي "برولوج في المسرح" بين المدير والمؤلف والمضحك، و "برولوج في السماء" يراهن الله فيه مفستوفيليس على أن فاوست لا يمكن أن يظفر به الإثم بصفة دائمة. ثم يتكلم فاوست أخيراً في أبسط شعر هزلي:

"أجهدت نفسي في دراسة الفلسفة والشريعة والطب، وتعمقت أيضاً-ويا للحسرة في دراسة علوم الدين، بجد لا يعتوره فتور وهمة لا تعرف الكلال. ثم أراني-أنا البليد المسكين-بعد هذا كله لم أتقدم شبراً ولم أخط نحو العرفان خطوة.

"سميت الأستاذ والدكتور، وقضيت زهاء عشر سنوات وسط تلاميذي أخادعهم وأغرر بهم وأذهب بهم ذات اليمين وذات الشمال. ثم أرانا بعد هذا كله لم نزل عاجزين عن أن ندرك شيئاً أو أن نلم بشيء".

وقد تبين أن البحر الرباعي التفاعيل، المنحدر من تمثيليات هانز زاكس القصيرة، هو الوزن المترقرق اللائق لدراما هذبت الفلسفة بالفكاهة.

وفاوست هو بالطبع جوته، حتى في كونه رجلاً في الستين، لم يزل كجوته ينتشي في الستين بحسن المرأة ورشاقتها. وتطلعه المزدوج إلى الحكمة والجمال هو روح جوته الضميم، وقد تحدى تطلعه الآلهة المنتقمة بوقاحته، ولكنه كان نبيلاً. لقد قال فاوست وجوته نعم للحياة، الروحية والحسية، الفلسفية والمرحة، وعلى النقيض من ذلك كان مفستوفيليس (وهو ليس إبليس بل فيلسوف إبليس فقط) شيطان الإنكار والشك، كل تطلع في نظره هراء، وكل حس إنما هو هيكل عظمي يكسوه جلد. وقد كان جوته في لحظات كثيرة هذا الروح الساخر أيضاً. وإلا لما استطاع أن يسبغ عليه هذا الذكاء وهذه الحياة. ويبدو مفيستوفيليس أحياناً صوت التجربة، والواقعية والعقل، يكبح رغبات فاوست وأوهامه الرومانسية، والحق، كما قال جوته لأكرمان "إن شخصية مفيستوفيليس... حصيلة حية لخبرة واسعة بالدنيا"(15).

وفاوست لا يبيع روحه بغير شروط، فهو لا يوافق على أن يقذف به في الجحيم إلا أن أراه مفيستوفيليس لذة فيها من الإشباع الدائم له ما يحبب له معايشتها إلى الأبد:

"لئن جاء اليوم الذي أرقد فيه على فراش الكسل والراحة،... فليكن ذلك اليوم آخر عمري!... ولو مرت بي لحظة من الزمن وكانت من الحسن بحيث قلت لها أن "لا تيرحي فما أحلاك! إذن فتهيئ لي سلاسلك وأغلالك... هنالك أرحب بالموت"...

وبهذا الشرط يبرم فاوست حلقة مع دمه ويصيح في استهتار "هلم نطفأ الآن ظمأ رغباتنا المتأججة في بحر من الشهوات"(16).

ويأخذه مفيستوفيليس إلى مارجريت-"جريتشن" فيجد فيها فاوست كل فتنة البساطة التي تولي مع المعرفة وتعود مع الحكمة. ويتودد إليها بالجواهر والفلسفة:

"مارجريت: قل لي ما رأيك في الديانة؟ لست أنكر أنك من أطيب الناس وأحسنهم. لكني أخشى أن تكون قليل الإيمان.
فاوست: دعي هذا يا حبيبتي! أنت ترينني متيماً بك؛ أود أن أبذل من أجل حبك لحمي ودمي، وما أريد لعمري أن أسلب أحداً دينه ومعتقده.
مارجريت: هذا خطأ. يجب على الإنسان أن يؤمن بالدين!... قل لي: هل تعتقد وتؤمن بالله؟
فاوست: أيتها الحبيبة! من ذا الذي يستطيع أن تبلغ به الجرأة والقحة أن يقول "أنا أعتقد بالله"...
مارجريت: إذن فأنت لا تؤمن بالله؟
فاوست: لا تسيئي فهم أقوالي أيتها الحبيبة: أي الناس يقدر أن ينطق باسمه؟ وأيهم يستطيع أن يقول "أنا لا أؤمن به؟ وأي الورى يحسن ويبصر، ويسمع، ويعي، ثم يجرؤ أن يقول "أنا لا أؤمن به"؟ ذلك القابض على كل شيء وممسك كل شيء؟ أليس هو الممسك لي ولك ولنفسه! أما تنظرين إلى السماء كيف رفعت وإلى الأرض كيف سطحت؟... وإلى هذه النجوم الزهر تسبح في السماء، مرسلة ضياءها الأبدي المحبوب؟... فمن هذا كله فاملأي قلبك حتى يطفح... بتلك السعادة، ويستنير بذلك النور. وعندئذ فلتسميه كما تشائين، ولتدعيه بما يحلو لك من الأسماء: السعادة أو القلب أو الحب أو الرب. أما أنا فما له اسم عندي. وكل همي أن أحسه وأستشعره. فالشعور هو كل شيء! وما الاسم إلا صدى لا طائل تحته، أو غمام يستر عن أبصارنا محيا الشمس البديع.
مارجريت: هذا كله حسن وجميل... لكني ما زلت قلقة لأني أرى قدمك في المسيحية غير راسخة.
فاوست: ولم أيتها الطفلة العزيزة!(17)" .

وهي لا تتأثر بحيلولته الغامضة، بل بالصورة الجميلة والثياب الرائعة التي خلعها سحر مفيستوفوليس على شبابه المحدد. وهي تنشد على مغزلها أنشودة ملؤها الحنين الحزين .

"أنا-صبحي ومسائي

في عذاب وبلاء،

واعنائي! وأشقائي!

هل لدائي من دواء؟

كيف لا يشتد خطبي

كيف لا يزداد كربي

كيف لا يحزن قلبي

وحبيب القلب ناء؟

بان صفو العيش عني

قرح التسهيد جفني،

لم يسكن نار حزني

دمع عيني وبكائي.

قد نبا عني الرقاد

وبرى جسمي السهاد

آه! قد طال البعاد

وشفائي في اللقاء.

فمتى يسمح دهري

ويريني وجه بدري

قد أضل الحب فكري

والهوى أعضل داه.

أو ما يدنو الحبيب

فأرى العيش يطيب؟

الهوى أمر عجيب

منه سقمي ودوائي؟

ما أحلاه إذا ما

ثغره أبدى ابتساما!

قد حكى البدر التماما

في سناء وبهاء.

آه لو أشفى بلثمة

منه أو أحظى بضمة!

ثم يقضي الدهر حكمه

بهلاكي وفنائي(18).

وبقية القصة يعرفها الغرب كله، ولو من جونو فقط. فمارجريت تعطي أمها شراباً منوماً لا تفيق منه لكي تقبل حبيبها وتغيب عن الوعي دون رقيب. ويقتل فاوست فالتين أخا مارجريت في مبارزة ثم يختفي؛ أما مارجريت فتقتل طفلها العديم الأب خزياً وحسرة، فيقبض عليها ويحكم عليها بالإعدام. ويزورها فاوست في زنزانتها ويرجوها أن تهرب معه، فتعانقه، ولكنها ترفض مغادرة زنزانتها. ويجذب مفيستوفيليس فاوست بعيداً، بينما يصبح صوت من السماء "كتبت لها النجاة".

ولم يدرك جمهور القراء-إلا ببطء-أن فاوست 1808 هذه أروع دراما وأجمل شعر أنتجتهما ألمانيا إلى ذلك التاريخ. ولكن قلة من أصحاب العقول اليقظة فطنوا للتوالي أنها جديرة بأن تتبوأ مكانها بين شوامخ الأدب العالمي. وشبه فريدريشنشليجل جوته بدانتي، وسوى جان بول رشتر بينه وبين شكسبير، ورفعه فيلاند في دنيا الشعر إلى مقام السيادة الذي ارتفع إليه نابليون في دنيا الحكم والحرب(19).

الجزء الثاني

فاوست، الطبعة الأولى 1832

لقد سكب فلسفته التي تقدم بها العمر في الجزء الثاني من فاوست. ففي خاتمة الجزء الأول كان قد ترك "نفسه الثانية"، محطمة يائسة، في قبضة مفستوفيليس- الشهوة تعاقب على إفراطها. ولكن، أكان ممكناً أن يكون هذا كل شيء، وأن يكون جماع الحكمة؟ إن فاوست لم يكن قد خسر رهانه كل الخسران، فالشيطان لم يعثر له بعد على أية متعة تهدئ نضاله وتملأ حياته. فهل ثمة أشباع كالذي يتوق إليه في أي مكان؟ لقد كافح جوته طوال أربعة وعشرين عاماً ليجد للقصة تتمة وقمة تحويان أو ترمزان إلى النتائج التي خلص إلى تفكيره، وتسبغان على بطله خاتمة نبيلة ملهمة.

وأخيراً، وحين بلغ الثامنة والسبعين، تصدى للمهمة. ففي 24 مايو 1827 كتب إلى تسلتر الذي شاخ هو وكان مزمعاً أن يموت معه: "أود أن أعترف لك في هدوء... بأنني عاودت العكوف على فاوست. فلا تختر بذلك أحداً". وكانت خاتمة بايرون المشرة في حرب اليونان التحريرية قد حركت مشاعر جوته؛ فالآن يستطيع أن يجعل بايرون، في شخص "يوفوريون" (ومعناه السعادة)، بن فاوست وهيلانة يمثل شفاء العقل العصري، الممزق الحائر، بفضل اتحاده مع جمال اليونان القديمة الهادئ. ومن ثم راح يكد ويكدح في ساعات الصباح، فلا يبلغ من ذلك غير صفحة واحدة على أحسن تقديره، حتى أفضى لأكرمان في أغسطس 1831، قبل موته بسبعة شهور، بأن المهمة المضنية قد تمت- بعد أن انقضت تسع وخمسون سنة على تصوره إياها أول مرة. وكان قد كتب يقول "أسعد الناس من استطاع وصل نهاية حياته ببدايتها"(91). وقال الآن "أياً كان مقدار ما بقي لي من الحياة ففي وسعي أن أعده منذ الآن منحة، ولست في الحق أبالي إن كنت سأنجز فوق ما أنجزت أم لا"(92).

ولا يستطيع المرء أن يسترسل اليوم في قراءة كل الجزء الثاني من فاوست إلا في ثقة واطمئنان أعوام ثمانين. فابتداء من المنظر الافتتاحي الذي يصف فيه فاوست، بعد استيقاظه بين حقول الربيع، شروق الشمس ببلاغة لم تبل جدتها، تقف حركة القصة المرة بعد المرة للتغزل في الجمال الطبيعة أو التغني بعظمتها أو رهبتها؛ وقد أجاد المؤلف الوصف، ولكنه أسرف فيه؛ فجوته المبشر بالانضباط الكلاسيكي يأثم هنا ضد شعار "القصد في القول". ذلك أنه صب في الدراما كل شيء تقريباً تراكم بغير نظام في ذاكرته الجياشة: الميثولوجيات اليونانية والألمانية، ووليدا والبجعة، وهيلانة وركبها، والساحرات، والفرسان، والجنيات، والأقزام الحيوانات الخرافية، والأقزام البشرية، وحوريات الغاب، والسيرانات، ومقالات الجيولوجية "النبتونية"، والخطب الطويلة يلقيها الرسل، وألفيات بائعات الزهر، وحوريات الحدائق، والحطابون،- والمهرجون القصار السمان، والسكارى، وأتباع الفرسان، ووكلاء الإقطاعيين، والنظار، ثم سائق مركبة حربية وأبو هول، ومنجم وإمبراطور، وآلهة الحقول وفلاسفة، وكراكي أبيكوس، و "رجل قصير" (قزم) صنعه فجنر تلميذ فاوست كيميائياً. والخليط أشد تحيراً وإرباكاً من الدغل المداري، لأنه يضيف العنصر فوق الطبيعي إلى الطبيعي، ويسبغ على كل شيء موهبة الخطابة أو الغناء.

وما أعظم الراحة التي نستشعرها حين نظهر هيلانة في الفصل الثالث، وهي ما تزال على نحو معجز إلاهة بين النساء، تغزو قلوب الرجال برشاقة حركتها أو بلحظ عينيها. وتتخذ القصة قوة جديدة، ويرتفع الكورس إلى نبرة سوفوكلية، حين تسمع هيلانة أن منيلاوس رغبة في عقاب "الجمال الوقح المتغطرس" أمر بأن تسلم هي ووصيفاتها إلى شهوات قبيل "بربري" يغوة بلاد اليونان من الشمال. أما زعيمهم ففاوست نفسه، الذي انقلب بحيلة مفستوفيلية فارساًمن فرسان العصور الوسطى، مليح القد والصورة واللباس.

ويبلغ جوته ذروة فنه الدرامي حين يصف لقاء هيلانة وفاوست- اليونان القديمة تواجه ألمانيا الوسيطة. فليتحد الإثنان! تلك هي الفكرة الرئيسية في القصة. ويفتتن فاوست ككل الرجال فيلقي عند قدمها بكل ما وهبه السحر والحرب من مال وقوة. وتستسلم هي لتوسلاته، فهذا المصير على أي حال لم يكن شراً من الموت. ولكن منيلاوس يقترب مع جيشه فيقطع عليهما نعيمهما. وفي لمح البصر ينقلب فاوست من الغرام إلى الحرب، ويستنفر رجاله ويقودهم إلى غزو اسبرطة (وهذه ذكرى "الفرنجة" يغزون المورة في القرن الثالث عشر).

ثم يتغير المشهد، فقد مرت السنون سراعاً، وإذا يوفوريون شاب سعيد يشرح صدر فاوست وهيلانة بـ "العناق والمزاح اللعوب والنداءات المرحة"(93). قافزاً في استهتار من جرف إلى جرف، وأبواه يحذرانه في رفق، راقصاً في عنف مع الحوريات اللائي افتتن بحسنه (بايرون في إيطاليا)، ويمسك بواحدة منهن في جذل، فإذا هي تنفجر مشتعلة بين ذراعيه. وحين يسمع في ترحيب ناقوس الحرب يدق، يندفع خارجاً، فيهوى من منحدر قائم، ويدعو أمه وهو يموت لتلحق به في العالم السفلي.

"هيلانة (لفاوست) ويلاه! إن حكمة قديمة يتحقق في صدقها- فزفاف المال إلى الجمال لا يدوم أبداً. إن رباط الحياة يتمزق كما يتمزق رباط الحب، فوداعا لهما جميعاً وأنا أبكيهما في عذابي، وعلى صدرك أرتمي مرة أخرى، فتلقيني يا برسيفوني أنا وولدي. (تعانق فاوست؛ ويتلاشى جسمها وتبقى الثياب والنقاب بين ذراعيه)".

وهكذا يختتم الفصل الثالث، وهو أجمل فصول هذا الجزء الثاني من فاوست. وهو الجزء الذي بدأ جوته بكتابته، وسماه "هيلانة"، وظل حيناً يفكر فيه على أنه كل كامل قائم بذاته؛ ولو تركه كذلك لكان خيراً له. فهنا ارتفع جوته لآخر مرة إلى قمة شعره بجهد بطولي لاستنهاض ما بقي له من قوى، مازجاً الدراما بالموسيقى كما جرى اليونان على عهد بركليس، نافخاً الحياة والحرارة في شخوص قصة رمزية معقدة لشفاء العقل العصري.

ومن ذلك العلو الشاهق ينزلق الجزء الثاني من فاوست إلى حرب بين إمبراطور وغريم ينافسه على العرش الروماني المقدس. ويحقق فاوست ومفستوفليس بحيلهما السحرية النصر في الحرب للإمبراطور؛ ويطلب فاوست وينال جزاء له مساحات كبيرة من ساحل الإمبراطورية الشمالي، مضافاً إليه ما يسعه انتزاعه من الأرض من براثن البحر. وفي الفصل الخامس نرى فاوست وقد بلغ المائة سيداً على ملك شاسع، ولكنه لم يصبح بعد سيداً على نفسه. وذلك أن كوخاً لزوجين من الفلاحين هما فليمون وباوكيس يحجب المنظر من قصره؛ فيعرض عليهما بيتاً أفضل في موقع آخر، ولكنهما يرفضان؛ فيطلب إلى مفستوفيليس وعملائه أن يطردوهما؛ ولكنهم يلقون المقاومة، فيشعلون النار في الكوخ؛ ويموت الزوجان العجوزان رعباً. ولا يلبث فاوست أن تطوف به رؤى الأرواح المنتقمة. عجائز شمطاوات اسمهن الفقر، والذنب، والهم، والحاجة، والموت. وينفخ الهم في وجهه فيعميه. وتنتشله من اليأس فكرة فيها شيء من الإيثار؛ فيأمر مفستوفيليس وشياطينه بأن يقيموا السدود على البحر، ويجففوا المستنقعات، ويبنوا على الأرض الجديدة ألف بيت وسط الحقول الخضراء؛ ويتخيل هذه الأرض المنتزعة من البحر، ويشعر بأنه استطاع "مع شعب حر أن يقف على أرض حرة" لقال أخيراً لهذه اللحظة العابرة "لا تبرحي لأنك جميلة جداً"(94). ويسمع أصوات الفؤوس والمعاول، فيظن أن مشروعه الضخم يتقدم؛ أما الحقيقة فهي أن الشياطين تحفر قبره. ويأخذ منه الإرهاق كل مأخذ، فيخر صريعاً على الأرض؛ فيشمت فيه مفيستوفيليس بينما يتهيأ حشد من الشياطين لحمل روح فاوست إلى الجحيم؛ ولكن جيشاً من الملائكة ينقض من السماء، وبينما يتسلى مفيستوفيليس بالإعجاب بسيقانهم، يرفع الملائكة رفات فاوست. وفي السماء نرى فاوست الذي ألبس جسداً نورانياً تستقبله بالتحية جريتشن الممجدة الآن، والتي تتوسل إلى الأم العذراء قائلة: "هبيني أن أعلمه!" وتأمرها العذراء بأن تقوده صعداً، ويختتم كورس سحري المسرحية بهذا النشيد:

"كل عابر

ليس إلا رمزاً؛

وكل ناقص لم يكمل

يبلغ الكمال هنا"

وما لا يمكن وصفه

يتحقق هاهنا

السرمدي الأنثوي

يجذبنا صعداً وقدماً.


العلاقات بين الجزئين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسلوب الرئيسي

التأثير

اقتبس من المسرحية عدة أعمال أدبية، موسيقية، وفنية.


الترجمة

العرض

الجزء الأول

  • عرضت المسرحية لأول مرة في 24 مايو 1819.
  • عرض في 29 يناير 1829.
  • عرض في عام 1960.
  • عرض في إيطاليا في 26 أكتوبر 2006.
  • عرض في عام 1989.

الجزء الثاني

  • عرض في عام 1003.
  • عرض في 2005.
  • عرض في 1990.

معرض الصور

المصادر

Wikisource
German Wikisource has original text related to this article:
Wikisource
German Wikisource has original text related to this article:
اقرأ نصاً ذا علاقة في

Faust (von Goethe)


  1. ^ Portor, Laura Spencer (1917). The Greatest Books in the World: Interpretative Studies. Chautauqua, NY: Chautauqua Press. p. 82.

Much of the content of this article is translated from the equivalent German-language wikipedia article (retrieved November 6, 2005). The German articles Johann Wolfgang von Goethe, Gustaf Gründgens, and Knittelvers were also referred to. The following references are cited by the German-language Faust I:

  • H. Arens Kommentar zu Goethes Faust I. Heidelberg 1982, Carl Winter Universitätsverlag, ISBN 3-533-03184-5
  • A. Schöne Faust. Kommentare. Enthalten in: Goethe Faust. Frankfurt am Main 1994, Deutscher Klassiker Verlag, ISBN 3-618-60270-7
  • U. Gaier Faust-Dichtungen. Kommentar I. Enthalten in: Johann Wolfgang Goethe Faust-Dichtungen. Stuttgart 1999, Philipp Reclam jun. Verlag, ISBN 3-15-030019-3
  • Gero von Wilpert: Goethe encyclopedia, Stuttgart, Kroener 1998, ISBN 3-520-40701-9
  • Gerhard Kaiser, Ist der Mensch zu retten? Vision und Kritik der Moderne in Goethes Faust, Rombach Wissenschaft, ISBN 3-7930-9113-9 (German)

وصلات خارجية